.0
الحلقة التاسعة " خوف الرحيل "
جلست بقرب المقاعد القريبة من بوابة المدرسة ,, وانا اشعر بالانهيار للخوف الذي يخنقني ويقتلني ويبقيني في منفى الحجيم ..
وأرجو بين كل دقة لعقارب الساعة في ظهور مريم بين الطالبات اللاتي يدخلن للتو ..
أترك حقيبتي جانبا ً وبتثاقل الخطوات أمضي لأستفقدها عساها حضرت ..
أحاول طرد المشاهد المؤلمة ,, والبقاء على أمل أنها لاتزال على قيد الحياة .. إلا ان قلبي يتضاعف حزنا ً وأسى ً وشجن ..
أشعر بالظمأ ,, والنيران التي تحتوي الفؤاد في هذا الوقت الرهيب لا تطفئها بحار الدنيا جميعا ً ! حاولت تجاهل ذلك إلا اني لم استطع مجاراة شعوري .. فتوجهت ناحية " الكافتريا " لاقتناء قارورة ماء ..
فتحتها وعدت إلى حيث ما كنت ,, فأرى الحلم مقبل من هناك بنور واقعه الذي بدد قلقي وشجني ,, إنها مريم .. هي بأم عينها ! فجريت بجنون مامثله جنون تاركة القارورة تهوي أرضا ً وينسكب ماؤها دون أن أشرب قطرة أروي بها الظمأ الذي اجتاحني قبل قليل !
" مريم أ أنت بخير ؟؟
قلتها وأنا في بكاء عميق غير مصدقة بأن مريم أمامي بخير وبسلامة ,, وإن ما حصل من مشاهد ماهي الا كابوس زارني في منامي وأرعبني .. مريم لم تفهم مايحصل ومايجري فكانت تهدأ من روعي وهي تسأل :
" ماذا هناك ما الذي يبكيك ِ ؟؟
لم استطع الاجابة على السؤال فبقيت على حالي المؤلم أبكي متجاهلة جمع البنات اللاتي اقتربن منا لمعرفة تفاصيل الحدث !!
أجلستني مريم على ذات المقعد الذي أبقيت حقيبتي عليه ,, وهي تحدثني في استغراب تام :
" ليلى هدأي من روعك الطالبات هنا يحدقن بك ِ !
مسحت دموعي وصرخت في وجوههن :
" ماذا تبتغين ؟؟ انصرفن انصرفن !
فتحاول مريم أن تجعلني اكثر هدوء :
" ليلى كفى سينصرفن وحدهن .
تناولني أحد مناديلها لأمسح دموعي المنهمرة بقوة وهي تسأل :
" ليلى لم تجيبيني لماذا تبكين ؟
سألتها :
" لماذا تأخرت ولم تتواجدي بالحافلة ؟
" صحوت متأخرة هذا الصباح فطلبت من والدي ايصالي ,, أهذا ماكان يقلقك ِ ؟
" لا !
" ماذا إذا ً ؟
واتذكر ما مضى بالامس من مشاهد مؤلمة ,, وأنظر لمريم فأراها بجانبي .. واقتحمني شعور غريب بأن مريم طيفا ً .. طيفا ً كما بالامس زارني .. !
فنهضت في شعور بالجنون ,, وأنا أبكي في أعماقي
" إلهي ما الذي أصابني .. ؟؟ سأجن حتما ً سأجن !!
نهضت مريم هي الأخرى وأمسكت بيدي قائلة :
" ليلى أخبريني ماذا بك ؟؟ أنت لست على مايرام .
تأملت يدها ,, وأمسكتها بقوة ,, راغبة في معرفة واقعها أم طيفها ..
إذا ً ,, ما أراه أمامي واقع مريم لا خيال طيفها ,, هي أمامي أجل ..
أجلستني بقربها وتنظر للقارورة وتقول مداعبة :
" يبدو إنك لم تشربي منها شيئا ً !!
الماء ؟؟ كنت أشعر بالظمأ قبل ظهور مريم لكني الان لا اشعر به ,, يبدو إني أرتويت حين رؤيتي بهذه الرائعة التي تجلس أمامي ,, بهذه الانسانة الذي يكاد خوفي عليها أن يقتلني يقتلني ,, !
دق الجرس ,, ولم تكترث مريم لذلك ,, فهي لا تزال تجهل ما الذي أصابني و أخافني لهذا الحد ,, وإني فضلت الصمت القاتل غير قادرة على تصديق مايجري لي من أمور ..
اقتربت منا احدى المشرفات تأمرنا بالتوجه للصفوف .
مريم قبل أن تودعني طلبت رؤيتي بالفسحة ,, لنكمل الحديث الذي لم يبتدأ .
الاستاذة لم تحضر بعد ,, فاقتربت مني فاطمة وهي تسألني :
" مابك اليوم ؟ كنت ِ تبكين .
" لا شيء .. تذكرت مايؤلم ..
فاطمة تخال بأني لا أزال على ذكرى بقول نادية البغيضة !! فتقول لتواسيني :
" لا عليك من نادية فهي مجنونة !
ولم تدرك بأن قولها سيضيف جرحا ً فوق جروحي .. !!
حين سمعت نادية ذلك اقتربت منا صارخة بقولها :
" من المجنون ؟؟ أنا أم هذه ابنة المجرمين ؟؟ صاحبة المجرمين ؟؟
كنت في حالة سيئة للغاية لا ارغب في الحديث او التعليق أو المشاجرة ,, فأجابت فاطمة :
" ومادخلك أنت ؟؟ نحن لم نتحدث عنك !
" أتظنيني بأني لا أسمع نهيقكما ؟
غضبت فاطمة لهذا التعليق فصفعت نادية صفعة قوية تلقاها خدها الأيمن ,, أنا ذُهلت لما فعلته فاطمة ,, وحين دققت النظر في وجه نادية فأصابني الذهول الاكبر .. لقد تورم خدها وأحمر ..
فصرخت ُ :
" يا إلهي ماذا فعلت ِ ؟؟
كانت نادية تصرخ ألما من قوة الصفعة ,, فاقتربت من فاطمة لتهبها مثيلها , فأمسكت بيدها فاطمة مهددة :
" إن فعلتها لأكسرن لك هذه اليد أفهمت ِ !؟
رغبت نادية في الانتقام ولم تجد سواي تثأر به !
فتلقيت الصفعة التي لم تشعرني إلا بالاهانة !
لم أستطع فعل شيء غير البكاء , فاطمة لم تحاول أن تنتقم لأجلي ,, بل فضلت الاكتفاء بقول : لا !
لا ؟؟ أهذا يكفي ؟؟ أهذا ينفع ؟؟ أهذا يرد علي كرامتي الذي جرحتها البغيضة نادية ؟
تجمعت الطالبات حولي يحاولن تهدأتي ,, أما زميلتي سارة فرغبت باستدعاء المشرفة للتدخل وحل النزاع .
أنا متعبة ,, متعبة ,, دعني وانصرفن .. ! مابالكن مجتمعات ؟؟
بعض منهن تجمعن حولي وآخريات فضلن البقاء جنب نادية لايقافها عن سخافاتها ,, وأخريات جلسن في صمت ٍ لم يشأن الحديث أو الدخول ..
وصلت المشرفة بعد حين ,, واستطاعت ان تلاحظ خد نادية المتورم فتسألها :
" من التي فعلت بك هذا ؟
فتشير ناحية فاطمة :
" تلك الحمقاء .
عبست المشرفة في وجهها ,, واستدعت فاطمة .. وابتغت الانصراف معهما ..
فاستوقفتهن سارة :
" استاذة ! ليلى كانت معهن .
لا يا سارة ماهذا الذي فعلتِه ؟؟ ليتك لم تتحدثي ليتك !
~~~~~~~~~~~~~~~
مريم فضلت الجلوس عند ذات المكان الذي جلسنا عليه الامس كذلك ,, وكأنها ترغب في أن يكون المكان المعتاد لنا ,, تسألني :
" مابه خدك الايمن ؟
اتحسسه بيدي واشعر بحرارة الصفعة التي تلقيتها ,, وبألم الاهانة .. ! تبا ً لك يا نادية فوالله لأمقتك ِ .
" تشاجرتْ معي نادية اليوم .
" ثانيةً ؟
" أجل .
" وعلام ََ ؟
تحشرج القول ,, ..فهو القول الذي يؤلمني ويعذبني ,, ويذكرني بمن رحل ! فقلت بشجن :
" أعادت نعتها لخالي بالمجرم السفاح !
مجرم وسفاح قولان أججا النيران في قلب مريم ,, ووجدت دمعة في عينها تنذر بالذرف !
لعلي ذكرتها بأخيها ,, وذكرتها بماضي جميل عاشته تتمنى رجوعه ..
غيرت مجرى الحديث وسألتني :
" ماذا حصل لك اليوم ؟ لم تخبريني بعد . ألا ترغبي في القول ؟
حقا ً كنت مرهقة هذا الصباح ,, وكنت بجنون خائفة على مريم ,, فقلت :
" كنت خائفة عليك ِ .
" ما الذي يجعلك تخافين هكذا ؟
سمحت لسيل من الدموع أن ينهمر مصاحبا ً حديثي الشجي ,, والخوف الذي ينحرني كلما لاقيتها .
" لقد زارني بالأمس كابوسا ً مرعبا ً وجدت فيه مراسيم جنازتك .. ففزعت له ,, وكدت أموت خوفا ً حين لم ألاقيك بالحافلة ,, وانهرت أكثر حين مررنا بجانب حادث مروري ,, لقد قلقت عليك كثيرا ً صدقيني !
أمسكت بيدي وهي تبتسم قائلة :
" لا تقلقي عزيزتي فأنا عمري طويـــــــــل !
قلت ببلاهة :
" حقا ً ؟
" أجل صدقيني ,, عمري طويل وسأعيش وسأرى أحفاد أحفادي !
قالت ذلك وهي تضحك بسعادة فسألتها :
" ما أدراك ؟
" أخبرتني أحدى العرافات بذلك !
إني لا أؤمن بمثل هذه الامور ,, ولكن لاجل مريم سأصدق وسأؤمن ,, عساي أقتل الخوف المتغلغل لأعماق اعماقي ,, فقلت متناسية بأن الأقدار بيد خالقها :
" أتعديني بذلك ؟
حدقت بي قليلا بصمت ,, وأطلقت ضحكتها : أجل أعدك .
قلت بعد حين :
" أنا جائعة !
فنهضت لنمضي سويا ً للــ " الكافتريا "
لدي مصروفا ً يكفي لشخصين ,, فسألتها :
" ماذا تريدين ؟
" أريد ماذا ؟
" أقصد ماذا تودين أن أشتري لك ؟
" لا لا .. لا أريد شيئا ً !
" سأشتري لك شيئا ً لتأكليه .
" ليلى قلت لك لا أرغب بشيء !
ألا تشعر بجوع هذه الانسانة ؟ الجو حارا ً بعض الشيء ,, وهي منذ اللقاء الاول اخبرتني بعدم رغبتها بتناول وجبتها في هذا الاثناء !
لم يكن لدينا وقتا ً كافيا ً للعودة لحيث ما كنا ,, فقد دق الجرس ,, وأنا للتو لم أتناول شيء ..
قالت لي مريم :
" تناوليه بسرعة ,, قبل أن تحضر استاذتكن .
" حسنا ً فأنا جائعة .
تناولت بسرعة وجبتي الخفيفة ,, وحين دخلت الصف وجدت فاطمة متشاجرة مع نادية ,, وهذه المرة نادية استطاعت أن تحقق ماتريد بصفعة يتلقاها وجه فاطمة .. تبا ً !
البرود الذي كسا فاطمة حين ضرب نادية لي أخذني للبعيد ,, لم أحسب فاطمة هكذا ذات يوم ,, ولأني اكتشفت ذلك هذا الصباح ,, فأن ساكنا ً لم يتحرك لي حين رأيت نادية تصفعها .
لم أشعر بالمقت لشخص ما ,, ولكني بتُ أعرف للانتقام سبيل !أهو ذاته الذي يجري في عروق خالي !؟
أرجو أن لا يدفعني ذلك للتهور لاحقا ً ! وإن نادية ستنال نصيبها حتما ً ذات يوم !
نادية ! هو أمقت حدث يمر على حياتي الان ! إني لا اطيق رؤيتها حتى .. أمقتها أمقتها !
هي ممثلة بارعة ,, لقد عرفت ذلك في غرفة المشرفات حين أدعت بأننا من أبتدأنا الشجار ,, وبكت لأننا نعتناها بصاحبة الاخلاق السيئة ,, ونعتها لخالي بمجرم أمر كذبته ..
لم يكن لدى المشرفة موقفا ً غير التصديق لدموعها المنهمرة .. والتكذيب لأقوالنا ,, وفاطمة لم تحاول هناك أن تساعدني بشيء .
تغيرت هذه الاخيرة كثيرا ً .. فهي ومنذ ظهور مريم لم تعد فاطمة التي أعرفها . فكثيرة هي تلك الاوقات التي تبعث لي فيها بشر النظرات التي تكون ذروتها حين تجد مريم بجنبي ..
ستتغير مع مرور الوقت حين تدرك بحقيقة مريم النبيلة !
رميت ببقايا الطعام في سلة المهملات القريبة من الباب وحين دخلت الاستاذة فإن نظراتنا تصادمت ! هي ذاتها استاذة الرياضيات البغيضة !
استاذة اللغة العربية غائبة لذا فهي هنا .. كنت متعبة قليلا ً وسعدت لغياب الاستاذة لكني شعرت بما يشبه البركان الثائر في داخلي لهذه الجالسة !
لحظت ُ مدى عمق تحديقها بي ,, كأنها تود قول شيء ما .. وبعد دقائق تقول بسخرية :
" ليلى هل خالك هو من قتل ؟
مابهم هؤلاء البشر ؟ في كل حين يذكروني بما يؤلم الفؤاد ؟؟ أما كفى ؟؟ وأنت ِ لمَ تسألين ؟
بعثرت نظري في أي شيء أراه أمامي ,, في الكتب ,, في وجوه الطالبات ,, في وجه نادية ! وهنا شعرت بالغصة .. لتلك السخرية المرسومة عند شفتيها ..
حاولت أن أشغل نفسي بحقيبتي تهربا ً من الجواب ,, عساها تدرك بأني لا أرغب به ,, لكنها عادت لتسأل :
" أهو خالك ؟
قلت وأنا أتصفح كتاب التاريخ :
" أجل هو !
وتقول لما يعيدني لعالم اشجاني من جديد ,, لذات العالم الذي رمتني فيه نادية منذ قليل :
" أجل سمعت من المدرسات هنا يتحدثن عنه ,, وقلن بأنه خالك .. كم رجل قتل ؟؟ سمعت بأنه أرتكب أكثر من جريمة ,, وحين عارضه أحد الرفاق فيما يقوم به قتله !
ماهذا الذي تهذين به ؟؟ وأي جرائم وأي رفيق ؟ اخرسي وربي لم أعد أحتمل !
صمت ولم أجبها تاركة تلك الاقاويل الزائفة معلقة ,, فتجيبها نادية :
" اجل ,, وأنا سمعت بأنه حاول أن يقتل أخته كذلك حين منعته ,, يارب أحفظنا من المجرمين !
برب السماء ماهذا الذي تقولاه ؟؟ وأي جرائم تتحدثان عنها ؟؟ لقد قتل خالي من يستحق القتل ,, لقد قتل خالي من أدخل الخوف والرعب في النفوس ,, لقد قتل خالي من قتل رفيقه .. وقتل أصاحبه واخلاءه ,, أو بعد كل هذا تنعتاه بالمجرم السفاح ؟؟
صمت كعادتي عاجزة عن قول مالابد لي قوله ,, وأخرست لساني عن قول الحق .. القول الذي سيجعل حدا ً لتفاهات هاتين الجالستين أمامي !
قالت الاستاذة محاولة استفزازي :
" لا عليك ليلى فأنت مجتهدة وعلى خلق وخالك لن يسيء لسمعتك بشيء !
وقفت وقد بان الغضب على ملامحي ,, ورميت بكتاب التاريخ جانبا ً صارخة :
" كفاك ِ !!
وخرجت من الصف دون إذنها ,, متوجهة لذاك المكان الذي جلست فيه قبل دقائق مع مريم ,, وأبكي بحرقة على هذا الذي يحصل ..
لماذا السخرية من خالي ونعته الدائم بالمجرم ؟؟ ألم تخبرني والدتي بأنه شهيد ؟؟ وإنه ضحى بدمه لأجل هذا الوطن ؟؟ فلمَ كل الاقاويل هذه ؟؟ لم َ ؟؟
وانخرطت في بكاء مرير ,, راغبة في وجود يد مريم ,, يدها التي تمسح هذه الدموع المنهمرة ,, وتخفف علي أعباء رحيل خالي وماتلاه ,, راغبة في بقائها ووجودها .. وما أسرع أن تحقق الحلم !!
مريم واقفة أمامي وتنظر لي بكبرياء :
" ليلى انهضي !
لم استطع النهوض فبقيت جاثمة على الأرض لتكرر من طلبها :
" قلت لك انهضي !
فنهضت متستجيبة لطلبها وقد نفضت بيدي التراب العالق بمريولي وأسألها بعد أن توقفت قليلا ً من نوبة البكاء :
" ما أدراك إني هنا ؟
وضعت يدها على كتفي :
" لا يهم كيف عرفت بوجودك هنا لكن اجيبني هل كنت تبكين ثانية لقول نادية ؟
أخفضت بصري وقلت باستياء :
" أجل
لم تعلق لثوان ٍ وحين رفعت بصري وجدت نظرات لم أرها بعينها من ذي قبل ! نظرات شبيهة بالنار ! شبيهة بالبركان الغاضب ,, لم كل ذلك ,, ؟ ؟
تسلل الخوف لقلبي حين وقعت عيني على حدتها !
قالت :
" اسمعيني جيدا ليلى !
وأمسكت يداي بقوة :
" انتِ العزيزة ولا أحب ان تكون عزيزتي ضعيفة تنهار لقول السفهاء افهمت ِ !؟
" لكن ..
" اسمعيني .. قلت لك لا أريد أن ارى هذه الدموع ثانية .. دعي نادية وشأنها ولا تكترثي لما تقوله من حماقات ,, إنما أضربي بها بعرض الحائط والا لرحلت عنك وللابد !
" لا مريم ماذا تقولين ؟؟ الا رحيلك الا هو !
تركت يدي وهي تقول :
" اذا أفعلي ما أقوله لك ِ كوني أقوى بذلك بكثير بكثير ..
يبدو بأن لمريم ذكرى مع الضعف ! فسألتها :
" ولماذا أنت غاضبة ؟
وشرعت تسرد ندمها على ذلك اليوم البائس :
" حين تلقيت خبر اعدام أخي من زميلتي لم أتحمل الصدمة فهويت أرضا ً من هولها ,, وكدت أخسر الكثير ! لم أرغب أن أكون ضعيفة لهذا الحد وأنا التي عرفت بالقوة والتصبر .. حين أبتغي البكاء فأني سأنفرد مع ذاتي متيقنة إن لا أحد يسمعني ويراني غير الاله وحده !
غاصت كلماتها لأعماقي , وأبحرت في داخلي وجالت .. ضعف وقوة ,, في أي منهما أنا أعيش ؟؟
كلماتها بقيت تدق في فكري كناقوس .. وعدت لصفي بقوة مامثلها قوة ,, مهمشة اقوال نادية ,, وأقوال كل من سيقف في طريقي .. ولن أكترث لأقوال الحمقى .. سأدعهم يثرثرون وحدهم دون جواب مني ..
لن أفسح المجال لعيني أن تذرف المزيد من الدموع .. وإن لم أقوَ على حبسها بين الجفون ,, فـإني سأهرب من أنظار الجميع وأختبأ بعيدا ً عنهم ..
لن أضعف ولن أنهار .. واذا ما واجهني أحمق بقوله ,, سأبدو قوية .. قوية .. !!
تناولت كتاب التاريخ وأدخلته حقيبتي وتسألني زهراء زميلتي :
" أين ذهبت ِ ؟؟ الاستاذة كانت غاضبة عليك جدا ً !
فقلت لها :
" وماذا يهمني غضبها ؟؟ فلتغضب بقدر ماتريد ..
" مابك ؟
" لا شيء عزيزتي لكن استاذة كمثلها لا تخيفني ! وإني لا أكترث لغضب الحمقى أمثالها !
عسى قولي يصل لأذن من يهمهن الامر !!
~~~~~~~~~~~~
اليوم مليء بالاحداث ولأنه كان كذلك فإن جلسة خاصة مع والدتي أمر مهم وقوعه ..
فبعد العشاء الذي لم أتناول منه حصتي الكافية .. كان الموعد ..
والدي سألني عن اخباري المدرسية فأجبته :
" كل شيء على مايرام والدي ونحن لم نزل الا في البداية ..
" اذا أردت شراء ماتبتغين فالسائق موجود غير مشغول هذا اليوم .
" حسنا سأطلبه عند الحاجة .
غادر والدي تاركا ً لي الفرصة لقول ما أريده لوالدتي ..
أجلستني بقربها وهذه المرة هي من ترغب بالحديث .. سألتني :
" بنيتي مابك البارحة ؟
آه .. البارحة قاسية ..
" رأيت كابوسا ً أرعبني ..
" ماذا رأيت ِ ؟؟
أغمض عيناي لأرى مشاهد الألم .. مشاهد الجنازة والوداع .. مشاهد الرحيل .. ما أقساها من مشاهد .. !
" رأيت موت مريم ,, ورأيت قبرها في المقبرة القريبة من هنا .. وانا أبكي بمرارة عند مثواها .. ورأيت في مشهد آخر أنها على سرير الموت بدمائها !
وحين أكملت حديثي وجدت دمعة حبيسة في عين والدتي .. هل حديثي كان شجي ؟؟
" مابك امي ؟
" لا شيء بنيتي .. ما رأيته مجرد كوابيس !
ليتها تكون كابوس لا يرغب بأن يزورني ثانية .. ليتها تكون الاخيرة .. !
أمي هذه المرة سقطت دمعتها حين وجدتني أتمتم مع ذاتي خوف الرحيل ,, والرجاء من الله ان يجعله كابوس في عالم الاطياف والخيال ,, بعيدا عن صلته بالواقع !
سألتها :
" أمي مابك هل حصل شيء ؟ هل قلت مايزعجك ِ ؟
وتنهدت بأسى :
" أفكر في أخيك عادل ,, فهو ومنذ رحيل العزيز لم تعد الدنيا تعني له شيئا ً بات شبيه الاموات الاحياء !
عادل ؟؟ لم يعد لعادل وجود كما بالسابق , إني لأشفق عليه في كثير من الاحيان ,, وأدعو ربي بعد صلاتي ان يشافيه ,, وأن يستعيد صحته ,, وأن يدرك حقيقة الموت وإنما الحياة ستمضي بموت وولادة .
وحين يطرأ على فكري حال أخي ,, ينتابني الخوف من جديد على حال ٍ سأقضيه إذا ما رحلت مريم عن عالمي !
أمي خائفة وقلقة بشأن كابوسي المرعب ,, وقلقة على حالي أكثر من اي شيء .. وتحاول بطريقة ما أن تنسيني ماحصل .. وأن تدعوني لتجاهل هذه الاحلام المرهبة ..
الأحلام التي بقيت لأيام طوال ,, أخشى أن يبصر نورها واقعي ,, فيبدد كل ما يمكن له أن ينير في داخلي مايسمى بالسعادة الحقيقية !!
تركت والدتي ومضيت لغرفتي ملقية التحية على عادل كما بالعادة اثناء توجهي ..
ودفنت وجهي بالوسادة محطمة مايمكن له بالظهور .. مبقية كتاب الله على يميني يحميني وينجيني مما يبثه لي أعوان الشياطين !
~~~~
لا أعرف حقيقة القلق الذي يعتريني كلما لاقيت مريم ,, وبابتسامتها البريئة تجعل القلق يتضاعف ,, الكابوس الذي زارني عند تلك الليلة لازلت اخشاه ,, ولا زلت اشعر بالخوف من تكراره ..
والاكثر من ذلك . اخشى أن تمتد أياديه للواقع ..
لقد مرت الثلاثة الاسابيع الاولى منذ بدء هذا الفصل الجديد ,, والعلاقة فيما بيننا تكبر وتكبر ,, الا انني اشعر بالخوف في كل دقيقة تمر ..
لعل رحيل خالي احدث كابوسا ً لا يرغب في المضي عن أحداث عمري .. إني لأرجو لكل الالام أن تموت ,, ويرحل هذا الخوف المقيت المتربع على ملامحي .. على قلبي ....
لقد اعتدت رؤية مريم عند كل صباح ,, واعتدت توديعها حين العودة من المدرسة ,, أصبحت أمقت الاجازات فهي تخلو من وجودها ,, وأصبحت مريم هي كل شيء ..
ثلاثة أسابيع كفيلة في أن توقظ ما كان نائما ً في داخلي ,, ثلاثة اسابيع كفيلة لتشعرني بمن أكون في هذا الوجود ,, وهي كفيلة في أن تصنع مني إمرأة أخرى .. لقد غيرت في داخلي الكثير ,, الكثير مما كنت لا افهمه ,, والكثير مما كنت أمقته ..
وثلاثة أسابيع كافية لتشعرني بعمق الخوف من رحيلها ..
حينما أخطأ ,, وحين أضعف ,, فإنها تهددني بالرحيل ,, وهي التي لا تدري ماذا يعني رحيلها !
وكان هذا التهديد أوله ردا ً على قول نادية الذي أضعفني لحد الانهيار ,, وكلماتها عند ذلك الوقت لا تزال تعيش في داخلي وتتردد على مسمعي ..
أصبحت أكثر قوة ,, فقط لكي لا أخسر مريم ! فخسارتها بداية الانهيار الحقيقي الذي إن حل .. لا أظنه سيرحل ..
فبحق ,, تعلقت بهذه الانسانة , وجدتها أختاً كنت أبحث عنها و صديقة رغبت في مصاحبتها و ملجأ رغبت في البقاء بين احضانه وكل ذلك ومنذ سنين !
هذا اليوم رغبت في الحديث مع مريم حول العلاقة خارج المدرسة ,, فالساعة والنصف التي أقضيها معها بالمدرسة غير كافية .. أحتاج لمضاعفتها !
لم أتناول وجبتي رغبة في المحافظة على الخمس دقائق التي استغرقها بالكافتيريا ! أصبحت دقيقة في الحسابات ,, وعد الزمن ,, هل هذا منطلقا ً ليتبدد مقتي للرياضيات ؟؟
نحن نجلس في الزاوية الاخيرة للمدرسة بشكل اعتيادي ,, ولكن اليوم مُنع الجلوس هناك ,, أحسب بأن وفدا ً ما سيحضر المدرسة ..
الجميل بالموقع أنه بعيد الانظار ,, ونتحدث بحرية .. دون أن يسمعنا أحد .. و إذا ما إحداهن ستمر عنده فإننا نخفض اصواتنا لاقترابها ..
أصبحت أضحك لأوقات كثيرة حينما أختلي مع ذاتي وأتذكر هذه المواقف .. كيف نتحاور وكيف نهدأ وكيف نصمت لمرور طالبة بقربنا ..
لقد تغيرت حقا ً ,, وأنا التي لم أكن أحسب لذلك مجالا ً ..
جلسنا في مكان آخر ولم استطع الحديث معها جيدا ً ,, إذ كان يقطعه سلام الطالبات والسؤال عنها .. والبعض منهن يستغرق وقتا ً طويلا ً في الوقوف ..
قلت بعد حين ..
" مريم فلنغير المكان ..
تضحك وتجيب :
" لم يتبقَ غير عشر دقائق عن انتهاء الفسحة .. اخبريني بحديثك دون هذه المقدمات ..
أحتاج لوقت طويل في الحديث .. كما إني لا أجيد البدء فيه الا بمقدمة طويلة يستوجب حذفها ..!
" أنت تعرفين بأنا علاقتنا في حدود ضيقة .. و ..
واصمت !
" أوه ليلى مابك ؟؟ ما الذي تودين قوله ؟؟
" هل سنلتقي فقط بالمدرسة ؟
يبدو مريم فهمت ما بودي قوله الان .. الزيارات !! إلى متى ؟؟ سألتني محاولة التاكيد :
" ماذا تعنين ؟؟
" اقصد ألن أزورك بمنزلك؟
كالعادة ,, يزعجها ذكر هذا الحديث ..
قالت بشيء من الانزعاج :
" ألن ننتهي من هذا الموضوع ؟
" مريم ,, الوقت الذي امضيه هنا معك قليل .. و ..
قاطعتني بقولها :
" ليلى هل اخبرك بشيء ؟
" تفضلي
قالت :
" إن ذكر الحديث هذا يزعجني ويبث الضيق لصدري ولا تسأليني عن الاسباب فأنا لا احبذ الافصاح عنها ,, وكل ما أرجوه هو عدم تكراره ثانية !
" لكني أطمع في المزيد من الوقت اقضيه معك .. هذا ما في الامر ..
وتقول ممثلة دور الاخت الكبيرة :
" إذا أنت لا تطيعين أوامري ..
ونهضت وهي تهز رأسها :
" لا فائدة ,, سأرحل عنك إذا ً ..
وسارت مبتعدة !!
جريت خلفها محاولة امساك يدها ,, وحين استوقفتها انفجرت ضحكا ً فيما أنا اشتعلت غيضا ً واقول :
" لماذا تفعلي بي هكذا ؟؟ لماذا تهدديني بالرحيل في كل مرة ؟؟
وتهدأ قليلا من نوبة ضحكها وتجيب :
" أسعد كثيرا ً حين ألحظ خوفك علي !!!
تسعدين يامريم تسعدين ؟؟
قلت لها بغضب :
" هذا الحديث يزعجني جدا جدا ! لا تكرريه ثانية ..
هو الحديث ذاته الذي أمرتني به منذ قليل حول أمر الزيارات ,, وحين انتبهت كلانا للامر ضحكنا ,, فتقول مريم بدعابة :
" تقلديني ؟؟
" لربما ..
دق الجرس ,, ودق الخوف في داخي من حديث مريم معه .. أصبحت أمقت هذا الحديث المتكرر . ألم تعدني يوما ً بما هو خلافه ؟؟ أي سعادة هذه التي تجتاحها حين تلحظ الرعب الذي يخفق قلبي لأجله ألما ً .. إني لأحتاجها معي ,, فهي التي هبت لحياتي معنى بعدما كانت أشبه بالصحراء القاحلة ..
وجودها هو الحدث الاكبر في حياتي الان .. وإن بعادها حتما ً ليضنيني ويعذبني .. إذ أشعر بالفراغ في ظله .. وإني أشبه بمن ظلت طريقها ..
أحتاج للحديث معها حول هذا الشأن ,, لسوف أخبرها بحجم المعاناة والخوف .. والتهديد بالرحيل لن أرضاه ,, وسأنهيها عن فعل ما يحزنني ويؤلمني ..
عدت للصف في حالة من الضيق لأقوال مريم ,, ولحسن الحظ الاستاذة غائبة عن المدرسة ,, مما يتيح لي البقاء مع الذات لبضع الوقت .. بعيدا ً عن اجواء الشرح المملة ..
إلا أن الرغبة لم تتحقق ..
اقتربت مني زميلتي زينب تستأذن الجلوس معي ومحادثتي فأذنت لها ..
زينب هذه .. فتاة نبيلة .. من أسرة محافظة .. لها التزامها القوي بالدين .. ويعرف الجميع عنها ذلك ..
سألتني حال جلوسها :
" " لقد اشتقنا لابتسامتك الغائبة !
ابتسامتي ؟؟ ياه ,, إنها أعادتني للوراء ,, لما قبل ستة شهور .. كان حالي مختلف تماما ً عما عليه الان ..
قلت لها :
" لا شيء يستحق الابتسامة .
" ولا حتى مريم ؟؟
ماذا ؟؟ مريم ؟؟
إنه فعلا ما لم أتوقع سماعه من زينب .. أتعلم حجم الحب الاخوي لشخص مريم ؟؟
سألتها بتعجب :
" ماذا تعنين ؟؟
ابتسمت بلطافة وتجيببني :
" منذ أن صادقت مريم وابتسامتك غائبة عن محياك .. أنت تخالفين واقعك دوما ً ..
لم أفهم بعد مقصدها الحقيقي .. فعدت أسألها :
" ماذا تعنين من تلك المخالفة ؟؟
يبدو لي بأن هذه الانسانة تحاول اجتياز حواجزي ..
" كانت الابتسامة لا تكاد تفارق شفتيك بالسابق ,, و إن كنت نسيت فأذكرك بضيق بعض المدرسات من هذا الامر ,, إذ كن يكثرن من تنبيهك .. والان ..
وصمتت ..
" الان ماذا ؟؟
تسـتأنف حديثها :
" بعدما نلت مريم صديقة وهي التي يرغب في معرفتها الكثير .. أراك حزينة .. غير راغبة حتى في سماع ما يستدعي الفرحة والابتسام ..
دعاني هذه القول للشرود ,, والتبصر في الواقع المخالف لحقيقته ..
حين كانت حياتي تخلو من المباهج الحقيقة ويسودها الفراغ لم تفارقني الابتسامة يوما ً وكنت على وشك الدخول في موسوعة " جينيس " لأكثر فتاة تبتسم
والان .. لا ابتسامة .. ولا شيء مماثل لها ..
أيا ترى ألا تستحق مني مريم ذلك ؟؟
أم أن ابتسامتها البريئة المرتسمة على ملامحها كافية ؟؟
لم أشعر بشيء غير يدي زينب تحركني لتعيدني لواقعي .. وهي تقول :
" هي .. أين ذهبت ؟؟
" نعم ؟؟ لا لا شيء ..
" حسنا ً هل اقول لك شيئا ً ؟؟
" أجل !!
تضحك بلطافة وتقولها منصرفة :
" أنت مهووسة بمريم !!
~~~~~~~~~~~~
" هل أبدو فعلا ً مهووسة بمريم ؟
سألت والدتي ذلك مساء قبل الخلود للنوم ..
فضحكت مكتفية بالصمت ,, كأنها لا تود الحديث !!
كررت سؤالي ثانية .. ولم تجب .. أخال بأنها بالفعل لا تود الحديث هذه الليلة ..
نهضت بحزن متوجهة لغرفتي .. وهذه المرة لم أفكر بالوقوف عند غرفة أخي عادل .. فهو من ناداني .. وشعرت بأني في عالم مختلف .. هل أصبح أخي عادل بخير ؟؟
هذه هي المرة الاولى منذ شهرين تقريبا ً يحادثني !!
سألني :
" كيف حالك عزيزتي ؟؟
اقتربت منه لأعرف حقيقة ما أراه أمامي ,, هل هو عادل حقا ً ؟؟ ففي هذه الايام أصبحت الاوهام والاطياف تلازمني !!
دعاني للجلوس معه في الغرفة .. لربما يرغب في التحدث معي ..
حقيقة هذا أمر عظيم !!
الحديث كان حول مريم .. سألني عنها .. في بدءه .. أخبرته بأنها بخير ,, كما أني أخبرته بأمر صداقتنا ,, وبدا جليا ً سعادته بذلك ..
تمنيت حينها لو أني أخبرته بذلك منذ مدة ,, عساني أرى الابتسامة التي غادرت ملامحه منذ رحيل خالي .. آه ,, فوالله لاشتقتها !!!
لمريم فضل كبير في شعوري بالسعادة وإن لم تكن بادية على ملمحي .. أرجو أن يكون لها فضل آخر في عودة أخي عادل لسابق عهده ,, وإني لا استبعد ذلك .. فأنا أعرف حقيقة هذه الانسانة جيدا ً !
سألني أخي :
" ما هي آخر كتاباتها ؟؟
" لا ادري ..
" ألا تتابعين انتاجها الادبي ؟
" في الحقيقة لا ..
ارتسمت على شفاته ابتسامة دافئة كأنه تذكر شيئا ً ما ..
لم يكن لدي فعل أقوم به في صمته سوى مراقبة الابتسامة تلك .. يبدو لي بأنه يغوص الان في ذكرى الماضي .. وهذه المرة تبدو الذكرى سعيدة .. مفرحة !
أنا سعيدة .. أجل سعيدة .. فأخي استعاد شيئا من إمكاناته ..
سألته بعد أن أطال الصمت :
" في ما تفكر ؟؟
" الوقت لا يزال مبكرا ً !
هذه الجملة جديرة بالاهتمام .. هل يوجد أمرا ً يخفيه ؟؟ وإذا كان مفرحا ً ما سبب هذا التأجيل ؟
" لماذا ؟؟
" لا تتعجلي الامر لا يزال مبكرا ً !
انتهى الامر عند هذا الحد .. هو هكذا رغب ,, وحين لمست جانب رغبته في الحديث .. أخبرته عن الجانب الذي يقلقني .. في شأن رحيل مريم ..
كنت أرغب في ما يشعرني بالطمأنينة .. في ما يبدد ذلك الخوف المرعب .. ويقتل تلك الكوابيس التي تزورني في غفلتي وانتباهي ..
" عادل لا أدري لماذا يراودني شعور قاتل بشأن مريم ..
" ماهو ؟
" أشعر بأني سأفقدها يوما ً ما ..
حديثي أعاد الحزن لأخي ,, لمحت بريقا ً في عينيه يتلألأ . . هل يود البكاء ؟؟
نهض من كرسيه متوجه لمكتبه الواقع عند يسار الغرفة .. جلس هناك لبضع الوقت ..
أزعجتُه ,, لم يكن من المستحسن ذكر أمر الخوف هذا له ,, وهو الذي يعاني منه الان ..
قلت محاولة تجاهل جملتي الاخيرة :
" هل قرأت شيئا ً مما كتبته مريم ؟؟
أجابني بسرعة :
" أجل "
" ماذا قرأت لها ؟
" كانت قصة قصيرة .. منذ مدة شبه طويلة .. لربما أربع سنوات ..
شعرت بالرغبة لمعرفة أحداث قصة أجتاحت خيال فتاة لم تبلغ الثانية عشر بعد .. فسألته :
" هل تتذكرها ؟؟
" أجل . وهي تدور حول فتاة عاشت على أوهام لا صلة لها بالواقع .. إلى أن توفت بسببها ..
أوهام وموت ؟؟ هل عادل محق في ما يقوله ؟؟
بقيت لفترة من الزمن صامتة .. أما هو ففضل الحديث :
" أنا كذلك لا زلت أعيش على أوهام العقل يقول أنها مستحيلة ,, أوهام عودة خالي للحياة ,, لذا تريني اليوم شبيه بالاموات .. !
انطلقت الاهات من صدر أخي عادل ,, وكادت تشعل في قلبي حريقا ً ولهيبا ً ..
أصبحت أشعر بالحرارة ..
أغمض عينيه وهو يقول :
" لم أدرك ماذا تعني أوهام الا بعد أن تعايشت في أحضانها ! ليلى .. أنا لا أزال أترقب عودة خالي عند كل مساء ..
وعاد لنوبة الحزن من جديد .. ماكان الاجدر بي فتح هذا الملف .. اليأس من هذه الحياة تخلل حديثه ,, وهو لم يرغب في العودة لها .. هو فضل البقاء بين تلك الاحضان التي تبيده ..
انصرفت بخوف من الخوف .. !!
بخوف من تلك الاوهام التي تجعلني في حزن قد خلقته لعالمي .. بخوف من كوابيس قد جعلتها تعيش بين جفوني .. بخوف من خوف الرحيل ..
لماذا القلق والخوف ؟؟ أكل هذا من أجل كابوس زارني ذات يوم ؟؟
عادل محق في ما يقوله .. لماذا أدفن نفسي في عالم خلقه لي كابوس ؟؟
ولماذا ادع الحزن يعتليني لمجرد ذلك ؟؟
الاوهام قد تهوي بأصحابها ,, ولربما ترسلهم للفناء .. وأنا لا أبتغي ذلك الان ..
أي عقل هذا الذي تملكينه يا مريم ؟؟ لتسطرين منذ أربع سنوات ما يجعل حزن في داخلي ينتهي .. !
إنها أوهام ,, أوهام في عالم ما .. لا أعرف حقيقته جيدا ً لكنه سيولي .. ولن تعود ذاكرتي عنده .. سأعيش يومي مع مريم .. متجاهلة أياها ,, فلقد أوليتها أهتماما ً هي لا تستحقه !
][ يتبع ][
.0