رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - الصفحة 7 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
قال لي مجنوني .. (الكاتـب : كامي ابو يوسف - مشاركات : 1 - )           »          رثاء متأخر، وعتب على الـ"غرغرينا"! (الكاتـب : حسام المجلاد - مشاركات : 6 - )           »          ورده رقيقه .. (الكاتـب : تفاصيل منسيه - مشاركات : 0 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 529 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 470 - )           »          طفل الغيم (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 1 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 518 - )           »          تساؤلات تضج بالإجابة (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 255 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7499 - )           »          {} أؤمِــــــنُ بـِــ ...... {} (الكاتـب : إبتسام محمد - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 190 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-29-2022, 01:07 AM   #49
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


الحي والميت

دخل رئيس ناسا على جاك في الصباح الباكر بعد محادثتهما بالأمس بشأن مناقشة رسالة الدكتوراه، واستنهضه من أجل الذهاب معه إلى جورج رامسفيلد -كان جاك آنذاك مندمجًا في مراقبة النجم من خلال المراصد وصور الأقمار الصناعيّة التي تأتيه أولاً بأول- قال جاك: «اذهبْ وحدك وأخبرني عما يريده هذا الصعلوك.»
نظر إليه دهشا وهو يقول: «صعلوك! هيّا، هيّا يا ولدي.»
تحرك جاك معه متثاقلاً، واستقلّا سيارته الطائرة ومضيا -يصحبهما بالطبع حرس المهام الخاصة المكلف بحراسة جاك- دخلا البيت الأبيض، وقابلاه، بينما حرس جاك جلس مع حرس البيت الأبيض يتضاحكون معًا.
قال الرئيس الأمريكيّ: «طبعًا هذا اللقاء غير رسميّ.» وظل يثرثر كثيرا، يسمعه رئيس ناسا بينما جاك ينظر في طيور الحديقة ويتوجع خشية على أن يلتهمها الثقب الأسود.
وفجأة، رأى على أحد أشجار الحديقة ثعبانًا يتسلل إلى شحرور يغرد وهو يطعم صغاره في وكر على الشجرة، فانتفض جاك من مكانه وجرى نحو الشجرة ثمّ تسلّقها كالقرد وانقضّ على الثعبان وقتله.
انتفض الرئيس الأمريكي من مكانه مذهولاً وشاهد الحدث وقال: «أمجنون هو؟»
قال له رئيس ناسا وهو متحرج: «معذرة سيدي الرئيس.»
ولم تمضِ إلّا لحظات وعاد جاك وقعد في مكانه وهو يقول غير مكترث للاثنين معًا: «لابد أن نعمل على السلام لمن دعا إلى السلام.»
قالها جاك رغبة في أن تصل إلى أذني رامسيفلد، حيث يتوقع بأن رامسيفلد سوف يعمل على شن حرب عالمية ثالثة بإيعاز من يعقوب إسحاق.
جلس رامسفيلد مرة أخرى وهو يكتم غيظه وقال من فوره: «هل من الممكن أن تقوم وكالة ناسا ببناء مصادم هذا الفتى المصريّ؟» وعلى الفور وجه كلامه لجاك خصيصا: «إنّي أعلم قدرتك الخارقة على الابتكار لذلك دعوتك يا جاك لعلك تستطيع بناءه.»
قال جاك: «لن يستطيع بناءه إلا واحد فقط، أتعلم من هو؟ فهمان ابن الشهيد فطين المصري.»
تمتم رئيس ناسا وقال : «وكالة ناسا فضائيّة سيدي الرئيس، وجاك تخصص فيزياء فلكية وفضاء، هذا الشأن ليس من اختصاصنا.»
ضرب الرئيس الأمريكيّ جبهته وقال: «لقد غفلتُ عن ذلك، إذن تستطيعون أن تصنعوا لنا طائرة محجوبة عن الرؤيا.»
قال جاك ساخرًا: «يا ليتك أنت تبتعد عن المشهد وتُحجب، هذا أعظم اختراع بشري.»
ثمّ نظر إلى رئيس ناسا واستنهضه فتثاقل ولكنّه جذبه فمضى معه مكرهًا.
نظر إليهما الرئيس الأمريكيّ ثمّ قال: «فتى أخرق، أحمق.»
وكان فوق الشجرة ببغاء فقال: «يا أخرق، يا أحمق.»
استقلّا السيّارة وبمجرد أخْذ مسارها في الهواء انتابتْ رئيس ناسا نوبة ضحك هيستيري ولم يسأله جاك عن السبب، فلمّا توقف عن الضحك قال: «جاك كلّ العالم يعلم بأنّكَ قادر على بناء ما ذكره الفتى في رسالته بجنيف.»
فحدّقه جاك وقال: «أسرعْ سيادة الرئيس، أسرعْ بنا إلى ناسا.»
فقال رئيس ناسا باسمًا: «اِعملْ له مصادم مِن الكرتون وريّحه.» قالها وضج بالضحك، ثم تعالت ضحكاته أكثر وقال: «أقول لك شيئًا جيدًا، اعملْ له طائرة وألبسها طاقية إخفاء.»
نظر إليه جاك هنيهات، لم يتمالك نفسه فانفجر ضاحكا على الرغم من أنه قلما يضحك في حياته حتى في الصغر.
قال جاك: «معذرة سيدي أن ضحكت في حضرتك بهذه الطريقة.»
- «تعتذر لي لضحكة في حضرتي وتترك رئيس أمريكا وتعتلي شجرة من أجل إنقاذ شحرور، فضلا عن سخريتك الواضحة منه وفظاظة كلماتك له؟!»
أجابه: «الشحرور صوته جميل، وجورج صوته نشاز، ربنا يخلّصنا منه فهو رأس الأفعى.»

***

بعد استشارة الجيولوجيين تقرّر بناء مصادم الهادرونات المستقبلي FCC-2 في إحدى مناطق الوادي الجديد تحت الأرض بمائة متر -ولقد اُختيرت هذه المنطقة بسبب أنّ باطن قشرتها الأرضيّة هادئة لا تثور فتحدث زلزال أو بركان، كما أنّها ذات مساحة كبيرة، فضلاً عن سهولة توفر المياه الجوفيّة في المحافظة كلّها- وحُدد حجم المنطقة الصحراويّة المراد حفرها -وهي دائريّة وها هيّ مساحتها:الطول120 كم، والعرض 15 متراً والارتفاع 80 و 250 مترا- ورسم فهمان حدود المنطقة التي سوف تُحفر إلى عدة مناطق ما بين المتر والمائة متر مربع والقليل أقل من المتر وكذلك المائة.
وأُحضرت معدات الحفر، وتصافّ العمال ومعهم الآلات الحافرة الحديثة، يتقدمهم أفراد المؤسسة العسكريّة من أقل رتبة إلى أعلاها -يعملون بلا أجر- ثمّ طوائف الشعب على اختلاف أعمارهم بلا أجرٍ أيضًا.
وحضر اليوم الأول لبداية العمل الرئيس مهديّ والمجلس العسكريّ، ومع أول حفيرة قام الرئيس مهديّ بحمل التراب منها وألقاه في عربة اللوري؛ وبذا يكون قد أعطى رمزاً للتواضع والفداء.
ثمّ كلّم أفراد الجيش بأنّ يعملوا ويكدّوا من أجل مصر، وانصرف هو ورجاله.
وظلّ الحفرُ على مدار عامٍ كامل لم يتخلّف فهمان فيه ولا يوم واحد، كان يعطي رسمه الهندسيّ للحفّارين لينفذوه، إذ إنّ هناك ارتفاعات معينة، وكذلك انخفاضات وجدران مقعّرة، وأخرى محدّبة، وذلك لتتناسب وشكل المصادم وأجهزته ومعداته فضلاً عن غرف المبيت.
وهذا هو الشكل النهائيّ للمنطقة التي سوف توضع فيها أجزاء وتركيبات المصادم -شكل دائريّ يتكون من ثمانية قطاعات كلّ قطاع قوس محددة من كلا طرفيها فواصل مستقيمة تفصلها عن بعضها (تعمل كمداخل متعددة الاستخدامات)- وأثناء هذه الفترة كان خبراء المصاعد الكهربائيّة في تواصل مستمر مع الحفّارين؛ هذا التواصل من أجل صنع بعض المصاعد بالقرب من الأماكن المحفورة لتساعد الأوناش فيما بعد في نقل الثرى واستخراجه من الأعماق إلى الخارج لتحمله اللواري فيما بعد.
وخارج المصادم كان هناك لفيف من الخبراء يعملون على تصميم ليناك 64، وقد شرعوا العمل فيه لأنّه خارج منطقة الحفر بالإضافة إلى أنّه مسرّع سيستغرقُ وقتًا طويلاً جدًا حتى الانتهاء منه، وكانوا يصممونه من الرسم الهندسيّ المثبت في رسالة فهمان، وقد احتاجوا إليه كثيرًا، إذ واجهتهم عقبات كثيرة أثناء التنفيذ.
وكلُّ أعمال المصادم آنذاك تظهر للرئيس مهديّ ورجاله على حواسيبهم.
وقد كانوا يستوردون بعض قطع الغيار من الخارج بناء على اجماع الخبراء المصممين عليها، ثم تمر على وزير التكنولوجيا ليمررها فيما بعد إلى الرئيس مهدي الذي آل على نفسه وقرر أن يباشر أعمال المصادم بنفسه لما له من اثر في نفوس المصريين بعد أن باعوا كل ما يملكون من أجل بنائه.
يتداول بين الناس بان كل الشعب المصري كان يساهم في عملية الحفر.

***


هاتف رئيس ناسا جاك ليذكّره بموعد مناقشة الرسالة مع خبراء ناسا التي قدمها له منذ ثلاثة أشهر، كان جاك وقتها يشاهد آخر ما أُنجز من حفر المصادم FCC-2.
فقد كان الإنشاء في الأساس يظهر على شاشات التلفاز.
وانعقدت الجلسة، وبعد نقاش طويل دام أكثر من خمس ساعات اعترضوا على ما جاء في رسالته، وقد تركهم جاك غاضبا بعد أن سبهم جميعا. وهذا أبرز ما حدث في المناقشة.
قال له بكْ: «إنّ ما اقترحته في رسالتكَ من شراع شمسيّ يسير بعشْر سرعة الضوء بالتقنيات المذكورة فيها من محطات ليزر ومفاعلي اندماج وانشطار نوويّ ومحطتي الخلايا الشمسيّة وجهاز يدعم الحياة من غذاء وأكسجين وماء مستحيل تطبيقه على أرض الواقع، ولقد أُعجبتُ بذكائكِ وسعة إدراكاتك من قبل عندما شرحتَ لي نفس هذه التقنية في ثاني لقاء جمع بيننا، تذكره طبعًا، كنت أمام الشاشة التي تعرض المصاعد الفضائيّة، ورددت عليك بأن الفكرة عبقريّة ولكن..عمليًا مستحيلة.»
لم يجد ما يرد به جاك عليه.
استطرد بك: «يا جاك النجم لن يتحوّل إلى ثقبٍ أسود؛ بل إلى قزم أبيض لصغر حجمه، هذا إذا تحوّل أصلاً. ولن أوافقك كما لا يوافقك كلّ من في المجلس على هذا .»
نظر جاك إلى رئيس ناسا وقال له: «وأنتَ توافقهم على ذلك؟»
قال: «يا جاك يا ولدي أنا حائر وليس لديّ خيار إلّا أن أكون مع رأي الجماعة ولكنّي لا انتقص من قدرتك العلمية وأمانتك.»
قال جاك له: «إذن لن توفر لي ناسا الدعم اللازم للرحلة، ولن تقبل جامعة بيركلي الرسالة.»

هب منتفضا وصاح بهم غاضبا: «تقولون مستحيل التطبيق على أرض الواقع، أنا جاك أقول لكم أنّي أستطيع أن أفعل هذا المستحيل، وأتمنى أن يجانبكم الصواب ويتحوّل بعد تفجيره إلى قزم أبيض ولكنّه لن يتحوّل إلّا لثقب أسود، أنا منذ سنين أرصد حركة النجوم والثقوب وأقولها في أفواهكم جميعًا، هذا النجم سينفجر ويتحوّل لثقب أسود وعندها أنتم المسئولون عمّا سيحدث للعالم.»
قال رئيس ناسا: «اهدأ يا جاك، اهدأ يا ولدي، هم يخافون عليك.»
ازداد غضبه وقال مستاء: «يخافون عليّ، يكفي ما يفعلون على القمر من استخلاص آلاف الأطنان من هيليوم-3 لصنع القنابل الهيدروجينيّة،يكفيهم هذا.»
وترك المناقشة وولّى مستاءً غاضبًا بعد أن قذف بكرسيّه على الأرض.
سعى خلفه رئيس ناسا ونادى عليه أكثر من مرّة فلم يردّ عليه.
وفور خروجه هاتف رئيس ناسا رئيسَ جامعة بيركلي ليخبره بشأن رسالة جاك وقصّ عليه كلّ ما حدث.
فقال رئيس الجامعة: «لا يملك أحد أن يقول لجاك لا، حتى لو قالت اللوائح لا، ولو قال الرئيس الأمريكي نفسه لجاك لا.رغبته هو التي ستنفذ.»

ما إن دخل المنزل حتى فتح التلفاز وما زال الغضب يتملكه من إجماعهم على مخالفة ما يرى في الرسالة، وعلى إحدى قنوات المعارضة التي تعارض نظام حكم جورج رامسفيلد يقول أحد المعارضين في شأن التدخل الأمريكيّ في الأرض العربيّة: بينما المراسلة مستمرة بين الرئيس الأمريكيّ جورج رامسفيلد وأصحاب القرار في إسرائيل حول إحكام الحصار على الأنفاق والتدخل في المنطقة العربيّة بشكلٍ سافر.
كذلك فإنّ يعقوب إسحاق لا يكفّ عن تحريض رامسفيلد لوقف أعمال إنشاء مصادم الوادي الجديد، لكنّ دائمًا محاولاته تبوء بالفشل بسبب ولاء الشعب المصريّ بكافة طبقاته لأنظمته الحاكمة والعكس .
ولم ينته المعارض من كلمته حتى أقبل على الشاشة وخرقها بأصبعه الفولاذيّ .
والهاتف يرن منذ دقائق ولا يكفّ عن الرن، فأمسك به ليحطمه، فنظر في الرقم فوجده يخص رئيس ناسا فردّ عليه.
قال له: «يا جاك، إنّ رئيس جامعة بيركلي يخبرك بأن تختار الموعد الذي تحدده لمناقشة رسالتك.»
انفرجت أساريره بعد سماع هذه الكلمة فهدأ وسكن.

***

دكتوراه في الخيال العلمي
وعلى مشارف نهاية العام الأول لبناء المصادم لم يخض مهديّ الانتخابات الرئاسية، إذ تمّ له التجديد فورًا، وكان الرأي العام المصريّ يدعو إلى خوض الانتخابات وخاصة فلول النظام القديم، فضلاً عن الذين يضربون في الخفاء وتحت الأحزمة، لكن خروج الشعب عن بكرة أبيهم ليدعوا له لفترة ثانية قد ألجم ألسنتهم وأزاغ أبصارهم وزلزل أقدامهم.
السنة الثانية
*استغرق عمل التشطيبات اللازمة عامًا كاملا، كما تمّ بناء مبانٍ فوق النفق مباشرة وقد تمّ تشطيبها أيضًا، تلك المباني الغرض منها فيما بعد تلقي البيانات القادمة من تجارب المصادم لإحصائها.
وتمّ الانتهاء من كلّ المصاعد الكهربائيّة، تلك التي تساعد الخبراء في التنقل عبر كلّ غرف المصادم ومساحاته المختلفة، كما أنّها تساعد على نقل مكونات المصادم إلى الأماكن المناسبة والتي سوف توضع فيها أجهزته، وبمجرد وصولها إلى الأماكن المناسبة يعكفون الخبراء على دراستها وكيفية تركيبها.
وما زال الخبراء خارج المصادم يعملون على تصميم المسارع الخطيّ ليناك 64 وقد قطعوا فيه شوطًا كبيرًا.
بينما آخرون يعملون على تكوين أكبر المجسات على الإطلاق وهو مجس أطلس، كان يشير فهمان للخبير فتوضع القطعة في المكان المشار إليه.
انسلبَ فهمان أثناء مشاهدة تشطيبات أعمال البناء ل FCC-2 وتركَ الإنشاءات الفنيّة والهندسيّة وذهبَ إلى حجرته المخصصة له ليشاهد مناقشة رسالة الدكتوراه لصديقه العزيز.
***
فتحَ التلفاز.
تقديم الرسالة: آخر السنة من هذا العام "ليس المراد شهر ديسمبر".
قال الإعلاميّ: بعد لحظات يحين موعد مناقشة رسالة الدكتوراه التي وضعتْ تصورًا لشراع ضوئيّ يستطيع السفر بعشْر سرعة الضوء، وهذا الشراع الآن موضع مناقشة وفحص.
كما أنّها تحتوي على جهاز شامل لكلّ سُبل دعم الحياة أثناء الرحلة طويلة الأمد إلى الفضاء السحيق، وهو أيضًا محل مناقشة وفحص.
هذه الرسالة التي ناقشها خبراء ناسا معه منذ عام ولم يقتنعوا بمحتواها إذ اعتبروها من الخيال العلميّ، مما يترتب عليه عدم دعم ناسا للمشروع.
المناقشة
وبدأت المناقشة بعرضه التقديمي، عرض فيه كل مقترحاته بشأن قاعدة الإطلاق القمرية والشراع والجهاز الشامل.
وانتهى العرض، وانصرفت اللجنة بعدها مباشرة وهي في قمة الضيق والتبرّم.
ولمّا ولجوا بابَ الحجرة سقط كلّ منهما في مكانه يستبقي نفسه وكأنّما كان على أكتافه أثقال طرحها منذ ثوانٍ، ومنهم من أطلق ضيقه زفرات في الهواء، يلوذ بعضهم ببعض لإيجاد مخرج من هذه الكارثة.
فالجامعة كلّها مكتظّة بالناس من أجل تهنئته، والقيادات السياسيّة الأمريكيّة والإسرائيليّة ينتظرون حصوله على الدكتوراه ليفتخروا به أمام العالم.
قال أحدهم: «ما هذا الشراع الذي يتكلّم عنه؟ أيريد أن يُدفع من غير وقود؟ إنّه مجنون.»
ردّ عليه آخر: «يقول إنّ حزم المحطات الليزريّة العملاقة ستدفعه عن طريق استخدام الطاقة الكهربائيّة المتولدة من المحطات الشمسية نهارًا ومفاعلي الاندماج والانشطار النوويّ ليلاً، يبدو أن جاك جُنّ.»
قال واحد منهم: «والجهاز الشامل الذي يدعم الحياة هذا له شأن آخر.»
ثمّ أمسك رأسه بكلتا يديه قائلاً: «رأسي سينفجر.»
قال أفضلهم رأيا: «أنا لدي اقتراح يخرجنا من هذا المأزق.»
حدّقوا به جميعًا وقالوا: «ائتنا به أرجوك.»
قال: «نمنحه دكتوراه في "فيزياء الخيال العلميّ"، وبذلك نتحاشى الصدام مع القيادات السياسية الأمريكيّة، ونتحاشى أيضًا السبّ واللعنات من الشعب الأمريكيّ، ولن يكتب عنّا التاريخ أنّنا غيّرنا ضمائرنا لأنّنا منحناه الدكتوراه في خيال وليس واقع.»
أجمعوا أمرهم على ذلك، وبمجرد خروجهم للمناقشة أعلنوا على الفور منحه الدكتوراه في الخيال العلميّ.
أسكتت الدهشةُ كلَّ الجمْع المتابعين للرسالة فالتصقتْ ألسنتهم في سقوف حلوقهم للحظات، إذ كانوا ينتظرون مناقشة حادة لساعات طوال، حتى أولئك الذين يتابعون عبر الشاشات صمتوا محدّقين بها.
وتخطّفتْ قلوب اللجنة عندما شاهدوا هذا التحديق بهم مع الصمت الرهيب.
وفجأة. هبّوا جميعًا فرحين مهللين شاكرين اللجنة.
صرخ جاك بعد إعلان خبر منحه الدكتوراه بهذا الأسلوب، صرخ قائلاً: «أنا لم أقدّم لهذا العالم خزعبلات أيّها المجانين، أنا لا أهذي، أنا لست مجنونًا. أيّها البلهاء، النجم سيتحوّل، وشراعي سينجح، جنبوا العالم الفناء أيّها الحمقى.»
والناس يتابعون انفعالات جاك وصراخه عبر الشاشات حتى تساقط الدمع من محاجر عيونهم ليعلن هذا الدمع أنّ جاك هو الصادق، وهو الإنسان.
لقد شاهده فهمان وهو يصرخ فقال : لم يعرف أحد أنّك على حقّ إلّا أنا يا صديقي، وأسأل الله أن يلطف بك.
أمّا رئيس ناسا فلم يتمالك دموعه وقال مرتعدًا: كم أخشى عليك يا ولديّ من لؤم هذا العالم، وأسأل الله أن يلطف بك.



اعرف عمق البحر قبل أن تسبح فيه


السنة الثالثة
هذا العام تدفقَ الكثير جدًا من العملة الدولاريّة من المصريين المقيمين في الخارج إلى المصارف المصريّة حتى قيل إنّه لم يعد يملك أيّ مصريّ مالاً في الداخل والخارج إلّا شهادة استثمار المصادم FCC-2.
تمّ إخلاء المصادم من كلِّ العاملين تقريبًا، ولم يوجد به إلّا خبراء ومهندسو التركيبات وبعض المعاونين من الذين ينقلون لهم قطع غيار التركيبات عبر المصاعد، ومن ثَمّ وضعها في الأماكن المخصصة لها والتي سوف تستقرّ فيها إلى الأبد.
وقد تمّ توفير الدعم اللوجستيّ لقطع الغيار من كافة الدول التي يعمل خبراؤها على تصميم وإنشاء المصادم.
ما زال فهمان يجلس ويحاور المهندسين بشأن تركيبات أجهزة المصادم، وما إن ينتهوا من جهاز يضعونه في المكان المخصص له والنهائي لحين اكتمال كلّ التصاميم ليخرج FCC-2 إلى النور.
بينما فريق كاشف أطلس يعملون فيه ليل نهار.
أمّا ليناك 64 وهو الحلقة الأولى المسئولة عن تسريع البروتونات فقد انتهوا منه توًا.
وعلى بداية هذا العام"ليس يناير وإنّما أول السنة الثالثة لبناء المصادم" تمّ عقْد لقاء سريّ بين يعقوب إسحاق ورامسفيلد لإتمام مشروع الشرق الأوسط، على أن يتولى فترة رئاسيّة ثانية مقابل إتمام مشروع المنطقة حتى النهاية.
وفي ديسمبر من هذا العام تولّى جورج رامسفيلد رئاسة الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد خوض انتخابات مزوّرة.
وضعوا الخطة وهي الخطوة الثالثة من المخطط الصهيونيّ.
وهذه بعض الشروحات في ورقة الاتفاق بين رامسفيلد ويعقوب إسحاق.
الخطوة الثالثة تنقسم إلى قسمين..
القسم الأول: هو تفتيت كلّ دولة عربيّة إلى دويلات صغيرة.
القسم الثاني: إثارة الخلافات بين هذه الدويلات المفكّكة فيما بينها على الحكم، ثمّ العمل على تأجيج الحروب الطاحنة بينهم بسبب ترسيم الحدود وحصص المياه الدوليّة، وبالتالي تتنازع الدول العربيّة كلّها فيما بينها وتتحوّل المنطقة كلّها إلى دمار.
وهذان القسمان هما التمهيد لدخول أمريكا وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
من التحديّات التي يجب على يعقوب ورامسفيلد إنجازها وهي من القسم الأول .. العمل على إثارة الأكراد على الحكّام وتبنيهم عقيدة الانفصال عن الدولة، وإثارة الشيعة على السنة في الدولة الواحدة، وإثارة بعض التيارات الإسلاميّة التي تنفصل أيضًا عن الدولة، والدعوة إلى حقِّ النصارى لإقامة دولة خاصة بهم داخل دولتهم الأمّ للخروج من الاضطهاد والحفاظ على أمنها وهويّتها ودينها، وبصفة عامة مراعاة حق الأقليات على مستوى العالم في تقرير مصائرهم .
كلُّ هذا يجب أن يحدث ثمّ يقرّه رامسفيلد ليظفر العالم بحالة من الأمن والاستقلال.
ثمّ يأتي دور التحديّات الخارجيّة وهي القسم الثاني ..
منها العمل على تأجيج الخلافات القديمة، والتي كانت تظهر بوادرها أحيانًا وتختفي مرّة أخرى على مرِّ تاريخها ألَا وهى النزاعات الإقليميّة، سوف تتأجج اليوم بفعل الوقود اليهوديّ الأمريكيّ الذي سوف تلقيه على نيران الفقر والحاجة لدى هذه الشعوب فتشتعل مطلقة أبواق الحروب، مستغلة في ذلك نقص مصادر المياه وقلة النفط في المنطقة.
وبالتالي سيعملون على تفشّي الحروب بين دول المصبّ والمنبع فيما بينهم.
كذلك من التحديّات لهذا القسم إثارة العراق على إيران والعكس، والجزائر والمغرب، وسوريا على تركيا والعكس، وكذلك السودان على مصر والعكس، و... الخ .
السنة الرابعة والأخيرة
نصب المجسات
وهي المسئولة عن رصد الجسيمات التي تنتج نتيجة ارتطام البروتونات.
-تمّ وضع الكواشف في مكانها وهي بالضبط ..
-كاشف أطلس ATLAS .
-وكذلك ال CMS كاشف الميون اللولبي المدمج.
-وكاشف أليس ALIC.
-وكاشف LHCB W ويطلق عليه "الجمال beauty".
-كاشف مُتعقّب الألياف الضوئيّة اختصارًا SciFi، يجمع مائة ألف كيلومتر من الألياف الضوئيّة ويبلغ قطر كلّ منها 0.20 ملليمتر وبزيادة عدد الألياف عمّا كان عليه في سيرن تزداد درجة كشفه لنتائج الارتطام .
كلّ هذه الكواشف ترصد البيانات الناتجة من ارتطام حزمتي البروتونات.
-تمّ نصب المغانط: وهي تقوم بتسريع البروتونات التي تسير في الأنبوبين.
-تمّ نصب الأنبوبين فائقي التخلية وفيهما تتسارع حزم البروتونات لحين التصادم.
-شبكة الحوسبة: وهي المسئولة عن إحصاء نتائج التجارب التي رصدتها المجسات.
-جهاز الليزر الفائق: هذا الجهاز لم يدخل في تكلفة المصادم ولم يصممه خبراء المصادم بل هدية أرسلتها الصين إلى مصر رغبة منهم في التعاون المصريّ الصينيّ في مجال التكنولوجيا.
-التكلفة: لقد بلغ تكلفة إنشائه مائتي وتسعون مليارًا من الدولارات، تشمل مرتبات الخبراء والعمال.
وأصبح من الواضح أنّ الشعب المصريّ على حافة الهلاك بسبب مجاعة قد تضرب البلاد خلال بضعة أشهر.
فمعظمهم الآن ينامون على الأرصفة عرايا بعد بيع خيامهم وجحورهم وملابسهم المرقعة .
ينامون على الأرصفة ويسيرون في الطرقات بالفانلة والشورت المرقعين .
خلال الأربع سنوات الماضية تمّ إنشاء مصادم فهمان، مصادم الهادرونات المستقبلي FCC-2.
وهذه فترة قليلة جدًا لبناء مصادم بهذا الحجم بسبب توفر إيجابيات ساعدت على إنجازه بهذه السرعة.



منها حبّ الشعب لمهديّ، وتطور الآلات في هذا الزمن، وتسارع الخبراء من كافة أنحاء العالم للمشاركة في بنائه رغبة من كبار ساساتهم أن يكون لهم دور فعّال فيما بعد في حسم الحرب المحتملة عن طريق اكتشاف سلاح جديد من هذا الصرح العلميّ، وكانوا يأملون منهم صناعة سلاح يفتك بالأسلحة النوويّة.
أمّا أقوى عامل على الإطلاق هو رباط الجيش المصريّ بجانب المصادم.
لقد كان دور الجيش المصري دورًا ثلاثيًا، ففضلاً عن الإسهام الذي فرضه مهديّ عليهم فقد كان الدرع الحصين بمخابراته ضد أيّ فوضى قد تحدث خلال عمليات الحفر والبناء وتصميم الأجهزة.
و كانوا يعملون ويحملون على أكتافهم الثرى ويصطفون أفواجًا ويسيرون سير العسكريين، كانوا خدمًا للفنيين من مصممي المصادم لكن الواحد منهم يحمل عزة وشرفًا ليس لهما نظير.
وقد كان مهديّ يتابع أعمالهم في موقعهم عن طريق عمل زيارات على فترات متباينة ليشدّ من أزرهم ويبثّ فيهم روح العزيمة والإصرار، كذلك كان يتابعهم عبر كاميرات المراقبة التي تصوّر الموقع كلّه.
وقد كان كثيرًا يطأطئ رأسه تعبيرًا عن الرضا حتى كاد أن يقول لهم إنّي راضٍ عنكم فهل أنتم راضون عنّي.
وكان يشعر في نفسه أنّه أبوهم وأخوهم حتى عندما يُجرح أحدهم كانت مشاعره النبيلة هي التي تضمد جراحهم.

الافتتاح الكبير للمصادم fcc-2
في مشهد عظيم حضره الرئيس مهديّ وصحب معه أعضاء المجلس العسكريّ وبعض رؤساء العرب الذين نجت بلادهم من الفوضى، كما أنّهم نجوا أيضًا من كمين الصراعات الإقليميّة وحصص المياه، شأنهم في ذلك شأن مهديّ.
كما حضر وزراء وسفراء ودبلوماسيّون من قارتي آسيا وأوروبا.
وفضلاً عن الخبراء الذين شيدوا المصادم تحت قيادة الفذّ فهمان فطين المصريّ، فقد حضر خبراء آخرون أكثر عددًا، وبذلك تجاوز عددهم عشرة آلاف فرد.
هذا الجمع السياسيّ والعلميّ حضر للافتتاح والذي ستتمّ فيه أول تجربة على أعظم مختبر علميّ شُيد في التاريخ.
وعلى شاشات التلفاز يشاهد الاحتفال معظم رؤساء الدول الأوربيّة والأسيويّة الذين أرسلوا خيرة خبرائهم لعلّهم يساعدونهم في حربهم المحتملة على أرض العروبة.
يتعشّم أكثرهم أن يأتوهم بتقنية طائرة مقاتلة محجوبة عن الرؤيا، أو ابتكار شيء يسير بسرعة الضوء كالانتقال الفوريّ البعيد.
وعلى طول مائة وعشرين كيلومتر احتشدتْ الجماهير المصريّة من جميع أنحاء الجمهوريّة، خرجوا من الأكواخ والخيام والكهوف والمنازل التي يقطنونها إلى الحضارة التي كادتْ تلامس السماء والممتدة من أنفاق تحت الأرض حيث يوجد المصادم fcc-2.
تظهر معظم الأطفال في صحبة أمهاتهم وآبائهم، تستخرج الأمهات رغيف الخبز ويقطّعنه أرباعًا، وأمهات أخريات يقطّعنه أخماسًا وأعشارًا ثمّ يناولنه في أيادي أطفالهنّ.
وملابس الرجال والأطفال والشيوخ لا تكاد تستر أجسادهم وخاصة الرجال والشباب، أمّا الأطفال فكان آباؤهم وأمهاتهم يقطعون من ملابسهم ليوصلوها في ملابس أطفالهم على هيئة رقع.
وتظهر فئة لا تكاد تُرى بالعين المجرّدة، هيئاتهم حسنة، يستقلّون سياراتهم التي لا يُسمع أصواتُ هديرها بسبب دبيب أقدام أصحاب الكهوف.
شرعوا كلّهم للاحتفال، فكانوا يصفّقون بأيديهم ويصفّرون بشفاههم ويقرعون الأرض بنعالهم.
من بعيد يشاهد الساسة والخبراء التمثال الرابض فوق النفق، ترفرف أجنحته لا تكلّ ولا تملّ، إنّه تمثال فطين المصريّ الذي لولاه ما بُني هذا المصادم.
ويحدّق فهمان الواقف بمقدمة لفيف الخبراء والفيزيائيين إلى أبيه المنتصب فوق المصادم وهو يتمسّح بخطابه باكيًا، يقول: صدقت أبتِ ها أنا بجانب رئيس بلدي يحوطني برعايته.
والآن، الآن، حانتْ لحظة التقدّم، يتّجه مهديّ والسياسيّون إلى البوابة الرئيسة للمصادم لافتتاح المختبر.
يتبعهم فهمان ومن معه من الخبراء.
الآن.. الآن..
حانتْ لحظة الافتتاح ، فُتحت البوابة الرئيسة، فتقدّم وزير الدفاع ليفسح الطريق للرئيس مهديّ ووزراء وسفراء ودبلوماسي البلاد الغربيّة والعربيّة، بيد أنّ الرئيس مهديّ نظر إليه بازدراء وأدار سبابته نصف دائرة في الهواء مفتوحة باتجاه الأرض وقال: «غبن، غبن يا سيادة الوزير.»
ثم قال مستدركا: «ألمْ تنحدر مصر بسبب هذا على طول القرون الماضية؟! ألم نقبعْ في دهاليز التخلف ونغرقْ في بحار لجيّة بسبب هذا يا سيادة الوزير؟!»
لم يفهمْ الوزير ما يروم إليه الرئيس مهديّ فسأله دهشًا: «ما أغضبك سيادة الرئيس؟»
فردّ مهديّ متأثرًا: «أتريد أن نهوى بعد أن اعتلينا السحاب، أغضبني نسْب الفضل إلى غير أهله، أغضبني تقدّم مَن وجب عليه أن يتأخر، وتأخّر مَن وجب عليه أن يتقدّم.»
ثمّ أومأ بيده إلى فهمان وقال: «هذا الشبل.»
ثمّ أومأ بها عاليًا نحو التمثال فقال: «من ذاك الأسد.»
ثمّ نظر إلى فهمان وقال: «تقدم يا ولدي ونحن خلفك، حُقّ لك أن تتقدّمَ بعد أبيك الشهيد.»
فترك فهمان موقعه من بين الأساتذة ويُبكيه خطاب أبيه الذي ألصقه على صدره، وتقدّم ليفتح باب العلم والحضارة، ليفتح المصادم.
وتقدّم من بعده الرئيس مهديّ وبقيّة الجمْع.
وتمّ الافتتاح وتأهبّوا لعمل تجربته.
من الخارج التفّ بعضُ الأساتذة حول المسرع ليناك 64 لوضْع دفقات البروتونات للعمل على الطاقة المنخفضة له حتى يطمئنوا عليه.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-19-2022, 02:34 AM   #50
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


اعرف عمق البحر قبل أن تعبره
تجربة الافتتاح
إنّ الهدف الآن هو فحص تركيبات fcc-2 وقدرتها على أداء عملها على أكمل وجه.
ليناك 64 والكواشف وشبكة الحوسبة وبقيّة أجزاء المصادم.
وهي تجربة فحص، ولذلك سيكون العمل عليه الآن بأقلّ طاقة ممكنة.
العالم كلّه الآن ينتظر أوّل تجربة له لتصلهم عبر شبكة حوسبة ممتدة لمعظم دول العالم، هم بالأساس لا يعتنون بالتجربة الأولى لعدم جدواها في تقديم جديد في الفيزياء، كما لا يعتنون بعمل ارتطامات ذات طاقة أقل من مائة تيرا إلكترون فولت والتي حققها مصادم سيرن fcc-1، ولكنّ أنظارهم تتطلع لإحصاء النتائج عندما يعمل بطاقة أعلى من هذه القيمة.
يتم دفع دفقات البروتونات أولاً من خلال ليناك 64 تستقبلها بعد ذلك مغانط عملاقة ذات حقول مغناطيسية هائلة قدرتها ستون تسلا.
بعد عدة خطوات تدخل الدفقات إلى داخل fcc-2 على هيئة قسمين، واحد في اتجاه عقارب الساعة والآخر عكسها، تتسارعا حتى تصلا إلى سرعة تقارب سرعة الضوء، ثمّ يحدث التصادم عند كواشفه.
تتحطم حزمتا البروتونات إلى جسيمات أصغر أثناء التصادم ويستطيع الكاشف رصد بعضها قبل أن تعاود تجميع نفسها من جديد، ثمّ ترسل البيانات إلى شبكة من الأنظمة الحاسوبيّة.
البروتونات التي لم تتصادم تظلّ سائرة حتى تصل إلى القسم المخصص بإخماد الحزم.
ومن بعد هذه التجربة تبيّن أنّ كل مكوناته تعمل بكفاءة عالية.
اِطمئنّ فهمان والرئيس مهديّ على حالة المصادم وتناقلتْ وكالة الأنباء العالميّة خبره بعد ذلك، وتناول الصحفيون الحديث مع فهمان والأساتذة الذين عاينوا التجربة، ودارتْ عدة حوارات تدور حول المصادم وماذا يمكن أن يقدّم من جديد، وكان من بين الأسئلة التي سُئلت لفهمان: «دكتور فهمان، هل تظنّ أنّ المصادم قد يفكُّ ألغاز نظريّة الأوتار الفائقة الخاصة بالأبعاد الكونيّة؟»
فردّ فهمان: «نظريّة الأوتار الفائقة منذ أن تمّ الكشف عنها والعلماء يحاولون إثباتها ولكنهم يفشلون في كل مرّة، لعلّ سبب فشلهم هو عدم توفر مصادم يعمل بطاقة كبيرة لينتج أصدقاء جددًا من الجسيمات.وكانوا يأملون الكشف عن جسيم الجرافيتون الافتراضيّ المسئول عن نقل الثقالة بيد أنّه كما قلتُ بأن قدرة المصادمات ضعيفة ولم تسعفهم لتحقيق آمالهم.أنا متأكد أنّ عبور الأبعاد التي أخبرتنا بها نظرية الأوتار تكمن في هذا الغرافيتون، وسأكتشفه إن شاء الله، سأكتشفه من أجل أن أحمي هذا العالم من الفناء.»
وانفضّ الاحتفال، الاحتفال بأعظم تكنولوجيا على أرض مصر.


خطوات التجربة الثانية (اكتشاف الغرافيتون)
اجتمعَ جمْعٌ كبير من الأساتذة يتقدمهم فهمان لخوض تجربة التاريخ.
كلٌّ واحد منهم وقف في مكانه المنوط به.
بدءوا بطاقة ارتطام ضعف طاقة FCC-1 الكائن بسرن؛ والخوف يعصر أوصالهم، إذ يرجون أن تنجح التجربة لعبور البوابة إلى تجربة التاريخ. والتجربة نجحت بالفعل.
تنفسوا الصعداء، ولما شرعوا في الإعداد لإجراء تلك التجربة نظر بعضهم إلى بعض تدور أعينهم فيما بينهم، يلوذون بعضهم ببعض للنجاة من الموت، إذ إن التجربة ستجرى بطاقة المصادم القصوى ألا وهي خمسمائة تيرا إلكترون فولت التي قد تتسبب في هلاكهم وهلاك الكون كله إذا ما تضخم الثقب وبات نسخة عن جهنم الآخرة.
وداهمتهم هواجس شتى، من بينها خوفهم من أن يلتهمهم الثقب ويرمي بهم في بوابة بُعدية قد تكون النملة فيها بحجم الفيل.
وبعد أن دكتهم تلك الهواجس أماتت في قلوبهم طموحاتهم وأحلامهم فذهبت مع الريح خاطرة جائزة نوبل في الفيزياء، وكذلك خاطرة صنْع سلاح يكون له كلمة الحسم في الحرب المحتملة بين الكتلتين، حتى خاطرة القنبلة التي أثارها فهمان في رسالة الماجستير بجنيف ذهبتْ أيضا مع الريح، لم يتبقَ لديهم إلّا خاطرة الكينونة، نكون أو لا نكون.
أمّا فهمان فلا يسيطر على نفسه إلّا أن يحيا العالم في سلام وفضيلة، أمّا خاطرة الكينونة فلم تدب أقدامها على مسرح قلبه لأنّه متأكد أنّ الثقوب المتولّدة نتيجة الاصطدام ستتلاشى بمجرد تكوينها.
تمّ دفع البروتونات إلى داخل المصادم وحدث الارتطام بعد مرورها عبر مكونات المصادم.
سجلتْ المجسات البيانات، وحدثتْ بعض الاهتزازات عند منطقة التصادم المقصودة، تلك الاهتزازات أشبه بالاهتزازات الرعديّة العنيفة، ممّا تسبّب في هلع المراقبين فبعضهم فرّ هاربًا، ومنهم الذي انكفأ على بطنه إذ لم تستطع قدماه أن تحملاه، ومنهم من سقط مغشيًا عليه نتيجة الاختناق.
وتمتْ التجربة بنجاح منقطع النظير، فهلّل مَن هلّل وصاح مَن صاح، وهبَّ واقفًا من سقط منذ ثانية، هبّ مهللاً كالطفل.

إحصاء نتائج التجربة:
عند كاشف SciFi مُتعقّب الألياف الضوئيّة تمّ رصْد أعلى بيانات التجربة بعدها سجّل أطلس بيانات أقل.
إنّ الارتطام تمّ عند مِجس أطلس وكاشف SciFi مُتعقّب الألياف الضوئيّة.
والحقيقة أنّ الاهتزازات صاحبها سحب الهواء مما تسبّب في اختناق وغثيان بعض الباحثين.
ولقد فسّر فهمان أنّ التجربة أسفرت عن ثقبٍ أسود تلاشى بسرعة، وأنّ الثقب كان بداخله جسيمات حاملة لقوى الجاذبيّة وهو الجرافيتون، وهو المسئول عن سحب الهواء الذي تسبب في اختناق وغثيان بعض الباحثين.
ترامتْ البيانات إلى كلِّ أنحاء العالم عبر شبكة الحوسبة الفائقة، وخلال أيام وامتدت بعد ذلك إلى شهور تقدّم مجموعةُ من العلماء بأكثر من مائة ألف ورقة بحثيّة تحلل بيانات الكواشف.
وممّن حلل البيانات العالم اليابانيّ الفذّ ميتشو كاجيتا، وقد اكتشف الغرافيتون من خلال تحليله.

رد فعل العالم إزاء اكتشاف الغرافيتون
ميتشو كاجيتا:
في غرفة مغلقة لا تجمع إلّا اثنين من شياطين الأرض وهما ميتشو كاجيتا ورئيس وزراء اليابان.
ثمة عامل مشترك يجمع بين كاجيتا ورئيس وزراء اليابان ألَا وهو التخلص من الولايات المتحدة الأمريكيّة.
فكاجيتا من فرط كُرهه لأمريكا كره الإنسان، وفي المقابل يحبّ وطنه بولعٍ شديد، وسبب كراهيته لأمريكا أنّ نسبه منحدر من عائلة كانت تقطن هيروشيما، ماتت كلّها إثر إلقاء القنبلة الأمريكيّة عليها سنة 1945.
عائلته كانت ذات نسب عريق جدًا تقدّس التقاليد، ومن تقاليدها أنّ الثأر لا يموت ولو مضى عليه عشرات العقود.
وإمعانًا في حبْك التقاليد وإضفاء الشرعيّة عليها اعتنقوا قولا بمثابة عقيدة راسخة وهو: إنّ الأحفاد كما يرثون الأجداد في أموالهم وحضاراتهم يرثون كذلك إجرامهم.
أمّا رئيس وزراء اليابان فقد كان يكره أمريكا أيضًا والسبب أن عراقة حضارتها وكبريائها صرعت كبرياءه المتوغل في روحه. فهو الآخر ينحدر من أصل كبار الأباطرة اليابانيين الذين زالت إمبراطوريتهم وذابت على أعتاب الولايات المتحدة الأمريكية في ماضيها وحاضرها.
قال كاجيتا له: «إنّ الغرافيتون قد يستطيع اختراع قنبلة جديدة أشبه بالثقب الأسود.»
صُعق الرئيس من هول الكلمة ونظر في وجهه مذهولا ولم ينبس بكلمة.
تابع كلامه: «إن ما منعني من اختراع هذه القنبلة إلّا عدم تمكّني من رصد الغرافيتون، أمّا الآن وبفضل مصادم الوادي الجديد فيمكن رصده والإمساك به وصنْع قنابل الثقب السوداء.»
وأكّد له كاجيتا أنّ مصادم الوادي الجديد أنتج ثقوباً سوداء أطلقت فوتونات ضوئيّة وجرافيتونات الجاذبيّة وقد أدّوا عملهما وهو حالة الاختناق وسحب الهواء.
قال الرئيس: «علام تنتظر؟ يجب أن تكون هناك في غضون أيام.»
سكت هنيهة وعيناه تنظران في زاوية أحد الجدران العلوية ثم قال: «أيّ قنابل ملعونة هذه يا ملعون اليابان.»
أجابه: «القنبلة الذريّة تعتمد على الانشطار، والهيدروجينيّة تعتمد على الاندماج، لكن قنابل الثقوب السوداء لها شأن آخر؛ فهي تجذب ماحولها من مادة آخذة إيّاها إلى المجهول. نضعها أمام جيوش أمريكا لعام 1945 التي دمّرت اليابان "يقصد الجيوش الحالية " فتجذبهم وتنهيهم.» مسح كاجيتا يده اليسرى باليمنى إشارة إلى تنظيف يده من قاذرواتها وهو يستطرد: «وأنّه حان الآن تنظيفها بعد إلقاء أمريكا في المجاري.»
ثمّ نظرَ إلى خريطة العالم وأشار إلى موقع الولايات المتحدة الأمريكيّة فيها وردّد قائلا: «وتُطهّر الخرائط الجغرافيّة من الخطيئة بمسح هذه المنطقة المتّسخة منذ اكتشافها.»
ردّ الرئيس: «هذا ما أروم إليه، لكن علينا بتوخي الحذر والعمل في السرِّ حتى نتيقن من نجاح هذه القنابل الملعونة، عندها نقيم سُرادقات العزاء الذي تأخّر قرونًا، ونستعيد إمبراطوريتنا من جديد.»
ثمّ قال بحزم بعد أن زفر زفرة طويلة: «كاجيتا الخزانة كلّها تحت أمرك، اخترْ من خبراء اليابان ما يصلح معك لتلك المهمة، واعملْ على إحضارها هنا، وحاذرْ حاذرْ أن يعلم أحدٌ بهذا الشأن غيرنا،أنتَ وأنا، أنا وأنت.»
ردّ كاجيتا: «هذا ما انتويتُ فعله بالضبط، سأعكف في معملي أدرس خطوات صنعها وإيجاد معادلتها، وهذا الأمر قد يستغرق وقتًا.
وسأعقد مؤتمرا صحفيا في الحال لأقول فيه أنّي سأنزل بالوادي الجديد خلال بضعة أشهر، وسأقول إنّي نزلت من أجل اكتمال النموذج القياسيّ للجسيمات حتى لا يشكُّ أحد فينا.»
وتمّ عقد المؤتمر وقد قال ذلك بالفعل .

فهمان:
وشأن فهمان متباين عن شأن كاجيتا؛ فخطة كاجيتا هو صنْع القنبلة للتدمير والفناء، أمّا فهمان فكلّ خطته من صنْعها هو البناء والبقاء.
خطة كاجيتا إزالة الناس من على خريطة العالم بالحرب، أمّا خطة فهمان فهو بقاء العالم كلّه على خريطتهم بنشر السلام.

جاك:
وفور أن عرف جاك بأمر اكتشاف الجرافيتونات إلّا وتبلّورت لديه فكرة القنبلة التي ذكرها فهمان في رسالة الماجستير بجنيف والتي كادتْ تودي بحياته بعد هجوم وحدة الكيدون عليه.
كلّ خطوات عمل القنبلة تبلّورت في ذهنه وهو صامت، ثمّ همس لنفسه: قنابل الثقوب السوداء تطرق أبواب الكون.
فانقبض قلبه على الفور.
حاول أن يروّح عن نفسه بعد معرفته بأمر الجرافيتون الذي أجرى الخوف في أوصاله، كما لم يرحمه ذاك الخوف وفتك به أيضًا بسبب خشيته من تحوّل النجم إلى ثقب أسود قبل أن يبتعد عن المجموعة الشمسية.
وفي قصره الكائن في واشنطن توسّط حديقته الغنّاء لينعم بالطبيعة الساحرة محاولة منه للترويح عن نفسه كما قلتُ، فيسمع تغاريد العنادل العذبة، ويشم روائح الياسمين والأزاهير.
لكنّ نفسه المفعمة بالهموم والخوف على العالم لم تفارقه أبدًا، فألقتْ بظلالها فيما حوله، فما وجد في صوت العنادل إلّا أصواتًا تنتحب وتقطر ثغورها دمًا، بينما الأزاهيرُ ما عاد ينبثق الأريج من براعمها.
فتقزّز وشعر بأنّ أنفه امتلأ بالإشعاع النوويّ، وأنّ دويّ القنابل اخترقتْ أذنيه.
أمسك بصحيفة اليوم التي على الطاولة بجانب كرسيّه وفي الصفحة الأولى شاهد صورًا وقرأ مقالات عن مؤتمر لكاجيتا والذي قام بتغطيته عشرات الصحفيين.
كلها تتكلم عن رغبته في اكتمال النموذج القياسي للجسيمات من خلال التجارب التي سيقوم بها بوساطة FCC-2.
شعر جاك أن كاجيتا مخادع وأنّه ما أراد من مصادم الوادي الجديد إلّا ابتكار قنابل الثقوب السوداء، فأراد أن يستوثق من خداع هذا المكير عن طريق مشاهدة ملامح وجهه والتفرس فيها.
بيدين مرتعشتين فتح اللاب توب فشاهد على اليوتيوب المؤتمر الصحفيّ الذي عقده كاجيتا، يسأله فيه خبراء الفيزياء عن سبب نزوله أرض الوادي الجديد فأجابهم بأنّه يأمل بعد اكتشاف الجرافيتون بالطاقة الجديدة أن يكتمل النموذج القياسيّ للجسيمات، وأن ..إلخ.
ظلّ يتكلم عن معضلات وألغاز لم يهتدِ إليها العالم على مرّ تاريخهم ، حتى قال: «واعتقد أنّه حان الوقت لحلّ الكثير من الألغاز الكونيّة التي لم يتوصّل إليها أحدٌ بفضل مصادم فهمان فطين المصريّ.»
وبعد أن تفحص جاك ملامح وجهه وهو يتكلّم تبيّن أنّه يخادع ويراوغ، وأنّه يضمر شرًا مستطيرًا، وجاك يعلم بالضبط ماذا يريد كاجيتا من FCC-2.
ظلّ يغمغم مرتعشًا: كذّاب، كذّاب..... كذاب.
وصرختْ كلُّ جوارحه، وعاش لحظات بين الوعي واللاوعي فرأى الأزاهير تنحني وتتساقط واحدة تلو الأخرى أمام عينيه وكأنّها تعلن عن موتها، والبلابل تخرّ ساقطة بعد أن هوت أزاهيرها.
أفاق وانتبه من الحالة الوسطية التي اعترته، بعدها أمسك باللاب توب ورماه في السماء قائلاً: إذن نهاية العالم على أيدي مصادم FCC-2، بل على يديك يا فهمان.
وما أن انتهى من قوله أمسك بالهاتف واتصل بفهمان.
قال له جاك: «العالم على حافية الهاوية بسبب مصادمك، قلْ لرئيسك يغلق المصادم.»
سأله دهشا: «لِمَ ؟»
أجابه: «أغلقْه، ميتشو كاجيتا وفريقه في الطريق إليك من أجل الجرافيتون.»
- «تقصد أنّه أتى وفريقه لصنْع قنابل الثقوب السوداء؟»
- «طبعًا، وإن نجح سيركعُ العالم كلّه لليابان، وخاصة أنّي أعلم عن رئيس وزرائهم أنّه مجنون بداء العظمة، لكنّه يداري ويضمر حتى لا تلجمه أمريكا وتقتل ما بداخله من عفن.»
- «أنتَ تعلم أنّ صنْعها صعب، ومع ذلك سأسعى جاهدا للحيلولة دون ذلك.»
- «وهل لديك بروتوكولا من بروتوكلات المصادم لتمنعه عن ممارسة التجارب؟»
-«لا.»
- «إذن أغلق المصادم بحجة ترميمه أو اجعلْ رئيسك يطرده هو ووفده.»
- «لن أغلقه قبل الوصول إلى إبليس لقتله فتحيا البشريّة بلا حروب.»
- «لن تعبر، العالم سينتهي قبل أن تعبر، العالم الذي تُضحّي من أجله سيضيع بسبب مصادمك يا فهمان.»
- «صديقي، ليس لدي صلاحية لإغلاقه، وليس من صلاحياتي طرده كذلك، لكن سأشرح الأمر للرئيس مهدي.»
- «فهمان، صديقي، لو قامتْ الحربُ بين آسيا وأوروبا بقيادة أمريكية فكلٌّ منهما لن يستخدم النووي إلّا بحذر شديد لأنهما خاسران في حالة تبادل الضرب به، لكن عندما تمتلك دولة قنابل الثقوب السوداء وهو سلاح أشبه ببوق إسرافيل فلن تصدّه قنابل نوويّة ولا قنابل هيدروجينيّة، فهمان لو حصل عليها أحدهما سيعمل على الخلاص من الآخر بها.»
- «صديقي، لن أسعى لإغلاقه قبل العبور، فأنت تعلم ما أريد، وأكرّر لك، أريد طرق بوابة إبليس، أريد قتْل إبليس، أريد الهداية للناس.»
- «وأنا أكرر لك لا جدوى من الوصول إليه، فكلّ الطرق المؤدية إليه محفوفة بالمخاطر.»
ثم قال مستدركا: «صديقي إن نجحتَ في العبور فسيقبضون عليك ويقتلونك.»
سكت هنيهة، وزفر زفرة طويلة ثمّ قال راجيًا: «دعك من هذا الوتر المهتز الذي سيبلغك بُعد الشياطين، دعك منه، لو أدرك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فلن يرحم منا أحدا ولو رضعائنا.»
- «لن أدعه ولو كانت نفسي فداء لذلك، وسأقف حجرة عثرة حتى لا يحقق مخططه الشيطاني.»
- «إذن فأنا أحملك ما سيحدث للعالم من جراء حمقك.»
وأغلق الهاتف ثم رماه فارتطم بالحائط وهو يزفر غيظا وغضبا.

العالم:
أمّا شأن الدول إزاء اكتشاف الجرافيتونات فهو أمر مؤسف أيضًا.
تهيّأت قوى التحالف لإرسال المزيد من خبرائها وعلمائها فضلاً عن الموجودين أساسًا من قبل إلى FCC-2 بعد ان تأكدوا من وجود الجرافيتون.
ولقد حثّ الرئيس الأمريكيّ الأمم المتحدة بكافة أقسامها بجعْل مصادم الوادي الجديد تحت مراقبة لجنة متخصصة من أفضل العلماء الأمريكيين متذرعا بأنه قد يهلك الكون، ولقد سعى إلى ذلك سعيًا حثيثًا، وغرضه الحقيقي هو إطلاق حريّة الحركة للخبراء الأمريكيين دون غيرهم من الروس وحلفائها بعمل ما يحلو لهم على المصادم.
اكتشاف الجرافيتون فتح آفاقًا جديدة للدول المتوقع خوضها الحرب النوويّة، تلك الآفاق المتمثلة في عمل بحوث حول إمكانيّة تطويعه لصنع سلاح أفتك من الأسلحة النوويّة.
ولقد منّوهم خبراؤهم بأنّ المصادم FCC-2 قد يكون الوسيلة لصنع سلاح دفاعيّ ضد الرءوس النوويّة وبالتالي يعصف بأخطار القنابل الذريّة من قبل المهاجم.
وبدأتْ الدول ترسل دعمها بمليارات الدولارات مما كان له أثر بالغ في تحسين الاقتصاد المصري شيئا فشيئا.


غزو مشروع
تجارب مصادم FCC-2 تتم على أكمل وجه، وما زال الخبراء والباحثون يتوافدون عليه من كلِّ أنحاء العالم، والكثرة الكاثرة منهم من الدول المحتمل خوضها للحرب المحتملة وهي أمريكا وحلفاؤها ضد الروس وحلفائها.
ولم يغفلْ مهديّ لِما تُدبّره الكتلتان العظميان للمنطقة العربيّة، فالمخطط الصهيو أمريكيّ يريد ضرْب دول آسيا في مقتل بدب أحذيتها الغليظة على أعناق أهل أرض العروبة، كما لم يغفل أيضا أن دول آسيا لن تسكت وستسارع هي الأخرى للزحف نحو المنطقة لتدافع عن نفسها.
ولقد تأكد لمهدي بأنهم سيبدءون زحفهم بإرسال خبرائهم للعمل على المصادم، ولقد استغل مهدي تلك الفرصة وفتح المصادم للجميع من أجل أن يأخذ ما بجيوبهم من مال ليخرج بشعبه من المجاعة التي ضربتهم بسبب ضياع نهر النيل وتسليم مقدرات اقتصاد مصر لدولة إسرائيل من قِبل الرئيس المخلوع.
***
مضى عامان على الاتّفاق الصهيو أمريكي، خلالهما كانت الحروب الأهلية في المنطقة العربية على أشدها، والانقسامات داخل جيوشها تسببت في استنزاف قواهم الجسديّة والماديّة.
تلك النكسات أيقظت بقوة الخلافات القديمة الخاصة بحصص المياه بين تلك الدول العربية من خلال المصبات والمنابع فضلا عن الحدود الجغرافية المتنازع عليها من قبل أيضا، تلك اليقظة بمنزلة دق طبول الحرب فيما بينها.
ولم تنج الدول العربية من داء التطرف المذهبيّ والعقائدي أيضًا، ولقد ظهرتْ ملامح هذا الداء العُضال من خلال مجموعة من الحروب بين السنة والشيعة داخل الدولة نفسها ثمّ بين الدول وبعضها؛ فتقاتلوا وأنهكوا بعضهم بعضا.
ونتيجة لكلّ ما سبق، ترامتْ الجثث في كلِّ مكانٍ على أرض العروبة، وانهدمتْ المنازل فوق رؤوس أصحابها.
وغدت الحياة مستحيلة على أرض العروبة حتى كثُر فيها العواء والزئير والفحيح، وتحوّلتْ الأرض كلّها إلى مجموعة من الغابات يعيش عليها أعتى أنواع الحيوانات شراسة وتوحشًا وافتراسًا.

***

وبالرغم أنّ المخطط سالف الذكر هو السبب في ذلك، إلا أن القادة الأمريكيين أذناب نظام رامسفيلد والصهاينة خرجوا في بجاحة لا نظير لها عبر وسائل الإعلام وأدانوا العرب جميعًا، وفيما قالوا: إنهم قوم إرهابيون، وما كان يجب من البداية أن نتركهم لأنفسهم يدمّرون بعضهم بعضًا ثم يصدرون لنا معتقداتهم الإرهابية بزحف المنتصرين منهم نحونا.
ومن أجل تجنب زحفهم إلينا يجب أن نبادرهم ونذهب إليهم لنحميهم من أنفسهم أولاً، ثمّ نحمي أنفسنا منهم.
ويجب إعداد جيوشنا كاملة العدة والعتاد، حتى إذا حصلنا على شرعية الدخول إلى المنطقة من الأمم المتحدة استطعنا الانتشار جيدا في المناطق الإستراتيجية فيها.
***
ولم تمضِ سوى أيّام على خروج الساسة المتبجحين حتى عقد الكونجرس الأمريكيّ جلسة تناقشوا فيها حول زحْف القوات الأمريكيّة وحلفائها إلى أرض العروبة، وقد كان عدد الأصوات الرافضة للزحف تعادل الأصوات الموافقة له.
صبيحة اليوم التالي من عقد الكونجرس خرج الشعب الأمريكيّ كلّه تقريبًا في مظاهرات عارمة رافضًا التدخل الأمريكيّ في المنطقة العربيّة معللاًَ أنهم ليسوا في حاجة لإرسال أولادهم إلى هناك ليخوضوا حربًا ضد الروس يحترقون فيها.
ولقد قالوا أيضًا لا يجب على دولتنا وأحلافها أن يحاربوا آسيا من أجل فشلنا في منافستهم اقتصاديًا.
اعتصموا أيضا في الشوارع وأقاموا الخيام وافترشوا الأرصفة وندّدوا بجورج رامسفيلد ويعقوب إسحاق ودعوا الأمم المتحدة ألّا تُعطيهم شرعية الزحف إلى هناك.
ولقد ترك جاك رصد نجم أورط ووقف مع الثورة تضامنا لهم، ونتيجة ذلك أن خرج الشعب الأمريكيّ عن بكرة أبيهم فحدثتْ ثورة لم تشهد أمريكا لها مثيلاً على مدار تاريخها كله.
وكان جورج رامسيفلد يتابع مشاهد الثورة بأسىً بالغ، فلمّا شاهد جاك يحرّك الثوّار ويشدّ من أزرهم تأكد له حينئذ أنّ الثورة ستنجح ويفشل مخططه الذي من أجله اعتلى عرش الرئاسة الأمريكية، لذلك تراءى له أن يخطط لإفشال الثورة الأمريكية.
وعلى صعيد آخر خرج جمْعٌ ليس بالقليل من حاخامات اليهود تبعهم عدد غفير من الشعب اليهوديّ متّجهين إلى المؤسسات الإسرائيليّة رافعين شعارات تدين سياسة يعقوب إسحاق تجاه العرب.
وقد قال حاخام المعبد الأكبر بأنّه ولده"يقصد يعقوب" وقد ربّاه، فلمّا علم باجتماع الكابينت الشيطانيّ عارضه فلم يمتثل، فطرده من المعبد وقال له إنّ اليهود شعب الله المختار بطاعة الله وليس بالعمل على تأجيج الحروب والصراعات بين الدول.
وقال حاخامٌ آخر إنّ الحاخام الذي اجتمع معهم في الكابينت وأعطاهم شرعيّة إثارة الفوضى في العالم من أجل تمكن دولة إسرائيل من رقاب كل العالم لم يكن حُجّة على التوراة، وقد ردّ عليه كثير من الحاخامات في طريقة تأويله للنصوص التوراتيّة، وقالوا له مرارًا وتكرارًا إنّ عليهم نشْر نصوص التوراة بالحقّ والعدل وليس بالدم والقتل، وإنهم مُفضّلون على العالمين بالتقوى، بيد أنه رفض ذلك كله وأصر على إثارة كافة الدول على بعضهم البعض.
وهم أحبار اليهود يقولون للعالم وللتاريخ أنّهم لا يدعون إلى مذلّة الشعوب أو قتلهم أو إثارة الفتن بينهم، ويقولون أيضا أنّهم أسياد بالتقوى، ودولة إسرائيل الكبرى ما هي إلّا حضارة لابدّ أن تحكم العالم بالحقّ والسلام.
ولقد أخبرتْ أجهزةُ المخابرات الإسرائيليّة يعقوب إسحاق حركة الشارع اليهوديّ أولاً بأوّل وكان يعلق حينها بنعتهم بالجهل، أمّا بالنسبة للحاخامات فقد علق بأن ما يقولونه مجرد محض هراء.
أمّا مؤيد فكان يتابع ثورات الشعب الإسرائيليّ وأقوال الحاخامات فلم يعبأ بها لأنّهم مجتمعون على رأي واحد هو أنّ فلسطين مغتصبة، ومغتصبوها هم الفلسطينيّون.

***


ضربات إرهابيّة في أمريكا وأوروبا
وإنهاك الدول العربيّة بعضها بعضًا كان يُبثُ ليلاً ونهارًا على شاشات التلفاز والقنوات الإخباريّة العالميّة، وكانتْ تشاهد بشغف وترقب كل هذا الشعوبُ الأجنبيّة وخاصة جيوشها المحتمل زحفها إلى أرض العروبة.
ولم تغفل هذه الشعوب أنّ أمريكا وأوروبا يمثّلون حِلْفًا لخوْض حروب باردة منذ زمن ضد آسيا بسبب ازدهار الأخيرة عن الأولى اقتصاديًا، بينما أوروبا تعاني حالة من الكساد والركود الاقتصاديّ.
ولذلك خرجتْ الثورات تندّد بسياسة حكامها في أمريكا بالخصوص، تلتها فرنسا ثمّ بلجيكا، بينما كانت حدّة المظاهرات خفيفة على أرض إنجلترا.
وهذه المظاهرات تقف حجر عثرة تجاه زحف القوات الأوروبيّة، وإن زحفتْ فسوف تضطرب بسبب الرفض الشعبيّ مما يتسبّب في هزيمتها من أول جولة حرب ضد آسيا.
وزادتْ حالات الاعتصام والمظاهرات والمسيرات اعتراضًا على سياسة أمريكا ودول أوروبا في أسلوب معالجتها للخروج من الأزمة الاقتصاديّة التي تعتقد أنظمتها أن دول آسيا هي السبب فيها، وبدأتْ هذه الشعوب تنادي بإسقاطها، حتى إنّ من يتابع الشعارات الثوريّة هناك كان يقول إنّ الشعوب الأوروبيّة والأمريكيّة متضامنة مع الشعوب العربيّة.
وظلّ الحال مستمر حتى وقعت الكارثة، أحداث إرهابيّة في أمريكا ومعظم أنحاء أوروبا.
فقد تمّ اختطاف بعض الطائرات التي تقوم برحلات داخليّة وتوجيهها لضرْب بنايات كمباني المخابرات ووزارات الدفاع ومراكز التجارة والمصارف في هذه الدول السابق ذكرها.
وكثُرت فيها حالات الدهس بالسيارات والطعن بالسكين، وقيام بعض الإرهابيين بارتداء أحزمة ناسفة والهجوم على بعض المنتجعات والقرى السياحيّة، لكنّ أكثرها كانت في الفنادق والملاهي الليليّة.
وما زالتْ هذه العمليّات تُعلن على شاشات التلفاز ليل نهار، وتزداد الأحداث دموية يومًا بعد يوم.
ولقد كانت الضربة على مؤسسات الولايات المتحدة الأمريكيّة خاصة بمنزلة فكّ شفرة هذه المعضلة وترياق الأسقام لأنفسهم المريضة، فعلموا وتعافوا وسارعتْ أقدامهم للدخول إلى المنطقة.
ولم يعرف أحدٌ على وجه الحقيقة مَن قام بهذه العمليّات ضد الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها، ولكنّ الغالبية من تحليل الساسة العدول يؤكّدون أنّها ضربة ثأريّة من بعض الجماعات الإسلاميّة المتطرفة ردًا على مساندتها لإسرائيل في مخططها الذي أضاع المنطقة العربية بأثرها.
وبالفعل بعد الضربة ببضع ساعات خرج متحدث رسمي باسم هذه الجماعات ليُعلن أنّ على أمريكا الابتعاد عن الأراضي الإسلاميّة وعليها أن تكفَّ عن دعمها للمخطط الصهيونيّ الشيطانيّ الدمويّ.
وهناك كثير من المحللين شككوا في البيان، وطمست الحقيقة حتى الآن ولم يعرف أحد على وجه اليقين من وراء هذه التفجيرات.
وبمجرد حدوث الضربات انسحبَت جماعة من المعتصمين لا تلوي على شيء ومضت إلى منازلها، بينما كان جاك يحاول تثبيتهم حيث هم.
ولكن بعد إعلان الجماعة تركوا جميعهم الميادين بعد أن أدانوا الضربة بصراخ وبكاء على أهليهم وذويهم الذين فقدوهم إثر هذه الهجمات الشيطانيّة على حد قولهم.
ولم يجد جاك مفرًا من الإذعان للأمر الواقع، ليس لديه ما يقوله فانفضوا جميعًا من حوله، ووجد نفسه وحيدًا فريدًا فرحلي استسلام ويأس إلى مراصد ناسا.
وبعد الإعلان ثمّ انسحاب المعتصمين تعبّدَ الطريق للمخطط ليتّجه بجيوشه نحو الشرق.
وبذلك خسرَ العربُ والعالم الإسلاميّ الرفض الشعبيّ الأمريكيّ والأوروبيّ.
زحفتْ أمريكا وحلفاؤها نحو المنطقة سريعًا ردًا منها على الضربة الإسلاميّة في عملية لحفْظ السلام وتربية النفوس، وهذه هي الأسباب المعلنة وهي هي نفس الأسباب التي استندَ إليها جورج رامسفيلد في الحصول على شرعيّة دخوله إلى المنطقة العربيّة.
وتوالى إرسال قوّاتها وقوّات حلفائها للسيطرة على المنطقة برمتها.

***
انسلب فهمان من حرسه وخرج هائمًا على وجهه يمرّ على الأكواخ والجحور ويخاطب الناس كالمجنون بقوله: لا تخافوا، سأقتله، سأقتل إبليس، لن تقوم الحرب لو قُتل إبليس.
وظلّ يردّد كلماته كالمجنون، ولأنه شخصية هامة تبعه أحد الصحفيين وصوّره، وهبط الظلام وهو ما زال يهيم في الحارات والأزقة والجحور. جاء خبره إلى مهديّ فكلّف حرسه الشخصي بإحضاره.
ذهب الحرس إليه بينما هو يشاهده عبر القناة وهو يصرخ ويبكي ويتوّعد إبليس فبكى لبكائه.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-03-2022, 02:11 AM   #51
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1365

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


تركّزتْ القوّات الأجنبيّة في المناطق الحيويّة من معابر ومسطحات مائيّة ومضايق وكذلك مناطق الحدود بين الدول العربيّة المتنازع عليها، ومن مناطق منابع الماء إلى روافدها تركّزتْ أوروبا هناك بحجة القضاء على حرب عربيّة شاملة بين المنطقة بعضها من بعض، لكن الغرض الأساسيّ هو ضرْب الاقتصاد الأسيويّ والتحكم في سير التجارة العالميّة.
وعلى الصعيد الآخر لم تسكت آسيا ولم تعبأ بقرارات الأمم المتحدة، فزحفتْ هي الأخرى نحو المنطقة وتمركزتْ أيضًاً في بعض الممرّات والمعابر والمضايق الحيوية.
ولم يكن تمركزها هذا وليد اليوم، فهي معدة مسبقًا خطة دفاع إستراتيجي في حال زحْف القوات الأمريكيّة وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
ومنذ بدْء دخول القوات الأجنبيّة تزايد عدد الوافدين إلى مصر من رجال الأعمال العرب ونظرائهم من الغرب.
وفدوا من أجل الحفاظ على دمائهم وأموالهم، تلك الأموال المعرّضة للنهب والسلب على إثر الفوضى العارمة التي سرطنت أنحاء المنطقة العربيّة وبعض الدول الأجنبيّة.
ففي بعض الأراضي الأجنبيّة التي تعرضت للضربات الأخيرة قامت شعوبها بالثورات، فخشي رجال الأعمال الكبار على مصانعهم وأموالهم فوفدوا إلى مصر التي أصبحت دار أمن، يقيمون مصانعهم ويضعون عملاتهم الأجنبيّة في مصارفها.
وشرعوا في بناء المصانع واستصلاح الأراضي وبناء ناطحات السحاب.
ولكي يحققوا ذلك اضطروا لبيع عملاتهم الأجنبيّة ليشتروا العملة المحليّة فضلا عن أنّ مهديّ منع تداول الدولار بين أيدي رجال الأعمال والمستثمرين.
وبدأ الجنيه المصريّ يتعافى شيئًا فشيئًا، وبمرور الوقت بدأ يرتفع، وعلى لسان أحد خبراء الاقتصاد قال: يبدو أنّ الجنيه المصريّ في الفترة القادمة سيصبح بنصف دولار.
ولقد تحوّل ظنّ مهديّ إلى يقين، وشعبه في طريقه للرخاء بعد الأحداث التالية.
في الحقيقة أنّ الصراع بدأ أول ما بدأ هناك، هناك في تايون منذ نحو سبع سنوات تقريبًا عندما دخلت القوات الأمريكيّة ردًا على الرفض المتكرر من الصين بعدم تعويم اليوان، وكان صراعًا يأخذ محمل الهزل، أمَا وقد تمرّكزتْ الكتلتين في المنطقة العربيّة بات الصراع فيها يأخذ محمل الجد.
وعلى أثره وجّهتْ الصينُ أسلحتها النوويّة إلى مناطق تمركز القوات الأمريكيّة هناك.
والآن بدأ الصراع الغربيّ الأسيويّ في المناطق الإستراتيجيّة في سوريا واليمن وغيرها من المناطق الهامة كالمعابر والمضايق والقنوات فضلاً عن هذا الصراع القديم في تايوان.
وبالنسبة لقناة السويس فخرجتْ من حسابات الكتلتين وذلك بسبب تماسك البني الداخليّة لها تماسكًا متينًا بفضل القائد مهديّ والقوات المسلحة التي ظهرتْ معادنها الثمينة حين تمّ تجميد مرتباتهم لمدة ثلاثة أعوام. وللأسف لم يمنع مهديّ أيّ سفن حربيّة عبر قناة السويس كي لا ينقض الاتفاقات الدوليّة من جهة ومن جهة أخرى لا يجعل دولته عرْضة للهجوم بسبب عدم توفير الدعم اللوجستي لسفنهم الحربيّة.
وانقسمَ العالم آنذاك إلى كتلتين، أمريكا وحلفائها من الغرب ومن جهة أخرى روسيا والصين وحلفائهما.
وتحوّلتْ الجيوش العربيّة من حرّيتها إلى تبعيتها للاستعمار الجديد، وذاقتْ الشعوب مرارة ظلميْن، ظلم الحكام العرب العملاء آنذاك وظلم رقّ الاستعمار.
وطفح على الأراضي العربيّة كثير من المنظمات الإرهابيّة والعصابات، وعاد عصر الفتوات حتى أنّهم باتوا يرتدون اللاسات والجلابيب ويحملون النبابيت.
ودُقّتْ طبول الحرب، ولم تكن بدايتها على أرض العروبة، بل بدأتْ في تايوان كما ذكرت سالفًا، تبادل إطلاق النيران بين الصين وأمريكا من أجل استعادة تايوان.
تبادل الاثنان الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة وأكثر المتضرّرين من هذه الهجمات مدنيي تايوان والصين.
ولأنّ العالم مقبلٌ على حرْبٍ نوويّة في منطقة الشرق الأوسط، ولأنّ وجود أمريكا في تايوان احتلال صارخ، لم تكتفِ الصين باستخدام الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة بل هددت بالنوويّ مباشرة حيث قالتْ على وسائل إعلامها أنّه لا مفرّ من استخدام الرؤوس النوويّة لتحرير تايوان، ثمّ تابعتْ كلامها: أمّا الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط فلن تكون الصين البادئة في استخدام الصواريخ النوويّة العابرة للقارات، وإذا استخدمتها أمريكا فلا بديل لنا إلّا ضرْب المنطقة كلّها بترسانة الأسلحة النوويّة التي تمتلكها الصين وحلفاؤها.
وهذا موقف طبعيّ من الصين، ففي المطامع يغلب على القوى الطامعة في التورتة طبْع الانتقادات واستخدام الأسلحة التقليدية والتلويح من بعيد بإطلاق الرؤوس النوويّة، لكن عندما يتعلق الأمر بأخذ قطعة من أرضين أحدهما فليس لدى المحتل إلّا التهديد المباشر باستخدام النوويّ.
وعلى أرض سوريا تبادل إطلاق النيران بين القوات الغربيّة الأمريكيّة المتمركزة في أحد جهاتها وهي منطقة الشمال وبين الروس والمتمركزة في الجنوب هي وحلفائها.
كذلك بدأ الصراع الحربيّ وسقوط آلاف القتلى والجرحى حول المعابر والمضايق التي تؤمّن الدعم اللوجستيّ للنفط والغاز والسفن الحربيّة المحملة.
وقد بدا واضحًَا من خلال المعارك أنّ كفّة الأمريكان وحلفائها أرجح قليلاً.
ونتيجة ذلك، تزايد عدد الوافدين أكثر وأكثر من كلّ أرض إلى مصر هروبًا من الحرب وتداعياتها مما كان له عظيم الأثر في زيادة الاحتياط الأجنبيّ من العملة الأجنبيّة الدولاريّة وغيرها إثر قدومهم بأموالهم وإنفاقها، ونتيجة لذلك لم يتوانَ البنك المركزيّ المصريّ في طبع النقود المحليّة ليل نهار التي تستقرّ في جيوب الأجانب بعد تخلصهم من العملة الأجنبيّة التي لديهم.
والغلاء ارتفع عالميًا بطريقة لم تحدث منذ الحرب العالميّة الثانية 1945، ولقد حققتْ سياسة الرئيس مهديّ ارتفاع الناتج المحليّ بقيمة لم يشهدها الاقتصاد المصريّ من قبل.
كما أنّه جنّب مصر بذكائه وقوّته الخوض أو المشاركة في الحرب العالميّة الثالثة.
وأنشأ حضارة وجد فيها المواطن المصريّ العزة والكرامة والعدل، حضارة من أنفاق الثري إلى قمم الشموس.
وبدأتْ أنفاق المواطنين المصريّين تُردم شيئًا فشيئًا، والخيام الورقيّة والصوفيّة تتحوّل إلى أطلال رغم أنّ القليل من الشعب بكى على هذه الأطلال الورقيّة والصوفيّة، لأنّهم أصلاء وهؤلاء هم أنفس معادن الناس.
وبدأتْ المنازل تُشيّد، وتمّ استيراد الكثير من الملابس الحريريّة والقطنيّة الفاخرة من الخارج التي أقبل عليها المصريون يرتدونها داعيين لفهمان ومهديّ بطول البقاء.

***

ذهب رجل المائة ألف جنيهًا صاحب الكلية التي زعم أنّها تالفة إلى الطبيب وردّ له المبلغ بعد تمنع جامح من الطبيب.
استقل سيارته المتواضعة وظلّ يجوب شوارع مصر مستعبرا متأوها وهو يحدث نفسه قائلا: أخشى أن تتصارعوا يا بني وطني على القبور قبل القصور، وقماش الخيام قبل أبراج السحاب، وكسْرة الخبز قبل الكباب، ومعطف الورق قبل معطف الحرير، كم أخشى يا أغنياء بلدي أن يسيل لعابكم وتشرئب أعناقكم وتدور أعينكم على ما ليس لكم فيكون رنين الفخار لدىَ فقراء مصر أطرب على مسامعكم من رنين الذهب الذي لديكم.
كم أخشاكم يا أهل بلدي أن تأتون يوماً لمهديّ تطلبون منه مائدة من السماء بعد أن ملأ جيوبكم بالدولارات.
وقف بسيارته فجأة وسرعان ما قال: المعدة الجائعة تشبع، لكن إذا شبعت تقنع صاحبها آنذاك بأنّها جائعة على الدوام، صدق المثل القائل: "ما يملأ عين ابن آدم إلّا التراب".
سار بسيارته قليلا وقال حينها بتوجع: يا ترى يا مهديّ أغنيتَ شعبك على حساب مَن! أخشى أن يسبح قومُك ...
وقبل أن يكمل فرمل سيارته فتوقف فجأة حتى كاد يُقذف في زجاج السيارة الأمامي ثم ما لبث أن أكمل: .. بأطواق النجاة على بحور دماء العالم يا مهديّ.
أوجعته الكلمة التي تساءل بها فشهق على أثرها شهقة أزهقت روحه فيه رغبة وطواعية منه حتى لا يرى دماء الغرب تسيل بسهام مهدي الذي أطلقه من مختبر فهمان فطين المصري ffc-2.
***
مرّ عامٌ على تبادل إطلاق النيران بين الكتلتين المتحاربتين، وفي هذه الأثناء حقّقتْ الولايات المتحدة الأمريكيّة نصرًا مؤزّرًا على الروس وحلفائها، وتقدّمتْ قواتها إلى معظم المناطق الإستراتيجيّة؛ بينما تراجع الروس وآثروا القهقرى ليعلنوا بعدها مباشرة الرغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات.
ومنذ هذه اللحظة وهي لحظة إعلان الرغبة في إجراء المفاوضات مع الأمريكان توقع أكثر الساسة انتهاء الحرب، بينما قلة منهم توقعوا تطور الحرب من تقليدية إلى نووية إذ لن يتعامل الأمريكان مع الروس إلا من قبيل المنتصر والمهزوم وعلى ذلك يرى الأمريكان أنه يتوجب عليهم إملاء شروطهم على الطرف الروسي بينما يرى الروس أنهم ليسوا في موقف ضعف على أساس أنهم قادرون على تحويل الكرة الأرضية إلى قطعة من جحيم جهنم.
واجتمعوا، وبعد مداولات عديدة استمرت عدة ساعات قدم الروس فيها عدة تنازلات منها إبرام عدة صفقات تجارية بين آسيا كطرف أول وأمريكا كطرف ثانٍ تصب كلّها في مصلحة الطرف الثاني بالطبع، هذا فضلا عن تعويض الأمريكان بمبلغ ضخم بسبب ما تكبدته من خسائر في هذه الحرب.
ولم يشترط الروس علي الأمريكان إلّا شرطًا واحدًا وسط كل هذه التنازلات وهو الانسحاب المشترك من كافة المنافذ والمضايق وكافة المواقع الإستراتيجية واللوجستية من المنطقة العربية في آن واحد.
وكان رد جورج رامسفيلد هو طلب مهلة ليفكر في العرض المقترح من الروس.
وبعد مداولات عديدة بين قادة الحرب من الطرف الأمريكي قررّوا الموافقة على العرض باستثناء انسحاب جيوشها من المنطقة العربية، وهذا ما رفضه الروس رفضًا قاطعًا، حيث قالوا: نحن لسنا مضطرين للخنوع الكامل ولدينا أسلحة نوويّة، وسوف نحوّل بها الكرة الأرضية إلى أجيج مشتعل، والآن اعلموا أيها الأمريكان أنّ رؤوسنا النووية محملة على صواريخ عابرة للقارات تنتظر الإذن بالإطلاق.
ولقد تفاجأ الساسة والعسكريون من كلّ أنحاء العالم ردّ الأمريكان الغريب وأرجعوا ذلك لتدخل يعقوب إسحاق في الأمر حيث هو من زجّ بجورج رامسفيلد بعدم الموافقة على إنهاء حالة الحرب إلّا بشروط أمريكيّة خالصة .
***
العالم يغلي وعلى وشك الانفجار كانفجار النجم حال موته، لم يستطع فهمان متابعة تجاربه على المصادم الذي يبغي من ورائه الذهاب إلى إبليس رغم إصراره وإيمانه بأنّ إبليس السبب فيما وصل إليه العالم حتى الآن من دمار.
أمّا جاك فلم يستطعْ هو الآخر عمل أيّ رصد لنجم سحابة أورط رغم إيمانه بأنّه سيتحوّل إلى ثقبٍ أسود في أي لحظة؛ وعليه فلابد أن يتحرك سريعًا حتى يدحره عن طريق شراعه الضوئيّ المقترح في رسالة الدكتوراه.
ورغم الفائدة العظيمة التي يبغياها من وراء عملهما إلّا أنّ الأحداث جثمتْ على صدريهما فاختنقا، وانصهر قلباهما في بوتقة الحرب الدائرة.
أمام موقع التجارب على المصادم ffc-2 ظل فهمان يلكم الطاولات والحوائط حسرة وغضبا على رفض جورج رامسفيلد للمقترح الروسي، ونفس الحال بالنسبة لجاك ولكن في موقعه، أمام مراصد ناسا.
سقط فهمان على الأرض مغشيًا عليه لأنه رهيف القلب، بينما نجد جاك ممسكا بصفيحة معدنية كانت بجانبه مرسوم عليها خريطة العالم، وأخذ يثقبها بأصابعه الفولاذيّة، فلمّا شارف على الانتهاء منها بكى ثمّ احتضنها ووضعها على الأريكة.
ولأنه ذو قلب جسور انتفض فجأة واتّجه إلى باب المرصد ولم يفتحه بل اقتلعه من مكانه وتذكّر ولأول مرّة ذاك البركان الذي ضرب ولاية كاليفورنيا منذ أربعة عشر عاماً تقريبًا وتذكّر أنّهم لقّبوه ب "فتى البركان الملثّم" فقال لنفسه: الآن أنا فتى بركان البيت الأبيض.
أقبل عليه حرسه شاهرين مسدساتهم ظنًا منهم أنّه كان في مشاجرة مع شخص استطاع التسلل والوصول إلى مخدعه.
فلما رأى منهم ذلك قال لهم: لا شيء خطر، انتظروني هنا حتى أعود، لعلي أستطيع أن أطفئ حرائق البيت.



***






جاك في البيت الأبيض
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وصل جاك إلى مبنى البيت الأبيض وما زال يتوقّد حنقًا على وتيرة الأحداث التي قدْ تُنذر بزوال العالم ولاسيما أن مؤجج هذا الصراع هو رئيس جورج رامسفيلد بإيعاز من يعقوب إسحاق.
وصل إلى البوابة الرئيسة للبيت الأبيض، دلف إلى أحد حرّاسها، ثمّ قال له بابتسامة هادئة رغم أن غضبه يكاد يتحول إلى لهيب: «أريد مقابلة فخامة الرئيس.»
تفحّصه الحارس بنظرة عميقة، وأوغل في شرارة عينيه وطأطأة بشرته وتذبذب جوارحه، تبين حقيقته ولم تخدعه ابتسامته الهادئة، عندئذ قال له الحارس بهدوء: «هل أخذت موعدًا من فخامة الرئيس يا دكتور جاك؟»
أجابه بسؤال: «أتعرفني؟»
- «وهل تظنّ أنّ حارس البيت الأبيض لا يعرف مَن هو مثلك يا جاك، يكفي أنّك تُسمِّي نفسك جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.»
صمت هنيهة ثمّ قال: «أنا سعيد برؤيتك، وأرجو أن تُهدّئ من روعك وتملك أعصابك العائمة في بركان غضبك.»
- «لا شأن لك بغضبي، فقط أخبره أنّي أريد لقاءه.»
انتحى الحارس جانبًا ليكون بعيدًا عن سمع أذني جاك، بينما جاك يرمقه مقطبا.
كلّم الحارس رئيس حرس البوابات وأخبره بحالته، فأخبره رئيس الحرس بمنعه من الدخول والانتظار لحين إشعار آخر.
ومرّت ساعة وما زال جاك ينتظر على أحد المقاعد، وبدأ الظلام يهبط وئيدًا، فنهض وأقبل على الحارس وهو يزفر غضبا، وقال: «بعد إذنك، افتحْ البوابة واتقِ شرّي، أنت ومن وراءك.»
رد ّالحارس: «لا تضطرني يا جاك أن أفعل ما أكره وتكرهه أنت، انتظرْ حليمًا أو انصرفْ راشدا.»
ضربة جاك ضربة قوية في قضيبه فتقلصت ملامح الحارس ألما وسقط طريحا، حاول النهوض فلم يستطع. مضى جاك قدما واخترق الباب، خطا خطوات وهو يلتفت يمينًا ويسارًا يريد أن يعرف السابلة إلى حجرة الرئيس، لكنْ سرعان ما التفّ حوله حرس البوابات ولم يكن بينهم رئيسهم.
أحصاهم جاك عددا وقال لهم متوعدا: «دعوني، أريد مقابلة الرئيس.»
هاتف أحدهم رئيس الحرس فأتى مسرعا وهو يكلم الرئيس بشأن جاك.
أقبل إليه رئيس الحرس وقال له ممتعضا وأنفاسه تتلاحق: «أهذه طريقة تدخل بها البيت الأبيض يا جاك، اتفضل الرئيس بانتظارك.»
ورغم دخول جاك عليه متجها إلا أن الرئيس نهض له والتزمه وبش له، هكذا تراءى له.
أما جاك فلم يبد له أي احترام؛ بل لم يبسط يده إليه.
أنزل الرئيس يده بعد أن أخذ تلك الصفعة النفسية وتجاوز أيضا عن هذه الأخرى وبادره بقوله: «لعلّك فكّرت في عرضي السابق وقرّرت أن تصنع الطائرة.»
هز جاك طرف أذنه اليمنى بإبهامه وكأنه يريد أن يطرح أرضا بكلمة الرئيس التي سمعتها أذنيه، وسرعان ما قال: «أشعلتَ الحربَ أنت ويهودك، ماذا ستجني أمريكا من وراء الحروب؟»
واستطرد مستدركا بصوت عال: «بل ماذا ستجني أنت من العرش؟»
لم يعد يحتمل الرئيس استخفاف جاك به لذلك قال: «تأدب أيّها الفتى، وإيّاك تظنّ أنّ وكالة ناسا أو حبّ الشعب الأمريكيّ لك سينفعانك عندما تتطاول على رئيسك، أنا هنا على هذا العرش أحمي بلدي ممن يريدون بها السوء.»
- «أيّ سوء؟» قالها جاك باستخفاف.
- «من الشرق يأتينا الإرهاب، ومن آسيا يسرقون ملكتنا الفكرية ويتربصون بنا عبر المضايق والممرات المائيّة ليقطعوا عنا إمدادات النفط وخطوط الغاز، ولا يتورعون بالفعل أو القول لإلحاق الأذى بنا رغم أزمتنا الاقتصادية الخانقة.»
وسرعان ما هرول وفتح التلفاز وأراه أسعار النفط التي فاقت الخيال ثم قال له: «أرأيت كيف فعلت بنا ودول الخليج، أما آسيا فقد منعت النفط عنا.»
ثمّ حدّ إليه النظر وقال ممتعضا متعجرفا: «وهم صنيعتنا ونحن الذين ثبّتناهم على كراسي الحكم.»
قال جاك: «أيّها الرئيس، أنا غير مقتنعٍ بما تقول، مَن كان قبلك أفضل منك وقد ساهم في الخروج مِن أزمتنا الاقتصاديّة إلى حدٍّ كبير.»
ثم أقبل إليه بضع خطوات ورفع سبابته في وجهه وقال محذرا متوعدا: «ارفعْ يدك من هذه الحروب، اسحبْ الجيوش الأمريكيّة وخذ تعويضات الحرب التي عرضها عليك الروس والصين، انسحبْ بالجنود من أرض العرب إلى أرض أمريكا فهي (الأرض) الأولى بأن تدب أقدام الأمريكيين عليها.»
لما همّ الرئيس بالحديث بادره جاك بقوله: «اسمع، ليس لنا شأن بهرمجدون والهيكل والمسيا الملك وأرض الميعاد والنيل إلى الفرات وسائر تلك المخططات الصهيونية القذرة، شأننا هو (يشير في تلك اللحظة بسبابته إلى السماء) ذاك الرابض في السماء، ارفعْ يدك عن العالم، ارفعْ يدك عن أمريكا.»
قال الرئيس ممتعضا: «ما شأنك أنت بالسياسة والحرب يا فتى، لابدّ أن تحكم أمريكا ولا تُحكم، حتى لو اضطررت لإبادة العالم كلّه، ولا مانع أن تضحّي أمريكا ببعض جنودها مِن أجل أن يعيش شعبها كله في كرامة وكبرياء، اذهبْ أيّها الجاهل إلى ناساتك ولا تعدْ.»
تملك الغضب جاك وجرت الدماء في عروقه وأخذ يتمتم بعبارات الحنق، وتحولت عيناه إلى جمرتين وقال بصوت كالرعد: «أنت جرثومة يا خادم يهود، أنت عضو خبيث في الجسد الأمريكي يجب بتره، وأنا باتره.»
وانقضّ عليه ليخنقه، وطوقه بذراعيه وأخذ يضغط حتى جحظت عينا الرئيس واندلع لسانه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بادر إليه حرس القصر وانتزعوه من يديه.
أخرجَ أحدّ الحرس مسدسه من غمده ليطلق الرصاصة على جاك، لكنّ رئيس الحرّاس رفع يده إلى أعلى في الوقت المناسب فطاشت في الهواء ثمّ قال للحارس: «أجننت! أتودّ أن يثور الشعب على الحكومة! هل تظنّ أنّ وسائل الإعلام الأمريكيّة سترحمنا؟ ألا تعرف ماذا يمثل جاك لأمريكا وللعالم؟»
ونظر إلى كل الحرس وأمرهم بالصمت.
التفوا جميعا حوله والذعر يتملكهم، وتمكنوا منه وهو يسب ويلعن في رامسفيلد ويرميه بأفظع الشتائم، بينما توارى رامسفيلد خلف ظهر رئيس الحراس.
استطاع جاك بعد لحظات التخلص من قبضتهم وركض كالوحش نحو رامسفيلد ولكن رئيس الحراس لكمه لكمة شديدة ارتد على إثرها للوراء وسرعان ما هجم عليه الحراس من جديد قبل أن ينهض.
أمرهم رئيس الحرس بأن يتركوه، وفور أن نهض قال لجاك: «جاك امضِ لحال سبيلك ولن يمسك سوء، امض وحسبك ما فعلت.»
قال جاك: «لن أمضي حتى يأمر هذا الصعلوك (يشير إلى الرئيس) بانسحاب بلدي من أرض العروبة وترك الحرب بلا عودة.»
لم يجد رئيس الحرس بدا من تهديده بعد إصراره فقال: «جاك، لو قتلتك الآن لن أُعاقب فيك، وأمور الحرب هذه سياسة دول وشأنها وليس لنا أن نتدخل فيها، ولا بديل لك الآن إلا أن تمضي.»
ردّ جاك: «لن أمضي قبل أن يعدني هذا الأخرق (يشير إلى الرئيس) بألا تتدخل أمريكا في شئون أحد.»
قال رئيس الحرس: «جاك، أنت بذلك تثير فتنة ببلدك، لا أريد أن أؤذيك لأني لا أريد للبيت الأبيض أن يصطدم بوكالتك فتتسبب في عودة الثوار مرة أخرى.»
وفور أن انتهى من قوله كرّ جاك مرة أخرى يريد الفتك بالرئيس، فوقف رئيس الحرس حائلا بينه وبين وقال له بثقة: «إذن لا محيص، قاتلني أنا.»
وأمر جميع الحرس بعمل دائرة كبيرة أشبه بحلبة المصارعة، وكل منهما يحمل بداخله أمرا، فجاك يريد هزيمته ليفتك بالرئيس، ورئيس الحرس يريد الفوز ليصرف جاك عن المشهد.
لم ينصاع الحرس للأمر، واندفعوا إلى جاك في لحظة خاطفة وتمكنوا منه وقيدوه.
أمرهم رامسفيلد بسلسلته ووضعه في أحد حجرات البيت حتى يُنظر في أمره.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 12:19 PM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 08:56 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.