رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - الصفحة 3 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
قال لي مجنوني .. (الكاتـب : كامي ابو يوسف - مشاركات : 1 - )           »          رثاء متأخر، وعتب على الـ"غرغرينا"! (الكاتـب : حسام المجلاد - مشاركات : 6 - )           »          ورده رقيقه .. (الكاتـب : تفاصيل منسيه - مشاركات : 0 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 529 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 470 - )           »          طفل الغيم (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 1 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 518 - )           »          تساؤلات تضج بالإجابة (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 255 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7499 - )           »          {} أؤمِــــــنُ بـِــ ...... {} (الكاتـب : إبتسام محمد - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 190 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-10-2020, 06:22 AM   #17
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


فتمنّى فهمان أن يكون مثله في التضحية والشجاعة.
*ومن داخل مبنى وكالة ناسا يشاهد رئيسها هذا الفتى الملثّم ويخاطب نفسه قائلاً ..أيّها الملثّم أنت تصلح أن تكون رائد فضاء من الطراز الأول ، ثمّ تحركت شفتاه همسًا مستفهمًا..مَن أنت أيّها الفارس الملثّم ! كم أرجو رؤيتك .
أيقنوا جميعًا بأنّه سوف يموت ..لكن ماذا يخبّئ لنا جاك ؟ هل هذه العبقريّة وهذا الضمير الملائكيِّ ساذجٌ لهذه الدرجة أن يلقي بنفسه في الجحيم!.
والحقيقة أنّ جاك ألقى بنفسه وهو بالفعل لم يحسب خطوات العودة ، نظر إلى الطفلين وسألهما غيظًا وحنقًا عن سبب سيرهما بدون مصاحبة والديهما ، ثمّ أطرق متسائلاً..وماذا كان سيفعل الوَالِدَانِ في هذا المأزق .
فنظرت الطفلة إلى بنطلونه الذي بدأ يحترق ، فقد بدأت الجمرة تتحوّل أسفل البنطلون نارًا فقالت له الطفلة عمو ..أنتَ تحترق .
ثمّ نظر الطفل اليهوديّ إليه أيضًا قائلاً ..سيدي أنتَ تحترق .
فضرب جاك بنطلونه بيده غير ناظرٍ إليه وما آلت إليه ضربته وإنّما حدّق في الطفلين وكرّر نفس السؤال للمرة الثانية .
فأجابتْ الطفلةُ..إنّنا كنّا مجموعة مِن الأطفال عربًا وعجمًا ، فأقبلَ عليّ هذا الولد وقال لي إنّي يهوديّ وأريد المال الذي معك والفستان الذي ترتدينه ، فلمّا قال ذلك رمقه بعض الأطفالُ العرب وقالوا له وهم يتغامزونه وأياديهم مبسوطة نحو جيبه ..لا يصحّ هذا يا سيدي الطفل .
أمّا بقيتهم فتداولوا فيما بينهم ثمّ رحلوا جميعًا ، وانتهز فرصة رحيلهم فضربني ولا زال يضربني حتى اِنشقتْ الأرض .
وأجهشت الطفلةُ بالبكاء حتى ارتعد جسدها لمّا قالتْ ..انشقتْ الأرض لأنّه ظلمني ، ثمّ تمالكتْ نفسها ومسحت دموعها وتثبّتتْ ثمّ قالتْ..وهكذا سيدي الشجاع تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها .
فردّ عليها الطفلُ ..نعم سيدي هي على حقٍ في قولها "تنشقُّ الأرض عندما تُسلب من أصحابها."نعم سيدي ..انشقتْ الأرض لأنّ فلسطين اغتصبوا أرضنا ".
فلمْ يعبأ جاك بعراك الطفلين وإنّما أخذ يفكّر كيف ينجي هذين الطفلين من الموت ، أيستسلم ! جاك الذي لمْ يفشلْ قطٌ يموت الآن .. مستحيل .
*وعبْرَ الشاشات نجد الناس يتملّكهم الحزن الشديد على الملثّم قائلين .. خسارة أن يفقد هذا العالم رجل مثل هذا الفارس ، وتأهّبوا للصلاة عليه بعد أن تأكله النيران .
استجمعَ جاكُ فِكره وغيّب مشهد الفزع الذي ينتابه مِن شكل الطفلين ، ثمّ جثا على ركبتيه صامتًا حتى ظنَّ الناس أنّه يصلّي صلاة الوداع .
قام بثقة وفعل الآتي ...
تجهيز المغلف أو النايلون ..
بعد لحظات مِن الصمت والتدبّر حاول فيها أنْ يبثَّ في نفسه الثقة والثبات ، نظرَ إلى الدراجة نظرة خاطفة ، ثمّ أقبل عليها وفتح حقيبة كبيرة كانت خلف المقعد الذي يجلس عليه واستخرجَ كيس النايلون الذي فيها ، إنّه كيسٌ رقيقٌ خفيفٌ لا ينفذ منه الهواء مطلقًا ولا يحترق إلّا تحت درجة انصهار عالية ومطلىٌّ في فوهته بمادة لا تحترق ، كان يحتفظ به في دراجته للقيام ببعض المناورات الطائرة .
والفوّهة عبارة عن طوق مِن الحديد ذات قطر صغير 90 سم ومطليّة بمادة ضد الحرائق ، وتذكّر عندما اشتراه أنّ البائع قال له هذه المادة ضدّ الحريق ولمْ يفكر وقتها في السبب لكنّه علمه الآن ، يبدو أنّ هذا البالون كان يستخدم كمنطاد في نقل راكبين أو ثلاث فقط لصغر حجمه .
*رآه فهمان وقد كان جالسًا ، وعلى الرغم من ألمه وتفجّعه على الناس الذين يحترقون إلى أنّه لم ينسَ العلم كأبيه..فحدّق في الفتى الملثّم قائلاً..أرجو أن تفعلها أيّها الملثّم ..أرجو أن تفعلها ، وانتبه لما معك ، فمعك الموقد والغاز والهواء .
تجهيز الموقد...


يتبع ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-14-2020, 04:38 AM   #18
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


تجهيز الموقد...
تفاءلَ بذلك واستبشرَ وارتسمتْ على وجهه علامات الطمأنينة.
بعد ذلك..أخرج مِن الحقيبة علبَ كانز فارغة ، علب كان يخزنها بعد ارتشافها ليبيعها لأحد الباعة من أجل أن يستعين بها على قضاء بعض حوائج المعاش .
ولحسن حظه أنّها كانتْ كثيرة ، استخرجها وألقاها أرضًا ثمّ ثقبها كلّها من أعلى ثمّ قال لا بأس بها فإنّها تفي بالغرض .
*لقد تعجّب الناس عبر الشاشات من فعله فقالوا..لقد أصابته لوثة الجنون ، رحمك الربّ يا رجل ، لكن رئيس ناسا يتابعه وفهمَ ما ينوي الفتى فعله ، واللافت أنّ فهمان سبقه في ذاك الفهم .
قال ..أرجو أن تنجح في صنع سفينتك الفضائيّة أيّها الملثّم .
وقد صدرتْ أوامر إلى طائرة فريق إنقاذ بالذهاب إلى مكان الحادث لإنزال أريكة بحبال تحتوي على أبازيم رابطة لتحمل الطفلين إلى الطائرة .
استخرجَ جاك مِن أسطوانة الدراجة الغازية الغاز الذي تعمل به بعد أن ثقبها ثمّ أفرغها كلّها في علب الكانز عن طريق أنبوبة .
بعد ذلك قام بسداد علب الكانز كلِّها بسدادة محكمة ، ثمّ ربطها كلّها معًا بإحكام في أربع مجموعات ثُمّ ربط المجموعات في قاعدة خشبيّة كانت ملقاة على أرض البركان .
*وفهمان يحدّق في الشاشة مائلاًَ مقوس ظهره ويقول .. هيا.. اِفعلها ..اِفعلها أيّها الملثّم البطل .
*ومن تل أبيب كان يعقوب إسحاق يشاهد المشهد من أوله ، ولقد أدرك أخيرًا ما ينوي فعله ذاك الملثّم .
نفْخ الهواء البارد داخل البالون..
وبعد أنْ انتهى لمْ يجد عناءً مطلقًا في المرحلة التالية ، كان عليه الآن أن يحضر مضخّة الهواء اللاسلكيّة ببطاريّة 12 فولت ، كان يضخُّ بها الهواء لإطاريّ دراجته .
طرح البالون وأمرَ الطفلين بإمساكه جيدًا كي لا يطير فامتثلا ، ثمّ ربطه جيدًا في صخرة كبيرة كانتْ على سطح الجدار المعزول حتى لا يطير، كما ربط َالطرف الآخر كذلك .
قام بضخّ الهواء البارد داخل البالون حتّى امتلأ ، ثمّ قام بسدّه حتى لا يتسرب الهواء البارد .
تسخين الهواء ...
أحضر مجموعات الكانز الأربعة وقام بنزع سداداتها واحدة تلو الأخرى وبسرعة ، وكلّما نزع واحدةً منهنّ أشعلَ النّار فيها فكانتْ تشتعل كموقد البوتاجاز ، فاطمأنّ أنّها تعمل بامتياز .
أشعلَ النارَ بوساطة أحد الأعواد الخشبيّة التي كانت ملقاة على الأرض مِن خلال أحد ألسنة اللهب المتأججة ، ولقد لحظ تسرّب بعض الهواء مِن البالون ، فأعاد ضخَّ الهواء مِن جديد حتى امتلأ ، نادى على الطفلين وأعدّ حبلاً متينًا كان يستخدمه في تسلْق الأشياء المرتفعة ، أحضره مِن الحقيبة أيضًا ..ربطَ نفسه في جهة وربط الطفلين في الجهة الأخرى من البالون حتى يتّزن ، لكن الطفلان أثقل قليلاً فاضطر لحمل حجر في يده وزنه 11 كيلو جرام .
في الإطار الحديديّ الدائريّ المثبّت في أول البالون القريب مِن أرض الجدار مدَّ يده إلى الداخل وأمالها افقياً ، ثمّ ربطَ المجموعات الأربع فيه .
*قال فهمان..ها قد فعلها .ها قد فعلها .
*ورئيس ناسا يقول ..لقد صنع مركبة فضائيّة ، فأرجو أن ينجح في صناعة كوابحها .
*وصلتْ الطائرة ، وأرسل قائدها تقريرًا إلى مبنى الطائرات أنّه لن يستطيعَ التحليق عِن قرْبٍ بعد أن ارتفعتْ ألسنة اللهبِ منذ قليل ، وتبعًا فإنّ الدرج لن يبلغ الطفلين ، وجاءت الإشارة بعدم المغامرة والانتظار لعلّ البركان يهدأ .
لكنّ المبنى أرسل إشارة بعدها أنَّ رجلَ الدراجة الملثّم قد صنع مِنطادًا طائرًا فجاءه الردّ بأن ينتظر ويراقب .
-بدأ الهواء البارد يسخن تدريجيّاً بفعل مواقد الكانز ، ثُمّ بدأ البالون يرتفع محلقًا عاليًا ، وبعدما اطمانَّ جاك أنّ المنطاد ارتفع عن ألسنة اللهب ولا خطورة منه بدأ يوجّه البالون حتى ساقته الرياح للحركة الأفقيّة فتغيّر مِن الوضعيّة الرأسيّة إلى الوضعيّة الأفقيّة .
مدَّ يدُه وقام بنزْع مجموعةً من المجموعات الأربع ، فبدأ المنطادُ يهبط مائلاً .
*أرسلت إشارة إلى مركز المراقبة بأنّ الرجل الملثم نجح في صنع المنطاد وأنّه الآن طائر في الهواء ، فجاءه الردّ بأن يتابع البالون لينتشله من الهواء لأنّه غير مجهز للهبوط .
*والمشاهدون يتابعون مِن خلال شاشات التلفاز كلَّ ما يحدث ، وكلّهم في ذهولٍ وترقّبٍ ، يأملون أن ينجح الملثم في عملية الهبوط .
*ورئيس ناسا يعلن في قرارة نفسه عن مولد رائد فضاء أسطوريّ .
*ويعقوب إسحاق حمد الله على نجاة الطفل وأطلق أخيرًا أنفاسه التي كانت محبوسة .
-ولمّا غادر المكان أفقياً أيضًا نزعَ المجموعة الثانية فخفَّ اللهب كثيرًا ممّا تسبّبَ في هبوط البالون تدريجيّاً لكنّه ما زال يحلّق فنزع الثالثة ثُمّ الرابعة فاصطدموا جميعًا بالأرض ممّا أصابا الطفليْن ببعض الكسور والخدوش ...
انشقّتْ الأرضُ المثلثيّة بعدها مباشرة وابتلعتْ الأرضُ الدراجةَ .
نظر خلفه ليجد دراجته التي يعشقها تنفجر، حمد الربَّ على نجاة الطفليْن ، ثُمّ ترك المشهد كلّه عازمًا على الرجوع إلى منزله .
بدأ البركان يهدأ بعدما أفرغتْ الأرض غيظها وغضبها ، والحِمم الباردة تغطي مساحات شاسعة على أرض كاليفورنيا وخاصة المنطقة المحيطة بجامعة بيركلي .
ورغم موت آلاف الضحايا في البركان الغاضب إلاََ أنَّ مشهد جاك ارتكزَّ في عقول وقلوب العالم كلِّه وخاصة الأمريكيين .
وظلّتْ وسائل الإعلام تقصُّ وتروي وتستفيض في وصف فتى البركان الملثّم ، وخاصة أنّ االطفلين أحدهما جنسيّة يهوديّة والأخر فلسطينيّة .
وظلتْ على مدار أيّام وشهور يعرضون صورة الدراجة وهي تطير ، وصورة الملثّم وهو طائر في الهواء ببالون صنعه ببراعة شديدة ، وصورة الدراجة وهي تتهاوى في البركان ، وأشاروا إلى وجهه مليارات المرات متسائلين ..تُرى مَن هذا الرجل الملثّم ؟
ولقد أسموه عبر كلِّ وسائلِ الإعلام العربيّة والعالميّة باسم فتى البركان الملثّم ، لأغلب الظنِّ أنّه كان فتى .
ولقد شاهد جاك تعليقات وسائل الإعلام على صنعه فلم يكترثْ لهم .
الجزء السابع
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-21-2020, 03:39 AM   #19
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


اغرسْ في أرضك بذورًا تصلح لها..
سبعة أشهر مضتْ على زلزال كاليفورنيا...
اجتاز فهمان الثانويّة العامة ولمْ يكنْ بين العشر الأوائل على مستوى الجمهوريّة ، مع أنّ أبيه كان يعتقد أنّه سوف يكون أولهم .
اِغتمَّ فطينُ وسأل ابنه عن هذه العبقريّة المفرطة التي لمْ تُفعّل في الدراسة .
أجابه فهمان قائلا ً..أبتِ أنّا منشغل دائمًا بالبحثِ والتقصّي في العلوم التي أعشقها مثل الفيزياء ، وقد قرأت أكثر من مئة رسالة دكتوراة ووعيتها جميعًا .
ولذلك انشغلتُ كثيرًا عن باقي المواد وأهملتها سهْوًا فقللتْ مِن المجموع الكلّي .
اقتنع فطين بكلامه وذهل من كم رسائل الدكتوراة التي قرأها ووعيها جيدًا .
قال فطين لولده ..وماذا بعد ؟ أىّ كليّة تحبّ ؟
-ردَّ بحزم ..كليّة العلوم .
-أتكتب أوّل رغبة علوم القاهرة؟
-تلعّثمَ ولمْ يقوَ على الكلام فصمتَ ، ثمّ أطرق في أسىً بالغٍ ليداري ما به ؟
-ما لك لا تنطق ؟ اِرفع رأسك وتبسم ..أريد لكَ العلوم في جامعة ..سكت هنيهة ..في جامعة بيركلي بكاليفورنيا ..فما رأيك؟
انفجرتْ عينا فهمان مِن البكاء فرحًا ووجلاً ، واحتضنَ أبيه وقبّل يديه .
-بعد ذلك سأله أبوه..أتعلم كمْ النفقة ؟
-كثيرًا يا أبتِ كثيرًا ، لكنّني لمْ أعلمها بالضبط ، لأنّي كنت أطرد الفكرة بمجرد أن تخطر ببالي .
-اِعلمْ وأخبرني ، كذلك أخبرني بترتيبات اللحاق ببيركلي..الشروط والنفقات والإقامة ..الخ.
-سمعاً وطاعةً يا أبتِ .
جلس فهمان أمام الحاسوب ليبحث عن شروط القبول والنفقات و..الخ .
فلمّا قرأها تفجّع قائلاً .. كارثة . نفقات الالتحاق باهظة جدًا .
انصدعَ قلبُه وامتقعَ وجهُه بعدما أيقن انّه لا سبيل للسفر إلّا بالمنحة الدراسيّة ، وهو يعلم أنّ أبيه لن يوافق ، فهو يرى أنّ المنحة شحاذة ، وممّن ؟ من عدونا .
تصفّح أكثر فوجد أنّ المنح الدراسيّة لا توهب إلّا في حدود ضيقة جدًا.
حان وقتُ المساءِ وأتى فطين مِن الخارج ثم أخذه وخرجا قاصدين السيرك ، وسأله في الطريق قائلاً هل أنجزتْ المهمة ؟
فردّ عليه : لا أريد السفر يا أبتِ ، النفقة كثيرة وفوق طاقتك بكثير .
سمعها فطين وسأله عن حجم المصروفات فلمّا أجابه ذُهل فطين وانتكس .
ومِن الغمِّ الذي سيطر على أوصالهما قرّر فطينُ إلغاء عرض الليلة ، وقفلا راجعيْن إلى المنزل .
ظلّا صامتيْن ساعات ، الحزن قد ألجم اللسانين فخرسا ، لكن فطين القويّ ما وقف في حياته عاجزًا أبدًا ، فبدّل كثافة الصمت القاتل بقوله ..ستسافر يا ولدي مهما كان الثمن ، أعدك بذلك ، ستسافر وربّي .
ثُمّ باغتته نغمة هاتفه ، إنّه الطبيب مؤيد .
-مرحبًا صديقي الطبيب .
-كيف حالك يا فطين ؟
-الحمد لله .
-مبارك لولدك .
-الله يبارك فيك .
-كيف حال سركك ؟ سمعت أنّك تكسب كثيرًا ..
-الحمد لله .
-نريد منك خدمة .
-اتفضل .
-لنْ ينفعَ الهاتف ، أنا أمام المبنى ..انزلْ وقابلني .
نظر إلى ابنه وطمأنّه مرّة أخرى حيث قال ..لا تستهن بأبيك فأنا ما أعجزني شئ من قبل حتى أعجزُ الآن عن تحقيق حلم هو حلمي قبل أن يكون حلمك .
نزل فطينُ لمقابلة مؤيد وقابله على مدخل المبنى المشرف على أعمال السيرك يستحثّه على الإسراع حيث أنّه تأخّر عن موعده أكثر مِن ساعة ، ورغم ذلك فالناس لمْ تغادرْ المكان وتترقّب عودته بلهفة .
فقال فطين له اعتذرْ لهم عن تقديم عرض الليلة لأنّي مريض ، فلمّا مضى خطوات للأمام رجعها مرّة أخرى ثمّ أخرج من جيبه خمسين دولار وقال له أعطها لمن لم يجد في صنايق القمامة طعامهم اليوم ، ثمّ استقلّ سيارة مؤيد ومضى .

الجزء الثامن
إذا أردتَ أنْ يصدّقَ الناس أكذوبتك فصدّقها أنت أولاً .
حقول القوى..درع الإله..
وفي مكانٍ خالٍ وقفت السيارة وكان في انتظارهما بروفيسور في تكنولوجيا الفلك والفضاء وهو منهم ، نزلا وقابلاه ثمّ ارتجلَ ثلاثتهم .
-قال فطين لمؤيد ..أأمرني صديقي ..قلتَ تريد خدمة ..
-قال مؤيد موجّهًا كلامه لفطين ..المقاومة داخل فلسطين وخارجها معرضة للخطر ..قالها بوجه ممتقع .
-ردّ فطين متفجعًا..يا خبر أسود ، كيف ؟
-أخبره مؤيد ..تكنولوجيا الأقمار الصناعيّة لعنة الله عليها ، جاءنا مِن أحد عيوننا وهو منّدس بينهم أنّ هناك أنباءً بامتلاك إسرائيل لقمرٍ صناعيّ تصميم أمريكيّ باستطاعته رؤية ما تحت القشرة الأرضيّة .
-فطينُ ..كيف ذاك ؟
كلُّ ما أعلمه أنّ عمليات الرصد والبحث ما هي إلّا مجموعة مِن أجهزة استشعار ومجموعة من أجهزة الزلازل وأدوات تنصّت كالميكروفون وأشياء من هذا القبيل .. الخ .
كما أنّ الأقمار مِن خلال أجهزة الاستشعار الراديويّة تستطيع أن ترصد وسط الضباب ، أمّا أنّها تخترق القشرة الأرضيّة فهذا مستحيل .
-نظر البروفيسور إلى فطين دهشًا ومُعجبًا معًا ولكنّه لم ينبسْ له بكلمة .
-قال مؤيد ٌ..كلُّ أساليب رصدهم تحاشيناها في أنفاقنا الرئيسة التي تعتمد عليها المقاومة بشكل رئيس لأنّها أنفاق محصنة ، أمّا الغير محصنة فسقط بعضها وهي أنفاق مهملة لأنّها مجرد مخازن نلقي فيها بعض متاعنا .
-قال فطين..إذاً جهّزوا باقي الأنفاق بالتكنولوجيا الحديثة وتنتهي المشكلة.
-مؤيد ..ليست المشكلة في الأنفاق الغير مجهّزة ، إنّما المشكلة أنّ الأنفاق كلّها بلا استثناء قد تُدمّر ..للأسف يا فطين حتى الأنفاق خارج فلسطين معرّضة للتدمّير الكامل أيضًا .
-فطين .. كيف ؟ الأنفاق داخل فلسطين كلام معقول وإن كنتُ أأمل ألا يحدث ذلك ، أمّا خارج فلسطين فكيف ؟ كيف؟.
-مؤيد لفطين ..معظمها في شمال شرق سيناء وجنوبها ، ويعقوب إسحاق لا يألوا جهدًا لتدميرنا ، وأنتَ تعلم أنّه استطاع أن يُمضي الاتفاقيّة الرباعيّة الآثمة فتعرّضتْ أنفاقنا للخطر في شمال شرق سيناء.كما استطاع أن يأخذَ فندق هيلتون طابا فتعرضنا للخطر أيضًا في جنوبها ، والآن يريد أن يعرّي كلّ الأنفاق بالقمر الصناعيّ الجديد ، فيباد اتّحاد المقاومة عن آخره.
-قال فطين..لعلها حرب إعلاميّة يا دكتور .
-نظر البروفيسور إلى فطين وأعجب بكلامه ، طأطأ رأسه على كلمتة الأخيرة وظلّ صامتًا أيضًا ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-29-2020, 03:47 AM   #20
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


طأطأ رأسه على كلمتة الأخيرة وظلّ صامتًا أيضًا ..
-قال مؤيد ..لا لا ، لو أعلنوه لقلتُ أنّها حربٌ نفسيّة ، لكنهم يخفونه فيما بينهم حتى ينقضّوا علينا به .
-قال فطين..وهل تعلم كيف تخترقُ هذه الأقمار اللعينة ؟
-أدار مؤيد كفَّ يده مشيرًا إلى البروفيسور قائلاً يجبْك عن هذا برفيسورنا الفضائيّ .
-قال البروفيسور..رغم الرسالة التي وصلتنا فنحن كخبراء في تكنولوجيا الفضاء لم نستطعْ أن نصلَ إلى طريقة ما ولو نظريّة تمكّنهم من معرفة مكان نفق واحد تحت الأرض بوساطة قمرهم الصناعيّ الذي أخبرنا به أحد رجالنا .
-فطين للبرفيسور ..لعلَّ أجسامنا التي تصدر الأشعة تحت الحمراء أو عمليتي الزفير والشهيق في جهازنا التنفسيّ تتسرب فوقنا مباشرة فترصدها مجسات قمرهم هذا .
-دهش البروفيسور مرّة أخرى من علم فطين بفيزياء الفضاء ثمّ قال له ..هذا مستبعدٌ يا معلم فطين لعدم تمكّن هذه المجسات من رصْد الأشعّة .
-فطين للبروفيسور ضاحكًا ..إذن ، ممكن لو لديهم كِلابًا مدرّبة تكتشفُ أماكن الألغام أو البارود ..أقصد كلاب جان تستطيع أن تشمَّ على بعد عدة أمتار تحت الأرض .
ممكن . ممكن..ثمّ تابع كلامه مقهقهًا..ممكن لو علقنا الكلب فوق القمر الصناعيّ وألبسناه بذلة فضائيّة ليعمل كمجس أو تلسكوب فيدور مع القمر ويمسح المناطق المحتمل وجود أنفاق فيها ، عندئذ ٍ..عندئذٍ وعلت ضحكاته هنا..يكون كلب من كلاب الجان .
ثمّ سكت وقال بحزمٍ ..بروفيسور ..أظنّها حرب إعلامية ، فهم يريدون أن يرعبونا بطريق غير مباشر .
-البروفيسور يوجه كلامه لفطين ..هي كذلك ، ومؤيد يراها غير ذلك ، وإنّي مختلف معه ، ولكن عندما يتعلق الأمر بكيان دولة علينا أن نضع كلَّ الاحتمالات في الحسبان .
-فطين للبروفيسور :ما الحل؟
-الروس.. قال البروفيسور .
-الرصاص.. قال مؤيد .
-الروس؟ الرصاص ؟..قالهما فطين دهشًا مستفهمًا .
-قال البروفيسور..للأسف لدينا خياران .الأول الأخذ برأي الروس وشِراء جهازهم الذي لديهم لتجنّب الخطر، والثاني إحاطة الأنفاق بطبقات مضاعفة من الرصاص .
-قال فطين ..وماذا قرّرتم ؟
-قال البروفيسور..إحاطة الأنفاق بطبقات سميكة مِن الرصاص لن يفي بالغرض حال الهجوم ، وليس لدينا إلّا اللجوء إلى الروس فيما أشاروا إلينا به ، لكنّه خيار مكلّف جدًا جدًا .
-قال فطين ..وهل يعرف الروس طبيعة هذا القمر ليبعونكم هذا الخيار المكلّف ؟..
-ردّ البروفيسور..لا ، لكنّهم يقولون كلّ شئ جائز ، و يقولون مهما كان مِن أمره فإنّ جهازهم قادر على خلْق ستارة ثلاثية قادرة على إذابة كل ما يرتطم بها ، وزادوا . العيب الوحيد في الستارة أنّها لا تقوم بعمل تشويش ضد أيّ أجهزة كشف .
-ردَّ فطين..آه ، يقصدون عند كشْفهم وضرْبهم بأيّ سلاح لا يفلحون ، لعلّ الروس اخترعوا حقل القوى المتَكَلم عنه في روايات الخيال العلميّ .
-تعجّبَ البروفيسورُ ونظرَ إلى مؤيد ..فقد دهش مِن عبقريّةِ فطين مرة ثالثة ثم قال له ..هو كذلك بالفعل ، يقولون إنّ جهازهم قادر على إذابة الصواريخ وحزم الليزر.
-ردَّ فطين ، وضّح كلامك استاذنا الكبير ، أنت تقصد الجهاز الذي يصنع حقل القوى .
-نظر البروفيسورُ في الأرض خجلاً لعدم دقة كلامه ثمّ قال ..أنا كنت ضمن المبعوثين إليهم من قبل اتحاد المقاومة لسماع فكرتهم ومدى جدواها والمطلوب في سعره ، وآراها لا بأس بها .
-قال فطينُ وهو ينظر إلى مؤيد ..وما دوري أنا ، إبداء رأى أمْ م م..؟
-قال مؤيد..لقد قرّرَ الاتحاد الاستعانة بالجهاز لصنْع حقل القوة ونحتاج إلى المال وأنت مِن أحد الذين قصدناهم .
-فطين لمؤيد ..أنا ، من أين آتي المال ؟ ثمّ نظر إلى البروفيسور وقال ..ألَا تستطيعون صُنْع هذا الجهاز ؟
-قال البروفيسور ..حاولنا فلمْ نستطعْ ، أحضرنا كلَّ خامات حقل القوّة ومزجناهم معًا أكثر مِن مئة مرّة ثمّ ضربناها بطلقة رصاص فاخترقتها ، واضح يا فطين أنّ الجهاز يعمل على مزجهم بطريقة وبنسب معينة حتى يعمل حقل القوّة على أكمل وجه .
-قال فطين ..إذن لا مفرَّ ، تريدون المال للشراء ، ثمّ وجّه كلامه إلى مؤيد مباشرة ..أنا ليس لديّ مال .إن أردتم أخذ الشقة التي تأويني وولدي فلا مانع لديّ .
-ردَّ مؤيد بجموح وهو يحدّق بعينيه في وجه فطين ..السحر ..السحر ..ألعابك السحريّة ، أخبرتْنا عيوننا أنَّ العدد يتزايد بصورة مخيفة ، وأنّ الحيَّ والأحياء المجاورة مفتونون بك ، ولو طلبتَ أيَّ سعْر للتذكرة فمنَ الممكن على مدار شهر تحصل على المال الكثير ..
-قال فطين ..مستحيل .. هم حُفاة عُراة يسكنون جحور النمل ..مستحيل ، صمت يأسًا وتدبّر الأمر بعمق ثمّ قال ..
لو افترضتُ أنّى فعلتُ ما قلتَ فماذا ، فماذا ينفع الحجر الواحد إذا أردنا أن نبني به برجًا كبيرًا .
-قال مؤيد..عندما يحمل كلٌ منا حجر نستطيع أنْ نبنيه يا فطين .
-صمت فطين هنيهة ، وتذكّر وعده لابنه المسكين بشأن سفره ، ثمّ همس في نفسه ..والآن العروبة تناديني ، فأيّهما أولى ..؟

*وقت أن همس فطين هذه الكلمة كان فهمان نائمًا ، فوقع عليه من سقف الحجرة حبال ثلاث كان يستخدمهم أبوه في بعض أعماله ، وقع على عنقه الأول والثانى على يديه والثالث على قدميه ، ثمّ أزاحتهم عواصف شديدة اندفعت آتية من شرفة الحجرة فالتفّتْ لتوثقه ولكنّها لم تنل منه .
*ثمّ وجّه كلامه إلى مؤيد بعدما استوقفه وهو سائر وأمسك بمنكبيْه ..وأنا قررّتُ أنْ أحملَ ألف ألف حجْر إليكم .
-فأمسكَ مؤيد منكبيّ فطين قائلاً ..مصر فيها رجال ..طول عمرها فيها رجّالة.
-نظر فطين إلى البروفيسور وقال أخبرني ما طلبات الروس ليبعونا جهاز حقل القوة هذا ؟ .
-قال البروفيسور..يجب عليك معرفة ماهيته أولاً قبل سعره يا حاج فطين .
-فطين للبروفيسور ..حقل القوّة حاجز نحيف غير مرئي لا يخترق ، يحرف أشعة الليزر ويذيب الصواريخ ، وأيضًا ..يصدَّ الأعاصير والعواصف ويجرف الطوفان .
-حملق البروفيسور في فطين وتعجب أكثر من شأنه ثمّ قال..إنّ الروس يسمونه "الدرع الإله"و .. مقاطعة ...
-فطينُ بحدّة مشوبة بالامتعاض ..استغفر الله استغفر الله ليس كمثله شئ .
-بروفيسور متابعًا كلامه ..درع الإله ما هو إلّا ثلاث طبقات..الأولى نافذة بلازما مسخنة إلى درجة حرارة عالية جدًا تصهر المعادن ، والطبقة الثانية ستارة من أشعة ليزريّة ذات طاقة ضخمة تسخّن أيّ شئ يمرُّ من خلالها وتبخّره سواء كانت صواريخ أو مدافع ، والطبقة الثالثة عبارة عن شاشة مصنوعة من أنابيب كربونيّة نانونيّة أقوى مِن الفولاذ بعدّة مرات ، وبهذه الطبقات الثلاث استطاع الروس صنْع "الدرع الإله الذي لا يخترق".
-قال فطين سوف يصلكم المال ، ووجّه كلامه إلى مؤيد .. كلُّ يومٍ.. مُرْ علىّ ..خذ ما اتحصّلُ عليه مِن مال .
-فطين أنت معك جهاز لمْ نخبرك به ..قال به مؤيد .
-ليس معي شئ..قال به فطين .
- مؤيد لفطين ..ألمْ تشعر مطلقًا أنّ عقلك تطوّر في الإدراك والفهم والذاكرة و ..الخ
-ردّ فطين ..أشعر طبعًا وقلت في نفسي أنّ الفلسطينيّ كان عبقريّة مِن عبقريات الزمن .
-ردّ مؤيد..لا لا ..معك خليّة إلكترونيّة قام بروفيسور بيتر بتركيبها في رأسك لتعمل بجانب الخلية الطبيعيّة لانّنا كنّا نودُّ الوقوف بجانبك لتستطيع الإنفاق على ولدك ، وأنا كنتُ اتعشّم يومًا أن تنضمَّ إلينا فتكون عندئذٍ فرْد مقاومة خارق .
المهم ..جاء دورها الآن..ركّزْ تركيزًا شديدًا سوف تُفعّل مباشرة . ركّزْ على ألعابك السحريّة وسوف تأتي بالخوارق بالفعل .. ارفعْ التذكرة وقمْ بعمل الدعاية سوف تحصد مالاً كثيرًا ، استغلها وسوف يأتونك أصحاب الملايين .
تذكّرْ عندها فطين يوم أنّ تعرّضَ أهل الحيِّ لولده ، فقد نظر إلى عصيّهم فتساقطتْ .
ثمّ عاجله مؤيد بكلمة يمتصُّ بها وقْْع المفاجأه عليه ويستحثّ وطنيته ونبله "فطين..رُضّع فلسطين ونسائها وشيوخها يلوذون بك .. فغثهم".
وبالفعل رغم دهشة فطين إلَا أنّه بدأ بكلمة ..روحي فداء لهم ..ثمّ تابع كلامه بحدة وسرعة كالقذائف ..لكنّكم لمْ تشاوروني في أمر الخليّة ، كما أنّكم أضمرْتم الأمر ولمْ تصارحوني بِه وهذا أغضبني .
نظر إليه البروفيسور ليهدّئ من روْعِه وقال له .. لِمَ الغضب ؟ الخليّة ليس لها أيّ تأثيرات سلبيّة على عقلك ، بل العكس هي تزيدك ذكاءً وفكرًا..
وعندما شعر مؤيد برضا فطين نظر إليه مبتسمًا ..لنرحل إذن .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-05-2020, 11:29 AM   #21
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وعندما شعر مؤيد برضا فطين نظر إليه مبتسمًا ..لنرحل إذن .

الجزء التاسع
العلم مع ضمير حيّ معيار حضارة عريقة..
الحركة بتأثير الدماغ ..
عاد فطين إلى البيت مثقلاً بالأعباء والهموم ، لا يدري كيف يواجه ولده بمسألة تأخير سفره إلى أجلٍ غير مسمى .
دخل حجرته فوجد الحبال الثلاث فأزاحهم ثمّ قطّعهم وقال ..لا انهزام ، لا انكسار، لا قضبان .. ثمّ أقبل على ابنه وفرد جسده ليتحرّر .
جلس بجانبه وما زال فهمان يغطّ في النوم ، ثمّ تذكّر كلمات مؤيد الأخيرة ..
"ركّزْ تركيزًا شديدًا سوف تُفعّل مباشرة ، ركّزْ على ألعابك السحريّة وسوف تأتي بالخوارق بالفعل ..ارفعْ التذكرة وقمْ بعمل الدعاية سوف تحصد مالاً كثيرًا "ظل يحادث نفسه حتى رنّ الهاتف فانتبه.
إنّه مؤيد .
حذّره عبْر الهاتف قائلاً .البروفيسور يسلّمُ عليك ويقولُ لك..
ركّزْ وتخيّلْ أنك تنقل الأشياء وهي سوف تنتقل مباشرة ، وما دام التركيز مستمر ستظلُّ في حراك متواصل ، وعند زوال التركيز يزول تأثير الحركة فيها ، وإيّاك أن ترهقها فالبروفيسور قال لو أكثرتَ مِن التركيز فستتلف عقلك وستتلف أيضًا الخليّة .
ردّ عليه فطين بأنّ الفكرة قد أدركها تمامًا .
أنهى الطبيب مؤيد مكالمته..
ظلَّ فطين يفكر في الأمر كثيرًا واهتدى لفكرة مبتكرة تعتمد على الحاسوب العصبوني برأسه ، وغدًا يعدُّ لها العدة .
نزل بعض المحلات التي تبيع الأدوات السحريّة واشترى مستلزمات اللعبة السحريّة الجديدة ، وعزم على عمل ألعاب تتحرك بفعل خليته الصناعيّة ، وهمس لنفسه بها وسمّاها "الحركة المعلقة ".
دخل حجرته وأغلق الباب حتى لا يشاهده فهمان ، أعدّ ترتيبات التجربة وفي كلِّ مرّة تفشل ، شغّلَ الكمبيوتر وفتح بعض الكتب حتى يستطيع أن يؤدّي التجربة بنجاح ، وبعد بحثٍ مضنٍ وعمْل التجربة مرات عديدة نجحتْ بامتياز .انتفضَّ مِن مكانه فرِحًا مُهللاً .
اليوم التالي أرسل منسقو ألعابه إلى أهل الحيَّ وأخبروهم باللعبة الجديدة ، ونادوا في الأحياء المجاورة بأنّ الساحر فطين سوف يعلّق الأشياء ويجعلها تثبتُ ضد الجاذبية الأرضيّة .
وأنّ سعر التذكرة ستتضاعف في هذه التجربة إلى مئة ضعْف .
سمع فهمان الأخبار فصُعق وشعر بالذنب ولكنّه آثر الصمت حتى حين .
والملاحظ أنّ هذه الزيادة دفعت الناسَ إلى الفضول ممّا زاد عددهم وتتابعوا حتى افترشوا الشوارع ، انفضَّ عنه كلّ الفقراء وخاصة آكلوا صناديق القمامة ، لكنّها أرسلت الفضول إلى الفئات الأخرى .
فتتابع كلّ الناس غير الفقراء لمشاهدة العرض ، وممن حضروا ..الأغنياء ، وتيارات إسلاميّة متطرفة ، وأعضاء في حركة مذهب التنوير، وشخصيات سياسية ، وأفراد من الأمن القومي المصريّ ، وبعض وسائل الإعلام .
وقربت ساعة الصفر فانطلقَ فطين مِن منزله يصاحبه ولده حاملاً حقيبة العمل .
وصلَ إلى السيرك وهاله المشهد ، تفحّصَ المشاهدين وأيقن أن الجُحر الذي يعيش فيه هو وابنه سوف يكون أمام مرمى سمْع وبصر البلد كلّها وقد ارتاع لهذا كثيرًا وانقبض قلبه .
ناوله فهمان بعض أدوات التجربة فأمسكها وطرحها على الطاولة مستاءً وقال له ..انتظر يا ولدي ، ثمّ نادى على أحد المنسّقين له قائلاً ..
أين أهل الحيّ ؟ أين أصحاب جحور النمل ؟ سمعها فهمان فانفرجت أساريره وزفر زفرة طويلة كأنّ ثقلاً رُفع من على قلبه الآن .
فأجاب المنسق ..يفترشون الشوارع المجاورة ويلتحفون بنجوم السماء .
ترك فطين موقعه غير مكترث للحاضرين وذهب إليهم ، فسمع قولاً لأحد الأطفال لأبيه..أبي "هو عمو فطين طردنا ؟ "
فهرع إليه وأبصره فوقف الطفل وتبعه أبوه وقوفًا ، ركّز فطين على الطفل فوجد دموعه على خدّه ، تنزل على شفتيه المشققتين ، نظر إلى ثيابه فوجده مرقّعًا .
نادى عليهم جميعًا قائلاً ..إخوتي وأبنائي لن يرقد فطين مرقده اليوم حتى تروا جميعًا عرض الليلة ، والتذكرة سنضاعفها مرّة واحدة ، فهلّلوا جميعًا .
قفل راجعًا ، وقف أمام الطاولة وبجانبه ابنه وقال .. نبدأ باسم الله ..وتوكلتُ على الله..
ألقى على الطاولة بعضًا مِن قطع المعادن ذات حجم كفِّ اليدِّ (مغانط ) ثمّ ألقى على بُعد 60 سم تقريبًا سائلاً متجمّداً "زئبق متجمد بالهيليوم".
قام بالتركيز على السائل ، حرّك يده اليمنى جهته كأنّما يستنهضه ، بدأ وجهه يرتعشُ بشدة ، حتى جلد وجهه يرتعش خفضًا ورفعًا وما زكى الرعشةَ إلّا قوّة التركيز الخارق .
بدأ السائل المتجمد يتحرك كأنّما يدفعه تيارُ هواء شديد جدًا ، وكلُّ المشاهدين ينظرون في حالة ترقّب فاغري الأفواه ، ترقْب يكاد تنخلع له القلوب .
ثمّ بدأ السائل التحرُك حتى اعتلى المعدنَ بالقفز ، وهكذا غدا السائل معلقًا في الهواء دون تدخل أيّ قوّة خارجيّة .
بلغت الدهشة منهم مبلغًا عظيمًا ، فصمتوا هنيهة ثمّ هبّوا بأهازيج كادتْ تخلع جدران المكان .
أسكتهم فطين ليكمل تجاربه ..
ناوله فهمان سوائل متجمدة أخرى على أشكال مختلفة ، منها سائل شُكّل على هيئة رجل عربيّ يمتطي فرسًا ويحمل سيفًا فقال فطين..هذه ملحمة الناصر صلاح الدين ، وعربيّ آخر يحمل جناحي صقر جريح ويمتطي حصانًا أعرجًا فقال فطين..وهذه سمفونيّة.. سوف تنهض يا وطنى .
وانقبضت أسارير فهمان من جديد عندما حلّل التجربة بداخله فوجد فيها تدليسًا وغشّاَ ً.
انتهى العرضُ والناس في حالة تصفيق حادٍّ وأهازيج كالرعد .
بعدها توافد على المكان المنتظرون في الشوارع المجاورة ، دفعوا التذكرة وأخذ كلّ واحد منهم مكانه ، وفعل فطين نفس التجارب هي هي .
بعد ذلك مضيا إلى البيت وفطين يقول لابنه ..سأضع هذه الحقيبة في المصرف ، يقصد مال التجارب .
قال فهمان بصوت حزين ..أبتِ لا أريد السفر ، أنا أحبُّ بلدي يكفيني بلدي.
ردَّ عليه فطين بأنّه متعب وأنّه سوف يكلّمه في هذا الشأن غدًا ، ثمّ مضى مسرعًا إلى الخارج بلهفةٍ ، وبمجرد أن اختلى بمكان هاتفَ مؤيدًا ليدعوه لأخذ المال ، فأتاه وأخذه .
عاد فطين إلى البيت فوجد ابنه يبكي بحدّة ، فسأله دهشًا ..ما بكَ يا ولدي ؟ أدموع الفرح هي ؟
-لا أريد السفركما قلتُ لك .
-لم يا ولدي؟ ما الذي غيرك ؟
-أنت .
-أنا ؟ ألمْ ننه مسألة سفرك ؟
-بمال حلال ، بمال حلال يا أبتِ .
-ومَنْ قال لك يا ولدي أنّي ساسفّرك بمال حرام !
-المال الذي يأتي بالكذب على الناس واستلاب أموالهم وهم في حاجة إليّه مال حرام ، لمّا فطين المصريّ مَثل الشرف والوطنيّة الآن كاذبٌ وغاشٌ يكون المال حرام .
-لطمه لطمة شديدة سقط على إثرها على الأرض قائلاً..اسكتْ اسكتْ ، أنت غبي لا تعلم شيئًا ، ثمّ نهره بصوتٍ جهوريّ حاد وهو غاضب..
لمّا الناس تدفع ضرائب لأجل المحافظة على هويّتهم وأعراضهم يكون هذا عارًا!
لما دولة عربيّة تدفع لأخرى مِن أجل دفع ضرر المعتدي عليها يكون هذا عارًا!
ثمّ خفّض مِن حِدّة صوته وقد كان واقفًا فقعد ثمّ قال متأوّها ..ربيتك على الأمانة والشرف والآن تقول أنّي كاذب وغاش ؟ كيف؟ كيف يا ولدي كيف؟
-هبَّ فهمان واقفًا ودموعه قد خالطها الدم المنهمر من وجهه قائلاً بثقة ويقين ..
ضاعفت تذكرتهم ، وكذبت عليهم ..سكت هنيهة ثمّ فصّل ..
ضاعفتْ تذكرتهم وهم لا يجدون قوت يومهم ، وكذبتَ عليهم أيضًا ..قلتَ لهم أنّك حرّكتَ الأشياءَ وعلقتها في الهواء ، في حين أنّكَ استخدمتَ الخواص الفيزيائيّة للأشياء لحملها ولكن لا ، لا ..لا أدري كيف قرّبتَ السائل المجمّد ، أنت تضلل الناس يا أبتِ .
-ردَّ فطين دهشًا..اشرحْ لي يا ولدي استنتاجك ، اشرحْ ..يكلمه فطين وهو يمسح دموعه ودماءه من على وجهه ، ثمّ أخذ بيده وأقعده تلقاء وجهه وما زال يسكّته ويمسح وجهه وقال بيّن لي ، بيّن لي ، اشرحْ ..
-بدأ فهمان يشرح لأبيه استنتاجه متهدّج الصوت مهزوم النفس متحسّر القلب..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-14-2020, 02:44 AM   #22
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


متحسّر القلب..
السائل المتجمد زئبق في غاز الهيليوم ، الزئبق مادة فائقة الموصليّة لا يعمل عند درجة حرارة الغرفة لذلك أحطته بغاز الهيليوم البارد جدًا لتنهار مقاومته تمامًا .
-ارتعشت يدا فطين فقد ظنّ أن ابنه تجسس عليه بالأمس أثناء عمل التجربة لذلك سأله ..كيف عرفتَ أنّ هذا زئبق وهذا هيليوم !
-من نتائج اللعبة ، فالمعدن يا أبتِ لم يكنْ معدنًا عاديًا بل مغناطيسًا كهربائيّاً .
الحقل المغناطيسيُّ المتولّد مِن المغناطيس حرّض التيارات الكهربائيّة على سطح الزئبق ممّا نتج عنه حقول مغناطيسيّة معاكسة تنتج من التيارات المحرّضة.
تلك الحقول الجديدة فيه تسبّبتْ في تحريكه ليصبح معلقًا في الهواء .والحقول المغناطيسيّة غير مرئيّة .
أمّا تقريب الزئبق حتى يعتلي فلا أجد لها تفسيرًا ، كيف قرّبته لتحدث عملية الرفع ، لا يمكن فِعل هذا إلّا مِن خلال خليّة عصبيّة مرتبطة بالدماغ وأنت لا تمتلك هذه يا أبتِ ، مَن حرّكه ليعتلي يا أبتِ ؟ مَن حرّكه ؟ أتخاوي الجِنّ يا أبتِ ؟
-بمجرد انتهاء كلامه اِحتضنه أبوه بقوّة وحرارة والدموع تنهمر من عينيه ، ثمّ ربت على ظهره حامدًا شاكرًا الله على عطائه المتمثل في ابنٍ جمع بين العلم والضمير الحيِّ .
ثمّ أبعده مِن حضنه ليرى وجهه ويمسح دمعه وهو ما زال ينتفض من البكاء وقال ..ستصبح يا ولدي حجّة على أهل العلم جميعًا ، قمْ يا ولدي اغسلْ وجهك وثقْ في أبيك ، واعلم أنّي أخذت مالاً لأُحيى أمّة ، أحيي العروبة .
-فهمني .
-الأمر ليس بيدي ولا أملك قرار البوح بهذا السرِّ العظيم ، لكنْ قرَّ عينًا يا ولدي وثقْ في أبيك ، ولا تنسَ أنّي قلتُ للناس أنّي اعتمد على خواص المواد لتقديم هذه الألعاب ، أي أنّي لم أغش يا بني .
-اقتنعَ فهمان بكلام أبيه ولكنّه ما زال متعبًا لأنه لم يبح له بسرّه .
-ابتسم فطين ، ثمّ خلع لاسته ووضعها على رأس ابنه ثمّ قال ..هذا تاج ملك الدنيا ، فضحكا معًا .
وكلُّ عدّة أيامٍ تأتي سيّارةُ الطبيبِ مؤيد تأخذُ ملايين الأموال ، ثُمّ تنصرفُ .
وتتابعتْ الايامُ وتنوّعتْ ألعاب فطينِ السحريّةِ ، وبدأ الناسُ يأتون مِن المحافظات ، فقام المنسّقون بتهيئة الشارع الرئيس لعروضه ، وذاع صيتُه حتى وصل إلى أمنِ الدولةِ المصريّةِ وسوف يترتبُ على ذلك كارثة ستحلّ به قريبّا !
بعد قرابةِ شهرٍ......
موسكو...
وفْدٌ سرِّي مِن اتحاد المقاومة سافر إلى موسكو بعد إعداد مال الصفقة ، حضرَ ليعاين حقول القوّة ويبرمُ الاتفاق .
وزارةُ الدفاعِ الروسيِّ أتوا بالخلطة ثمّ وضعوها في جهازهم فاستخرجت حقل القوة المكوّن من النوافذ البلازميّة والستائر الليزريّة والشاشات النانونيّة ثمّ نصبوه .
ومن مركزِ إطلاقِ الصواريخِ أطلقوا صاروخًا عليه فاصطدم بالحقل وأحدث رجّة عنيفة جدًا أشبه بالزلزال ثُمّ وقع منصهرًا .
ثمّ أطلقوا صاروخين معًا فاصطدما به ووقعتا منصهرة على الأرض .
ثمّ التجأوا هذه المرة لتسليط حزمَ الليزرِ عليه فلمْ تُحدث فيه أىّ ثقب ، كما لمْ تُسبّبْ له أيّ انصهار ، وقد كان أمر حزم الليزر خدعة لم ينتبه إليها الاتحاد .
انطلقوا جميعًا إلى المختبر لإتمام الصفقة .
أخذ الروسُ المالَ وأعطوهم الجهاز .
تمَّ شحنَ الجهاز إلى مصرِ مِن ضمن أجهزة استيراد مِن الخارج ولمْ يعلم الجمرك بالطبع ما بها .
اتّصلَ فطينُ كعادته بعد أوّل كلِّ عرض ليبلّغَ مؤيّدًا بتوريد حقيبة جديدة مِن المال فأجابه أنَّ اتحاد المقاومة أنجزَ المهمةَ وجارٍ العمل لتصفّحِ الأنفاقِِ الرئيسةِ بحقولِ القوى .
حمدَ اللهَ بعدما اطمانَّ عليهم ، ثمّ شردَ كثيرًا وقرّرَ أنْ يُسفّرَ ولدَه فهمانَ بهذه الحقيبة ، ويخفّضُ التذكرةَ مِن جديدٍ إلى عهدها الأوّلِ.وبالفعل..تمَّ الشروعُ في التنفيذ وإعداد أوراقِ سفر فهمان .
وفي داخل الاتحاد ..وُضِعَ الجهازُ أمام مجموعة مِن بروفيسوراتهم ، قاموا بفحصه وتحليله بطريقتِهم ، وبعد مرورِ ستّةِ أشْهرٍ مِن الفحص والتحليل استطاعوا أنْ يصلوا لسرّ صنعِه بعدها مباشرة ، صنعوه عمليًا بنجاح منقطع النظير .
ملحوظة ..وكان فهمان في نهاية هذه الفترة في بيركلي.. فيما بعد.. فيما بعد .

الجزء العاشر
السفرُ وإجرءاته ...
اتّجه فطينُ إلى أحد المصارف ووضع حقيبة آخر عرض باسم فهمان فطين المصريّ ، تلك الحقيبة التي أبى اتحاد المقاومة تسلمها بعد أن استطاعوا توفيرَ مالِ الجهازِ بأيدي المخلصين مِن أبناء فلسطين والعروبة وبعض الشخصيّات الأجنبيّة التي تحبُّ العدلَ والسلام .
عاد فطينُ مِن المصرف إلى المنزل مباشرة فوجد فهمان مغتبطًا ..
فسأله عن مصدر سعادته..
فقال له ..بسبب خفْض تذكرة الدخول .
ردّ فطينُ بعد أنْ زفرَ زفّرةً طويلةً كأنّما جبل كان جاثمًا على صدره قائلاً ..شدة وزالتْ يا ولدي .ثُمّ تابع كلامه..لقدْ وضعتَ لكَ مالاً وفيرًا في المصرف باسمك لتسهيل إجراءات سفرك والتحاقك بالجامعة التي ستختارها ، سكت هنيهة ثمّ تابع كلامه..
ماذا اخترتَ؟

يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-21-2020, 04:50 PM   #23
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1365

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


ماذا اخترتَ؟
ردَّ فهمانُ بثقة..أريد الحصول على بكاليوريوس في العلوم الفيزيائيّة ، ثُمّ أردفَ ..وقدْ حددتُ لك المطلوب مِن الإجراءات كي التحقَ بالجامعة هناك .
-أيّ جامعة اخترت؟
-جامعة بيركلي بكاليفورنيا.
-ألم تكن هذه الجامعة التي حفظها الله من البركان بمعجزة ؟
-هي يا أبتِ حفظك الله ورعاكَ .
-صمت فطين متأملًا في ابنه وتفرّس شيئًا قاله في نفسه ..لعلّ الله حفظها من أجلك يا ولدي ، ثمّ سأله ..متى تنوي السفر ؟
-بمجرد الانتهاء من الأوراق اللازمة سأسافر فورًا ، خلال ستة أشهر على الأكثر أكون في بيركلي .
-تمام ..أعدّ أوراق سفرك وتوكّلْ على الله .
-أعددتها أبتِ..وبمجرد الموافقة على ابتعاثي وحصولي على خطابِ قبول جامعة كاليفورنيا وحصولي على نموذج i-20 المسمى بشهادة التأهيل الصادر منها عبر البريد السريع سأحصلُ على تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة مباشرة f-1 مِن القنصليّة الأمريكيّة بالقاهرة ، وبعدها أعدُّ حقائبَ السفر مودِعًا إيّاك يا أبتِ.
-وما المسار بالضبط حال نزولك أرض الأمريكان ؟
-ساتصل بالملحقيّة المصريّة بواشنطن ، وبعدها اتّجه مباشرة إلى كاليفورنيا جامعة بيركلي ، وهناك سيأخذوني إلى حجرتي بالسكن الجامعيّ الخاص بها.
-كيف ؟ ألَا تحتاج إلى إبرام عقد خاص بالسكن الجامعيّ ؟ أمْ ستنزل في غرفة إيجار خاصة أولاً ؟
-أنا أحجز مِن مصر أبتِ ، وعندما أذهب إلى هناك أكون على علم بمنزلي الجامعيِّ لديهم .
-الحمد لله ..يطيبُ المنزل إن شاء الله.
فراق ووصايا في جذر الرجال
الفراق..
أعدَّ فهمان أوراق سفره استعدادًا للرحيل في الصباح ، والآن الليل هو محطة انتظار لحين فلْق الحبّة .
هاتف فطينُ الطبيبَ مؤيدًا ليأتيه على وجه السرعة ، فلمّا أتاه أخبره أنّ فهمان سيسافر في الفجر متّجهًا إلى أمريكا مِن أجل استكمال دراسته .
-بالتوفيق إن شاء الله ..
-بوجّهٍ كالحٍ قال ..صديقي الحميم لمْ يكن لفهمان أحدٌ غيرالله وسواي ، ولو حدث لي شيئًا فسيضيع ، ولن يستطيع استكمال دراسته بالخارج .
-ردَّ مؤيد مطمئنًا ..فطين الإشارة خضراء على الدوام مِن اتحاد المقاومة للسير إليك والوقوف بجانبك وتلبية كلَّ رغباتك مهما كان الثمن .
صمت فطين لحظات وفجأة أجهش بالبكاء وظلَّ يبكي حتى وصل إلى حدِّ الخنين ، وبدأ صوت خنينه يرتفع مع رعدة تصيب الجسد ، وفهمان يسمع صوت نحيب أبيه من داخل غرفته فيبكي ويزداد بكاءً ببكاء أبيه ، خرج فهمانُ مسرعًا من غرفته واقتحم مجلسهما ، ثمّ قذف حضنه في حضن أبيه ، وقال بصوت متهدّج من البكاء ..لن أسافر، لن أسافر أبتِ ، لن أتركك.
أبعده فطين عن حضنه قليلاً ثمّ مسح دموع عينيه بيده اليمنى ، وربت بعدها على شعره وقال ..لابدَّ أن تسافر بني ، مصر في حاجة إليكَ ، لابدَّ أن نضحّي مِن أجل تراب بلدنا ،سافرْ.. سافرْ ..وإن أردتَ أن تخفّفَ عنّي ما أجده فكنْ عند حسن ظنّي بك ، وأرني وهذا العالم من هو فهمان فطين المصريّ .
بكى مؤيد لهذا المشهد الساخن المفعم بالحرارة ، أشدّ ما تأثّر به مؤيد هو كلمة فطين لولده "لابدّ أن نضحّى من أجل تراب بلدنا ".
نظرَ مؤيد إلى فطين وقال له متأثرًا..اطمئنْ تمامًا ولا تخشَ فنحن أيضًا أهله ، ألم ترَ رأسك ؟ ألم تدرِِ أنَّ الدّم المصريّّ والفلسطينيّ دمٌّ واحدٌ ! توكّلْ على الله وسفّر ابنك واعلمْ أنّي أتكلم ب ..اقتربَ إلى أذنه وهمسَ قائلاً ..بلسان اتحاد المقاومة .
ثُمّ استاذن ورحل مؤيد .
-نظر فهمان لأبيه وقال..لِم لا تسافر معي؟
-أسافر! ومَنْ ينفق عليك؟
سافرْ أنت مع السلامة ، وتعلّمْ واخدمْ وطنك ..سيأتي يومٌ ياولدي وستحتاج مصر إليك ، هذا اليوم ستجد فيه من يحمل هذه البلد ويقيم دعائم العدل فيها ويستعين بك وبالعلماء للعودة مجددًا إلى القمّة التي فقدناها منذ قرون .
سنتقلّد القممَ يومًا ، ونطفو مِن لُجج الأنهار طفْو النجاة لا طفو الغرقى كما هو الحال اليوم ، فطفو الغرقى خاص بالمنافقين يا ولدي .
اذهبْ ..اذهبْ ونِمْ الآن حتى تستطيع أن تسافر.
مرّت الساعات حتى أذّن الفجر الآذان الأخير الذي فيه يفترق الحِبّان .
لمْ يناما ، كانت ساعات الانتظار تحرقُ الأكباد قبل القلوب ، حتى جاءتْ لحظة الخلاص ، رغم أنها الضربة القاضيّة إلَا أنّها سوف تريح القلوب والأكباد من جلدات الانتظار .
أذّن الفجر مُرسلاً بين ثناياه رُسلَ الرحيل ، وتنفّسَ الصبّح لهيبًا في قلبيهما ، وأرسل سطوعه أضواءً تضئ لفهمان دروب الرحيل .

على أبواب المطار...
حمل فطين حقائب ابنه وأستقلّا سيارة قاصدين المطار .
وهناك ولّى عهد الكلام باللسان ، تكلّمتْ العيون فقط ، ترسل كلماتها دموعًا ساخنة ، وانكتمتْ الأنفاس في فضاء الرحيل .
على أبواب المطار سقطتْ لاسته فشعر أنّ رأسه قُطعتْ مرّة أخرى ، وفقدَ عصاه التي يتوكأُ عليها فشعر عندها وما كذبه قلبه قبل ذلك بأنّه الوداع الأخير .
على أبواب المطار تستعد الطائرة لتقلع به وبالركاب متّجهة إلى بيركلي التي حفظها الله من البركان .
قال فهمان بعينيه ..سأفتقدك يا أبتِ ..
ردّ فطين بعينيه..وأنا كذلك يا ولدي يحفظك الله من كلِّ شياطين الأنس والجنّ .
وحلقت الطائرة في الجوّ وفطين يرمقها بعينين زائغتين ، بينما يده اليمنى ما زال يحركها مودعًا إياه .
ولجَ فطين الحيّ فقابله أحد الأهالي وسأله عن لاسته المزركشة ، تحسّس فطين رأسه فوجده حاسرة ، ثمّ عاود وسأله عن عصاه فنظر في كلتا يديه وتذكّر أنّه فقدها في المطار ، تركه فطين ولم يجبْه بشيء ، ولجَ حجرة ولده يرفلُ في ثيابه فأمسكها مسمارٌ في الباب فمزّقها .
تسارعتْ دقّات قلبه حتى أغلقتْ أنفاسه كأنّه في حشرجة النزع الأخير من الموت ، ركض ساعات فتململَ كالمريض .
تحامل على نفسه وقام ليطفئ نار الفراق بصبّ الماء على أعضاء جسده ، فتوضأ وصلّى ودعا الله أن يثبّته على هذا الأمر الذي لا طاقة له به.
ثمّ رقد في مصلّاه وظلّ نائماً أكثر من اثني عشر ساعة .

الجزء الحادي عشر
غرفة ببيركلي تتوّج جبين الجامعة شرفًا وعزّة إلى الأبد ..
طارتْ طائرة الرحيل إلى أمريكا ، وبمجرد هبوطها توجّه فهمان إلى إدارة الهجرة والجوازات بالمطار بأوراق الالتحاق وتأشيرة الدخول إلى مسئول الجمارك وحمايّة الحدود ليختم له تاريخ الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكيّة .
اتصل فهمان بالملحقيّة الثقافيّة المصريّة في واشنطن لتسوية الشئون الماليّة الخاصة بدراسته ومعرفة كلِّ الأمور المتعلقة بوحدات الدراسة ، وكذلك لمعرفة الأمور الخاصة بالمدينة السكنيّة التي سيقيم بها .
بعدها ركب إحدى السيّارات الهجينة إلى كاليفورنيا قاصدًا جامعة بيركلي ، وبمجرد نزوله أرض الجامعة اصطحبه أحدُ إدارىّ الجامعة إلى سكنه بالمدينة الجامعيّة الخاصة بها .
كانت المدن الجامعيّة في أمريكا مخفّضة نسبيًا في العقود السالفة ، ومع توافد الكثير مِن الطلبة إلى جامعات أمريكا وتزاحُم ولاياتها إلى حدٍّ أصبح مِن غير المعقول قبول أجناس عربيّة أو أسيويّة ، بدا هذا الدعم النسبيِّ يقلُ تدريجيًا حتى انعدم تقريبًا ، حتى أنّنا لا نكاد نرى فرْقًا كبيرًا بين تكاليف منزل في فندق كبير وغرفة في المدينة الجامعيّة .
وكانت حجرة فهمان التي اتّفقَ عليها مُسبقًا مِن مصر فسيحة نسبيًا ، تحتوي على سريرين ، ونظرًا للتكاليف السكنيّة الباهظة آنذاك فقد آثر أن تكون مشتركة لرفع نصف التكاليف عن أبيه .
وقد سبقه إليها جاك ، فقد اختارها مِن قبْله .
أقدم عليه فهمان ، وما إن نظرَ إليه حتى شعر بشيء يربطه به ، شيء يصله به أشبه بحبل المشيمة السري ، فصافحه مغتبطًا .
*وفى اللحظة التي صافح فيها فهمانُ جاكَ كان أبوه ما زال نائمًا في مصلّاه لم يستيقظ بعد ، انفرجت أساريره وتبسّم بسمة وهو نائم .
صافحه وتعمّد فهمان عندها ارتطام يده بيده بقوّة أثناء المصافحة ، اكتنفه الذهول فقد شعر ببرد يده في قلبه.
شعر بقوة قبضة يده وهكذا كان أبوه ، لمْ يلحظ أيّ اهتزازٍ في جسده فهو ثابت كالمسمار وهكذا كان أبوه .
ابتسامته عريضة صادقة وهكذا كان أبوه ، فتمنّى عندئذ أن يكون هذا الفتى كلّ أهله بعد أبيه .
لمْ يتركْ فهمان هذا الشعور الرائع يمرُّ عليه مرَّ الكرام ، حدّقه ، تفحّصه بنظرة عميقة ، وأوغل في نفسه يريد أن يتفحّص أعماقه وهو ما زال يصافحه لم يتركْ يده بعد .
قسمات وجهه تأخذ مِن كلِّ ملامح أهل الأرض ، لمْ يكن أحمر ولا أصفر، كما لم يكن أبيض ولا أسود فقد اجتمع في لون بشرته خليط مِن كلِّ هذه الألوان ، وإن كان يغلب عليه اللون الاصفر، وكأنّ ملامحه تشير أنّ كلَّ ألوان أجناس البشر هي كلُّها كلُّها أوطانه ، وصدقت فراسة فهمان فهي بالفعل نظرة جاك للعالم .
عيناه حادتا البصر كالصقر ، واسعتان ، عريض المنكبين ، مفتول العضلات ، ممتلئ الصدر إلى حدٍّ ما ، غزير الشعر في اليدين ممّا ينمُّ أنّه غزير كذلك في الصدر .
لا بالطويل ولا بالقصير وإن كان للطول أقرب .
هدوؤه وابتسامته الخفيفة تدلّ عن شاب يتسم بالمودة والعطاء .
أكثر مِن دقيقة وهو ما زال ممسكًا بيده فلم يسحبها ولم ينبسْ بكلمة ، ولقد توغّل أيضًا جاك في أعماق فهمان فوجد فيه النبوغ والتضحية والعطاء .
فلمّا طال بهما الأمر سحب كلٌّ يده .
وعزما على التعارف وبدأ فهمان بالكلام..
-أنا فهمان فطين المصريّ ، أودّ دراسة العلوم الفيزيائيّة .
-وأنا جاك ، سكت هنيهة ثمّ أعاد وزاد ..جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة .
-أيّ مواد دراسيّة سوف تسجّلها .
-علوم فيزيائيّة .
-جيد جدًا .
-بالطبع كما وصفت ..وأرجو أن نتعاون معًا ما دامت ميولنا واحدة .
-وأنا كذلك ، أنا سعيد بزملاتك جاك ، ثمّ تمتمَ على استحياء..ماذا تعني جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة ؟
-ألم يكن فهمان المصريّ هو ابن الفراعنة؟.
تثاءب جاك رغبة منه في إنهاء هذا الحديث ، وكان هناك سريران فخيّره قائلاً..أىّ السريريْن تحبُّ ؟
ركضا..بيد أنّ عينا فهمان لم تناما ..يفكّر في أبيه ماذا يفعل بعده ، كما يفكّر في هذا المهيب الذي يرقد على السرير الآخر.
سأله فهمان مجددًا..هل يسكن أبوك هنا في كاليفورنيا؟
-مات.
-رحمه الله ..وأمُّك ؟
-ماتت.
-رحمها الله.
-هل لك أقارب؟
-أمريكا ..
-وهل ال.....
لم يكملْ السؤال حيث سمع له صوت الغطيط ، فنظر فوجده يغطُّ في نومٍ عميق.
كابوس فهمان ..
رقدا ، ولم تجمع الحجرة جسديهما فحسب ، بل جمعت روحيهما من خلال كابوسين ظهر في ملامحهما تكليفًا برسالتين .
ورقدا أول نومة ، ورأيا عُجاباً .
أمّا فهمان فقد كان كابوسه مخيفًا .
رأى روحه بعد ثلاثة عشر عامًا من مستقبله تعبر سمًا كسمّ الخياط ، ثمّ طُرحت على طاولة ناريّة فخشي أن تحترق ، فضج صارخًا يستغيث ، فجاءته مخلوقات تبدو عليها علامات التقوى فأمنته وأسكنته ، بعدها ببضع سنوات ألقوا عليه نورًا لم يره من قبل فنهض وقام من مرضه ، ثمّ رأى آلهة كاذبة تستعبد البشر فتمنى عندها الموت فصرخ وخرّ ساجدًا .
كابوس جاك ...
وفي نفس التوقيت يحلم جاك بكابوسٍ هو الآخر .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-30-2020, 10:07 PM   #24
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وفي نفس التوقيت يحلم جاك بكابوسٍ هو الآخر .
يري وحشًا بحجم الشمس ، ثمّ أخذ ينكمش على نفسه حتى أصبح مثل مدينة صغيرة ، ثمّ فتح منتصفه كأنّه فمه ، ثمّ سعى خلفه ليأكله ويأكل مَن حوله ، لكنه قرّر أن يباغته ليمزّقه مِن الداخل ، فجذبه فدخل بين فراغات أمعائه ومزّقها ، ولكن للأسف فقد كان يمزقه هو الآخر ، صرخ وما زال يصرخ حتى استيقظ صارخًا .
نظر تلقاء فهمان فوجده مستيقظاً لكنه كالمجنون ، يصيح أغيثوني أغيثوني .
اندفع إليه جاك فاعتراه فزع آخر غير فزعه ، انطلق يُهدّئ من روع فهمان ويهزّه من منكبيْه كأنّما يوقظه حتى يصمت .
فقال له فهمان معذرة أخي لعلّ صوتي أيقظك فزعًا .
ردَّ جاك .. أهو كابوس ؟
ردّ ..نعم.
فتعجّب جاك مِن تزامن كابوسيْن في أول لقاء يجمعه مع هذا العربيّ الخلوق ، وعندها علم جاك أنَّ هناك آصرة قويّة تجمع بينه وبين هذا الفتى .
في صباح اليوم التالي ذهبا معًا إلى المرشد الأكاديمي ، استفسرا عن نظام الدراسة فيها سواء الخاصة بالمواد الدراسية وسنة التخصص وعدد ساعات اليوم الدراسي الواحد و .. الخ .
فأجاب بالتفصيل ، وظل يتكلم ، ومن ضمن ما قال ..
العالم في حاجة إلى روّاد فضاء للبحث عن كوكبٍ يدعم الحياة ، فموارد الأرض على وشك الفناء خلال المئة سنة القادمة .
واستهلاك العالم لهذه الموارد فاق الحدّ ، كما أنّ الجنّ غدا يشاركنا طعامنا أكثر من ذي قبل .و ..
لم يسمع ولم يرَ جاكُ في المرشدَ الجامعيّ إلّا حركة شفتيه التي ما زالت تتحرك ، وكذلك فهمان ، فقالا في نفسيهما..يبدو أنّ هذا الرجل كان قسّاًَ .
مساء اليوم التالي ...
بعد لقائهما بالمرشد الاكاديميّ لم يضيّعا وقتهما ، حيث ذهب فهمان لشراء بعض الكتب في مجال الفيزياء الذريّة وأحدث المختبرات الحديثة مثل مصادم الهادرونات المستقبلي fcc-1 ووضعها على الأرض ، ثمّ نظر في الجدران فتفاجأ بوجود أرفف عليها ، لحظات وولج جاك الباب واعتلى سُلّمًا ليضع كُتبًا عليها ثمّ نزلَ وقالَ ..هذه كتب طائرةٌ فيها ما يحمينا مِن الفناء .
قرأتُ عنواناتها ، كلّها كتب تتكلم عن فيزياء الفلك والعلوم الفضائيّة .

في صباح اليوم التالي..
اجتمعَ رئيسُ الجامعة بالدوليين المتميزين فقط وكان منهم فهمان بالطبع وعرض عليهم قروضًا حسنة مقدمة مِن الحكومة الفيدراليّة على أن تسدّد أثناء عملهم في أمريكا ، وإذا اِرتأت أمريكا الاستغناء عن الطالب بعد تخرجه تنازلتْ عن الدين .

وتمرُّ الأيّام وألِفَ جاك فهمان وأحبّه .
وذات يوم ..فتح جاك الحاسوب الكبير في الحجرة المشتركة ، كتب في محرك البحث ..."رحلات الفضاء القمريّة"
شاهد فيها مجموعة من الروبوتات وهي تحمل أطنان مِن تربة القمر لاستخلاص هيليوم -3 في الأماكن المظللة منه ، شاهد كثيرًا مِن الروبوتات تتسلّق المصاعد الفضائيّة تندفع بشعاع من الليزر مِن الأرض ثمّ بعد ذلك تسير متّجهة إلى القمر مدفوعة من خلال الخلايا الشمسيّة النانويّة التي انتهى منها خبراء العالم منذ عدّة أيّام .
فضلاً عن تعبيد منطقة كبيرة عند خط الإستواء تمهيدًا لبناء محطة كبيرة من الألواح الشمسيّة النانويّة على أرضيّة القمر .
وذكرتْ وكالة ناسا أنّها لا تودّ عمْل محطة شمسيّة مداريّة فحسب بل تريد تثبيتها على أرض القمر .
وذكروا تقنية لنقل الطاقة الكهربائيّة مِن القمر إلى الأرض باستخدام المرايا .
رنَّ جرسُ هاتف فهمان ، نظر.. إنّه أبوه يطمئنُّ علي حاله .
خرج مِن الحجرة إلى الردهة العامة ، طمئنّ أبيه بالهمس ، ثمّ سأله عن حاله أيضًا فأجابه بأنّ كلّ شئ على ما يرام ، وأمره بأن يعتني بنفسه وأغلق الخطّ على الفور .
همس فهمان في نفسه قائلاً ..أعرف أنّك ما استطعتَ أن تسيطر على مشاعرك ، فلمّا كاد الدمع ينحدر مِن مقلتيْك دعوتَ لي وأغلقتَ الخطّ كي لا أسمعك .
ولقد صدق حدس فهمان فبمجرد أن أغلق الخطَّ لم يتمالك أبوه نفسه وأخذ يجهش بالبكاء وقال وهو يمسح الدمع من خديّه..كلّ شئ يهون في سبيلك يا مصر .
غاب ساعة يهيم على وجهه حزنًا على مشاعر أبيه التي احترقتْ وتضعضتْ مِن لهيب الغربة .
دلف فهمان باب الحجرة ودخل ، وبمجرد دخوله وجد جاك يتمتم بكلمات عن رحلة إلى أحد النجوم قائلاً ..هذه المحطة الشمسيّة من الممكن استغلال طاقتها في إطلاق شعاع ليزر من محطة ليزر تُبنى بجانبها .
والشعاع يدفع شراعًا شمسيًا بمسافات لا بأس بها ، لكن المشكلة أنّ الدفع سيكون في نهار القمر فقط حيث تتغذى الخلايا الشمسيّة على الشمس .
و ...
واستمر يحدّث نفسه وفهمان يسمعه ويحدّق في وجهه ، فلعب به الفضول وأعاد تشغيل الفيلم مِن جديد بعد أن استأذنه ، فدار بخلده بعد مشاهدته ما دار بخلد جاك أيضًا .
نظر إليه جاك وهو يفعل ذلك ، وبمجرد أن انتهى فهمان قال ..سوف تحتاج رحلتك هذه إلى جهاز شامل يدعم الحياة ، فحملق فيه جاك وحدّجه بقوة إعجابًا وحبّاً .
كلّ يوم يمرّ تزداد الآصرة بين جاك وفهمان حتى تخطتْ كلّ حواجز اختلاف الجنسيّة والديانة ، وما كان هذا التخطّي إلّا لصفاء قلبيْهما وعظمة بذلهما للغير فضلاً عن عبقريّتهما العلميّة.

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 12:19 PM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 07:16 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.