يوتوبيا الشياطين (رواية) - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 567 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 519 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7492 - )           »          تبعثر وردك فاصلب القاطفين (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 25 - )           »          إلى روح صديقتي الغالية ولّادة بنت المستكفي ❤ (الكاتـب : كامي ابو يوسف - مشاركات : 8 - )           »          حرف عقيم (الكاتـب : ضوء خافت - مشاركات : 1 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - آخر مشاركة : عبدالكريم العنزي - مشاركات : 463 - )           »          أسئلـة (الكاتـب : عبدالكريم العنزي - مشاركات : 155 - )           »          تَمْتَماتٌ وَصور ! (الكاتـب : شمّاء - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 189 - )           »          أيُها الرُوَاد : سُؤال ؟ (الكاتـب : عَلاَمَ - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 483 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-12-2018, 09:30 AM   #9
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


7ـ النزيف

قلت لها في بلاهة :
ـ ماذا ..؟
ـ مازال ...الـ... لقد.. عاد..
هرشت مؤخرة رأسي متسائلاً :
ـ وهل هذا طبيعي ؟
ـ لا أدري ..
ـ الطبيب يدري ..
هنا انفتحت أبواب الجحيم، وخرجت الشياطين تغزو سحنة الفتاة البريئة، وتطاير
الزبد من شدقيها وهي تصيح:
ـ تريدني أن أذهب للحكيم ..هذا محال .. هذه معرة كبيرة ..كيف؟.. كيف؟..
وضع عندك عشرات من (كيف ) هذه حتى تصل بها إلى المريخ ..
غاية ما هنالك هو أن والدتها ستستدعي الداية والتي سيكون اسمها ـ غالبا ـ أم شيء ما،
كي تفحصها وهو ما كان سيثير جنوني حتما، هذا ما كان ينقصني، علوش أخر في قالب انثوي ..
تباً للريف الذي يتعامل مع جسد الانثى بتلك الحساسية الساذجة الموروثة من القرون الغابرة!..
الواحدة من هؤلاء تتصور نفسها مطمعاً لكل ذكر متحمس حتى وإن كان مجرد طبيب لا يعبأ
غالباً إلا بفاتورة الكشف الفلكية التي سيدفعها الزوج المسكين. كنا في القاهرة قد تحللنا
بقدر كافي من تلك القيود الشرقية بفضل الانفتاح على العالم المتحضر، لكن المجتمع
الريفي مازال يرسف في أغلال الماضي.
وكان يوم عرضت فاطمة على الطبيب يوماً مشهوداً وأسوداً في تاريخ أل جابر الصوالحي ..
الفتاة عادت منهارة كأنما تعرضت للاغتصاب ..وعدت أنا محتاراً مشوشاً تدوي في أذني كلمات
الطبيب :
ـ لا شيء .. زوجتك تتدلل عليك ...
ـ والدماء ...؟
ـ الفتيات يتحججن بما هو أكثر من ذلك..
هل هذا هو كل شيء؟
هل خدعت الفتاة القروية ضابط النقطة الفذ..
إذن فقد ولى عهد الدبلوماسية وأتى عهد الحديد والنار ..
لم تكن بحالة مزاجية جيدة بعد زيارة الطبيب لكنني كنت حانقاً جداً ومصراً جداً، سمعت
كثيراً عن مكر الفلاحين، واليوم أعاينه وأراه متجسداً في تلكم الفتاة التي تدعي
السذاجة والبراءة الخادعة ..
لكنني لم أكد أمسك كتفيها حتى انهارت كالبالون الفارغ من الهواء، انفلتت من
بين ذراعي وخرت إلى الأرض..
لم أقبل أن أخدع مرتين فأهويت إليها حانقا وقبل أن أتفوه بكلمة ارتطمت عيني
ببقعة الدم التي تتسع وتتسع من تحتها ..
رفعت بصري ملتاعاً إلى وجهها فهالتني الصفرة التي بدأت تغزو بشرتها . تباً
حتى المتنورون أمثالي يرتكبون الحماقات القاتلة..
" لا شيء .. زوجتك تتدلل عليك .."
ترددت كلمات الطبيب الأحمق في رأسي وأنا اتحرك أمام غرفتها ذهاباً وإيابا...
ماركس لماذا تركتني؟ أنت ميت أصلاً فليس لديك عذر لتختفي عني كل هذه المدة؟
لقد تركتها بالداخل ومعها أمها، حضرت مع والدها الحاج جابر نزولاً عن رغبتها في
استدعاء أمها لتكون بجوارها، لكنني غير مستعد لحلول أمها الخرافية، ولن أحتمل أكثر،
عقلي قد تحول إلى خلية نحل نشطة لا تكف عن الطنين ..
ترى ما الذي يجري لي؟ ماذا أصاب فاطمة ؟ هذا نزيف وليس حيض، لكن النزيف يأتي
أحياناً للمتزوجين حديثاً لكننا لم نتزوج عملياً بعد..
الطبيب يعلن لي أنه لا سبب منطقي لذلك النزف، وهل علي أن أبحث عن سبب
خارج حدود المنطق ؟
لكن الحاج جابر عاجلني بالضربة القاضية..
ـ إنه علوش ..
التفت إليه في حدة ، كان جالساً على أحد المقاعد وقد أراح رأسه على كفيه المشبكتين
واستطرد بصوت متحشرج :
ـ هذا انتقامه منا ...لأنك تحديته..
كنت قد نسيت ذلك الاسم تماماً، وها هو ذا يقتحم على حياتي في أحلك الأوقات، فقط ليزيد
الطين بلة ..
وتداعت في ذهني ذكريات كابوس لم تندمل آثاره في نفسي بعد، مطاردة كلب أسود
لا ظل له، بيت طيني ورائحة خبيثة، وجه علوش المرحب والمائدة الخشبية و...
والساعة الرملية!..
بلى الساعة الرملية التي تحوي سائلاً أحمراً كالدم، لا بل هو دم، دم ينساب من أعلى لأسفل!..
لا ااااااااااه.....
لا يمكن أن يكون هو من وراء كل ذلك ..
أنا الذي تحديته وكان ينبغي له أن يوجه سهامه إلي، لا إلى فاطمة، هذا لو كان يملك
سهاماً أصلاً ، إنها الصدفة تلعب لعبتها مع العقول التي عششت فيها الخرافة وباضت
وفرخت ..
ـ وما ذنب فاطمة ؟ كان المفترض أن ينتقم مني أنا..
قلتها في حدة للحاج جابر فنظر لي بعين زائغة كأنه يبحث عن رد يقنعني والسلام، ثم
إنه أطرق إلى الأرض في أسى، لعله يلعنني الأن في نفسه ويلعن اليوم الذي تزوجت
فيه ابنته، إلعني كما تشاء فقناعاتي لم ولن تهتز ..
لكن الأيام التالية وجهت لي المزيد من اللطمات..
النزيف لا يأتي إلا حينما أحاول الاقتراب منها، مجرد التفكير في ممارسة حياة زوجية
طبيعية يعني عودة النزيف مرة أخرى ...
لا شيء يفسر ما نحن فيه ، تفسيراً علمياً منطقياً..
الجنون..
أحدهم يدفعني لحافة الجنون، أحدهم يغلق كل الأبواب ويترك لك باباً واحداً ..
باباً واحداً لكنك تتجنب حتى مجرد التفكير فيه ..
ووقفت أرمق الكتب المصفوفة في رفوف مكتبتي المتواضعة، كتب اليسار التي غرقت
فيها حتى شحمة أذني، وكأني انتظر منها الجواب، لكن لا جواب، لا فائدة، حتى
ماركس اتضح لي أنه وهم صنعه خيالي، لماذا لا تكون كل تلك الأفكار كذلك، مجرد
أوهام وسراب..
وطاشت يدي في الرفوف وتناثرت الكتب على الأرض لتدهسها قدمي بكل الحقد
والغيظ، وأخذت أنظر لاهثاً لأرفف المكتبة فوجدت كتاباً واحداً قد بقى صامداً، لم يهتز
ولم تطله بطشة يدي ..

***

قبل أن ترحل سأعطيك شيئاً ..
أغمضت عيني متوقعاً العطية التقليدية في مثل تلك المناسبات ..
وسرعان ما دس أبي المصحف المزركش في يدي..

***

نعم أتذكر..
إنه الكتاب الوحيد الذي لم يتهاوى مع بقية الكتب ..
لكن لماذا .. ؟
ولماذا احتفظت به رغماً عني وكأن هناك قوة ما دفعتني للإبقاء عليه، وسط كل
هذا الكم من الكتب التي تتنافى أفكارها مع ثوابته...
ترى ما كنه تلك القوى؟..
وهل لديها حل لمعضلتي؟..
لقد تحول عش الزوجية إلى حفرة من حفر جهنم..
صرت عصبيا انفجر عند أدنى كلمة ..كنت كالصخرة التي تتدحرج حثيثاً نحو
هاوية بلا قرار ..
وتأملت في المرآة لحيتي التي نمت والسواد تحت عيني التي ترمقني بنظرة
حادة مفزعة.. هذا وجه شيطان زنيم وليس وجه (عريس).
ـ أنا لا أصدق أن الشيخ علوش هو السبب ..
علوش مرة أخرى، أنا لم أعد أحتمل، قررت ألا أرد، فلا أضمن أن يفلت الزمام من قبضتي و...
لكنها تابعت بحذر :
ـ لم يكن ليؤذيني فهو الذي جلبك إلي..
طبعاً كان هذا كافياً كي انفجر فيها كاللغم..
ـ تباً لك ولعلوش معاً..
بعدها لم أشعر بنفسي، المسكينة تلقت شحنة الغضب التي ما كان لها أن تتلقاها،
وما كان لها أن تحتمل صفعات وركلات ضابط شرطة محنك مثلي..
وحينما تهاوت على الأرض استفقت على الكارثة .. لقد عاد لها النزيف ليشترك
معي في القضاء عليها..
أهويت إليها، هززتها عدة مرات لكنها لم تستجب، صرخت في أذنها، ردي علي،
وضعت أذني على صدرها لأسمع دقات قلبها، دفنت وجهي في صدرها، صرخت باسمها...
فاطمة البريئة الندية، التي أشعرتني بآدميتي وأن لقلبي وظيفة أخرى غير ضخ الدماء ..
فاطمة الزهرة اليانعة التي سحقتها يد قاسية ..
فاطمة البسمة الرقيقة سقطت ضحية للعند والكبر والقسوة.
ذئب ضاري لا يرحم هذا هو ما كنته، لا فرق بيني وبين علوش..
علوش!
علوش هو الباب الذي رفضت طرقه، والأن أنا مستعد لما هو أكثر ..
من أجل فاطمة..
حملتها حملاً إلى حيث غرفة النوم ووضعتها بحرص على الفراش، هناك خيط أحمر
يتبعني حيثما سرت، تباً الفتاة تتفلت مني..
همست في أذنها:
ـ تماسكي يا فاطمة حتى أعود.. تماسكي أرجوك..
وغادرت كالسهم قاصداً الشخص الذي تسبب في مأساتي..

***

حمام دم ..
طوال الطريق الذي قطعته بسيارتي من البندر إلى كفور الصوالح والكلمة تدوي في عقلي..
سيارتي!
هل كانت لي سيارة؟ لم أعد أركز جيداً.. ولم يكن لدي الوقت ولا البال الرائق
للتركيز في هذه الأمور ..
المهم أن هناك سيارة وسأصل بها للوغد علوش، بعد دقائق، بعد ثوان، بعد...
قمت بتوجيه أقسى ركلة ممكنة للباب الذي لم يحتمل وانفتح على مصرعيه فإذ
بالشيطان يعدو في فزع ناحية باب أخر خلفي..
لكن رصاصة مدوية استقرت في فخذه جعلته يبرك كما يبرك الجمل أمام الباب ..
كان مساعد الشيطان عطوة ينام فوق دكة بجوار الباب فنهض مذعوراً من نومه، عقله
لم يستوعب بعد ما يجري، حينما رآني أمامه فتح فمه ليقول شيئاً أو ليصرخ لكنني
عاجلته بطلقة هشمت أسنانه وخرجت من قفاه..
وسقط من فوره كالحجر فتجاوزته بسرعة لأصل إلى علوش الذي صرخ حينما قبضت
على ياقته ودفعته ليرتطم بالمنضدة..
انقلبت المنضدة وتناثر من تحتها موقد كيروسين وبعض اللفائف من ورق وجلد
ومساحيق لا أدري كنهها و...
وشيء أخر أثار عند رؤيته الرجفة في أوصالي ..
إنها الساعة الرملية التي رأيتها في الكابوس..
بيد مرتجفة رفعتها وتأملتها عن قرب..
ـ لم يكن مجرد كابوس إذن ..
ثم التفت إلى علوش مستطرداً :
ـ كنت أنت السبب في كل ذلك .. وإن كنت لا أدري كيف.. ودفعت فاطمة ثمن عبثك ..
لكنك ستخبرني كيف اتخلص من تلك اللعنة ..
عض شفته السفلى في ألم وهو يتحسس فخذه ثم رفع طرفه إلي في مقت مستطرداً
بنبرة لا تخلو من سخرية:
ـ إذن فقد آمنت أخيراً ..
تلقى ركلة عاتية في فخذه المصابة فشق صراخه سكون الليل وصدع جنباته، وجذبته
من شعره الجعد وضربت رأسه بالمنضدة صائحاً :
ـ سوف أجعلك تنزف كل قطرة من دمك أمام عينيك.. لو لم توقف نزيف فاطمة ..
قال لاهثاً بطريقة تجمع بين الألم والنشوة:
ـ الساعة الرملية وسيلة لا يتوصل إليها إلا المحنكون أمثالي، الساعة الرملية المليئة بسائل
خليط يشبه سائل الحياة.. نوع من الأعمال السفلية التي تصنع للنساء كي تظل الواحدة
منهن تنزف دون سبب كلما اقترب منها زوجها ..النهاية محتومة ..الفراق أو الموت نزفاً..
كان هذا هو انتقامي .. الوحيد الذي يستطيع إنقاذها هو أنت .. ابتعد عنها.. اتركها وشأنها..
دفعت فوهة مسدسي في ثقب الطلقة الغائر بفخذه فصرخ كالنساء .. وهدر صوتي كهزيم الرعد في أذنيه :
ـ تريد أن أطلقها ويكون هذا إعلان هزيمتي أمامك..
ـ هل تستطيع أن تفعلها من أجل فاطمة..
أظلمت أمامي الموجودات..
يمكنني أن أنقذ فاطمة، وأخسر اليوتوبيا التي جئت من أجلها..
رأيته يبتسم في جشع قائلاً :
ـ لا تستطيع؟!.. هه؟!..
ببطء ارتفع سلاحي في وجهه فتجمدت الابتسامة على وجهه، قلت له في برود :
ـ إذا لم يكن باستطاعتك إنقاذ فاطمة فما الجدوى من بقائك على قيد الحياة..
قال في سرعة :
ـ بل أنت الذي لا يريد أن ينقذها في الحقيقة.. هذا لأنك مثلي تماماً.. كل منا يحمل بداخله نفس
القدر من الشر.. لكن الفارق بيني وبينك هو أنك تكابر ولا تريد أن تعترف.. كلانا يستحق القتل..
عليك أن تصوب هذا السلاح إلى رأسك أولاً..
قلت بنفس البرود وسبابتي تداعب الزناد:
ـ لو فعلت كيف سأقتلك بعدها؟..
قال وهو يبتسم في خبث :
ـ ألم تسأل نفسك لماذا لم أوذيك أنت ؟
صمت برهة وأنا اتردد في نسف جمجمته..
نعم، لماذا لم يؤذيني أنا؟
خفضت يدي فالتمعت عين علوش الباقية بنظرة انتصار تقول أن لدى صاحبها الكثير من
الأسرار لم تكشف بعد.

***

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-24-2018, 03:20 PM   #10
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


8ـ الصدمة

مازال يذكر أول يوم وطأت قدمه أرض كفور الصوالح..
لا أحد يدري من أين جاء تحديداً، المهم أنه جاء هنا ليبقى..
مشي بخطوات جنائزية بين شواهد القبور، بحث عن مكان مهجور
يصلح للإقامة، ثم توقف أخيراً عند ذلك البيت الطيني الخرب القابع على أطراف
المقابر..
القاذورات في كل مكان حوله والرائحة خانقة لا تطاق، وهذا مهم جداً لما
سيقوم به، وما سيحصل عليه..
تأكد بطريقته الخاصة أن البيت لا يخص زميل مهنة حالي ثم جلس ينتظر..
الطقوس ستكون عند منتصف الليل..
أشعل مصباح الكيروسين وأخرج أدواته من جعبته التي جاء بها للقرية، كل
شيء سيتم بهدوء ويسر، وتمنى أن يحالفه الحظ ويلقى رضاهم هذه الليلة..
ذبح أرنب وفرق دمه على شكل نجمة خماسية على الأرضية، ثم جلس ينتظر ..
في الليلة الأولى لم يلق استجابة، وكان هذا متوقعاً، فالأسياد يحتاجون إلى ما
هو أكثر من مجرد أرنب.
في الليلة التالية عاد بكبش سرقه من أحد بيوت الفلاحين في غفلة من أهله، دماء
أكثر سالت لكن بلا استجابة ..
الأن لم يعد هناك مفر من الخطوة التالية ..
الضحية البشرية ..
لن يستطيع اختيار ضحية بشرية من أهل القرية سيقلب هذا القرية رأساً على عقب، عليه
أن يستدرك طفل من قرية بعيدة، يقوم بتخديره ويأتي به في جوال..
ذبح البشر ليس سهلاً، خصوصاً الأطفال، لكنه تعلم كي ينجح في عمله هذا لابد أن
يصير قلبه مجرد مضخة تضخ الدماء وتبقيه على قيد الحياة، لا أثر هنالك لأي مشاعر سخيفة قد تعطلك..
المجد ينتظره وعنق هذا الطفل هي مفتاح العبور لذلك المجد..
تناول المدية الحادة وقام بشحذها عدة مرات على قطعة حجر وتوجه إلى الجوال، فك ربطته
وأخرج الطفل فاقد الوعي..
ما حدث بعد ذلك كابوس اتركه لخيالك..
المهم أن الضحية هذه المرة أثمرت، حيث سمع العواء الطويل الحزين بالخارج، وتهلل وجهه
وهو يرنوا جهة الباب..
ـ يا مرحب بالأسياد ..
بالخارج جاء يمشي حثيثاً، أسوداً كالليل البهيم ، عيناه جمرتان من جهنم، أسنانه
تبرق كالماس تحت ضوء القمر..
كلب أسود بلا ظل..
وأمام الباب خر علوش على ركبتيه في تبجيل مستقبلاً ذلك الذي وفد عليه
من الجحيم ، أخيراً لبى الأسياد نداءه ..
تجاوزه الكلب متجهاً ناحية جثة الطفل المذبوح، دار حولها وهو يتشمم الدم، ولغ فيه
فتوهجت عيناه، وأغمض علوش عينيه وقلبه موشك على التوقف، فتح عينيه
فلم ير شيئاً، لقد اختفى سفير الأسياد..
إنها علامة القبول إذن!
أغمض عينيه ثانية وبدأ يرتجف من الرهبة والنشوة..
قال بصوت مبحوح كأنه يجيب على سؤال لم يسمعه سواه :
ـ فقط أريد الخدمة..
شعر أن جدران البيت الطيني كأنها ترتج، وبرعدة تسري في أطرافه، ثم بدأ الجنون..
زام مثل القط، مرغ وجهه في الدم، كتب على الجدران بمداد من بوله، جلد ظهره بالسياط،
انهار على الأرض فارداً أطرافه الأربع، عيناه جامدتان تحملقان في السقف، ومن فمه
الفاغر سال خيط طويل من اللعاب إلى صدره..
هناك أصوات تتردد في ذهنه، عشيرة محترمة تتبادل الحديث هنالك، رجال
ونساء، جدال عنيف يدور في رأسه..
ـ مقبول؟..
ـ لا بعد..
ـ نريد.. مزيد..
ـ دماء.. نريد.. مزيد..
ـ خذ سكين.. خذ سكين..
ـ دماء.. مزيد..
ـ هلم..
ـ هاتها.. مزيد..
وجد المدية في يده، والصوت الرهيب يلفح أذنيه، مزيد، نريد مزيد، هذا الصوت
يصهر إرادته ذاتها، هناك ألم لا يمكن وصفه، ألم تشعر به أنت وحدك، أنهم يسلبونك
شيئاً ما، حتى هذا لا تستطيع أن تميزه، يصرخ بلا صوت، هو يريد أن يفعلها كي يتحرر،
إنه يعلم أن تلك التجربة ليست سهلة، أنت في يدهم كالعجين، سيشكلونك من جديد، سيعيدونك
إلى بطن أمك، وربما لا يعيدونك أصلاً.
وأخيراً...
ـ مقبول.. مقبول..
الأصوات تخفت بالتدريج.. ووعيه يعود إليه شيئاً فشيئا..
لكن ذلك الألم الحارق لا يزول، إنه يزداد كلما استعاد وعيه أكثر..
تحسس وجهه، سائل الحياة الساخن اللزج يتدفق عبر تجويف عينه اليمنى، جراحة
بدائية وناجحة أجريت له أو أجراها هو بنفسه لنفسه،
صرخ أخيراً فشقت صرخته قلب الليل الساكن..
ثمن الخدمة كان غالياً، لكن الأسياد قالوا له أن المقابل أغلى، وعينه الباقية ستكفيه
وزيادة، سيرى بها أبعد مما يتخيل..
وبالفعل.. من يومها بدأ اسمه يتردد في القرية..
الشيخ علوش يمكنه أن يرد لك ضالتك، يمكنه أن يخبرك عن موضع العمل
الذي صنعه لك ابن خالتك، أو يصنع هو عمل لابن خالتك، يمكنه أن يرشدك
لمكان المال الذي سرقه منك جار السوء، ويمكنه كذلك أن يؤذيك بشدة لو
لم تنصاع لطلباته..
الغريب الذي جاء من المجهول صار كابوساً جاثماً على قلوب أهل كفور الصوالح..
عليهم أن يخافوا من علوش وحده..
حتى الحكومة هنا كانت تصنع له ألف حساب، هو لا يحب الحكومة ولا رجالها القادمون
من مصر، لقد حدثت له مشاكل كثيرة معهم.. لكن في النهاية كانت تنتهى سريعاً بتعهد
عدم تعرض من الجانبين..
منذ أيام علم أن ضابطاً جديداً حل بالنقطة، يقولون أنه شاب وسيم ويبدو من
عائلة، وابتسم وهو يتذكر عشرات الوجوه التي مرت به من قبل على نفس الشاكلة..
ضباط مصر المرفهون يأتون دائماً وهم منفوشي الريش كالطواويس، ويرحلون وهم يهذون..
وابتسم أكثر وهو يتذكر وجوه كل الضابط الذين مروا عليه..
من قال أن كفور الصوالح تحتاج للحكومة ؟ هو كان السلطة الزمنية المتحكمة فعلياً بأهل
القرية، إنه المنبع والمصب، من يجرؤ اليوم على الزواج دون زيارته؟ من يجرؤ اليوم
أن ينجب ويستهل ولده صارخاً قبل أن يضع الحلوان في حجره ؟ بل من يجرؤ على
أذية جاره خوفاً من لجوء جاره إلى ..
العمدة زوج ولده الشهر الماضي ولقد وضع في حجره مبلغاً يسيل
له اللعاب غير المواشي والطيور، فقط.. دع ولد العمدة يتزوج في سلام، بعدها بعدة
أشهر سيدعه كي ينجب وكي (يسبع) وكي.. وكي ..
وكل كي بكية! وابتلع ريقه وعينه السليمة تتوهج جشعاً..
ـ فاطمة بنت جابر الصوالحي بالباب..
انتزعته عبارة عطوة مساعده من شروده فالتفت إليه وهو يشعر برجفة في قلبه..
فاطمة بالباب!..
فاطمة جاءت إليه أخيراً بعد طول انتظار..
يا لك من وغد قاسي يا عطوة وكيف تتركها بالباب..
ـ ادخلها بسرعة أيها النطع ..
ولمعت عينه الباقية بنظرة افتتان وهو يراها تدلف إلى الغرفة على استحياء..
وارتعشت شفتيه وهو يهمس لها:
ـ خطوة عزيزة يا فاطمة ..
قالت له في رهبة وهي تضع كفها على صدرها :
ـ أمي ترسل لك السلام..
ـ سلمك الله من كل مكروه يا فاطمة..
ابتلعت ريقها وقررت الدخول في صلب الموضوع..
ـ وتسألك عن الخدمة التي طلبتها منك ..
ـ أه.. عمل المحروس مداح..
وبدأ يعبث ببعض اللفائف التي أمامه وعينا فاطمة تتبعانه.. ثم تناول واحدة رفعها
أمام عينه السليمة كأنه يتأكد من إتقانها ثم ناولها للفتاة..
ـ عمل مخصوص لأخيك مداح كي ينصلح حاله بإذن الله..
قالت وهي تناوله كيس من القماش:
ـ الحلوان يا سيدنا..
ابتلع ريقه وهو ينظر لها بعينه الوحيدة في ثبات :
ـ بدون حلوان يا فاطمة .. يكفي تشريفك..
لوحت له بالكيس في تصميم :
ـ العفو يا سيدنا.. لكن لابد أن تأخذ الحلوان..
تناول الكيس في رفق ثم فوجئت به يضع لفافة أخرى في كفها الممدودة..
ولما تساءلت ابتسم لها فبدت أسنانه النخرة وهو يجيب بود مفزع :
ـ الأخر في اللفافة البنية هدية لك من عمك علوش حتى يرزقك الله بالزوج الصالح..
تورد خدها ولم تدر بماذا ترد، قبضت على العملين واستدارت لتنصرف فاستوقفها قائلاً :
ـ ولا حتى كلمة شكر..
لم ترد، كانت من داخلها تشعر بمزيج من الخجل والسعادة، لقد سعت في خدمة
أخيها مداح فعادت بعملين، لها ولأخيها، أمها لم تفكر فيها لأنها جميلة والعرسان
يأتونها ليل نهار لكن فاطمة تعلم أن مشكلتها كانت في أبيها جابر الصوالحي، لماذا حتى
الأن لا ينجح واحد من هؤلاء العرسان في إقناعه، ثم يأخذها في لمح البصر على حصان
أبيض ويطير بعيداً إلى حيث قباب قصور ألف ليلة ..
كانت فتاة طيبة وساذجة إلى أبعد الحدود ..
ظل يتبعها بعينه الوحيدة وهي تغادر كوخه حتى اختفت عن ناظره فجلس متنهداً في حسرة..
يبدو أنه قد وجد في قلبه أخيراً وظيفة جديدة غير ضخ الدماء، لأول مرة يستعمل سحره لنفسه..
العطف..
كثيراً ما عمل العطف لرجال ونساء ولم يفهم سر طلب الناس أن يحبهم فلان ويهيم بهم
علان، وما فائدة الحب أصلاً ؟ لكن حينما قابل فاطمة فهم، صحيح أن فرق السن والهيئة
وطبيعة عمله تجزم أنه ليس عريساً مناسباً لواحدة من الأحياء، لكن من قال أن الأمور
هنا تخضع لقانون الناس ؟ قانون علوش هو الذي سيمضي ولن يعترض عليه أحد.
لكن هذا قد لا يعجب الأسياد..
ـ تباً للأسياد ..
لقد قرر أن هذه الفتاة له وليست لأحد غيره، والويل كل الويل لمن تسول له نفسه
الاقتراب من طرف ذيلها..
***
طبعاً لم يكن يدري أنني سأظهر و سأطمع فيما هو أكثر من ذيلها.
قال علوش في حقد :
ـ لقد أحببت فاطمة مثلك تماماً.. وكنت أنوي مسحك من فوق الأرض لكنهم رفضوا ذلك..
سألته :
ـ من هم؟..
قال في غل :
ـ الأسياد طبعاً.

***

فاطمة ستتزوج ضابط النقطة ..
البك الضابط الذي جاء من مصر ليخطف فاطمة على حصان أبيض..
لم يتوقع علوش أن يكون الصدام بينه وبين ضابط النقطة سيصل إلى حد فاطمة ..
لا بد أنه شاب ووسيم، ومغرور كذلك، والفتيات لا يمكنهن مقاومته، كما أنه عجوز قبيح ضحى
بعينه اليمنى كي يرضي الأسياد، وليزداد قبحاً..
والأن ماذا حدث للعمل الذي أعطاه لفاطمة ؟ هل أخطأ في شيء ؟..
هل تخلص أحدهم من العمل الذي صنعه لها؟
لا يمكن لفاطمة أن تفعل، ربما كان أبوها أو أمها، أو حتى أخيها مداح المعتوه..
ـ هل أصرف الزبائن بالخارج ؟
التفت إلى عطوة بوجه خالي من التعبيرات وتمتم :
ـ اصرفهم ..
لا زبائن لحين إشعار أخر، سيكرس مجهوده كله في حل ذلك اللغز .
ترى هل تخلت عنه الأسياد بعد كل ما فعل من أجلهم؟
أي شيطان جاء من مصر كي يعكر عليه صفو الأيام ، سيقضي الليل كله متفنناً في
عمل واحد ينتقم به من ذلك الضابط، سيخرج كل مواهبه الشيطانية فيه كي يجعله عبرة
لمن يعتبر، سترتجف جدران البيوت في كفور الصوالح من هول ما سيكون و...
لكن عليه أولاً أن يتأكد من أن الأسياد ما زالوا في صفه ..
وهكذا جلس أمام صفحة مليئة بالرمل وبدأ يخط عليها ثم أغمض عينيه وبدأ يقرأ ..
يهتز ويقرأ، يحرك رأسه يمنة ويسرة ويقرأ ..
أخيراً تشنجت قبضته وهي تقبض قبضة من الرمل، أصدر أنيناً كأنما يعذب في سقر، ثم فتح
عينه السليمة حمراء كالدم وهو يردد في حنق :
ـ لكن لماذا هو ؟!
و ضرب صفحة الرمل بقدمه فتناثر الرمل في كل مكان قبل أن يرفع عقيرته صارخاً :
ـ لماذا ؟!

***

وأكمل علوش بصوت ملتهب :
ـ الأسياد رفضوا إيذائك وجعلك عبرة .. لذا قررت أن أكرس انتقامي من تلك التي فطرت
قلبي حين تزوجتك ..
قلت له شاعراً بالدوار :
ـ لـ ..لماذا؟.. لماذا رفضوا إيذائي ..؟
قلتها كطفل تائه تركه أبواه في دهاليز عالم مزدحم بالطلاسم والأحاجي ، وكان صوت
علوش هو المرشد لي في تلك المتاهة :
ـ لأنك .. لأنك مهم جداً بالنسبة إليهم..
ـ لا أفهم ..
صاح علوش متلذذاً :
ـ بل تفهم وتدرك في قرارة نفسك ..لكنك تكابر .. كل منا يخدم الأسياد بطريقته الخاصة..
وجهان لعملة واحدة .. لكن يبدو أنك في الوقت الراهن الأهم بالنسبة إليهم..

***

ـ مجدي لا تأكل بشمالك..
ـ لماذا يا أمي؟
ـ لأن الشيطان هو الذي يأكل بشماله يا حبيبي.
أنظر إلى الملعقة التي تجمدت في طريقها لفمي الدقيق وأقول :
ـ أبي يقول عني أنني شيطان صغير..
فتضحك وتربت على رأسي، لكنني لم أكن أمزح يا أمي..
لقد كان أبي دقيقاً، أنا شيطان صغير ينمو حثيثاً بين أظهركم وأنتم لا تدرون..
ـ مجدي كف عن اختلاق الأكاذيب..
ـ مجدي يا لك من وغد صغير.. لا تعبث بمصحف أبيك..
أبي يلوح في وجهي بسبابته محذراً :
ـ إياك يا ولد..
هنا أقوم بإفلات المصحف من بين أصابعي..
الفكرة التي سيطرت علي وقتها : ماذا لو تركناه يسقط يا أبي؟..
ماذا سيحدث لنا؟..
و يثب أبي ليتلقف المصحف قبل أن يسقط على الأرض، يومها تلقيت ركلة في مؤخرتي
مازالت تؤلمني حتى اليوم..
ـ هذا الولد معجون بماء العفاريت..
يقولها أبي لأمي التي قطبت جبينها علامة على عدم الرضا..
وفي الليل كانت تنام بجواري لتلقنني بعض التعاليم..
ـ عليك ألا تستجيب لوسوسة الشيطان.. إنه يجري في عروقك مجرى الدم.. ولو استجبت له
ستصير من حزبه وفريقه المخلد في جهنم..
لكنني بالرغم من كل تلك التحذيرات كنت أتلذذ بكل الموبقات التي يقع فيها طفل من
سني ثم أنسب ذلك إلى الشيطان..
وما ذنبي أنا يا أماه، إنه الشيطان!
ولما كبرت وداهمتني أفكار اليسار أمنت أنه لا غيب وبما أن الملاك والشيطان غيب
فهما لا وجود لهما على الحقيقة، وكل ما يصدر مني هو مني ولا دخل لعوامل
أخرى خارجية، والخير والحق والعدل أمور نسبية تختلف من زمان إلى زمان
ومن مكان إلى مكان، ومن شخص لأخر..
هل عشت قرابة الثلاثين عاما خادماً للشيطان ..
وتذكرت ماركس وحواراتي معه، هل كانت محض خيال أم وساوس شيطان مريد..
هل كنت مجرد مهندس في معمار الأسياد المسمى يوتوبيا ؟
وهل يمكن أن أعود بعد قرابة الثلاثين عاماً إلى نقطة البداية مرة أخرى؟ الإيمان بوجود
نازع الخير ونازع الشر، الملاك والشيطان وما فوقهما من تدبير كوني بيد الله..
الله !..
كلمة لم أرددها منذ زمن طويل..
رباه لقد كان بإمكاني إنهاء عذابي، فقط لو كنت لجئت إليك وحدك.
لقد وقعت فاطمة البريئة الندية ضحية لذئبان ضاريان لا مكان للرحمة في قلبيهما.. أنا وعلوش.
ـ لقد تعقدت الأمور جداً يا رفيق..
انتزعني صوته من وسط دوامة الذكريات والتأملات، التفت فرأيته يقف بجوار
الباب عاقداً ساعديه أمام صدره وهو يهز رأسه في أسف مصطنع..
إنه الرفيق ماركس أو من كنت أعتقده كذلك..

***

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-27-2018, 10:16 AM   #11
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


9ـ شيطاني

قلت لماركس من بين أسناني :
ـ كنت شيطاني منذ البداية.. وأنا الذي حسبتك ملهمي ..
ابتسم في تواضع قائلاً :
ـ كنت ملهمك بالفعل .. وما زلت ..
صاح علوش وهو يضغط على فخذه ليوقف النزيف :
ـ الأن يمكننا أن نتفاهم..
التفت إليه في حدة. كان يرى ماركس مثلما أراه تماماً. لم أكن زبونه
الوحيد في هذا العالم. أثار هذا جنوني، فصرخت مصوباً إليه مسدسي:
ـ لا تفاهم بين الذئاب..
شعرت بكف ماركس الباردة على عاتقي وبصوته ينساب في أذني :
ـ بل حتى الذئاب تتفاهم يا رفيق..
انتفضت ملتفتاً إليه..
ـ لا تلمسني!
لوح بكفه متفهماً.. ثم قال بتؤدة :
ـ دعني أشرح لك.. أنت وعلوش كنتما مشروعا عائلتي المجيدة.. أنت تراني
كارل ماركس وهو يراني واحداً من الأسياد.. لكن هذا لا يغير شيء من الحقيقة..
لقد لعبت الصدفة دورها في تواجدك مع علوش في مكان واحد.. ولقد حاولت
منعك قدر الإمكان من التصادم معه لاختلافكم الظاهري في الأفكار. إن عالمنا
عبارة عن شبكة ضخمة متشعبة لا يمكن تصور أبعادها ولا مدى نفوذها في العالم..
أحياناً تقتضي المصلحة ألا يعلم عملائنا عن بعضهم البعض شيئا، وهذا هو
ما قد يؤدي أحياناً لما نحن فيه الآن..
وسكت برهة مطرقاً، ثم عاد ورفع رأسه قائلاً في بغض:
ـ بالرغم من ذلك كان بالإمكان تلافي الصدام بينكما.. لكن فاطمة كانت هي بداية
النهاية، إنها فتاة على فطرتها والفطرة هي أشد ما يزعج أمثالنا.. لا ندري كيف
همتما بها حباً؟ المفترض أن كلاكما بلا قلب تقريباً.. وكان الصدام المتوقع..
الآن تفهم لماذا حاولت إثنائك عن الزواج منها لكنك ركبت رأسك..
ونظر لعلوش مردفاً :
ـ وهو كذلك ركب رأسه..
ثم عاد لي مردفاً وهو يغمز بعينه:
ـ لكنني لم أمكنه منك ..
صاح علوش وهو يحجل على قدم واحدة كالغراب :
ـ هو الذي جار على منطقة نفوذي.. أنا لن أتنازل عن حقي..
تجاهله ماركس وواصل الكلام معي:
ـ كان لابد من مكاشفة.. بعد مفاوضات ونقاشات طويلة بين مجلس إدارة العائلة
الكريمة توصلنا إلى حل وسط..
وضم كفيه إلى صدره مردفاً :
ـ ستعودان للعمل سوياً كفريق عمل واحد وإن بدا في الظاهر أن ثمة تعارض بينكما..
رفع علوش كفه الملوث بالدم وقال :
ـ قبل أي شيء أنا لي حق عرب عنده..
قال ماركس في صرامة مباغتة :
ـ لا وقت للضغائن..
قلت لهما في غيظ :
ـ تتكلمان وكأننا شركاء في تجارة.. لا في إضلال البشر..
رفع ماركس سبابته في وجهي قائلاً :
ـ إنها أربح تجارة ممكنة يا رفيق..
تراجعت للخلف قائلاً في حزم :
ـ أنا لدي عرض أخر..
وقبل أن يفهما شيئاً أنطلقت رصاصة لتخترق جبهة ماركس، وأخرى نسفت
عين علوش المتبقية..

***

وقفت مشدوهاً أتأمل اللوحة الدموية التي رسمتها بنفسي في قلب بيت علوش الطيني ..
الدم وشظايا الجمجمة ورقائق المخ البيضاء تلطخ الجدار الطيني وراء علوش ..
علوش الذي كان منذ ثوان يتأملني في تلذذ ..
صار جثة تعسة فقدت عينها اليمنى مقابل صفقة مع الأسياد وفقدت اليسرى بطلقة
من مسدس خادم أخر من خدامهم، دجال أخر وإن كان من نوع خاص ..
لأول مرة في حياتي أجرب شعور القاتل..
هنا سمعت ضحكة ماركس..
كان ممدداً على الأرض لكنه تمكن من رفع رأسه متسائلاً :
ـ هل كنت مقنعاً؟..
صوبت إليه مسدسي بسرعة لكنه اعتدل في خفة وقال رافعاً كفيه كالمستسلم :
ـ لا تحاول فليس لدي أداء مسرحي أفضل من هذا..
قلت له في غل :
ـ لماذا لا تموت يا ابن الـ...
طقطق بلسانه محذراً ثم نفض الغبار عن ثيابه وتجاوز جثة علوش
وهو يرمقه باشمئزاز قائلاً :
ـ الحقيقة أنا أوافقك على شطر عرضك الأخر..
هنا سمعت تلك الحركة الخفيفة من ورائي فالتفت لأراه ..
بالفعل لم يكن له ظل وهو يعبر الباب المهشم ويتجه حثيثاً إلى حيث جثة علوش..
الكلب الأسود الذي يلغ في دم الأضحية التي يتقرب بها للأسياد ..ترى هل قرر
الأسياد اعتبار دم علوش مقدم لصفقة جديدة معي ..ولما لا.. أشعر أنني ضعيف
جداً في هذا العالم الكابوسي.. وربما كان الرضوخ له ما يبرره..
كذلك الإغراء يبدو شديداً ..ذلك العالم المجهول الذي يفتح أبوابه أمامك لتدخل ..
نظرت إلى ماركس فرأيته يبتسم لي في ود قائلاً :
ـ لم يبق غيرك.. إن العائلة تراهن عليك الآن..
هنالك في ذلك الجزء الغامض من نفسي تنمو تلك البقعة البيضاء وتتسع..
تتسع على حساب الأسود القاتم..
وتدوي كلمات ماركس من قلب الظلام النفسي المشوب :
ـ يمكنك أن تؤدي لنا المشروعين معاً.. ستصير في النهار الضابط مجدي
اليساري المادي صاحب السلطة الزمانية.. وفي الليل ستكون لك السلطة
الروحية على قلوب أهل القرية.. ستمارس ما كان يمارسه علوش.. هل نحن متفقين؟..
لكن أمي تقف وهي تلوح بالمغرفة في يدها متوعدة..
ـ إياك يا مجدي..
الكلب الأسود يرفع رأسه ويطلق عواء متململاً.. إنه ينتظر
الرد.. كاميليا تنتظر الرد أيضاً.. رئيسي المباشر يوقع لي على قرار نقلي للجحيم..
ماركس يدور حولي هو يضحك في جشع.. أبي يضع المصحف في يدي..
حاول أن تثبت أنك ابني حقاً..
الكلب يعوي في جنون.. وماركس يتراجع في ذعر..
ـ لا ..
قلتها صارخاً بكل الحنق والغل الذي يعتمل في نفسي.. قلتها بمزيج غريب من
الحقد والبغض والنشوة، نشوة عصيان هؤلاء الشياطين..
ولو لمرة واحدة، حتى وإن كانت الأخيرة..
وفي لحظة اختفى الكلب الأسود اللعين، لكن ماركس ظل واقفاً مستنداً للجدار بلامبالاة..
لو كانت النظرات تحرق لتحول ماركس إلى رماد الأن.. لكن إذا كان الرصاص
لا يقتله فهل تقتله النظرات؟!..
وانحنيت ملتقطاً موقد الكيروسين..
نظر لي ماركس في برود قائلاً :
ـ ماذا تظن نفسك فاعلاً ؟..
تجاهلته وقمت بإفراغ الموقد على كل شيء تقريباً في ذلك البيت الشيطاني الكريه ..
هنا بدأ يصيح :
ـ أنت تدمر اليوتوبيا .. تدمر نفسك..
التفت إليه ممسكاً بعود ثقاب مشتعل وقلت له ببرود قاسي:
ـ بلى...
لقد تحررت منك يا ماركس.. تحررت منكم يا سادة الجحيم.. تحررت من نفسي الخبيثة..
سأحرق النار بالنار..
جريت إلى باب الكوخ وألسنة اللهب ترقص رقصة الجنون من خلفي فقط لأجده موصداً..
لقد حطمته برصاصة من مسدسي منذ قليل كيف صار موصداً كأن هناك من وضع حجراً وراءه..
حاولت مستميتاً فتح الباب حتى بدأت أشعر بلفح النيران يلسع ظهري..
ضحكات ماركس الرهيبة تأتي من لا مكان.. لم أعد أرى تقريباً من شدة النيران
والدخان، ولم يعد باستطاعتي الصراخ طالباً النجدة لأن السعال حال بيني وبين الصياح..
هذه هي النهاية إذن.. ربما كانت نهاية عادلة لوغد مثلي..

***

لكن هناك تلك الدكة الخشبية التي كان يستلقي عليها فأر علوش المذعور.. لو أقمتها
على الجدار فهي صالحة للتسلق و...
ساعدني يا إلهي..
كانت ثقيلة جداً.. وكادت عروقي تنفجر حتى أقمتها ثم أرحتها على الجدار بحيث
صارت مائلة عليه بظهرها.. هذا سيسمح لي بالتسلق على أرجلها الخشبية..
بدأت أتسلق حتى وصلت لحافة الجدار.. وهناك وقفت لأعب بعض الهواء الخالي
من الأدخنة التي أفعمت خياشيمي.. فلم أراع إلا والأرض تميد من تحتي..
لقد بدأت الدكة تتهاوى.. ربما أكلتها النيران أو أن ماركس قرر مداعبتي مداعبة أخيرة..
وبتلقائية وثبت محتضناً حافة الجدار العلوية وتخليت عن الدكة الخشبية لتهوي وسط النيران..
تعذبت كثيراً حتى استطعت الصعود فوق الجدار.. نظرت لأسفل بعين دامعة من أثر
الدخان.. ستكون وثبة بارتفاع طابق.. لا توجد شجرة واحدة يمكنني التعلق بأفرعها..
لا أريد أن أنجو من الحريق لتدق عنقي..
ودون تردد وثبت من فوق الجدار وكورت جسدي لامتصاص الصدمة لكن
مع ذلك شعرت بكل مفاصلي تئن.. قمت من على الأرض مغبراً وتأملت
الدخان يتصاعد من قلب البيت الشيطاني.. في تلك اللحظات شعرت أن الذي
يحترق ليس مجرد بيت علوش..
بل شيء أخر عشت أسيراً له منذ نعومة أظفاري.
و همست بصوت مرتجف:
ـ فلتسقط اليوتوبيا ..
وتوجهت إلى سيارتي بخطى مترنحة..
لقد بدت لي كفراش وسير يدعوك للراحة بعد يوم عاصف.. لكنه فراش لا يسمح لك بالنوم
أبداً ما دمت ستقود.. ألقيت جسدي خلف عجلة القيادة وأدرت المقود.. طبعاً لم تتحرك..
ضغطت على أسناني وأعدت المحاولة لكن السيارة لم تغير رأيها كما لكم لم أن تتوقعوا..
لم ينته الأمر بعد.. هناك من أتلف شيئاً بالسيا...
ـ مازال هناك اقتراح ثالث..
التفت في رعب لأجد ماركس جالساً في المقعد الخلفي كعهدي به لكنه هذه المرة
قد احترق نصف وجهه.. ونصف وجهه السليم كان يرمقني بنظرة شيطانية عابثة..

***

حاولت فتح باب السيارة فلم يستجب.. كل الأبواب لا تستجيب في هذه الليلة السوداء..
لقد صرت سجيناً مرة أخرى مع ماركس .. وسمعت صوته يلومني بلهجة أبوية مزعجة :
ـ لم يكن هذا هو العشم فيك.. أنا صنعتك من لا شيء.. أنا الذي ربيتك في الحقيقة..
لو كان لي ابن فهو أنت.. لكنه الجحود البشري الذي لا حد له..
قلت له وأنا أصر على أسناني فتكاد تنفلق :
ـ كيف الخلاص منك يا ابن الـ...
طقطق بلسانه (الذي لم يحترق فيما يبدو) وقال :
ـ يبدو أنني لم أحسن تربيتك جيداً.. على العموم أنا شيطان من عائلة محترمة جداً..
ولن أسمح لك بالإهانات.. دعنا نتحرك بعيداً عن هذا الجو الصاخب.. وبعيداً
عن عيون إخوتي الأعزاء كذلك ..
وانطلقت السيارة بلا حول مني ولا قوة كأن هناك سائق أخر يقودها غير مرئي..
كانت تجربة ممتازة.. ولولا الرعب الذي كان يعصف بي لاستمتعت بذلك جداً..
قلت له في شرود :
ـ لا أدري كيف خدعتني كل تلك الفترة ؟..
قال في مرح وهو يرتب على عاتقي :
ـ كما قلت لا وقت للضغائن يا عزيزي.. لو كنت مكانك لسألت نفسي ألف سؤال..
ما حقيقة الشخص الذي يحدثك طوال الوقت ولا يراه غيرك.. ويدعي أنه موجود
لأنه فكرة خالدة.. هل هذا يناسب شخصية مادية ملحدة؟.. أشياء كثيرة كان
ينبغي أن تنتبه لها.. حتى هذه السيارة التي نستقلها الآن.. كيف حصلت عليها
هكذا فجأة وبدون مقدمات؟.. إنها هدية زواجك من بابا ماركس.. كنت أعرف
أنك ستحتاجها كي تصل بسرعة لهنا.
كلما تكلم ذلك الشيطان كلما أشعرني بمدى حماقتي.. قلت له في سخرية مريرة :
ـ الحقيقة أن أفضالك علي قد فاقت الحد!..
قال وهو يبتسم في فخر :
ـ لكن هناك سر صغير وراء تقبلك لكل هذه المتناقضات.. كنت ألعب على بقايا الإيمان
الفطري بداخلك.. ما زلت ترتبط بجذورك التي نشأت فيها والتي تعتقد في وجود
عالم غيب وقوى خفية ستجعلك تصدق..
ـ ألا يوجد بشري غيري لتغويه؟..
برقت عينه السليمة في جشع وقال بصوت كالفحيح :
ـ الأسرة لا تفرط في عملائها بهذه السهولة..
ونظر لي بجانب وجهه الذي لم يتشوه نظرة افتتان مريعة وهمس كأنه يحلم :
ـ كانت الأمور تسير على ما يرام لولا تدخلات الأقدار..
قلت في هدوء لا يتناسب مع الموقف :
ـ ما دام هناك أقدار لا محيص عنها.. إذن فهناك من يقدر..
هز ماركس رأسه في بطء قائلاً :
ـ أكيد أي بني..
ابتسمت قائلاً في سخرية :
ـ ماركس الشيطان يؤمن بوجود الخالق..
ـ طبعاً يا بني.. الإلحاد أحمق فكرة زرعناها في عقول البشر وبالرغم من ذلك وجدت
رواجاً عالمياً مدهشاً..
هكذا بكل صفاقة يتكلم شيطاني المريد..
إنني أتضائل..
وواصل ثرثرته المحببة للنفس:
ـ صار الإلحاد هو موضة العصر.. الحصان الرابح الذي ينبغي أن نراهن عليه..
أنا أعتقد أن الدجل والسحر الأسود لن يكون له مكان إلا في المتاحف.. لكن بعض
أفراد العائلة ما يزال يعتقد أن الطرق القديمة لها رواج بين البشر..
طبعاً هو يهمز بقية أسرته اللطيفة دون تصريح..
قلت له بامتعاض مصطنع :
ـ هؤلاء شياطين رجعين لو أردت رأيي..
تجاهل سخريتي قائلاً :
ـ إننا نمارس مهمتنا الأبدية منذ فجر الزمان.. الإضلال.
قلت له وأنا أفكر في أكل حنجرته إن كان له واحدة :
ـ هل تعتقد أنني سأطيعك بعد كل هذا..
أشار بكفه لما حولنا قائلاً باستخفاف :
ـ العالم كله في قبضتنا منذ فجر التاريخ ألا تنظر حولك.. ليس أمامك طريق أخر..
عليك أن تنضم للجانب المنتصر..
ـ هذا هو عالمكم الشرير الذي تقودون زمامه.. وليس عالمي المثالي الذي أبحث عنه..
ـ عالمك المثالي هو اليوتوبيا التي صنعتها لك..
ـ حلال عليك.. دعني وشأني وإلا حررت لك محضر بإزعاج السلطات..
قهقه وهو يضرب ظهري بكفه فارتجفت أوصالي كأن ماساً كهربائياً قد مر عبر أعصابي..
وسمعته يقول بلهجة لزجة:
ـ لقد عادت إليك روحك المرحة التي كنت أحبها كثيراً.. إننا نقترب مرة أخرى من بعضنا البعض..
لم يعد لدي سوى السخرية المريرة فيما يبدو .. فهو كائن لا يمكن الخلاص منه بالطرق
التقليدية.. ومن يدري ربما قتلته من الضحك!.. قلت له بتعاسة :
ـ نقترب من بعضنا مرة أخرى!.. اسمع أيها الشيطان.. أنا رجل متزوج وأخاف
على سمعتي بشدة..
صدعت ضحكته المدوية عالمي كله وعاد التيار الكهربي يسري من كفه الباردة
إلى عمودي الفقري.. واضح أنني أقتل نفسي بطريق غير مباشر..
ـ مرح.. مرح..
ثم مسح دموعاً وهمية وأردف :
ـ لكنك على وشك فقدان زواجك يا مسكين..
فاطمة!.. لقد نسيتها في غمرة الذعر اللامعقول.. نظرت إليه في خواء والسيارة تنهب
الطريق السريع بين الحقول.. الشعور بالعجز التام أمام ذلك الكيان المريع، يقتلني كمداً..
هو وإخوته كانوا سبب شقائي.. هو وإخوته لابد أن يدفعوا الثمن حتى لو كان في ذلك هلاكي..
لكن كيف؟..
قلت شارداً:
ـ زواجي هو أفضل وأسوأ شيء حدث لي في حياتي..
ـ مفارقة عجيبة.. لكنها ممكنة.. والأعجب أن زواجك يمكن أن يستمر..
التفت إليه وقلبي يدق كالطبل.. فرأيت على وجهه ابتسامة منتصرة وهو يردف :
ـ فقط لو فكرت في مواصلة مشروعنا الذي بدأناه سوياً.. لقد فكرت في الأمر.. من الحماقة أن
تطلب من ضابط محترم أن يكون شيوعياً بالنهار ودجال بالليل..
قلت له في غباء :
ـ ألن يغضب هذا العرض إخوتك؟..
لوح بكفه قائلاً :
ـ ربما.. لكن أنا متأكد أنهم يوماً ما سيقتنعون بوجهة نظري تلك .. المهم الآن فكر في
مستقبلك أنت مع فاطمة..
ـ لكن فاطمة... علوش أكد لي أن...
ـ هذا عبث أطفال.. لا تشغل بالك.. فلولاي لفتك بك علوش منذ زمان..
وفرقع بأصبعيه مكملاً :
ـ سيتوقف نزف فاطمة وستعود لطبيعتها..
فاطمة يمكنها أن تنجو من النزف وتعيش.. لكنها ستعيش مع مسخ.. أو سنفترق..
وتتركني اتعذب بفراقها..
هذا لو عاشت بعد ما فعلته بها..
وربما ظل ذلك الشيطان يطاردني ما حييت كاللعنة الأبدية..
يا للمفارقة..
السيارة تميل بحرفية عالية مع ميل الطريق.. لو كنت أنا الذي يقود الآن لما مر
الأمر بسلام.. تباً!، لماذا أهرب من المواجهة إلى تلك التفاصيل التافهة..
يا إلهي.. أين المفر؟

***

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-28-2018, 09:57 AM   #12
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 4577

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


10ـ أسرة لطيفة

فجأة ظهروا أمامنا كأنهم نشأوا من الفراغ..
ثلاثة من الرجال ومعهم سيدة يرتدون ملابس عصرية.. لكن لماذا تبدو
لي هيئتهم مألوفة..
أطلقت السيارة فرملة حادة وتوقفت أمام الرجال بشبر واحد.. وأطلق ماركس
سبة قبيحة لا تتناسب أبداً مع شيطان من عائلة محترمة..
رأيت نصف وجهه الذي لم يحترق يتقلص وهو يقول في ضيق:
ـ أبق في السيارة ولا تتدخل..
ـ من هؤلاء؟.. العائلة الكريمة؟..
قال وهو يفتح باب السيارة :
ـ ألا تذكرهم؟..
قالها وغادر السيارة وصفع الباب خلفه في عنف أحنقني.. هذه سيارتي أيها
الحيوان ليس من حقك أن تتعامل معها بهذه الطريقة.. ثم تذكرت انها هدديته
في الأصل فابتلعت حنقي.. لكن مهلاً..
أنا أذكر هذه الوجوه بالفعل..
هذان الشيخان هما الرفيق سيف والرفيق مراد!..
ولكم أن تخمنوا الشاب والفتاة..
أنهما الرفيق حسام والرفيقة سلمى التي اعتقدت يوماً أنها رائعة..
وأطلقت ضحكة منهكة وأنا أضرب مؤخرة رأسي بمسند المقعد عدة مرات..
لقد كنت محاطاً بشبكة حقيقية من الشياطين.. حتى الرفاق اتضح أنهم ليسوا كذلك..
وحمدت الله على أنهم تركوا لي أبي وأمي..
تذكرت صدقي التعس الذي راح ضحية لهذه الشبكة المقيتة.. فعلاً صدقي لا يصلح
لدور شيطان.. إنه أقرب لبقرة عجوز تنتظر سكين الجزار ليريحها من عناء الشيخوخة..
ولقد قرر أن ينحر نفسه ليريحها.
الأن لم يعد لدي ما أفعله سوى الجلوس والمراقبة..
مراقبة تلك المواجهة العجيبة بين عائلة ماركس الكريمة..
سمعت الذي كنت أظنه يوماً الرفيق سيف وهو يقول:
ـ لم نتفق على هذا يا ابن أبي...
لوح لهم ماركس بذراعه قائلاً :
ـ هناك سوء تفاهم.. أنا ما زلت عند اتفاقي معكم..
قال الرفيق مراد وهو يكور قبضته :
ـ لقد تعمدت إزاحتنا من المشروع..
الكل كان يعمل من أجل مشروع واحد منذ البداية.. إضلال الزبائن الحمقى من أمثالي..
لكن أحد هؤلاء الإخوة تسللت إليه آفة الطمع، ربما انتقلت إليه من خلال مخالطة للبشر..
أراد ماركس الاستحواذ على المشروع وحده..
كأنهم يتحدثون عن مشروع تخرج.. هذا العالم يشبهنا كثيراً في جوانب عديدة كما ترون..
ورأيت ماركس يتراجع قائلاً :
ـ هذه إهانة يا ابن أبي.. كيف يصل بكم الحقد على نجاحي إلى هذا الحد المنحط..
حاولت قرص فخذي في غير تصديق.. هذا ليس حلماً... هؤلاء أسرة لطيفة من الشياطين، تتبادل
الاتهامات فيما بينها، ويتحدثون بلباقة عن الانحطاط، وسوء الأخلاق الذي بدأ بعضهم ينحدر إليه..
ورأيت سلمى الرائعة وهي تشير ناحيتي:
ـ لقد كنا نشك منذ البداية في الطريقة التي تواجد بها الفاني الملحد هنا.. وأدى ذلك لصدامه
مع الفاني الساحر.. لم نبتلع كون ذلك من قبيل المصادفة.. لكننا تظاهرنا بالعكس للنهاية..
والآن لم يعد لدينا شك في أنك كنت تعمل لحسابك الشخصي.. يا للعار.. تريد
أن تلبس التاج وحدك..
لم أفهم سر ذلك التاج الذي تتكلم عنه.. لكنني خمنت أنه نوع من التقدير.. أو درجة علمية ما
.. كما يحصل أحدنا على شهادة دكتوراه في أحد العلوم مثلاً..
الحمقى لا يعرفون السبب الحقيقي وراء تلك المأساة العائلية..
لقد فررت إلى الريف بإرادتي، لكن قدر الله أن يكون تكليفي في كفور الصوالح دوناً عن
غيرها من القرى.. فقط لألتقي بعلوش هناك ويحدث الصدام ويقضي الله أمراً كان مفعولاً..
أنتم لا تديرون الكون وحدكم كما تظنون يا حمقى..
كان ماركس يتراجع للوراء أكثر.. يبدو أنه يفقد المزيد من ثقته بتراجعه هكذا أمامهم..
هنا تقدم الرفيق حسام ليحول بين إخوته الكبار وقد أوشكوا على الفتك بماركس..
ـ مهلاً يا أبناء أبي.. هذا أخينا أيضاً..
ـ ابتعد أيها الصغير..
قالها مراد بتوحش لكن حسام بدا عنيداً كالأطفال فعلاً، يبدو أن مراد قد ضغط على وتراً
حساساً في نفسه:
ـ أنا لا أسمح لك..
هنا فكرت.. ولما لا.. سأسدي لرفاق عمري معروفاً.. سأرد لهم بعض جمائلهم
التي أغرقتني..
قمت بإنزال زجاج النافذة المجاور، ثم أخرجت لهم رأسي عبرها قائلاً لهم في براءة :
ـ لحظة يا رفاق، فأنا لا أستطيع كتمان الشهادة.. أخيكم المبجل هذا حاول بالفعل
مراودتي كي نواصل مشروع اليوتوبيا بدونكم.. لكنني لم أكن لأقف هذا الموقف
المخزي الذي يفرق بين الإخوة وبعضهم البعض..
هنا التفت إلي ماركس في حدة..
أكاد أجزم أن عينه كانت ترمي بشرر حقيقي لا مجازي هنا.. وعلا زئير الإخوة كالنمور
المتوحشة التي تستعد للوثوب على فريستها.. سيشهد الطريق الزراعي معركة لا يمكن
تصورها بين تلكم الديناصورات.. لقد أدت عبارتي نفس دور عود الثقاب المشتعل
الذي يلقى على البنزين..
وصاح ماركس في غل :
ـ هل ستصدقون ذلك الأدمي؟!..
وقف حسام بجوار ماركس قائلاً :
ـ أنا لا أصدقه..
وتوهجت عيون بقية الإخوة كمصابيح النيون فرفع ماركس رأسه للسماء وأطلق
فحيحاً منذراً بالويل..
رباه.. فلنبتعد بالسيارة قبل أن...
السيارة تستجيب!.. مرحى لقد تخلى عنها ماركس أخيراً.. إنه يركز كل قدراته الآن
في مواجهة إخوته الغاضبين..
ـ أنتم فشلة ولا تطيقون رؤيتي أنجح وألبس التاج وحدي..
قالها ماركس في توحش فوثب به الرفيق سيف برشاقة لا تتناسب أبداً مع سنه..
وقبضت أصابعه على عنق الأول وهو يزأر..
لكن لسان ماركس غادر حنكه وقد استطال جداً ثم التف بسرعة وليونة حول قبضة أخيه
الرفيق سيف فتوهج الأخير كالشهاب وهو يعوي.. هنا وثب مراد لينقذ أخيه سيف قبل
أن يتفحم والتحم مع ماركس على حين وثبت سلمى فوق ظهر حسام وهي تطلق
صرخة حيوانية حادة.. احتدم الصراع بينهم فلم أعد أستطيع التمييز.. من الذي
أكل ذراع من، ومن الذي بقر بطن الأخر لتخرج منها ثعابين تفح وتلدغ الأخرين..
هذا يشبه صراع القطط الذي لا يمكنك ملاحقته ببصرك من فرط سرعته المذهلة..
فقط علي أن أبتعد قبل أن تبتلعني دوامة الصراع تلك..
هذا صراع جبابرة لا مكان فيه لبشري هش مثلي..
وانطلقت بالسيارة كالقذيفة منحرفاً عن الطريق الذي تدور فيه المعركة وكالبطة الرشيقة
وثبت السيارة فوق الحقول الناعسة على جانب الطريق.. لقد أفسدت فداناً بهدية
بابا ماركس قبل أن أطمئن إلى أنني ابتعدت عن ساحة العراك المدمر..
ثم عدت للطريق الممهد مرة أخرى وصدى المعركة الرهيبة مازال يدوي في أذني..
لم أجرؤ حتى على النظر في المرآة الخلفية لأرى نتيجة الصراع.. ترى هل هلك ماركس؟..
لا شك أنه قوي لكنهم كثرة..
يبدو أنني سأتخلص منك يا ماركس أخيراً.. وسأتخلص كذلك من شلة الأنس كلها..
هنا شعرت كأن صخرة عملاقة قد هوت على مؤخرة السيارة ..
كان موقفي الأن هو نفس موقف الفأر الذي داس أحدهم على ذيله ليمنعه من الفرار..
واستدرت لأرى وجه سلمى الذي لم يعد رائعاً يتطلع إلي من بين الزجاج الخلفي المهشم..

***

كان رأسي يدور بفعل الارتطام العنيف لكنني حاولت التماسك وأنا أقول لها في حنق :
ـ سلمى هذه السيارة التي دمرتها كانت هدية زواجي من أخيك..
أطلقت فحيحاً غاضباً وهي تعبر من بين الزجاج الخلفي المهشم لتستقر في المقعد الخلفي..
إنه المكان المفضل للشياطين فيما يبدو.. وسمعتها تصيح بتوحش :
ـ لقد مزق إخوتي بعضهم البعض بسببك..
ـ هذا خبر سار!..
قلتها وأنا أفتح باب السيارة وأثب إلى الخارج..
وبدأت أعدو هارباً بين الحقول..
لقد مر بي هذا المشهد من قبل.. لكن في المرة السابقة كنت أفر من كلب أسود بلا ظل..
الأن أفر من شيطانة كنت أظنها يوماً رفيقة كفاح في اليوتوبيا..
سأتحول إلى ألة للعدو لا يمكن لشياطين الأرض إيقافها و ...
هنا ظهرت أمامي فجأة فأطلقت صيحة رعب عاتية جعلتها تقهقه بتلك الطريقة
التي يجيدها الرعاع في الحانات..
ـ تعلم ألا تضيع الوقت في الهرب منا..
إنها كابوس كأخيها لا يمكن الخلاص منه.. الآن فقط أنا وهي وسط الحقول الممتدة
إلى ما لا نهاية..
لماذا لا يطلع الفجر ويخرج الفلاحون إلى حقولهم؟.. لماذا؟...
أهويت على الأرض وأغمضت عيناي حتى لا أرى العينان الجهنميتان من تلك الزاوية
المرعبة وانتظرت أن تأتي النهاية سريعة..
ـ ماذا تريدين مني؟..
انحنت علي وهي تبتسم في قسوة قائلة :
ـ لقد هلك جميع إخوتي الذكور.. هذا يعني أنني صرت الوريثة الوحيدة لمشروع العائلة..
لا .. لن نعود لهذا الملل.. قلت لها في غيظ:
ـ هذا المشروع شؤم لو أردت رأيي.. لو كنت مكانك لتنازلت عنه وبحثت عن أي عمل شريف ..
أطلقت فحيحاً ساخراً وهي تضرب على فخذها كالرعاع.. لقد تغيرت أخلاقك كثيراً يا سلمى..
أخيراً قالت بعد أن فرغت من الضحك :
ـ لقد كان أخانا الراحل أحمقاً حينما تصور أن موجة الإلحاد هي الموضة التي ستكتسح
العالم.. لكننا نعتقد أنها فورة مؤقتة.. نحن لسنا شياطين رجعيين كما تتصور..
إننا نعمل بنظام علمي دقيق.. لقد توصلنا إلى أن الجندي الذي يؤمن بعالم غيبي..
جنة ونار.. بصرف النظر عن الإله الذي يثيب بهذا ويعاقب بتلك.. ذلك الجندي
يختلف تماماً في ساحة العراك عن الجندي المادي الذي لا يعتقد في حياة أخرى..
إنه يتمسك بما يراه ويشمه ويلمسه.. ولن يفرط فيه لأنه لا يعتقد في وجود
عاقبة من وراءه.. والأول يمكنه أن يضحي بكل ذلك بكل سهولة.. طمعاً في حياة أخرى..
أفضل.. ألا ترى أن أشد الحروب إهلاكاً كانت الحروب الدينية.. وأن فكرة الإلحاد تضع
معتنقها أمام أسئلة شائكة بلا أجوبة.. وقد ينتهي به الأمر إلى الانتحار كما حدث
مع رفيقك العجوز صدقي..
هؤلاء لا يمزحون.. الإنسان فقط هو الذي يمزح ويستهتر بكل شيء.. قلت لها :
ـ بعد كل ما ذكرت من حقائق مفجعة لي كبشري أحمق فهل تتوقعين أن أقبل بالتعاون معك..
ينبغي أن أصير شيطاناً مثلك مهمتي أخذ أكبر قدر ممكن من الخلق معي إلى جهنم..
هذه الحياة لا تناسبني يا سلمى.. فأنا لم تصل حماقتي بعد لهذا المدى البعيد..
استندت بمرفقها على فخذها وهي تميل علي قائلة :
ـ هل تظن أنك معنا ستعمل بدون إيمان ووعد؟.. إننا نخدم إله النور الحقيقي.. جلاب الضياء..
أمير البهاء.. ملك العالم السفلي ومدبره.. هذا هو إلهنا ومبتغانا.. وقد وعدنا وعد الحق..
سندخل ملكوته النوراني الأبدي.. سنفنى في ذاته العلية..
هنا لم أتمالك نفسي فأرسلت ضحكة مشروخة جعلتها تتراجع في حنق..
قلت لها موضحاً:
ـ كنت أظنكم شياطين درجة أولى.. واضح أنكم حمقى كأتباعكم من بني البشر .. حمقى ومستغلون
من قبل أبيكم الكبير جلاب المصائب هذا..
صاحت وعينيها تتوهجان :
ـ تأدب أيها الفاني مع جلاب الضياء..
عضضت شفتي في قهر قائلاً :
ـ لو أردت رأيي هذه هي نتيجة تربية أخيكم المبجل ماركس.. كما أن أبيكم جلاب الهنا
هذا لم يحسن تربيتكم أيضاً.. لقد مزقتم بعضكم بعضاً من أجل بشري فان..
ـ كفى!..
قالتها في حدة وهي تنتفض غضباً.. ثم إنها أطلقت زفرة حارة وهي تمرر أناملها بين
خصلات شعرها الثائر بعصبية كأنها تريد أن تبدو أرق وأهدأ..
ـ لا تريد أن تعمل مع سلمى الجميلة؟..
قالتها هي تبتسم بتلك الطريقة التي كانت تسحرني قديماً..
لقد سيطرت على مشاعرها في لحظات سريعة بطريقة تحسد عليها.. إنها لمتمكنة..
لكن الأن وهنا.. هذه هي الدعابة التي لا تضحك أحداً يا سلمى..
قلت لها في بغض :
ـ فاطمة كانت أجمل وأطهر وأبهى منك..
ازداد توهج عيناها وبدأت حنجرتها تصدر أصواتاً ببرية خافتة..
ـ كيف تجرؤ على الرفض أيها الفاني؟.. أنت لا تتصور ما الذي يمكنني أن أفعله بك الآن..
الرفض يؤلم مشاعرهم حقاً.. كأني أرفض الزواج منها لا سمح الله.. نظرت إليها من
أسفل في قسوة وحاولت أن تكون كلماتي أشد قسوة :
ـ لأنكم لم تستوعبوا الدرس بعد.. لقد صرت حراً يا ابنة الجحيم.. ولا يهمني ما ستفعلينه بي..
لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها..
قالت وهي تعتدل قائمة:
ـ يمكن للشاة أن تتضرر كثيراً قبل أن تذبح..
هنا تلاشى الحقل من حولنا ووجدتني ممدداً بجوار فراش فاطمة حيث تركتها تنزف..
لقد حدث هذا الانتقال بطريقة شيطانية لا شك فيها.. فأنا لست (مسطولاً).
ـ هذه هي فتاتك الرقيقة التي تنزف بلا سبب..
نظرت في جنون إلى سلمى التي وقفت بجواري واضعة كفيها في خاصرتها وهي
ترمق ببرود فاطمة في فراشها..
ـ لن تمسيها بسوء..
هزت كتفيها وقالت كأنها لا تسمعني :
ـ في الحقيقة كان هناك سبب لنزفها.. إنه تخصصي..
في اللحظة التالية رأيت جسد فاطمة يرتفع في الهواء بثيابها الهفهافة البيضاء، وعينيها
مغمضتين فبدت لي كشبح أبيض رقيق يسبح في الفراغ..
شبح أبيض رقيق يقطر دماً!..

***

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-01-2018, 09:29 AM   #13
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


11ـ وداعاً يوتوبيا

ـ دعيها أيتها الـ...
قلتها وأنا أثب نحو سلمي بكل الغل والحقد الذي يعتمل في نفسي..
لكن طبعاً تلقيت لطمة عاتية طرت على إثرها كالقذيفة لأرتطم بالجدار..
للحظات تصورت أنني خرقت الجدار وصرت عند الجيران لكن هذا لم يحدث للأسف..
وتنامى إلى مسامعي صوتها وهي تنفض كفيها باستمتاع قائلة:
ـ اجلس وراقب..
كنت أتلوى أرضاً من الألم المادي والمعنوي..
فاطمة ستموت نزفاً أمامي وأنا الوحيد الذي باستطاعته إنقاذها فقط لو رضخت
لتلك الشيطانة..
ـ لماذا أنا بالذات؟.. هناك الملايين غيري مستعدون لبيع أرواحهم وأكثر..
قلتها من بين أسناني وأنا أزحف بحذر تجاه صوان السرير.. إنه هناك منذ تهاوت
الكتب تحت قدمي، لا أدري لماذا قررت وضعه هناك بجوارها؟
قالت سلمى :
ـ أنت لا تفهم قوانين عالمنا أيها الفاني..
فتحت باب الصوان، و سلمى تسترسل كأنها لا تراني :
ـ إنه محكوم بقواعد صارمة للغاية.. لو فشلت معك ستكون عواقب ذلك وخيمة..
لقد صرت وحيدة بلا أهل.. هذا يعني أنني سأتلقى العقاب كله وحدي..
أخيراً قبضت يدي على الكتاب.. وشعرت بتيار من القوة والرهبة يجتاحني..
ـ ما رأيك إذن لو لحقت بإخوتك الأغبياء..
نظرت لي في حدة وصاحت :
ـ ماذا تفعل عندك ؟..
هنا وقفت مواجهاً إياها بالكتاب..
" قبل أن ترحل.. سأعطيك شيئاً.."
" حاول أن تثبت أنك ابني حقاً.."
الآن فقط أرى الذعر في عينيها.. إنها أضعف مما تخيلت..
وانهار جسد فاطمة فوق الفراش دفعة واحدة، بعد أن قررت سلمى التخلي عنه أخيراً..
فتحت المصحف وبلا تحديد بدأت أقرأ بصوت مرتجف.. وكان ما قرأته عجيباً..
" واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان، وما كفر سليمان ولكن الشياطين
كفروا يعلمون الناس السحر..."
صوت صراخ سلمى الرهيب جعلني أتوقف ذاهلاً.. نظرت لها، ثم للكتاب و..
صرخ صارخ بداخلي : لا تتوقف الآن يا أحمق..
وبالفعل واصلت..
" فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه..."
لمحت بطرف عيني فاطمة تتقلب في الفراش وهي تصدر أصوات همهمة
غامضة كأنها في حلم ما..
" وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله..."
سلمى تتلوى على الأرض..
تضع كفيها على أذنيها، لا تريد أن تسمع المزيد.. لكنها محاولات عابثة، يائسة..
إنه حق يخترق الحواجز والجدران ويفتت الصوان.. تفتتي يا سلمى.. تعذبي كما
تعذبت فاطمة.. تعذبي بكل قطرة سالت من دمائها الطاهرة..
هنا فوجئت بها تتكور على نفسها ثم طارت لأعلى لترتطم بالسقف ثم ارتدت عنه
مثل كرة المطاط، تكرر المشهد حتى كادت تصيبني بالحول.. صوتها كان أقرب
لمواء هرة تمزقها أنياب كلب بري..
وأخيراً طار جسدها كالقذيفة مخترقاً باب الشرفة.. إلى الهواء الطلق..
جريت إلى الشرفة خلفها ، نظرت إلى أسفل حيث الطريق الخالي من البشر في
تلك الساعة.. لا أثر لها هنالك.
ثم اتسعت عيناي دهشة.. لقد لمحت تلك الفجوة التي تلتئم تدريجياً في الأرض، تخيلت
سلمى وهي تخترق الأرض مثل المسبار وهي تموء مثل الهرة الحبيسة و...
لم تلحق بإخوتها للأسف، لكنها عادت إلى عالمها على الأرجح..
هل ستعود إلي ثانية؟
لا أعتقد..
لقد كان الدرس قاسياً بالنسبة إليها.. لعلها الآن تتلقى العقوبة نيابة عن كل عائلتها الكريمة...
ولو عادت فسأكون مستعداً لها بكتابي هذا.
وعدت لفاطمة التي كنت على وشك بيع روحي للشيطان من أجلها..
نظرت إليها في الفراش، لقد توقف النزيف.. بل تلاشى كأنه لم يكن أصلاً..
و في لحظة نسيت كل ما مر بي من خطوب، وانحنيت عليها برفق طابعاً قبلة حانية
على جبهتها الوضاءة..
هنا رأيتها تفتح عينيها ببطء.. وسمعتها تهمس :
ـ مجدي .. لقد عدت..
ربما أفلت قلبي دقتين.. وربما اختل توازني للحظات.. ثم استوعبت أن هذا هو صوتها، هاتان
العينان الناعستان عيناها، وهذا الأبله الواقف أمامها هو أنا..
ـ نعم يا حبيبتي ..
تمتمت في وهن :
ـ حمداً لله على سلامتك ...
لقد نست ما جرى وما كان من بطشي بها ولم يشغلها إلا سلامتي.. أي حيوان كنته؟!
طبعاً لم أتحمل كل هذا القدر من الطهر والنقاء.. لذا بكيت.. بكيت بين يديها كطفل كاد
أن يفقد أمه للأبد..
ـ مجدي أنا بخير ..
رفعت طرفي إليها وشهقت مستجمعاً أنفاسي المتلاحقة :
ـ حقاً؟!..
كان وجهها متورداً من أثر حمرة النوم.. لم يكن ذلك هو الوجه الذي تركتها عليه.. رباه..
كأن ما مضى بي كله حلم عابر..
قلت لها من بين دموعي :
ـ كنت.. كنت تنزفين.. و.. و..
ثم صرخت فزعاً وقد تذكرت :
ـ لقد.. لقد ضربتك.. نعم ضربتك بوحشية يا فاطمة وما كان لي أن أفعل..
قالت وهي تمسح دموعي بأناملها الرقيقة:
ـ أنا لا أذكر شيئاً مما تقول..
هذا غريب.. لا أريد أن أصدم قلبي بحقيقة أن كل هذا كان جزء من كابوس.. لكن أي كابوس؟..
أنا لم أستيقظ صارخاً في فراشي بعد..
أم تراه وهم توهمته..؟!
ـ كنت تنزفين يا فاطمة.. وكان المفترض أن تظلي تنزفين حتى الموت.. لكنني أراك
الآن كأبهى ما يكون.. ولا أريد ان أسترسل في الحلم فأقول أنك قد.. قد شفيت
تماماً من ذلك النزيف اللعين..
ابتسمت برقة وهي تداعب وجنتي :
ـ وأنت تعب.. و تبدو كمن خرج لتوه من معركة طاحنة..
نظرت إلى ثيابي المتربة وقد تمزقت في عدة مواضع ثم رفعت طرفي إليها قائلاً :
ـ كنت بالفعل في قلب معركة رهيبة ومريرة..
ثم لوحت لها بالمصحف في يدي وقلت بابتسامة مبللة بالعبرات :
ـ لكنني خرجت منتصراً..
أراحت رأسها على عاتقي قائلة :
ـ مجدي أنا لا أفهمك..
ضممتها إلى صدري قائلاً في إنهاك :
ـ لا تشغلي بالك يا حبيبتي.. لا تشغلي بالك..
وهمست لنفسي : وداعاً يوتوبيا..

***

كان خبر احتراق بيت علوش قد شاع وصار حديث الناس في كفور الصوالح..
و تردد بينهم أن البيت احترق بفعل فاعل .. لكن من فعلها؟
هنا لا استطيع أن أجزم أنني خرجت من دائرة شكوكهم.. خصوصاً أهل فاطمة، لكن
من يستطيع أن يثبت شيئاً.. ومن الذي ينكر على من يقتل ثعباناً.. لقد ذهبت
مع ديريني وعبد الرحيم إلى موضع البيت المحترق.. إنهما لم يتخلصا بعد من رهاب علوش..
مازال يخيفهم حتى وهو كومة من الرماد..
أخذا يرددان بعض الآيات القرآنية وأنا معهما كذلك مما أثار الدهشة في عيونهما..
لكنني لم التفت.. وجاء العمدة ورجال المركز وعملنا الإجراءات المطلوبة.. رأيت بعضهم
يتنفس الصعداء بموت علوش هذا.. وقيل لي :
ـ لا شك أن الحادث لا يخلوا من شبهة جنائية.. لكن لو كان الأمر بيدي لأعطيت للفاعل نيشاناً ..
حتى العمدة عظيم الكرش رأيت على وجهه ارتياحاً لهلاك علوش..
وبعد فترة قصيرة تمت ترقيتي فابتسمت متذكراً كلام وكيل النيابة لقد تغيرت كثيراً جداً ..
وأنا الذي جئت لأغير تلك القرية البكر التي نظرت إليها يوماً باحتقار ..فغيرتني
وكشفت لي حقيقتي.. كنت أشعر بسعادة غامرة وطمأنينة لم أشعر بها من قبل ..
فاطمة بدت لي أجمل وأبهى من ذي قبل..
صار بإمكاني الاقتراب منها ولمسها ومداعبة وجنتيها فيتوردان خجلاً وقد زالت
عنهما الصفرة المقيتة وغزاهما دم الحياة.. والحياء..
وغداً آخذها لزيارة عائلتي ..
نعم يا فاطمة لقد كنت كاذباً حينما ادعيت أنني مقطوع من شجرة .. فلدي عائلة ..
وسأفخر جداً حينما أقدمك إليهم ..
وإلى جوار افتخاري بك سأعترف :
أنني كنت الأحمق الذي تحدى الدجل بالإلحاد..
واجهت الشر بالشر.. أنكرت الشمس في وضح النهار ..
وكان الدرس قاسياً ..

***

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-01-2018, 09:31 AM   #14
عمرو مصطفى
( كاتب )

افتراضي


خاتمة


ـ لقد انتهيت .
ظل الشاب ينظر إلي بعينين حمراوين كالدم من فرط الإرهاق والتعب بلا أي تعليق..
القصة لم تكن متوقعة له بالمرة..
ـ هذه القصة حدثت لك بالفعل؟..
ـ هل تريديني أن أقسم لك على هذا ؟.
ـ إنها أقرب لجو الروايات الخيالية..
قلت له مبتسماً :
ـ أنا لست روائياً.. ولا أحب قراءة الروايات أصلاً..
قال بشك :
ـ هل أنت متأكد؟..
قلت بلهجة جادة :
ـ تماماً كما أنني متأكد من كوني ضابط شرطة وأنت متهم هنا بالانتماء للشيوعية..
تراجع الفتى في مقعده وهو يهرش خلف أذنه.. ثم عاد ليقول :
ـ هذه الحكاية ببساطة أقرب لقصص الرعب منها لقصة تائب من الفكر الإلحادي..
ـ معك حق لكن أنا لا أريد منك أن تقبل الجانب الخارق من هذه القصة أو ترفضه..
فقط أريد منك أن تفكر في كل هذا الذي تعتقد.. هل رفاقك هم رفاقك فعلاً.. ربما كانوا
مثلك ضحية للشيطان.. وربما كانوا هم الشيطان ذاته في جثامين إنس..
ـ أنت تحاول إخافتي مثلما كانت أمي تصنع معي كي أنام مبكراً.. هذه أغرب طريقة
في الإقناع قابلتها..
ـ أنت لست طفلاً كما أنني لست بأمك..
ابتسم في حرج فعدت أقول له بلهجة صادقة :
ـ صدقني ليس لهذا علاقة بالوضع السياسي للبلد.. هناك مشاكل بين الدولة والأحزاب
الشيوعية نعم.. لكن ما يهمني الأن هو ذلك الشاب الذي سيفقد مستقبله من أجل فكرة خائبة..
وسكت برهة ملتقطاً أنفاسي ثم أردفت بنبرة لا تخلو من حزن :
ـ الحقيقة أنني لم أكن بحاجة لخوض كل تلك الأحداث حتى أومن.. أنا فقط أوفر عليك كل هذا..
يمكنك أن تأخذ فرصة وتبدأ بداية حقيقية.. أو تواصل المشوار مع شياطين اليوتوبيا..
لكن لا أحد يضمن النتائج.. أنا لم أنجو لأني كنت الأذكى والأبرع في هذا الصراع..
لقد نجوت لأن الله قدر لي النجاة.
وقمت بجمع الأوراق التي أمامي بمعنى أنني قد انتهيت..
وظل هو جالساً أمامي مطرقاً للأرض يفكر..
كنت أعرف أن قصتي زعزعت عقائده لكنه لا يريد أن يعترف بسهولة.. إنها خبرة
سنوات سابقة مع أصحاب هذا الفكر الإلحادي المادي.. معظمهم يعرفون في قرارة
أنفسهم أن الإلحاد فكرة مخالفة للفطر السليمة.. لكنها كذلك وسيلة سهلة للتخلص
من عبء التكاليف الإلهية.. معنى وجود إله خالق لهذا الكون أن هناك قوانين
تحكم الجميع.. هناك ثواب وعقاب.. جنة ونار.. أفعل ولا تفعل.. وهذا صعب على
النفوس التي دأبت على الحياة البهيمية..
ـ ما يدريك أنني لن أخدعك وبمجرد الخروج سأعود لنشاطي..
قالها وهو ينظر لي بحذر .. قلت له ساخراً :
ـ ستكون قد أخذت فرصتك كاملة.. وحينما تفكر في العودة لتلك الأفكار فستجد
نفسك جالساً هنا أمامي ثانية.. ساعتها ثق في أنك لن تستطيع التفرقة
بيني وبين بقية الزملاء الأعزاء بالخارج.
ثم إني قمت من وراء مكتبي وتناولت سترتي من على المشجب قائلاً :
ـ كما أنني أثق في أنك ستخلص التوبة..
ـ من أين لك بكل هذه الثقة؟..
أجبته وأنا وأحكم غلق الأزرار :
ـ إنها الخبرة..
نظر لي بدهشة وأنا أستعد للمغادرة.. صاح :
ـ لكنني لم أعلن لك عن تراجعي بعد..
لوحت له بكفي قائلاً في ملل:
ـ ستفعل.. وأعدك أن إجراءات خروجك لن تطول.. فقط حاول حينما تعود لوالدتك
أن تستسمحها.. أذهب معها لرؤية كاميليا أو سوسن.. أياً كانت.. لاشك أنها
ستكون زيجة رائعة..
وتركته وغادرت المكتب قبل أن أسمع منه أي تعليق..
بالخارج قابلت أحد الزملاء الظرفاء فلما رآني صاح في دهشة:
ـ حمداً لله على سلامتك.. لقد خشينا عليك جداً!
ـ كانت جلسة علاجية طويلة.
ـ وهل أخرجت الجني الذي تلبس بالفتى أخيراً..؟
ابتسمت وأنا أواصل طريقي قائلاً في ارتياح :
ـ بلى.

***

تمت


عمرو مصطفى
القاهرة
1439 هـ
2017 م

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-05-2018, 09:20 PM   #15
نادرة عبدالحي
مشرفة أبعاد النثر الأدبي

الصورة الرمزية نادرة عبدالحي

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 72240

نادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعةنادرة عبدالحي لديها سمعة وراء السمعة


مـجـمـوع الأوسـمـة: 1

فعالية النثر الوسام الفضي



افتراضي


التشويق هو جذب واحتواء القارئ وجعله متابعا للقصة من بدايتها حتى نهايتها وهذا يتحقق في

ما يُطرح في القصة من عوامل التشويق التي تبث المتعة والاستئناس والاستمتاع بالقراءة

وهذا يعبر عن تنوع وتفرع وتعدد بالمواقف والحوار والشخصيات والأحداث والمفاجئات التي لا يتوقعها القارئ

إنما يجيدها الكاتب وهذا من باب كون القصة تنهض على قضية أو قضايا المُراد إبرازها .

ومن ثم تظهر قضايا أخرى تخطر ببال الكاتب فتتشعب مع القضية الرئيسة فإن صنعتها تكشف

عن وعي جمالي بالكتابة السردية،

ويُبين للكاتب هنا قضية الخزعبلات ومدى تمسك الإنسان بها التي تُسيطر على عقل ونفس الإنسان مهما عاش


في عصر حديث ، ويتعمد الكاتب من إدخال القارئ لعمق المشهد


فنجاح العمل كوحدة فنية متكاملة، يُبين الصراع النفسي للإنسان بينه وبين افكاره معتقداته وذاته

الصراع الإجتماعي لصاحب الأفكار والصدام في مواجهة مجتمع بكامله.


أن يكون قادراً على التحكم العالي في لغته، متمكناً من النسج البارع لها، أي متمكنا من صناعة

القضية الإنسانية المطروحة . مشاهد وقضايا إنسانية من الحياة


في أحداث قصة يوتيوبيا دمج الكاتب الأحداث الواقعية والمشاهد الخيالية

الخيال يوظف المعرفة للوصول إلى الحقائق التي نُحاول بأي وسيلة تقبلها. فيأتي الخيال

ليثبتها بطريقة أو بضؤ جانبي فالاحداث الواقعية التي نجدها في القصة هي أحداث سبق

أن عرفنا البعض منها ربما بمشاهد مصورة او مقروءة أما المشاهد الخيالية فلا يجدها القارئ

بمكان أخر لانها من صنع خيال الكاتب ولا تمت بصلة للواقع .إذا الخيال هو سبيل فريد من نوعه

ينتمي للعقل الإنساني المُبدع


أما نهاية القصة تُبين مدى قوة الإرادة والإيمان بالله سبحانه وتعلى إن تحلى بها الإنسان

فتراها تُخرج الإنسان من بواطن الظلمات إلى فضاءات من نور وهُدى ,


الكاتب المبدع عمرو مصطفى

من الاصوات القصصية التي ستترك بصمة واضحة على القص الابداعي

باسلوبك المتميز وسردكَ الذي يأسر لب القارئ . فهذا العطاء الأدبي الحقيقي

لهُ إمتداد واسع نحو نبض إبداعي له تأثير واضح في نفس القارئ.

 

نادرة عبدالحي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 12-08-2018, 11:55 AM   #16
عمرو مصطفى
( كاتب )

الصورة الرمزية عمرو مصطفى

 







 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 4577

عمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعةعمرو مصطفى لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


الأستاذة الفاضلة / نادرة عبد الحي..
مشاركتك تستحق أن تنقل لقسم المقال لا أن تكون مجرد تعليق على قصة..
وكما قلت سابقاً.. رأيك هنا أعتبره شهادة تقدير من كاتبة حقيقية لكاتب هاوي..
أشكرك بشدة على هذا المقال الأدبي المفيد.

 

التوقيع

إن عرشَك: سيفٌ
وسيفك: زيفٌ
إذا لم تزنْ بذؤابته لحظاتِ الشرف
واستطبت الترف

عمرو مصطفى غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قراءة في رواية اليهودي الحالي عبدالله باسودان أبعاد العام 1 03-27-2015 01:17 AM
ملخص رواية \ مسلسل ( الجذور ) لـِ أليكس هالي عماد تريسي أبعاد العام 10 07-08-2014 02:20 AM
ملخص رواية دون كيشوت عماد تريسي أبعاد العام 4 06-19-2014 09:22 AM
الموتُ في وهران رواية للحبيب السايح سارة النمس أبعاد النقد 7 04-17-2014 04:25 PM
قراءة في رواية المشرط (سيرة خديجة و أحزانها) لكمال الرياحي سارة النمس أبعاد النقد 2 01-13-2014 06:21 PM


الساعة الآن 07:39 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.