[ 10 ]
أنا اللي قلت لعيونك(هنا شطّي)(هِنَا مرساي)
أيُّ ذائقةٍ لايرتقي لها ماتكتُبْ يـ عبدالله ، أظُنُها ذائقة لايُفْترض الحرص على إرضاؤها
إذاً لتعلم بأنَّ كُلْ الذوائق الراقية راضية تمام الرضا مِنْ اوّلْ قصيدة قدّمت إلى هذه القصيدة
لازلت تُثْبت بأنّك عُملة شعرية صعبة ، شاعر في زمان ذهب بِهِ الشِعْر إلى اللاشِعْر والتبرير [ حداثة ]
قصيدة تحمل الكثير والكثير فيما لا مجال لِذِكْرِهِ هُنا حيث شملت الغياب ، غياب منْ نُحِبْ دون أن يأبهوا لأمرنا
عادة الغياب المُفاجيء يكون وقعُهُ على النفس أقوى من الغياب المُعلوم مُسْبقاً ، لذا إستهلال القصيدة كان بإستغراب وإندهاش
كذا / فجأه (رَحَلْتي) مَاحَسَبْتِي (لَزْعَلَي)(ورضاي)
وانا(عمري أسامي) والغلا له(منزلٍ سامي)
ثمّ يتخذ من الذكرى سبيل لتخفيف ذاك الغياب مِنْ منْ كان لها منزل سامي مِنْ غلا
وهي من كان في عينيها لهُ سُكنى .. حيث شبّه ذلك بالشط والمرسى ، دون أنْ يخطر في بالِهِ يوماً أن يحدث كذاك الأمر الذي إستهلَّ بِهِ قصيدتُهْ
وانا اللي قلت لعيونك(هنا شطّي)(هِنَا مرساي)
وتوقعتك معاي وطول عمرالحُب قدامي
ويتعمّق عبدالله بالتصوير الذي أُلاحِظُهُ دائماً في قصائدُهُ والذي يمتاز بالمُلائمة وتقريب الفكرة
حيث أنّ الوداع مطر ، إستطاع أن يُنبتْ البلوى ، حتّى أصبح يحصد الآلام جرّاء ذلك :
ومن هَلّتْ علي مزنة وداعك(وانبتت بلواي)
وانا من يومها مالي شُغُلْ غير احْصُدْ الامي
الصباح : ضيَّقْ ، الليل : ثقيل ، كيف لا يُصاب بالثُقْل والطيف والذكِرْى والدمعة حضور
ثمّ صورة توصف الحال لا تبتعد كثيراً عن البيت السابق فهو لايزال في ذات التوصيف والحدث
حيث الدمع : سحاب ، على صدر الورق ، بِفِعْل القلم : كتابة القصيدة بِحُزْنٍ كالمُزْن .. ،،
(صباحي ضيق) (والليل الثقيل) اصبح نديم ابكاي
وسحاب الدمع في صدرالورق من ديمة اقلامي
تشابهْ الحال قد يأخُذُنا على إعادة النظر في بعض أمر فالشاعِرْ هُنا يرى أنْ لو تشابهْ الماضي مِنْ بما هو آت
فإنَّ هذا الأمر سيجعلُهُ يبدأ عامُهُ وينتهيه بوجع [ أسأل الله العلي العظيم أن يُبدِّلْ الوجع بِفرح ]
الخِطاب هُنا للوجع : ولو لم يتشابه الأمران لأختلف العجز الثاني من البيت إلى غير ذلك :
وِذَا (مافات منّي) يَاوِجَعْ عُمْرِي (شبيه الجاي)
أببدا فيك عامي واختتم بك (يَاْلِوجَعْ) عامي
كان الشاعر قد استهل قصيدتُهُ بِـ : [كذا / فجأه (رَحَلْتي) ] ليأتي بهذا البيت الذي يوّضح بِهِ حالُهُ بعد ذاك الرحيل الحاصل
حيث تتوهْ خطواته ويضيع رأيُهْ إلى أنْ يصل بنا إلى تصوير
قادر على أن يوقفنا كثيراً لتأمُلْ جمالة إذْ كيف تبكي الأقدام .. ؟!
وربي من (رَحَلْتِي)(تاهت الخطوه)(وضاع الراي)
ماغير امشي على درب الضياع وتبكي اقدامي
ثُمّ تكتمل الصورة بِـ :
على جَمْره مشيت(ولو) يسولف لك(عَنِه) ماطاي
سَقَطْ صمت الكلام وكل حرفٍ لاَنِزَل دامي
مشي في درب ضياع .. بُكاء أقدام .. مشي على جمر .. أنْ لو تحكي الأقدام
لـ إستحالت الصمت إلى حديث يوشك كُلْ حرفٍ فيهْ أن يُدمي ويزرع الألم في النفس
ليس هذا فحسب بل أنّ الرحيل في النص لم يقتصر على ضياع الخطوة والرأي بل تجاوز ذلك إلى
الشعور بالظمأ .. الفقد .. الإحتياج .. كما لو أنّها شيء ضروري لا يُمكن العيش بدونه كالماء مثلاً
وكأنّها الماء الذي يتبعُهُ الظمآن .. دون أن يرتوي عندما يجِدُهُ شحيح .. فلا يجد إلا التعب
رحلتي من فضاي وصرت انا الظامي ووجهك ماي
وتعبت اركض وراك وشح نَبْعِكّ يسقي الظامي
عطش .. هجير .. وخطوات تائهة / متعثرة ، وبحث عن ظل إلى جانب سُقْيا .. في صحراء قاحلة .. والمُحصِّلة : تعب أيضاً !
وهجير الصيف يدمغ هامتي حرّه واجرّ اخطاي
(أدوّر ظل) في صحرا الجفاف وكلّت اعظامي
خِتام القصيدة كان بِـ سبع أبيات إستهلّت بكلمة [ هِنا ] وكأنّهُ من خلالها يحكي و يُلخِصْ حديث
هنا/ (كان الغياب)(ودمعة الفرقى)(وصوت الناي)
هنا/ (الواقع يموت)وسَلْوِتِي في (كذبة احلامي)
هنا/ (ضيّعت دَلْوي)(وانقطع حبلي )(وِزَلّ ارشاي)
هنا/ قلت لعيونك عن عذابات السهر(نامي)
هنا/ صوت الشتات /ايْعَزّي اطرافي(بفَقْد اعضاي)
هنا/ (المرمي غلاي)وكانت ايدين (الزمن رامي)
هنا/ (والصبرذايب)ذوبة السكّر(بكاسة شاي)
هنا/ (والحزن ثوبٍ)به كِمَلْ ترتيب هندامي
هنا/ (ضعتي وِضِعْت)وماتلاقى غير فَرْح اعداي
هنا/ مابَهْ(بلح)أهل اليمن وَلاَّ(عنب شامي)
هنا/ بَصْرَخّ واقول اني دِفَنْتَكْ(عِشْق يَانَسَّاي)
وهنا/( بَبْكِيْكْ ميّت)والمصيببه(قَبْرَك ايامي)
هنا/ (مات الشعور)(وطاح نجمي)(وانتهى مسراي)
وعليك اخر دموعي(تنتحر)في تربة اوهامي
أبيات شرحت كيف يكون الغياب .. دموع الفُراق .. وإسنادها لـ صوت الناي الموصوم بالحُزْن
وضّح مِنْ خلالها كيف نتخذ أحياناً مِنْ الأحلام هروب مِنْ واقع نُحاوِلْ قتْلُهُ لمرارتُهُ وظُلْمِهْ
صوّر حالُهُ بالساقي الذي يُضيِّعْ دلوه .. أو بِمن ينقطع بِهِ حبْل السُقيا .. ،،
في هذه القصيدة كتب عبدالله كيف تكون عذابات السهر وكيف يكون في النوم رُبما هروب من هكذا أمر
شتات .. ضياع .. تعزية .. فقدان .. كُلها كلمات تدور حول إحساس حُزْن كُتِبَ بِـ قصيدة
[ هِنا المرمي غلاي وكانت إيدين الزمن رامي ] ولاتزال الصور تنهمر ولا تزال الدهشة قائمة
كتب فقدان الصبر في صورة سُكر يُذاب بكأس شاي ، والحزن ثوب يكتمل بِهِ لِباسُهْ
كتب كيف يضيع وتضيع ويفرح العُذَال ويستبشِرْ الأعداء حيث لم يحصدا لا بلح اليمن ولا عنب الشام
وبعد كُلْ ماقال لم يجد حل أسلم منْ أن يدفن هذا العشق ، ويبكيه بُكاء ميِّتْ .. بيد أنَّه حتى ذلك لنْ يُنسيه حيث تكون أيامُهُ القبر
والختام : موت شعور .. سقوط .. إنتهاء .. دموع .. مآلُها تُربة أوهام .. ،،
تُربة أوهام .. زرعت بِها يـ عبدالله هذه الأبيات فحصدناها قصيدة .. رائعة / بل أكثر
تعلم مُسبقاً بأنّي أرى فيك الشاعِرْ القادر على ترتيب فوضوية الذائقة بِكُلْ سهولهْ
لذا يستهويني التعمُّقْ فيما تكتب لِعلمي مُسبقاً بأنّي سأحصد أكثر من مُجرد قصيدة
دام هذا النبض .. الإحساس الصادق .. الشاعرية الجميلة .. ودُمت بكُلْ الفرح .. ،،