فتمنّى فهمان أن يكون مثله في التضحية والشجاعة.
*ومن داخل مبنى وكالة ناسا يشاهد رئيسها هذا الفتى الملثّم ويخاطب نفسه قائلاً ..أيّها الملثّم أنت تصلح أن تكون رائد فضاء من الطراز الأول ، ثمّ تحركت شفتاه همسًا مستفهمًا..مَن أنت أيّها الفارس الملثّم ! كم أرجو رؤيتك .
أيقنوا جميعًا بأنّه سوف يموت ..لكن ماذا يخبّئ لنا جاك ؟ هل هذه العبقريّة وهذا الضمير الملائكيِّ ساذجٌ لهذه الدرجة أن يلقي بنفسه في الجحيم!.
والحقيقة أنّ جاك ألقى بنفسه وهو بالفعل لم يحسب خطوات العودة ، نظر إلى الطفلين وسألهما غيظًا وحنقًا عن سبب سيرهما بدون مصاحبة والديهما ، ثمّ أطرق متسائلاً..وماذا كان سيفعل الوَالِدَانِ في هذا المأزق .
فنظرت الطفلة إلى بنطلونه الذي بدأ يحترق ، فقد بدأت الجمرة تتحوّل أسفل البنطلون نارًا فقالت له الطفلة عمو ..أنتَ تحترق .
ثمّ نظر الطفل اليهوديّ إليه أيضًا قائلاً ..سيدي أنتَ تحترق .
فضرب جاك بنطلونه بيده غير ناظرٍ إليه وما آلت إليه ضربته وإنّما حدّق في الطفلين وكرّر نفس السؤال للمرة الثانية .
فأجابتْ الطفلةُ..إنّنا كنّا مجموعة مِن الأطفال عربًا وعجمًا ، فأقبلَ عليّ هذا الولد وقال لي إنّي يهوديّ وأريد المال الذي معك والفستان الذي ترتدينه ، فلمّا قال ذلك رمقه بعض الأطفالُ العرب وقالوا له وهم يتغامزونه وأياديهم مبسوطة نحو جيبه ..لا يصحّ هذا يا سيدي الطفل .
أمّا بقيتهم فتداولوا فيما بينهم ثمّ رحلوا جميعًا ، وانتهز فرصة رحيلهم فضربني ولا زال يضربني حتى اِنشقتْ الأرض .
وأجهشت الطفلةُ بالبكاء حتى ارتعد جسدها لمّا قالتْ ..انشقتْ الأرض لأنّه ظلمني ، ثمّ تمالكتْ نفسها ومسحت دموعها وتثبّتتْ ثمّ قالتْ..وهكذا سيدي الشجاع تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها .
فردّ عليها الطفلُ ..نعم سيدي هي على حقٍ في قولها "تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها."نعم سيدي ..انشقتْ الأرض لأنّ فلسطين اغتصبوا أرضنا ".
فلمْ يعبأ جاك بعراك الطفلين وإنّما أخذ يفكّر كيف ينجي هذين الطفلين من الموت ، أيستسلم ! جاك الذي لمْ يفشلْ قطٌ يموت الآن .. مستحيل .
*وعبْرَ الشاشات نجد الناس يتملّكهم الحزن الشديد على الملثّم قائلين .. خسارة أن يفقد هذا العالم رجل مثل هذا الفارس ، وتأهّبوا للصلاة عليه بعد أن تأكله النيران .
استجمعَ جاكُ فِكره وغيّب مشهد الفزع الذي ينتابه مِن شكل الطفلين ، ثمّ جثا على ركبتيه صامتًا حتى ظنَّ الناس أنّه يصلّي صلاة الوداع .
قام بثقة وفعل الآتي ...
تجهيز المغلف أو النايلون ..
بعد لحظات مِن الصمت والتدبّر حاول فيها أنْ يبثَّ في نفسه الثقة والثبات ، نظرَ إلى الدراجة نظرة خاطفة ، ثمّ أقبل عليها وفتح حقيبة كبيرة كانت خلف المقعد الذي يجلس عليه واستخرجَ كيس النايلون الذي فيها ، إنّه كيسٌ رقيقٌ خفيفٌ لا ينفذ منه الهواء مطلقًا ولا يحترق إلّا تحت درجة انصهار عالية ومطلىٌّ في فوهته بمادة لا تحترق ، كان يحتفظ به في دراجته للقيام ببعض المناورات الطائرة .
والفوّهة عبارة عن طوق مِن الحديد ذات قطر صغير 90 سم ومطليّة بمادة ضد الحرائق ، وتذكّر عندما اشتراه أنّ البائع قال له هذه المادة ضدّ الحريق ولمْ يفكر وقتها في السبب لكنّه علمه الآن ، يبدو أنّ هذا البالون كان يستخدم كمنطاد في نقل راكبين أو ثلاث فقط لصغر حجمه .
*رآه فهمان وقد كان جالسًا ، وعلى الرغم من ألمه وتفجّعه على الناس الذين يحترقون إلى أنّه لم ينسَ العلم كأبيه..فحدّق في الفتى الملثّم قائلاً..أرجو أن تفعلها أيّها الملثّم ..أرجو أن تفعلها ، وانتبه لما معك ، فمعك الموقد والغاز والهواء .
تجهيز الموقد...
يتبع ..