العنوان :
نداء على هيئة استنطاق للماورائيات
المتن :
حادثة شعرية أنيقة،متفردة،تطلق أجنحة اللغة على غصن أخضر،مرتفع المدى،كسماء
النص : مشكلة ،فلسفة ،حكمة،مدخل أنيق،ولوج إلى عالم من الضوء لاينتهي
وهنا تكمن البراعة :
هالليل : لمة عاشقين ، وأغاني
............. وآمآل ... ترقى للسما ... في سكينه
ووجه الطريق إيذمّ سُمر المباني
............. تاهت مع الظلمه ... خُطى عابرينه ؟
جيتك مواجع في قصيدة عماني
............. وارث .. مخاف الله .... من والدينه !
هو الليل : المحرض الأعلى لارتكاب الشعر
ومن ثم تتجلى لمة عاشقين ، لم يقل الشاعر بعض عاشقين،أو عاشقين وأغاني لكنه آثر أن يدخل الحركة والجلبة داخل النص ،فاللمة أي الاجتماع تعني الحركة،والصوت،والجلبة،والارتباك ،وربما التحريض على فعل ما،هو الأغاني تلك التي حضرت في معية اللمة دافعة الشاعر نحو التجلي في بيت القصيدة الثاني حيث يكمل الحكاية ...
وهناك طريق مختلف،ووجه يعكس عتمة الليل في خارطة طريق،كأن اتحادا ضمنيا يجمع ما بين الليل ووجه الشارع الذي يسدل عتمة باهية على سمر المباني،والسمرة هنا قد تأتي بمعنى ما قبل حلول الظلام حيث تبدأ الأشياء في المغيب لتمتد يد الليل بدءا بالسمرة إلى أن تجلل العتمة المكان،والسمرة طابع البدوي الأصيل،وهي كناية عن الكد والجهد والتعب.
أيضا هناك اتصال بارع ،وصورة غنية وثرية تتقاطع مع المفردات في صور كثيفة هي : الليل،السكينة،وجه الطريق،سمر المباني"،لتتحد جميعها مع الظلمة في اكتمال بالغ الدقة للصورة...
ثم تتبدى روحانية مفعمة بالصدق في تلك المواجع التي جاءت في شكل قصيدة لشاعر عماني،ومعروف أن الشعر العماني زاخر بالشجن،فياض بالصور،مستنطق للوجع في لغة خاصة به وحده،ليلتقي الألم مع مهابة الخوف من الله،تلك الموروثة من والدين حبيبين.
هنا تركيز وتكثيف عال للصورة،وإيغال بارع نحو السمو بالشعر ليكون قادرا على التقاط الأشياء بذكاء وفطنة ومهارة عالية.
تعبث به إيدين الزمان : الأناني
............. وياما عتق في الثلث الآخر ... يدينه !
أذكر حنين أمي لِ صوت الأواني
............. ودلالنا : الصُفر / الصغار / الحزينه ،
ماكنها الا صُبح عيد .. وتهاني
............. شابت وطاح بتربة الصدر ... تينه !
قلت أعبر حدود الشقا / للأماني
............. وأقطف لها من بهجتي ... ياسمينه
انظر إلى هذه الصورة المبتكرة في عتق اليدين وهي كناية عن التحرر من القيود حيث تتجلى حرية الدعاء،وتتمحور علاقة المرء بربه،في الهزيع الأخير من الليل،لتنتقل بشكل إنساني إنسيابي رائع بعد ذلك إلى الحركة ،والصوت في صوت الأواني ،والدلال الصفر،ونشاط المرأة الصباحي حيث تستعد النسوة لإعداد القهوة،كأن الفجر يعانق رائحتها رغم حزن الصغار.
وهي بالفعل كحالة فرح أو عيد فالحركة عند الفجر تنبئ عن ولادة يوم جديد بما يحمل من فرح،تعب،عمل،علاقات إنسانية،ومعروف أن للعيد في الخليج قديما احتفالات خاصة ،لتكتمل الحالة هنا بالصورة الفارهة شابت وطاح بترقبة الصدر تينه،شابت كناية عن البياض والشيب بمعناه المطلق ،اما تربة الصدر فهي التقاء التين بالعيد في رؤية ناضجة للفعل طاح،والفاعل التهاني.
كنت الفقير .. المغتني بالمعاني
............. طفلٍ غرس في روض شكّه | يقينه !
هذا البلد : نورس حزين ومواني
............. فيه الغلابى ... يحتسون ... الغبينه !
ماقسى من إنك لجل عينه | تعاني
............. غير الغرق وأقصى طموحك ( سفينه )
يابن الغياب إللي يدكّ .. المحاني
............. كم قلت : برّد الشوق ... ديني ودينه
الفقير كما هو معروف في بيئتنا العربية عزيز نفس،ويحمل من الكرامة ما لايعرفها غيره،لذا الصورة هنا واقعية جدا كنت الفقير المغتني بالمعاني،وما أجمله من غنى إنساني ،فيه من القيم والمبادئ الكثير مما تجلى في هذه الجملة الشعرية الواقعية ،أما حكاية البلد/والغبينه،فهي اجترار لحالة عامة لايخلو منها نص شعري يرسم فكرته حول وضع إنساني بكامل هيبته الأخلاقية.
لكن الطموح لايتوقف عند حد،والسفينة هنا ترمز إلى الأمل،والبحر مصدر وافر للرزق فما دام أقصى الطموح أن تكون لديك سفينة فهو أعلى الطموح ذلك أن الربان الماهر قادر على تسيير دفة السفينة باتجاهها الصحيح،فما من غبن إذن والأمل يشع تحت أشعة شمس تداعب مرافئ الحياة،رغم الغياب الذي يجلل بهيبته تلك المحاني التي أكلها الوجع في سيرها نحو الشوق الغائر حتى لكأنه استطاع ان يعالج كل القضايا"ديني،ودينه".
عطني من سنين المحبه .. ثواني
............. البعد جوع ... وقوت صبري عجينه !
شفني حديث الناس قاصي وداني
............. شاعر : نسى يطفي .. سجاير حنينه !
قلبه دلو واضلاع صدره | سواني
............. وجروحه الما .. والنخل رمش عينه !
لو قيل جاني قول : من صار جاني
............. هي : سطوة الدنيا / رحيلك / سنينه ؟
بعدك وحيد وغصن بلواي .. داني
............. ضميان عطف ... وصدّة الغيم شينه !
طل الشتا ولاجيتني ... وطل ثاني
............. وانا اخفي اوراق الأمل في [ خزينه ] !
لا الصبح قادر ياخذك لي عشاني
............. ولا الدرب لك : بستان من قمح وطينه
قلي : إذا مني [ برودك ] خذاني ..
............. كيف الدفى يطرق ... بيوت المدينه ؟
هنا مفاتيح النص كلها في هذا الانفتاح على الأمل رغم الحنين والصورة الفارهة في نسى يطفي سجاير حنينه وهي كناية عن شدة الضجر والرغبة في انطوء هذا الحنين،والتماهي مع الحالة حيث يهرب المرء إلى تصرفات أخرى يعتقد بأنها يمكن أن تساعده على النسيان رغم خطورته لكن سجاير حنينه وحدها تكفي لتصوير الحالة.
إن التكثيف الكثير للصور في النص ساعد كثيرا على بلورة بانوراما رائعة حول الشكل العام للحكاية في داخل النص،وقد حمل الكثير من الدلالات ،والذكريات،والرؤية الفلسفية التي استطاع الشاعر ببراعة أن ينقلها إليها دون ملل أو تكرار،أو خروج عن النص إلا نحو الإفراط في الإبداع.
بقي أمر واحد أتمنى أن يتسع صدر أخي ناصر له فربما أنني قرأت الشطر بشكل مختلف إذ شعرت بأن هذه الجزئية قد شابها بعض الكسر ولا أدري إن كان الخطأ من طريقتي في القراءة،أومن شكل التشكيل النحوي فيه وهو :
"يابن الغياب إللي يدكّ .. المحاني
............. كم قلت : برّد الشوق ... ديني ودينه
هل هي برّد الشوق إذ لو جاءت بهذا المعنى سيكون الكسر واضحا
أم بَرْد الشوق : وهي التي يستقيم عندها الوزن
شكرا لك
شكرا لهذا الإبداع ،والتجلي أخذتني كثيرا نحو التفاصيل الدقيقة للنص حتى جاءت هذه الرؤية الانطباعية المتواضعة حوله
تحياتي أخي الكريم