[ مريمُ الأخرى ]*
هاهيَّ الأرضُ تغطت بالتعب
والبحارُ اتخذت شكل الفراغ
وأنا مقياسُ رسمٍ للتواصل والرحيل
وأنا الآنَ الترقبُ وانتظارُ المستحيل
أنجبتني مريم الأخرى قِطاراً وحقيبةْ
أرضعتني مريم الأخرى قوافي
ثم أهدتني المنافي
هكذا قد خبّروني
ثم قالوا لي ترجل
ثم أنتِِ
أنتِ يا كلَّ المحاورِ
والدوائرِ
يا حكايات الصبا
تحفظين السرّ والمجدَ
الذي ما بين نهديك اختبأ
ليس يعنيكِ الذي
قد ضاع من عمري هبأ
وأنا يا صغيرتي لستُ أدري
ما الذي يدفعني دفعاً إليكْ
ما الذي يجعلني أبدو حزيناً
حين أرتاد التسكعَ
في مرايا وجنتيكّ
لا عليكْ
تشهدُ الآن السفوحُ المطمئنةْ
نحن قاتلنا سنيناً
واقتتلنا
نحنُ سجّلنا التآلفَ
في انفعالات الأجنةْ
واحتوانا البحرُ والمدّ
اليقاومُ والشراع
يا هذه البنتُ
التي تمتدُ في دنيايَ
سهلاً وربوعاً وبقاع
ما الذي قد صبّ في عينيكِ
شيئاً من تراجيديا الصراع
والمدى يمتدُّ وجداً
عابراً هذي المدينةّ
خبّريني…
هل أنا أبدو حزيناً
هل أنا القاتلُ
والمقتول حيناً والرهينةْ؟
هل أنا البحرُ
الذي لا يأمن الآن السفينةْ؟
خبئيني بين جدران المسام
قبليني مرة في كل عام
فأنا أحتاجُ أن ألقاكِ
في كل عام
وأنا أحتاجُ أن ألقاكِ
في ذرات جسمي
في الشرايين المليئةِِ
بانقلاباتِ المزاج
في انعكاسِ الضوءِ
في النافذةِ الأولى
وبلّور الزجاج
هكذا قد خبّروني
ثم قالوا لي ترجلْ
وعلى أُطروحةِ الحلم
المسافر ألتقيك
على حمّى الرحيل المستمر
الآن في كل المواطن ألتقيك
في مساحات التوهج..
في جبيني ألتقيك
في انشطارِ الوقت في كل الذرى
وفي حكايات الطفولةِ
إذ يعودُ بنا الزمانُ القهقري
آه لو تأتينَ يا سيدتي
من كل فجٍّ واتجاه
من عميقِ الموجِ
من صُلبِ المياهْ
تستطعين التنقّلَ
بين أرجائي وظلّي
تستطعين التوهجَ
عند لحظات التجلي
ولعينيكِ امتلاكُ
وثائقي حتماً وقلبي
ولعينيك التنصلُ
عن مواثيقي ودربي
هكذا قد خبروني
ثم قالوا لي ترجل
وأنا أبحثُ عن صيغةِ هذا البعدِ..
هذا اللاّنهائي
عن قرارِ الشعر
عن لونِ التغرب
بين جدران المقاهي
آه لو تأتينَ.. آه
تجدينَ الألف الممتدَّ
سهلاً بانتظارك
وأنا كالحذرِ المنساب خوفاً
بين صالات الجمارك كالرحيل
كالترقب وانتظارِ المستحيل
هكذا قد خبّروني
ثم قالوا لي ترجل
:
ابن النيل ( عمر ) طالب الفنون الجميلة الذي اجبره الرزق على بتر أمنياته مبكراً في السنة الثانية الجامعية ليعمل خطاطاً في مكتبة ( حارتنا ) الشهداء والليالي أمام المكتبة في حضرة (أغداً ألقاك ) والهادي آدم و( الماطبيعي ) محمد عبد الوهاب والصّاحب جداً ( سمير ) وقلم ابو ( خمسة ريال ) الذي كتب به ابن النيل على ورقة بحث هذه المعلقة عالياً في القلب ( آه لو تأتين آه .. من عميق الموج من صلب المياه .. كالرحيل كاالترقب وأنتظار المستحيل ) وبحثنا المستميت عن كاتبها ..
عمر انتهى عقده وعاد ليكتب الشعر في مقاهي الخرطوم او عاد ليبحث عن كاتب القصيدة , سمير بقيَ دون القلم ( ابو خمسة ريال ) وانا احتفظت بورقة البحث وبمريم الأخرى المذيلّة بتوقيع عمر في محفظتي إلى الآن غير أنّي اعرف الآن حبيب مريم ولا استطيع أن اخبر به عُمر ,
*
القصيدة لشاعر سوداني : محمد عبدالله شمّو
قرأت أنه مقيمٌ الآن في جدة .
تحيّة عظيمة جداً .