كخلية نحل تبدو المدرسة , حركة وصخب وضوضاء , جماعات هنا وجماعت هناك ونشاط غير طبيعي ..مدير المدرسة قايد الحربي يحث الخطى نحو شيء يشغله , في الطريق يصطدم بالمرشد الطلابي عبدالله ثويني ..يسقط الاثنان ثم يقوم كل منهما ويمضي لحال سبيله , بعد دقائق يعودا بعد أن اكتشفا أن كلاً منهما لبس شماغ الآخر ! ..ما الأمر ومالذي يحدث للمدرسة ؟ ...................................
يعلو صوت نور الفيصل وكأنها تجيب على السؤال :
سيداتي سادتي ..من دواعي السرور والسعادة والفرح والغبطة والفخر والغرور وجودكم بيننا ومن أجل أبناءنا الموهوبين الذين يستحقون الدعم والتشجيع والمؤازرة ..في هذا اليوم ..يوم النشاط المدرسي سنستعرض بعض المواهب التي ينتظرها مستقبل مشرق بالأمل والحياة ....
ونفتتح حفل النشاط بكلمة يلقيها النابغة الجوادي والذي ينتظره مستقبل خطابي ونفاقي كبير
تقدم الطيب الجوادي بكامل أناقته وهي التي تميّزه عن أقرانه حيث كان يرتدي جزمة سوداء وشراباً أبيض وبنطالاً أحمر وقميصاً أصفر وربطة عنق خضراء وحزاماً أزرق وجاكيت رمادي ..تنحنح الجوادي وكح ثم سعل قبل أن يشرع في إلقاء كلمته التي كتبها للتاريخ كما يقول :
(( بين تاريخ المنعطفات وعلى منعطفات التاريخ أقف أمامكم وأضع قدمي على الرصيف المبتل بمرقة الأيام المندلقة من قِدر الزمن الممتليء طماطم حمراء بدماءنا الزكية تسبح في ملوخية أمجادنا الخضراء .. ومع أن متسوبيشي يُعاب عليها أسعار قطع غيارها المرتفعة إلا أن المتنبي ظل وعلى مدى العصور شاعر العرب الأول بلا منازع على الرُغم من أن الطريق بين الزبداني ودمشق لا يتجاوز الـ 50 كيلو متر إلا أن الأفلام العربية مازالت الأكثر جاذبية ورواجا في حين أن المعضلة التي تحول دون السفر لماليزيا تكمن في تذكرة السفر الباهضة الثمن وكل هذا يجعل من الكلمات المتقاطعة في صحيفة الشرق الأوسط الأسهل من غيرها بعيداً عن كان وأخواتها ورفعهن للمبتدأ ونصبهن للخبر مع التأكيد بأن الزرقاوي هو هاجس الانبطاحيين العرب ومازال حتى تاريخه عبدالله الملحم يسهب في الحديث عن الحب الافلاطوني ولكن واعترافاً منا بأن عملية الزائدة الدودية لم تعد بالأمر المخيف يجعلنا نؤكد بأن أغنية أحبابنا يا عيني ماهم معانا والتي غنتها وردة الجزائرية هي في الأساس لــ فريد الأطرش ولماذ نذهب بعيداً فهاهي ذاكرة التاريخ تقول أن المعتصم هو من أمر بفتح عمورية الأمر الذي يعني أن الجذر التكعيبي للعد 64 هو 4وبعيداً عن كل هذا فقد ظل النادي الأهلي هو النادي النموذجي في وطننا بصرف النظر عن أن شجرة الدر وليست نبض الحروف هي من قتلت زوجها بالقباقيب وللتأكد من هذا يرجى الرجوع لأغنية يا مسهرني لــ أم كلثوم والتي على ضوءها يؤكد شاعر البدر أن ثورة الخمير الحمر لا تدخل في نطاق تراجع أسهم سابك ))
انتهى الطيب الجوادي من إلقاء كلمته وقد احمرّت عيناه وانتفخت أوداجه من التأثر بهذه الكلمة / الأنموذج في بناء النص الخطابي المؤثر .......
تقدمت نور الفيصل وبيدها منديل تمسح دمعة فرّت من عينها حين تذكرت شبابها والخطب التي كانت تلقيها في فناء المدرسة أيام الثورة العربية الكبرى وجريمة سفربرلك ..
تقدمت نور الفيصل وقالت : الآن موعدنا مع الشعر الفصيح وشاعر المدرسة يوسف الحربي مع إحدى حولياته الشعرية
تقدم يوسف وقد احمرت وجنتاه من الخجل وأطرقت عيناه حياءً وهيبة وهو يواجه هذا الجمهور العرمرم
مهلبية أنا يا حبيبي
في فتة كوارع
كنار يغرد على غصن
تدلى فوق بِركة ضفادع
عمود نور أنا يا حياتي
فوقه ظلام وحوله سور
وتحته
تكارنة شارع المنصور
,
أهملوني يا نظر عيني
مثل مقهى
تسكنه ريح وخنافس
في طريق جدة القديم
مثل زنجي يغازل
ينتظر حظه
فـ سوق الحريم
,
شوهوني يا نبض قلبي
مثل ما شوه بدوي
فــ تالي الليل
قصيدة حداثية
مثل
- مش كاين هيك تكون -
يوم ترددها حناجر خليجية
شوهوني وضيعوني
مثل ما ضاع مكياج
على وجه بدويه
,
أصبحت يا حبيبي غريب
وحيد
تايه فالطريق
غريب كنّي خواجه أشقر
فـ صفوف نادي الاتحاد
تايه مثل مخبول
يجري فالشوارع
يغني في زمن روبي
- فات المعاد -
..................
ضجت القاعة بالتصفيق والتهليل لهذا الشعر الذي أعاد الناس لزمن البحتري وأبو العتاهية وأبو تمام
تقدمت ثانية نور الفيصل وبيدها لوحة رسمها الطالب الموهوب محمد الناصر ..كانت اللوحة عبارة عن قط يلعق آيس كريم على شكل رأس جورج واشنطن وفأر يبحث عن فتات بسكويت الايس كريم ..في الجهة الأخرى من اللوحة نفق مظلم يسير فيه القط جنباً إلى جنب مع الفأر ..أشارت نور الفيصل للوحة وكأنها تشرح ما خفى من خبرها فقالت : هذه اللوحة تمثل انسان هذا اليوم ..قط من القطط السمان التي استحوذت على المال والثروة تلعق آيس كريم على شكل رأس جورج واشنطن وهذا دلالة على المال والنفوذ الرأسمالي وأسفل الآيس كريم فأر يمثل الطبقات الكادحة والمضطهدة التي لم يتبق لها سوى فتات المائدة ..على الجانب الآخر من اللوحة نفق يسير فيه الفأر والقط سوياً , النفق هو نهاية الحياة التي يقف على أبوابها كل الناس سواسية .....................
اقترب محمد الناصر من لوحته في غرور وتعالي على الجميع , كأن كلام معلمته نور الفيصل لم يعجبه ..أمسك بالمايك وبدأ يتحدث عن لوحته :
((بين تماهي الأيام والآلام وانعتاق الفرح من ربق السنين يحتدم صراع أبدي على مسارب المشاعر المتاخمة لمسرح تنبض كواليسه إيقاعاً يتماشى والرقص الأنوي المتفرد في تلك الزوايا الموغلة وحشة داخل أغوار النفس المنشطرة الرؤى بين نزعاتها القزحية والمترددة بين تمادي الرغائب وبيتوتية خوف انزلق تحت اللسان قبل أن يسقط في حشرجة الحناجر الملتهبة بفيروس التطلع لما وراء بعد البعد .. لست أنا من يقول هذا ولكن اللوحة ........................... ))
دوى تصفيق الجمهور كما هي الجماهير العربية تصفق لشيء لا تعرف كنهه ......
والآن جاء دور الشعر العامي وشاعر المدرسة أسعد الروابة ..هكذا قالت نور الفيصل وهي تشير بيدها وتصفق
تقدم أسعد وهو يحتضن الربابة ثم بدأ يصدح
يا بنت ياللي خذيتي القلب ,,, ودسيتيه بشنطة المكياج
يلعبّه روج الشفايف لعب ,,, والحكم رمشك الكرباج
من يوم شفتك بذاك الدرب ,,, كنك بين الهنود مهراج
والهم ياطاني من كل جنب ,,, كما الورّاد على بيرهداج
واهني قلبٍ ما عرف حب ,,, ولا ترجرج كما قشطة التاج ............................
انتهت الحفلة ..وبينما نور الفيصل تسدل الستار كان عبدالله ثويني يحاول إيقاظ قايد الحربي من نومه