السيدات والسادة :
أعتقد أن السلوك في دروب المعرفة يحتاج إلى نقاط علام وخاصة في القضايا الشائكة تلك النقاط تؤمن لنا عدم هدر الوقت أو الدخول في هوامش من النقاشات البيزنطية ../معصومون عنها جميعاً إن شاء الله/
و عليه أعتقد غير جازم في نقاط العلام التالية :
* مامن قضية فيها خلاف إلا ووجد فيها جهة متتطرفة ومغالية ربما تجلب على هذا الخط المعرفي أو ذاك أموراً لاتنتسب إلى جوهر القضية بل ربما تشوهها وتبعدها عن هدفها المعرفي ..وقد يكون هناك أطراف يمينية إن صح التعبير ..تعتمد الدوغمائية في مناقشة الموضوعة المعرفية ..وهذا قمة العسف الثقافي ..
وعلى هذا وذاك أرى في قضية الأدب النسوي ونقده الكثير الكثير من الآراء التي تنتمي لهذين النمطين الذين تم ذكرهما سالفاً وبالتالي سأعتمد في طرح القضية على حجر الأساس الذي تم عليه بناء صرح النقد النسوي أو مقولة الأدب النسائي فالعقل الناقد لايعترف إلا بما تم رصده وإثباته وتكراره في جوهر القضية ..
* الأمر الآخر أجد فيه أهمية بالغة ..فمن الواجب علينا أن نحدد أس هذه الثقافة هل هي وافدة أم أصيلة ..
أعتقد أنها بما فيها من مقولات في هذا الزمن تعتبر ثقافة وافدة ...(( مع عدم نسيان التاريخ الذهبي للفكر الإسلامي الذي أخذ للمرأة حقها من ظالميها وكرمها )) ..ولكن نحن هنا نتحدث عن مايتم ترديده في كواليس المرأة المثقفة العربية .. المطالبة بإعادة حقوقها المسلوبة ..
ولو أقررنا بأنها ثقافة وافدة ..فهي إذا لن تخلو من الغث الرديء الهدام ..ولن تفتقد للسمين الطيب المفيد البناء ...
فلنمنح أنفسنا فرصة التمييز ولنخلع عنا رداء التبعية والتطابق مع الآخر البعيد /القريب
ملاحظة : سنبدأ بمناقشة مدرسة النقد النسائي في البداية على اعتبار إنه هو من منح ملامح لماعرف بالأدب الأنثوي أو الجينثوي
أولاً : النقد النسائي /النسوي
ظهر هذا النقد كخطاب منظم في بدايات عام 1960 على يد رائدة هذا المذهب النقدي (( فرجينيا وولف ))
فهي أول من صرح وبصوت مرتفع على أن المجتمع الغربي عموماً مجتمع أبوي منع المرأة من تحقيق طموحاتها الفنية والأدبية ..ومسايرة لهذا الاتجاه
كانت (( سيمون دو بوفوار)) في فرنسا أول من تبنى أن هوية المرأة تنبع دائماً من المحيط الذكوري المتعسف في تقييم أدائها بحيث دائماً يتم الاعتبار بأن
المرأة هو آخر يتسم بالسلبية والعجز بالأصالة النابعة عن البيولوجيا للجنس البشري ..
ومن أهم سمات هذه المدرسة بأنها متعددة في نطاق الارتكاز فهي تارة تتبنى المقولة الماركسية وتارة أخرى النظرية النفسية وأخرى ثالثة
المابعد بنيوية ..والأهم من هذا وذاك هو الاتكاء الكامل على مقولة الجنوسة وهذا مابيناه سابقاً
ولكن أيتها السيدات والسادة ..ماهي اهتمامات ومطالبات هذا الخطاب ..ماهو جوهر القضية الأساسي قبل أن تصل إلى مجتمعاتنا ..وتتفرع إلى
كانتونات ..وتبنيات غير متوازنة غالباً ..
معاً سنرى أساس القضية :
1ً- اعتبر هذا الخطاب أن الثقافة الغربية هي ثقافة الأب (( الذكر )) ومركزية القرار الصائب دائماً هي ذات سمة ذكورية .. كيف لا ومقولة أرسطو لاتزال تردد صداها إلى الآن
(( إن الذكر بالطبيعة سائد ، وإن الأنثى بالطبيعة ناقصة ، الواحد حاكم والآخر محكوم ، إن مبدأ الضرورة هذا يمتد إلى كافة البشر )) ..
وبسبب طول العهد الذي ساد فيه هذا الفكر منذ عصور ماقبل الميلاد إلى عصورنا الحديثة (( والأمثلة كثيرة ))
أصبحت الأنثى تتبنى هذه المقولة أيضاً بحيث أنها أذعنت وأقرت بهذا الوضع تاريخياً وأصبحت تجسد هذه الفكرة كبدهية
2ً- إن الفرز بين المذكر والمؤنث بيولوجياً يتم الإقرار به من الجميع من حيث التكوين البيولوجي والبنية والذهنية أيضاً ولكن عندما نصف المذكر
بالإيجابية والمغامرة والعقلانية والابداع بينما تتصف الأنثى بالسلبية والرضوخ والارتباك والتردد وإتباع الأعراف والتقاليد ..فهذا الأمر ليس له علاقة
بالبيولوجيا البشرية بقدر ماهو نتاج لثقافة سائدة أرستها المجتمعات الذكورية وحاولت الهيمنة لفترة طويلة باستخدام هذه المقولات ..
وهذا ليس بشيءعند المنصفين نعم هناك فوارق كثيرة ولكن لماذا هذه العلاقة الهرمية ؟
3ً- جميع النتاجات الأدبية العظيمة عموماً ومنذ سالف العصور اجتاحتها هذه الفكرة الذكورية ..في أبطال الروايات والمغامرات والقصص ..وتظهر المرأة
على الأغلب موظفة ..أو هامش ..مهمل ..حتى في طريقة وصف مشاعر البطل الذكر وطريقة تعامله مع العاطفة ..وهذا ماوضع الأنثى القارئة بين أمرين
إما أن تُغرّب هذه الكتابات الأنثى أو تغريها لتتبنى منظور الرجل بحيث أنها تتبنى ردود فعله وتصبح تابعة لمنظوره وطرق إدراكه ..وقد تجند ضد نفسها
أحياناً ..
4ً- لو نظرنا إلى مقولات النقد العالمية ومعايير التحليل وتقيم الأعمال الإبداعية لوجدنها تنطوي على الذكورية الصرفة ..
وافتراضات قبلية من الرجل .. فكيف نصفها بالحيادية والموضوعية عندما نهمل وجهة نظر الأنثى كمتلقي ..ونحن
جميعاً نقر بتمييز كلا الطرفيين بيولوجياً ..إذا كان لدينا متلقي ذكر ..فهناك متلقي أنثى ..ولكن في كافة خطابات النقد ..المخاطب هو الذكر عموماً
في ماسبق أيتها السيدات والسادة ..هو تكثيف لهموم النقد النسوي ..وهو نسخة أصلية إن جاز التعبير ..
فلنقارن بين الأصوات الكثيرة الكثيرة التي تدافع عن حق المرأة بالإبداع والنقد وبين هذه المقولة الجوهر ..
والتي أعتقد من وجهة نظر شخصية بأنها لم تحد عن الواقع والحقيقة قيد أنملة ..
نعم لنا أن نجتهد على هذه المقولة وندلي بدلونا ولكن لماذا نرى عند الأغلبية المهتمة الشطح أكثر من القار ..؟
(( يتبع ))