
رَسالة مِن : نَائِية
إِلى : نَفْثة .,
اقتباس:
تدرينْ ؟
أحدهمْ جعلني أقومُ بكثيرِ حرْثٍ لتفكيري بالأمسْ ،
طول الوقتِ كنتُ أفكّرُ يا صديقتي بجدوى الكتابَة كمهنة أو كهوايَة ،
،
ليسَ أنني أريدُ حقاً التنفيسَ عنِّي ، أو أنّني أريدُ أن أعيدَ صياغة مخزون اللاوعي لديّ و لدى الآخرينْ ،
يجبُ أن يملكَ المرءُ إدراكاً شاملاً بدرجة معيّنة حينَ يقرّر الكتابة عن شيء ٍ ما و ترجمة أفكاره من فكر لكلمات في مساحةٍ ماْ ،
و حينَ دارت " فكرة ما " في رأسي ، أحببتُ أن أكتبها لعلمي بأنّني سأتمكن بدرجة معيّنة من إيصالِ ما في رأسي لأشخاصٍ معينينْ ، قد يشكّلون بدورهم حلقة وصل مهمّة مع أشخاص أكثر وعي ، وأكثر قدرة على الإنجاز من سواهمْ .
يمكنكِ مثلاً أن تسمعي عبارة ما من فتىً صغير مرّ بقربكِ في الشارعْ ، مثلْ : بابا أنا حفظت سورة الناس اليوم ، لتدفعك هذه العبارة دون أن تفهمي كيفَ و لماذاْ لفعلِ شيءٍ مهم بالنسبة لكِ ،
أن تقرئي قرآناً هجرتِه مثلاً ، أو أن تحفظي جزءاً منه ، أو أن تعلّمي أخوتك أن يحفظوا مثله ، أو أن .. أو أنْ ...
ألم تتشكل كثيرُ أمورٍ إيجابيّة ، و المُحرّكُ كان شيئاً غير منتظرْ ، و إنما حدث صدفة ؟؟
جربي قياس ذلك على أمورٍ أكثر توسعاً ، على مستوى أمّة .! ماذا يحدثْ ؟!
ليسَ أنّ الكتابة مهنة جيدة لكسب المالْ ،
ولا أنّها هواية جيِّدة حينَ يكون المرءُ " اجتماعيّاً " مثلاً ، و يحبّ ارتكابَ الأشياءِ بوجودِ رفقة ،
ولا أنّها طريقة ما لحلّ المشكلاتِ و لا سيّما مشكلة " وطنْ "، و حربْ ،
هل تستطيعُ الكتابَة _ إن أجيز لنا تسمية ما نرتكبه نحن كذلكْ _ أنْ تحدِثَ فرقاً ؟
بدرجة معينة .. أجلْ .
ربّما لا تستطيعُ أنْ تلغي حدوداً شائكة بين دولتينْ ، ولا تستطيعُ أنْ تخفي وجودَ المآسي في دولةٍ محتلّة أو أن تعيد إليها السلامَ ، لكنّها ..
بكل تأكيدٍ تحدث فرقاً .
كيفْ ؟
أليستْ تصقل شخصية الإنسانِ و تنمّي أفكاره و تحثّه على تطوير ذاتِه ؟ ألا تساعده على أن يصل بواسطة جسرها حيثُ الجهات الأخرى ليكونَ صاحب مكانْ ؟
،
أدري بأنّ ثمة طرقاً أخرى لفعلِ ذلكْ .. و لكنْ ، هذه واحدة من بينِ عديدِ طرقْ ،
و الآنْ ..
إنْ أردنا أن نحدث فرقاً حقيقيّا على رقعة الواقعْ ، أنْ نوقفَ بعض أوجه الفسادِ في حيز معينْ ، أو أن نسعى لمستقبل أفضلْ ،
إن أردنا الفرق فعلينا أن نضع خطة طويلة الأمد ،
تبدأ بنا ، و تنتهي بأحفادِ أحفادنا ،
أن يوصل كلّ منا أفكاره عبر سلسلة ممتدّة ، تتالَى .
لنصل أخيراً لجيلٍ يحمل زمامَ الأمور و قادرٌ على إحداث الفرق ، لأننا بشكل ما هيأناهُ لذلكْ .
أما أننا لا نكترثْ .. أن نتوانى و نقولُ : كلماتنا لن تصنع فرقاً . أن نثقف أنفسنا و نتعلم فقط _ و فقط _ من أجل أنفسناْ .
ولأجل أن نصنع ( لنا ) مكاناً دو نأن نكترث بالأمكنة التي يجب أن نبدأ بتهيئتها لغيرناْ .
أنْ لا نكترث لبشرٍ ننتمي إليهمْ . أو أن نكترثَ و نصمتْ لأنّ الحق يقول بأنّ لا أحد يهتمّ بشكل حقيقيّ و فعال لأي شخصٍ إلا ذاتهْ . فهذه مسالة لا أقبلهاْ .
تدرين يا صديقتي ، تمنّيتُ كثيراً أن ألتقيكِ بالأمسْ ، لأحدثكِ بهذا الشيء الذي قلبَ كلّ ما خطّطتُ له ، ليستحيلَ بعثرة في رأسي فقطْ ..
عاملُ الكتابة شيء ٌ ضروريّ و مهمّ في عالمٍ يتداعى كلّ يومٍ أكثرْ ،
إنّه شيء ٌ لا يمكن أن يتوقف المرء عن ارتكابه مهما كانتْ كتابته سقيمة و مفرداته متداعيَة ،
على الأقلّ ، يمكن أن تغفر الفكرة " بعض " المساوئ حين تكون فعالة و حين تصل للآخرين بشكلٍ جيّدْ .
لأنَّنا بشرْ .. و نتساوى في الإنسانية ، يجب أن نكترثَ لشيءٍ نشتركُ فيه جميعاً .
تصوّري ان يهاجم دبّ ما ذئباً ؟
برغم كلّ الخوف المهيب الذي يتسيّد بقيّة القطيعْ ، فإنهّم يركضونَ جميعاً نحو موت قد يكون محتّماً فقط في محاولات لإنقاذ ذئبٍ آخر ينتمي إليهمْ ، و يهاجمون الدبّ ببسالة .!
و نحنُ ؟
لله لو نتدبّر قليلاً ، و نفكّرْ ، لأصبحت حياتنا أفضلْ .
إسلامنا عالج كلّ المسائلِ الحياتيّة ، حتى تلك "المستجدّة " بقولهم ، لأنّ ثمة مسألة مهمة ، ألا و هي القياسْ .
بقليل تفكير تصبح أعقد المسائل ليّنة و بيّنة ،
و إسلامنا أخبرنا بأنَّ : كلّكم مسؤولْ ، و كلّكم مسؤولٌ عن رعيّنهْ .
و إذا أردنا تطبيقاً فعلياً لهذا ، فوالله ما اللبدءُ إلا من حيث أنفسنا ، و بالطرقِ التي تناسبنا ،
إذا لم نكن أهلاً لتحمّل مسؤولية شيء/ أحد ما ، فكيفَ نكونُ أهلاً لأي شيءٍ تافه ٍ من بعدْ ؟؟
علينا إذنْ أنْ لا نتوقف أبداً مهما كان الأمرُ محبطاً و كاسراً عن حقن الذات بالقوة المناسبة و التطوير المناسبْ ،
و الكتابةْ .. أخبر الجميعْ ، شيءٌ جميلْ . و ترجمة جميلة للفكرْ ،
إنها حديثٌ مقروءْ .. يوازي أهميّة الحديثْ المنطوقْ .
هل نلومُ أحداً على كلامه ، و نقول : كلامك لن يحدث فرقاً ؟
ليس ثمّة كلامٌ لا يحدث فرقاً .. انا واثقة . لكن المسألة المهمة : هل الفرق اتجه بشكلٍ إيجابيّ أو سلبيّ ؟!
في يومِ التدوين عن فلسطينْ ، أنا لم أكتب شيئاً ،
شعرتُ بأنَّ الأمرَ _ عذراً _ سيكون ساذجاً ، أن نكتفيَ بيومٍ واحد لنعالج فيه قضيّة مهمّة عتيقة ،
و لنتحدث عن هذه القضة بشكلٍ سافرْ ،
أو ننتحي كلّنا منحىً معيّن و قالباً واحداً هو " الحزنْ " ، و أن نستصرخ بالكلماتْ .
لا أقولُ أنّ أوجاعنا ليست ذات قيمة ، وأنّ الكتابة عن حزننا اتجاه مسألة معينة ليس قيّماً ، كل شيء له قيمة " معينة " بغض النظر عن حجمها الآنْ ،
لكن أقولْ : ليس علينا أن ننتظر أيار ، و منتصف النكبة ، وذكرى استشهاد فلان و فلانة لنتحدث بأفكارنا لأحدْ .
هدرُ الكرامة الإنسانيّة مستمرّ ، و الاستهزاءُ بالدينِ متواصلْ ، و بذلك الثورة يجبُ أن تكونْ .
نحنُ البعيدونْ ..
نملك الكثيرْ ،
ليس قلماً فقطْ .. به نسجل تاريخاً معيناً للقادمينَ من بعدنا كي " لا ينسوا " .!!
منذ أيام " المدرسة " و نحن نقدم لفلسطين قدر استطاعتناْ .. أذكرُ اننا كنا نجمع التبرعاتِ مثلاً ، لترسلها فيما بعد لجنة خاصة ْ.
كنا نشارك في حملات البحث عن متطوعين لإرسالهم هناك لتقديم المعونات و الخدماتْ .
انظري ،
أشياء تبدو بسيطة .. و غير قادرة على حل واحد بالمائة من مشكلة الشعب المحتلّ ،!!!
لكنها تحدث فرقاً " بسيطا " .! / لكنه فرقْ .
واحد و واحد اثنانْ .
اثنان و اثنينْ ، أربعة .
وكذا مئة و مثلها : مئتينْ .
لا يأتي العظيمُ إلا من تراكماتِ الأشياءِ غير العظيمة .!
الأمر يشبه سنن الكفاية ، التي تسقط الإثمَ عن البقيّة حينَ يتكفل البعضْ بالمسألة الدينية أيا كانتْ .
و أهمّ ما في الأمرْ ،
أننا جسرٌ لمن لا يعرفونْ .!
في العيدْ .. حضرتُ محاضرة لـ شيخ ، لا أذكر اسمه للأسفْ .. لكنه قال كلاما قيماً .
تحدّثَ عن اثنين أمريكيين التقاهما في الحج ، و أخبراه قصة إسلامهما .
قالا : أسلمنا على يدي بوشْ .،
ابتسمتُ أنا ، وأصغيْتْ . قال : في أحداث الحادي عشر من سبتمبرْ ، بدأ بوش بإلقاء خطابٍ ما ، و ذكرَ فيه كلمة " إسلام " مرة أو اثنتينْ ،
سألتُ صاحبي عنها و لم يدرِ ،
فبحثنا عنها في الشبكة و وجدنا بأنه دينْ .. فأعجبنا ، و أسلمنا من بعدما كنّا شابين تائهينِ ضالّينَ تماماً .
و تحدّث عن رجل إفريقيّ اعتقد بأنَّ الإسلام ماركة سيّارة ,!
حسناً ..
هؤلاءِ على من يقع عاتق تعريفهم و إخبارهم ؟
علينا ؟ عليهمْ ؟ على من بصدقْ ؟؟ .. إن كنا نهتمّ لأمر إسلامنا بشكل كافٍ _ مثلاً _ فعلينا محاولة تعريف الناس به و إيصال أفكارنا لهم ، لإزالة الضلال الذي يتملّك عقول من يعرفونه ، و من وصلهمْ عنه أنّه شيءٍ يقوّض البشرية .
أو لتعريف من لم يعرفوه يوماً بِه ،
الأمرٌ ذاته بالنسبة لكلّ فكرة ، و لكلّ معتقد ، لكل رأي نملكه ، و لكلّ مبدأ يخصّنا ،
نكتبْ .. لكل إنسان مضلل فكرياً وعاطفياً بشكلٍ مؤلمْ .. لكل من شحنوا عكسياً " بسبب الإعلام المُسيس ضدنا والصور الظالمة المزيفة المحورة، ولكل إنسان نام ضميره وتجمدت مشاعره وساقته أمواج الحياه بعيداً عن ما يحدث فعلياً في الحياة! " * ،
كثيراً ما نبتعد عن صلب القضايا و ننشغل بالسائدْ ،
لا نتعمق و لا نفكر بجدية و قد أكون دون أن أدري فعلتُ ذلكْ .!
لكنني على الأقل / عبرتُ عني ..
و فخورة بنفسي لأنني فعلتْ . ليس عيباً أن أخطئْ .. و ليسَ عيبا أ ن أقول بأنني طفلة في الابتدائيّة لا زالتْ " تتهجّى " الأفكارَ ، و ما أتقنتهاْ . لكنني احاول و أحاول ، و أفعلْ .
حسناً ، لكلّ منا تحفظاته و أفكاره ، و خصوصياته و معتقداته التي يؤمن بهاْ .
ربما يجبُ أن نؤمن أكثر بالآخرينْ .. ك وجود إنسانيْ معدم بشكل ماْ .!
أن نؤمنْ بأشياء هُمّشتْ .
و أن نحاول رؤية الأشياءْ بغيرِ دثارهاْ .
هذا لكِ ، و لغيركْ . وليْ .
|