.
*
في فيينا 6 آذار 1924م
كتب انطونيو غراميشي إلى جوليا شاخت
استلم هذه الايام رسائل كثيرة من الرفاق الايطاليين. انهم يبحثون لدي عن الايمان والحماسة والارادة والقوة. يعتقدون اني نبع لا ينضب, واني في وضع لا يمكن ان تنقضي فيه هذه المؤهلات, بل وبكميات اوزع منها على الاخرين. وهم -في ايطاليا- في قلب الصراع الملتهب, ضائعون ونفسياتهم بالحضيض. اشعر بقلق عميق في بعض الاحيان. استلمت رسالة من رفيقة روسية تقيم في روما, وكانت رفيقة لروزا لوكسمبورغ وللييبكنيخت, ونجت انذاك بطريق الصدفة, او بالاحرى بجهد ارادي ضخم جدا امام المجزرة, هي ايضا تكتب لي وقد خذلتها الشجاعة, ويغمرها شعور بخيبة الامل. وهي ليست ايطالية. ولا يمكن ان يكون عندها تبرير لهذا الشعور.
انهم يطلبون الكثير مني , وينتظرون الحصول على الكثير, وهذا ما يؤثر فيي بشكل مدمر. لقد ساءت أوضاع الحزب كثيرا خلال الاشهر القليلة. لقد انسحب بورديغا للاعتزال في الاقينتينو, وتصرفه هذا أدى الى تعطبيل كل الية الحياة العامة للرفاق. لقد نجحت بالكاد في انقاذ البعض من هذه الحالة, ولكن هل هذا يكفي؟ ما زلت اذكر مشهدا رأيته ذات مرة في تورينو, خلال احتلال المصانع. كانت اللجنة العسكرية تناقش الحاجة التي قد تطرأ في اليوم التالي لانطلاق العمال في هجمة الى خارج المصنع. كان كل اعضاء اللجنة أشبه بالسكارى, وكانو يتماسكون بالايدي فيما بينهم. كانت المسؤولية تسحقهم وتطحنهم فتاتا. أحد هؤلاء الاعضاء في اللجنة, وكان قد حارب مدة خمس سنوات كطيار وواجه الموت مئات المرات قفز الى قدميه, فاهتز وكاد يقع ارضا. بضغط كبير على الاعصاب استطعت ان اتدخل واجعلهم يبتسمون, بنكتة مرحة, ثم اعتدهم الى الحالة الطبيعية والى العمل المثمر. ولكني ما عدت اليوم استطيع عمل الشيء نفسه. في حزبنا كلهم من الشباب, وبدلا من ان تؤدي ردات الفعل الى تلاحمهم فقد اكلت اعصابهم وارادتهم. وانا نفسي لماذا بقيت مريضا مدة طويلة, وما زال المرض يؤثر بي؟ كنت اشعر دائما ان حياتي معلقة بخيط رفيع, وأشعر ان هذا الخيط انقطع فجأة, بعد وصولي الى موسكو, عندما صرت في مكان امين استطيع البقاء فيه هادئا. اني بحاجة اليوم الى ان اكون في غاية القوة, ولكن كيف استطيع ذلك اذا كنتِ بعيدة عني وانتِ الجزء الاكبر مني؟ تعالي يولكا, ولو لفترة زمنية قصيرة, حتى اشعر بكِ قريبة مني, وحتى اتمكن من تحقيق قفزة في العمل أعلى بكثير مما حققت حتى الآن.