* سجينة الظلام
لبثتُ في بطن الحدث إلى يوم سرمدي لا تحويه سوى ودائع الذاكرة ..
لمحة ماكرة جاست بي التيه فبرح الذهول مجرد نظرة منقوشة على قسماتي أو كتجعيدة مزمنة تختلس خطوط الفرح ..
وهاهي الذاكرة ترتدي قبعة الشرود احتماء من شمس الوعي الصاخبة بالسخونة ..
وأمي تقلب كفها ثم ترميه على راحتها وتهمس : لا حول ولاقوة إلا بالله , إنا لله وإنا إليه راجعون ..
كانت الريح تشاطر وجه أنفاسي العبوس وتهمهم بترنيمة الليل التي علت على قامة الضوضاء ..
والمساء بدا هزيلا وهو يجر جرابه الملئ بالنجوم والأقمار في طرقات الكون ..
إقتربت من ذاك الوجه الصغير الغارق في الدهشة , سألتها : أمي , ما بك ؟
وكما توقعت نهرتني بنظرة قلقة تضعني على حدود الصمت حتى أستند إلى حيرتي وأراقبها ..
يجئ أبي , وينشر مظلة الحراك في المكان , فتستقبله أمي بكلمات رتيبة وتوسع له مكانا بجوارها .
السكون خيم لهنيهة بينما يطل الوجوم على كراسي تبعثرت في أنحاء الحجرة وتستصرخ الشفاه بالحديث ,
وكأمنية دلفت من النافذة وجالت المكان بعذوبة قال أبي مبادرآ : هل سمعتِ بماحدث ؟
نكست أمي رأسها وقالت : أجل .. وصلني الخبر قبل قليل ,,,
همس أبي يطلق تنهيدة خرجت مع صوته الحزين : فليكن الله معينآ لتلك الفتاة وذويها ..
لأول مرة ترفع أمي رأسها وتنظر في عيني أبي مباشرة : ولكن كيف حدث الأمر ؟
أبي بهدوء , ولا زال يمارس إعتاق الزفرات : لقد صدمتها عربة مسرعة في طريق عودتها من المدرسة وأردتها جريحة على متن الرصيف ..
- يا لوفاء للمسكينة . هل ستقضي باقي عمرها ضريرة لا تبصرالدنيا كما قبل ؟
- أجل , هذا قدرها والحمدلله على كل حال ..
يشيخ الزمن وتلك الصيحة التي أطلقتها وقتذاك , لا تزداد إلا ينوعا : ماذا . وفاء ابنة جيراننا ورفيقة دراستي أصبحت عمياء , يا إلهي ..!!
ويسرق هلعي وجه والدي فينظران نحوي , وكأنني كنت مغيبة عن إنتباههما .. قالت أمي تصرف عني هول النبأ :
- إذهبي وأعدي لأبيكِ كوبآ من العصير ..
ولكن هيهات .. مضيت أسير على جمر ولا يحرقني غير رماد وعواصف الزمن تذروه وجعا على أرصفة الروح ..
وكلما حاولت آن أهرع إلى وفاء , كي أضاحكها في خيالي .. أبحث عن طفولتنا وأكوام من الذكريات ..
كنت أعود في كل مرة خالية الوفاض .. فلا شئ سينقش ضحكة الزهر حين تعبس الشمس وتحجب أنوارها عن العيون السقيمة ..
ليس كمثله الألم المتردي بين ليال صبيحتها دوما .. العتمة ..
وذاك الهاجس يستل الآه من قلبي .. حين يواتيني الواعز : بأن وفاء برحت سجينة للظلام .. وقد ألقيت في جب عميق من العمى أحلم دوما وأدعو القدير بأن يحررها منه ويشفيها ..
و هكذا توالت السنين , وكبرنا .. وافترقنا ووفاء أبدآ لا تغادر خاطري .. ولا تفارق مخيلتي ..
تحيتي