الأخ الأستاذ سعيد موسى
قرأتُ ما قد جاشتْ بهِ نفسُكَ في خلجاتِ الغضبِ وارتفاع وتيرةِ الحنق .. فتعجبتُ أيَّما تعجبٍ .. ولكنّي حمدتُ اللهَ كثيرًا أنّ الأزماتِ تظهرُ ما في المكنوناتِ الذاتيةِ الباطنيةِ على السطحِ والنورِ ليقرأها النّاسُ ويعرفونَ حجمَ ووزنَ ومكنونَ كلّ مَنْ يَظْهرُ خَلفَ الفضاءاتِ والمنتديات.
ويبدو أنّ الصُّراخَ يعلو ويعلو فيعلو .. على قدرِ وقعِ الألمِ وضعفِ الحُجّةِ والدّخولِ في اللُّجةِ والإسرافِ في اللجاجة ..
ونشكرُ لكَ أنْ أسديتَ لنا سِيْرتكَ الذاتيّة واسهاماتك الثقافيّة الأدبيّة التي نحنُ نعرفها تمامَ المعرفة! ولكن يبدو أنّك قد نسيتها وأردتَ أن تستعيدَها لذاكرتكَ.. وهذا خروجٌ عن صُلبِ الموضوعِ وشُرُوع في تزكيةِ النّفسِ لنفسِها! فياللعجب!.
أيّها الأخُ سعيد، أنا لمْ أصِفْكَ بأيّ وَصْفٍ ناقصٍ، إنّما أبديتُ رَأيًا في قصيدةِ النثر (حسب طلب صاحبة الموضوع المطروح لنا أجمعين) ومن يكتبونها وقلتُ إنّها قد تلامسُ الإبداعَ أحيانًا لكن إبداعَها لا يُدْخلها حقل الشِّعر كما لا يُخرجها من حقل النّثر،(وهذا رأيي وأنا حرٌّ بإشهاره) فالإبداعُ ليْسَ حكرًا على الشِّعر، وقلتُ إنّ أبا حيّان أبدعَ نثرًا ولمْ تأخذهُ النّشوة إلى أدعاءِ الشِّعر فهو في غنًى عنه، وما يكتبهُ الكثيرونَ هذهِ الأيام لا يبلغُ شسعَ نعلِ الرَّجُل، لكن المفاجأةَ هي نعتُكَ رَدّي بالوضيعِ وهي كلمةٌ غريبةٌ على الأدبِ والفكر والثقافةِ وتضرُّ قائلَها أكثرَ مِنْ غيرهِ. وأمّا رَدّي عليها .. صَدّقني فلا أعرفُ النّزولَ لمثلِ هذا المستوى لكي أجاريك عليه.. فقررتُ أنْ أدعهُ لكَ فهو شأنكَ وأنتَ أولى به، وحيث أنّي لمْ أعَلقْ على سبيل المثال قائِلاً إنّ رَدّكَ كانَ دَعيًّا.. مثلاً! لكي تتمادى بقذفِ كلّ ما في إنائِكَ لينضحَ بِمائِكَ، لذا فبضاعتكَ مردودةٌ عليكَ وإليكَ بقضِّها وقضيْضِها.
وأيضًا لمْ أقلْ عنْ نفسي أنّني ناقدٌ، بل ما أنا في هذا المنتدى الرّحبِ الطيبِ إلاَّ مجرد عضو فيه يحمل صفة لقب "مراقب" تحت اسمه، وإنْ رغبتَ أن تُسدِي إليّ معروفًا فراسل الإدارة راجيًا منهم ومتوسّلاً إعفائي من هذه المهمة فذلك مدعاة لراحتي ولربّما راحتك أيضًا.
وأنا لمْ أحاول أن أردَّ عليكَ بردٍّ تصغيري، على حدِّ زعمك وتوهمك ووهمك، وقالت العرب: "يَدَاكَ أوْكتا وفوْكَ نَفخَ"!
لكَ ولي ولنا أنْ نعلمَ أنْ لا أَحَدَ وَصيٌ على الأدبِ.. كلٌّ حرٌّ في رؤاه ومذهبهِ وتحليقه وتجنيحه فالثوابتُ تبقى ثوابتًا والمتغيراتُ تبقى مُتغيراتٍ، والتغييرُ والتطويرُ سنة ونهج من طبيعة وضرورة الحياةِ وديمومتها واستمرارها. فلو جاءنا رَجُلٌ وقال لنا إنّ العَزْفَ على آلةِ "السّمْسَمِيّةِ" شِعْرٌ لناقشناهُ وحاولنا إفهامه ببطلان مفهومه، أو قد نتفهم حجتهُ ولربّما قبلها من قبل بها ورفضها من رفضها، ولربّما ظهرَ لهُ مُريدونَ وأتباعٌ وأصبحَ شيخَ طريقةٍ وإمامَ مذهبٍ، وقد تبقى طريقتهُ ورؤاه إلى حينٍ قليلٍ من الزمن فتطويها الأيام وتذروها الرّياح وتختفي في مزبلةِ التأريخ. أو أنّها قد تعيشُ على مدى الدّهرِ حتّى وإن كانت فاشلة فشلاً ذريعًا فتكون رمزًا للبشاعةِ والفشل، أو إذا كانت ناحجة فتلقى مِنْ حظها ما تلقى، فهذه سننُ الكون تجري على الأفكارِ والمعتقدات البشريّة مجرى الماءِ في الأوردةِ والشرايين.
ورأيتكَ تُحاوِلُ أنّ تُعلّمني وتوجّهني لمِنْ أكتبُ .. ولمنْ لا أكتب! وهذا من بابِ الدخولِ في السلطة التي لا حقَّ لكَ فيها ولا أمرًا ولا نهيًا. ولربّما قالَ لكَ قائلٌ: فيا أيّها المُعلمُ غيره .. هل كان لنفسك ذا التعليما.
أعودُ للحجّةِ والموضوعيّةِ مرةً أخرى لأنَّ فيها ما هو مِصْداقٌ لما قالهُ الشّيخانِ العريفي والعشماوي: إنّ كلّ ضعيفِ حُجَّةٍ له صُراخٌ عالٍ وعويلٍ وذو لجاجٍ ولغته يعتريها دائمًا الإرتباك والخلل وبما أنّك تعرف تمامًا حروفَ الهجاء (على حدِّ قولك) فإنّني لا كُرْهًا بردّكَ عليَّ ولا بغضًا لشخصكَ، ولكن حُبًّا في لغةِ الضّادِ لغة القرآن الكريم ولغة أهل الجنة ولغة العرب والمسلمين، سَأشْغِلُ نفْسِي في هذا الرّدّ مُصححًا ومدققًا لغويًّا إملائيًّا لِمَا وَرَدَ في رَدِّكَ المُوجّهِ إليَّ بالآتي:
- نقولُ: لأخيك لا نقول لأخاك، اللام حرف جر، وأخو اسم من الاسماء الخمسة تجر بالياء نيابة عن الكسرة.
-نكتبها: لابنك .. بدون الهمزة على الألف لأنها همزة وصل لا فصل.
-لستُ ناقدًا .. الكلمة ناقد منصوبة بالتنوين خبر ليس.
- من السابقين .. لا نقول من "السابقون": من، إلى، عن، على أحرف الجرّ.
وتلكَ نماذجُ من بعضِ ما حفلَ بهِ ردّك .. إذا لم يكن أيضًا في تكسير قواعد اللغة العربية في عرفكم إبداعٌ!
همسة: إنَّ اختلافَ الرَّأيِّ لا يُفْسِدُ للوِدِّ قضيةٌ.
وفي الختامِ والأخيرِ .. أختمُ معكَ مُستشهدًا بالآيةِ الكريمةِ: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الآية الأخيرة، السورة الكافرون.
وتقبّل الوردَ والودَّ والعطرَ والبخور ..