8
تكثر في المجتمعات الصغيرة .. ظاهرة التقليد !!
فما أن تقوم بعمل شيء حتى تجد الآخرين يعملون نفس العمل ... على سبيل المثال في القرية إذا صبغ أحدهم جدران بيته بلون مميز لم ينقض الشهر حتى تجد الجميع قد صبغوا جدرانهم بنفس اللون أو بلون مقارب له ...
في عام 82 م اشترى لنا أخي الكبير ، سيارة سوبر من نوع [ جي أم سي ] .. عندما رأينها كأنما رأينا مركبة فضائية ، ذلك أننا لم نعرف إلا الداتسون والهايلوكس ، نقف طويلا نتغزل بهذه الفاتنة التي سحرتنا بجمالها وديكورها وشكلها الخارجي ، ويقف معنا أبناء القرية متأملين هذه المركبة العجيبة ، نضع أيدينا على زجاجها لنشاهد ما بداخلها ، ونتلمس جسمها الخارجي ، وأنوارها وكفراتها ... وكل منا يمني نفسه أنه حين يكبر سيقود هذه السيارة ويفعل بها الأفاعيل !!
لم يكتمل الشهر .. حتى بدأنا نرى سيارات مشابهة لسيارتنا ، تقف بجوار بيوت الجيران ، ونفعل معها ما كنا نفعله مع سيارتنا من التقرب لها ولمسها ومحاولة رؤية ما بداخلها ، وكل صاحب سيارة يحاول أن يبرز لنا جمال سيارته وروعتها .. ,اصبحت صيحات التحدي تنطلق بيننا [ قسم بالله سيارتنا أطلق من سيارتكم ] وهكذا نشبت حرب كلامية بين الأطفال الصغار مستخدمين فيها أسلحة السيارات الشاملة !!
كان الغرض من شراء تلك السيارات احتواء الجحافل الكبيرة التي تسكن المنازل ، فقليل أن تجد أسرة تقل عن عشرة أشخاص !!
وإذا جاء رمضان ، ظهرت الفائدة الحقيقية والغاية الجميلة من شراء ذلك النوع من السيارات ، حيث تظهر عادة جديدة بين أهل القرية وهي السفر لمكة المكرمة بغرض العمرة [ يعني ما يعرفون مكة إلا في رمضان ] ، ولم يكن الهدف التزود بالخير خاصة في الفكر النسائي ، بقدر ما هو نذهب لمكة أسوة بآل فلان لأنهم ذهبوا !!
أذكر أن أول مرة أدخل فيها المسجد الحرام كانت في العام 1403 هـ وكنا قد اجتمعنا أربع عوائل في سيارتين جديدتين من نوع [ سوبر جي أم سي ] .. كان المنظر مهيب ، والجموع مزدحمة ، والمشهد غريب ، هنا جو روحاني ، والمسجد الحرام يظهر أكبر مما نراه في التلفاز والصور ، والكعبة تظهر أكبر ولون ستارها الأسود يضفي لها جمالا قد امتلأ نورا .
وبما أن الأفراد المعتمرين من العائلتين يفوق عددهم الثلاثين ، فبالتأكيد أننا سنعاني الكثير من المشكلات خاصة إن كثرت في الرحلة النساء والأطفال ، فهناك مشكلات الضياع ، ومشكلات التزاحم ، ومشكلات السقوط ، ومشكلات عدم التقيد أو الإنضباط ، وجميع هذه المشاكل واجهناها ، فضاع منا من ضاع ، وسقط منا من سقط ، وتمزق الجمع ، وتفرق الشمل ، صياح ونياح ، بحث وتحري ، سؤال واستفسار ، وكأنما ذهبنا للمسجد الحرام لنزداد آثاما فوق آثامنا . وكم سمعنا من شتمات وتوعدات ألا يتكرر الأمر ، وبعدم مرافقة النساء والأطفال في عمرة بعد اليوم !!
قالوا لنا في المسجد الحرام ، اغتسلوا من ماء زمزم ، واشربوا منه ، وعملا بالوصية فعلنا ، إلا أننا لم نستصغ ماءها فقلنا [ ملح ، ملح ] فقط تذوقناه فلم يعجبنا ، اغتسلنا منه ، وبعثرنا الماء ، ندفقه على بعض لعبا من عند شقاوتنا !!
ننتهي من العمرة ، ونعود رافعين لواء النصر ، مبتهجين برحلتنا الميمونة ، وقبل أن نعود لا بد أن نشتري [ حب الحمص الأحمر ] و [ الحلوى المكية ] . ثم نقسمها في أكياس متوسطة ، نقدمها هدية مع بعض [ المسبحات ] لكل من يزورنا ليبارك لنا في العمرة ، ويعتبر ذلك مظهرا من مظاهر قبول العمرة ، وحجة لنا على أننا فعلا قد بلغنا المسجد الحرام !!
يتبع بإذن الله