الحُرُوفُ: سِهَامٌ مُوَجَّهَةٌ
قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ غَايَاتهَا، وتُصِيْبَ أَهْدَافَها، تَنْفُذَ مِنْ خِلَالِنَا؛ فَنَتَأَلَّم
- حَتَّى ونَحْنُ نَكْتبُ الفَرَحَ، ونَخُطُّّ السُرُورَ فَوْقَ السُطُورِ؛ نَتَأَلَّم -
فَكَيفَ .. إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الحُرُوفُ - أَصّلًا - حُرُوف أَلَم !!
أَوَلَا تَسْتَحِقُ - مِنَّا - أَنْ يُرفَعَ عَنْهَا القَلَم ؟
نُقْطَةُ تَمَاسٍ .. وَلَا مَسَاس
لِأَنِّيَ رَجُلٌ لَا يَحتَمِلُ الرَّفْضَ؛ وَلَا يَتَحَمَّلهُ، سَأُدَحرِجُ إِلِيكِ الكَلِمَاتَ كَكُرَةِ احتِمَالَات؛ تَبْدَأُ بِـ (قَد)، وَتَنْتَهِي بِـ (مَاذَا لَو)، وَ(عَلَى فَرَض)، وَسَأَهمِسُ فِي أُذُنكِ بِسِرٍّ صَغِير، قَد يَسْرِي فِي عُرُوقكِ؛ فَتَتَفَتـَّحُ لَهُ وُرُودُكِ، وَيَخْضَرُّ عُوًدُك، وَقَد يَشْرَبُ صَيْفُكِ كُلَّ غُيُومِ شِتَائِي؛ فَلَا يَجِدُ رَبِيعِي قَطْرَةَ مَاءٍ يَسْتَقبِلُ بِهَا خَرِيفَ العُمْرِ _حِيْنَ يَحِلُّ_ بِوَرَقَةٍ خَضْرَاء.
مَاذَا لَو كُنْتُ أُحِبُّكِ فِعلًا؟ مَاذَا لَو كَانَ كُلُّ مَا كُنْتُ أَقُولهُ لَكِ _عَن الصَدَاقَةِ الَّتِي تَربِطُنِي بِكِ_ مُجَرَّدَ كَلَامٍ أَحتَالُ بِهِ عَلَى مَشَاعِرَ أُخرَى تَسْكُننِي، وَتَطلُبكِ؟
هَلْ سَتَمْنَحِيْنَنَي فُرصَةَ الوُلُوجِ _مِنْ سَمِ الخِيَاطِ_ إِلَى عَالَمكِ؟ أَمْ سَتَتَرُكِيْنَنِي مُعَلَّقَـًا عَلَى مَشَاجِبِ الوَقتِ؟ مَشّبُوحَـًا عَلَى مَفَارِقِ الصَّمْتِ؟ كَنُقْطَةِ تَمَاسٍ بَيْنَ دَائِرَتِيْنِ كِلتَاهُمَا تَرفُضنِي: عَالَمُكِ، وعَالَمِي.
إِنْ اعتَرَفت؛ فَلَنْ أَعُودَ أَبَدَاً كَمَا كُنت، أَو إِلَى حَيْثُ كُنْت، وَلَنْ نَعُودَ_أَبَدَاً_ كَمَا كُنَّا، أَو إِلَى حَيْثُ كُنَّا، فَإِمَّا أَنْ يَحتَوِينَا الحُبُّ .. وَيَقبَلنَا، وإِلَّا فَسَتَلفظنَا الصَدَاقَةُ .. وَتَرفُضنَا.
وَعَلَى فَرَضِ أَنِّي اعتَرَفت، وَأَنَّكِ جُنِنتِ .. وَقَبِلتِ؛ فَلَا الجُنُونُ يُدنِينِي مِنكِ، وَلَا العَقلُ يُقْصِينِي عَنْكِ، وَقَدَرِي وَقَدَرُكِ أَنْ يَمُوتَ الأَمَلُ بَينَنَا، قَبْلَ أَنْ يُولَدَ _مِنْ رَحِمِ المُحَال _ حُبّّنا، لِنَبقَى كَخَطَّينِ مُتَوَازِيَين، يَسِيرَانِ _جَنْبَاً إِلَى جَنْبٍ_ في الاتِجَاهِ ذَاتِه، وَلَكِنْ .. لَا يَلتَقِيَانِ أَبَدَا.
لِذَا .. دَعِينِي أَحتَرِقُ بِصَمْتِي، وَتَشَاغَلِي عَنِّي بِتَخْمِيْنِ مَا كَانَ سَيَقُولهُ لَكِ قَلْبِي؛ لَوْ قُدِّرَ لَهُ أَنْ يَعتَرِف، وَلَوْ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَلتَقِي فِي غَيرِ زَمَانٍ وَمَكَان، قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان، وَحَسبِي وَحَسبُكِ _مِنْ حَظِّي وَحَظّكِ_ أَنْ التَقَى حَرّفِي بِحرّفكِ فَوقَ الأَورَاق، وأَنْ عَانَقَ خَطِّي خَطّكِ رُغمَ الفرَاق. حَسبِي وَحَسبُكِ مِنْ دُنيَا الحُبِّ، سَعَادَةُ حُرُوفنََا، رُغمَ شَقَاءِ رَوحَينَا.
…
لَا مَفَرّ
أَسئِلَةٌ كَثِيرَةٌ تَدُورُ حَولَكِ، وإِجَابَاتٌ أَكثَر تَقُودُنِي إِليكِ، وأَعلَمُ أَنَّكِ شِقُّ مُعَادَلَةٍ لَا تَكْتَمِلُ إلَّا بِي، ورَقمٌ صَعبٌ لَا يَقبَلُ القِسمَةَ إلَّا عَلَيَّ، ولَكِنَّكِ تُصِرِّينَ _وأَنتِ تَجتَاحِينَنِي_ عَلَى أَنَّكِ لَا تَحتَاجِينَ إِليَّ، وأَنَا أُصِرُّ _رُغمَ إِصرَاركِ_ عَلَى أَنِّي نُقطَةُ ارتِكَاز قَلبكِ، كُلَّمَا حَاوَلَ أَنْ يَرسمَ دَائِرَةً لِلحُبِّ انطَلقَ مِنِّي، وَدَارَ حَولِي، فَلَا تُعَانِدِي قَلبَكِ بِعَقلكِ؛ فَكِلَاهُمَا يُحِبُّنِي.
…
عَقْلِي يُحبُّكِ
بَينِي وَبَينكِ .. نَافِذَةٌ لَا أُغلِقُهَا أَبَداً، وَبَابٌ لَا أَسُدُّهُ مَهْمَا تَحَدَّانِي العَقلُ .. وَعَانَدَنِي، وَمَهْمَا تَبَدَّى لِيَ اليَأسُ .. وَرَاوَدَنِي عَنْ نِسيَانكِ، وعَقلِي _لَو تَعلَمِينَ_ لَيسَ ضدّكِ، ولَكِنَّهُ يَظُنُّ بَأَنَّهُ يَحمِينِي مِنْكِ، ومَنْ الحُبِّ، ومِنِّي، ويَزّعُمُ أَنَّهُ يُدرِكُ _أَكثَرَ مِنْ قَلبِي_ أَنَّ تَعَاسَتنَا سَبَقَتْ سَعَادَتنَا بِخَطْوَة، وَأَنَّ نِهَايَتنَا فَاتَتْ بِدَايَتنَا بِفُرصَة، وَيَجزُمُ أَنَّهُ _مِثل قَلبِي_ يُحبّكِ، وَيَنفِي عَنْ نَفسِهِ تُهْمَةَ أَنَّهُ يُنَاصِبنِي وَينَاصِبكِ العَدَاء.
…
مُحَاوَلَةٌ لِإحرَاقِ ذَاكِرَة
حِيْنَ افتَرَقنَا _أَتَعلَمِينَ بِأَنّا افتَرَقنَا؟_ غَافَلَنِي قَلبِيَ المُشتَاق؛ تَسَلّقَ ضُلُوعِي، وَقَفَزَ مَسَافَةَ عِشرِينَ جَرحَاً لِلوَرَاء .. بَحثَـًا عَنكِ، وأَظُنُّهُ _مُذ تِلكَ اللحظَةِ_ مَا زَالَ عِندَكِ، وأَظُنُّ بِأَنَّ الذِي يَنِبضُ بَيْنَ ضُلُوعِي _الآنَ_ هُوَ قَلبكِ .. أَو مَا يُشبِهُ قَلبك.
حِينَهَا .. سَكَبتُ عَلَى نَفسِي دَمعَتَين، وأَشعَلتُ نَارَ النِسيَانِ فِي ذَاكِرَتِي، احتَرَقَت الذَّاكِرَةُ وتَفَحَّمَتْ، ومَع ذَلِكَ .. لَمْ أَنسَّ شَيئَا! فَقَط .. كُلُّ مَا نَسِيتُهُ: أَنَّنِي أَحرَقتُ ذَاكِرَتِي فِي وَقتٍ مَا.
والآن .. حِينَمَا يُخَاصِمنِي قَلبِي أُصَالِحهُ بِحُبّكِ، يَرضَى _فَقَط_ لِأنِّي أُحبّكِ، وحينما يُجَادِلني عَقلِي أُمَنِّيه بِهَجركِ، يَسكُتْ عَلَى أَمَلِ أَنِّي سَأَهجُركِ، وبَيْنَ الحُبِّ وَاللاحُبّ: تُؤَرجِحنِي المَشَاعِر، وتَتَقَاذَفنِي الأَفكَار؛ أُحِبّكِ .. لَا أُحبّكِ، أُحِبّكِ .. لَا أُحبّكِ، لَا أُحِبّكِ .. لَا أُحِبّكِ .. أُحِبّك، كُلَّمَا حَاوَلَ عَقلِي أَنْ يُغلِقَ نَافِذَةً لِلحُبِّ تُطِلُّ عَلَيكِ، فَتَحَ قَلبِي بَابَاً لِلشَوقِ يُؤَدِّي إِليكٍ، وَرُبَّمَا .. هَدَمَ _بِفِعلِ الجُنُونِ_ جِدَارَا.
الجُنُون .. مَطلَبُ قَلبِيَ المَجنُون ليُحِبَّكِ بِجُنُون، والمَعقُول .. شَرطُ عَقلِيَ المَقبُول لِيُفَكِّرَ فِي حُبّكِ، وكِلَاهُمَا _يَا صَدِيقَتِي_ يُفَكِّر، وكِلَاهُمَا يَشعُر، لَكِنَّ .. أَحَدهُمَا يُقدِّمُ الشُعُورَ عَلَى التَفكِير، والآخَرَ يُؤَخِّرهُ، وحِينَمَا يَتَعَلَّقُ الأَمرُ بِكِ يَتَجَاوَزهُ.
وَأَنَا .. أَعجَبُ مِمَّنْ يَقُول: أَنَّهُ أَحَبَّ _أَو يُحِبّ_ بِلَا تَفكِير! وَهَلْ الحُبّ _فِي مُعظَمِ أَحوَالِه وَأَحيَانِه_ إِلَّا التَفكِير! وَهَلْ يَملِكُ المُحِبّ إِلَّا أَنْ يُفَكِّرَ فِيْمَنْ يُحِبّ! وَفِيمَا يُسعِدُ مَنْ يُحِبّ! رُبَّمَا أَكُونُ مُخطِئَـًا! وَلَكِنِّي _فِي مُعظَمِ الأَحوَالِ وَالأَحيَانِ_ أُفَكِّرُ فِيكِ.
مُحَاوَلةٌ أَخِيرَة
لِلذَاكِرَةِ أَبوَابٌ كَثِيرَةٌ تُؤَدِّي إِلَى النِسيَان، تُغلَقُ جَمِيعهَا فِي وُجُوهِنَا إِنْ تَعَمَّدنّاه، لِذَا .. سَأَتَغَلَّبُ عَلَيكِ بِكِ، وأَنتَصِرُ عَلَى ذَاكِرَتِي بِالتَذكَار؛ سَاُحبّكِ أَكثَر، وأَتَذَكَّركِ أَكثَر؛ لِأسلُوكِ وأَنسَاكِ، وَلَيتَنِي أَفعَل .. لَيتَنِي أَفعَل.