رواية قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل.كتارا - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
[ أوراق ] ! (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 50 - )           »          بعثرة حرف !!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 0 - )           »          الصورة غير واضحه !! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 9 - )           »          كلي أرق (الكاتـب : غازي بن عالي - آخر مشاركة : تفاصيل منسيه - مشاركات : 1 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : زايد الشليمي - مشاركات : 519 - )           »          اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 534 - )           »          متعلق بروحي (الكاتـب : ميــرال - آخر مشاركة : تفاصيل منسيه - مشاركات : 12 - )           »          إلى روح صديقتي الغالية ولّادة بنت المستكفي ❤ (الكاتـب : كامي ابو يوسف - مشاركات : 10 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 199 - )           »          لحن أغنيتي (الكاتـب : محمد المغضي - مشاركات : 0 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-26-2020, 06:44 AM   #9
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1365

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


استنهضه فهمانُ وأجلسه على كرسي ، وناوله بعض الماء حتى إذا استراح قال لفطين متهدج الأنفاس..
أنا ما جئت لأهدّدك أو أبتزّكَ ، وإنّما جئتُ لأعمل لك العمليّة ، وأعطيك أيضًا هويّةَ صاحب الرأس الجديد إن أردت ، وبذا تكون قد أمّنتَ نفسك وأمّنتَ مستقبل ولدك.
-وكيف أصدقك؟
-لو أردتُ ابتزازك لِمَا حضرتُ إلى بيتك ، ولو أردتُ الغدر بك لأوصلتُ هذا الحوار إلى الشرطة عن طريق طفل بوهبةِ زجاجة مياه ثُمّ فررتُ أنا .
فكّر فطينُ قليلاً ووجد كلام الطبيب كلِّه معقول ، بل هي عصا موسى التي ستنجّيه وولده مِن حبل المشنقة ، أو إرساله إلى إسرائيل ليضعوه في سجنٍ سرّيّ لايَمُوتُ فِيه وَلَا يَحْيَى..ثُمّ قال ..هات ما عندك أيّها الطبيب.
-قال سآخذ رأسك وأزرعك الرأس الذي لديّ و ..استوقفه فطينُ قائلاً..أنا لا أقبل أيّ رأس؟
ردّ الطبيبُ بتوسلٍ ..لا تقاطعني حالما انتهي .
صاحبُ الرأس رجل فلسطينيّ وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه ، تهجّر مِن بلده ودخل هو وأمّه وأخوته إلى مصر عبر شمال شرق سيناء بموجب الاتفاقيّة الرباعيّة و ..صمتَ توجّعًا وأطرق رأسه إلى أسفل خجلاً .
طغى الفضول على نفس فطين فقذفه قائلاً ..أكملْ .
-لمْ يردّ عليه ..وعاد مِن جديد وحشُ الماضي الطاغي وفرض نفسه على مشاعره التي كان يداريها عبثًا خلف ابتسامة زائفة مع أنّ قلبه يتمزق إرَبًا.
ولقدْ تجسدتْ الآن الصورة أمام عينيْه اللتيْن بدأتا تزوغان وتغرورقان ، وأخذ جسده يرتعش مع الذكرى رعشة الصاعقة.
وتجسّدَ المشهدُ الأليم في مخيلته كأنّه حدثَ منذ لحظات .
في المشهد يظهر الفلسطينيِّ وهو يصارع سكرات الموت غمًا وحسرةً على ما يحيق بوطنه من ويلات ، كما يدعو على يعقوب إسحاق بأن يصيبه الله الشلل في جسده .ويتحسّرُ على عدم إدراكه للعمل مع الاتحاد .
وعلى جانب آخر من الصورة أمّه واقفةً ، يتزاحم إخوته التسعة حول ثديها الجاف .
نظرتْ الأمُّ إلى ابنها الهالك وإلى أولادها الصغار وقالتْ ..لا أدري يا أبنائي أحملُ مَنْ الآن ، أحملكم أمْ أحمل ولدي الهالك ؟
هذا الهالك الذي كان يحملنا ، الآن لا يجد مَنْ يحمله .
اِصبروا حتى ندخل مصر ونبحث عن جُحْرٍ يأوينا .
انسلبتْ مِن أبنائها واندفعتْ بكلِّ مشاعرها نحو ابنها واقتعدت الأرض ورفعتْ رأسه ووضعته في حجرها وصرختْ.
أقبلتُ عليها لمواساتها فنهرتني قائلةً ابتعدْ عنّي أيّها المصريّ المتوحش.
ونظرتْ إلىّ باحتقار وقالتْ ..أنت مصريّ ؟ إلى متى سنظلُّ قرابين لحكّامكم ، تملكون حريتكم بتعبيد الطريق المؤدّي لاسترقاننا ،إلى متى إلى متى ؟
قلتُ لها كذبًا..أنا فلسطينيّ أجاهد من أجل تحرير بلدي ، وأريد رأس ابنكِ لاتحاد المقاومة.
نظرت المرأة إلى صراخ أطفالها ، ثمّ نظرت إلى ابنها الهالك ، فحثت على رأسها التراب إشارة إلى أنها لطخت نفسها بالعار من أجل حماية صغارها من الموت جوعًا.
ثمّ نهضت واقفة بثبات وهي تمرر إصبع الإبهام على إصبعي السبابة والوسطى قائلة ..كم ؟
وزاد صراخ أطفالها فزاد صياحها وأخذت تردّد بجنون وبعينين زائغتين..كم ؟ كم؟.
فعرضت عليها مبلغًا كبيرًا ، فوافقت على الفور ثمّ انكبتْ على ابنها الهالك تحتضنه وتصرخ قائلة في جنة الله ياولدي ، سامحني يا ولدي، ثمّ انتصبتْ واقفة ورفعتْ يديها إلى السماء وقالت ..
ربّ إنّي أودعتُ ابني عندك ولا حيلة لي ولا سناً تقطع ، اللهمّ أرني في يعقوب إسحاق يومًا أسود كيوم عادٍ وثمود ، اللهمَّ إنّ رأس ابني وديعة عندك فحلْ بينها وبين جسد أيّ مجرم أو غادر ، اللهمّ إنّ ابني عاش بجسدٍ حميدًا مدافعًا عن وطنه فاجعلْه في جسدٍ بقلب حميدٍ خلوقٍ .
ولمّا طالتْ لحظات الصمت ووجد فطينُ رجفةَ الطبيب ودموعه التي انهمرتْ حتى سقطتْ قطراتها على فخذيه أشفق عليه وناداه وحاول أن يستحضرَه بينما الطبيب غائب في لوحة الماضي الأليمة.
فأقبل تلقاء وجهه وأمسك منكبيْه بكلتا يديه يستحثّه على الانتباه وطرْد ذاك الشيطان الذي جثم على مشاعره ، ثمّ هزَّه مناديًا..دكتور دكتور، فانتبه.
-قال فطينُ له ..أنا موافق بشرط أن تجبني عن سؤالٍ واحدٍ ولا تكذبني ، هل الفلسطيني وطنيّ مِن شعر رأسه إلى أخمص قدميْه كما قلتَ ؟
-أجابه..هو من الشهداء يا فطين .
وأسرّ مؤيد في نفسه قصة شرائه ، كما لم يبحْ له برغبته في ضمّه إلى اتحاد المقاومة.
-كمْ تريد ؟
-فقذفه سريعًا بسؤاله هذا ..لِمَ قتلتَ يهودىّ الفندق؟
-النفس بالنفس ، قتل عالمنا المصريّ ، وكان أملاً لخروج مصر من أزماتها السياسيّة والاقتصاديّة.
-سكت مؤيد هنيهة ثمّ قال عملية اغتيال العالم المصريِّ المشهور ..أتقصد تلك العمليّة التي تمّت في فندق هيلتون طابا ؟
-نعم.
-لمْ يعرفوا حتى الآن كيف دخل السمُّ إلى الحجرة رغم الحراسة المشدّدة عليه ، هذا العالم أعرفه كذلك ، إنّه كان بروفيسورًا في إحدى الجامعات الأمريكيّة ، أعرفه جيدًا جدًا ، إنّه عالم روبوتات رائع ليس له نظير غير واحد فقط ، يعمل في مصادم سيرن fcc-1 اسمه اسمه ..اسمه ميتشو كاجيتا وهو يابانيّ الجنسيّة.
وأخفى عن فطين أنّ بروفيسور بيتر كان معه في الفندق وقتها ، وأنّه انضمَّ لنفق الاتحاد وقتها.
ثُم سأله ..لكن كيف سيخرجكم من أزمتكم الاقتصاديّة ؟
-لو التفَّ حوله باقي العلماء والباحثين وأنشأوا مصنعًا روبوتيّاً لأمكنهم صنْعها بحيث تتمتع بقدرات خاصة مِن الممكن تصديرها لدول أوروبا وآسيا بأسعار خياليّة لأنّ الأمريكان والروس يتنازعان حول حكم العالم والسيطرة على القرارات السياسيّة والاقتصاديّة فيه.
-من أين عرفتَ كلَّ هذا ؟
-قرأتُ في جميع تخصصات الفيزياء لاحتياجي لها في عملي ..فأنا ساحر.
-ألعاب سحريّة ! كم أنت رائع يا حاج فطين .
-ولمّا تيقن الموساد مِن خبر ابتكاره لهذا الروبوت وإبائه العمل لدى الأمريكان صدر الأمر إلى قسم الكيدون بالتصفيّة الجسديّة فورًا بأيّ ثمن .
-اقتضبَ مؤيدُ الحديث وأداره حيث يريد وقال ..أريد المال الذي دفعناه فيه فقط ، أمّا جهدنا فسأترك لك تقديره حتى إن لمْ تدفعْ شيئًًا ، فأنا لست أقلَّ وطنيّة منك يا حاج فطين.لكنّنا سنأخذ رأسك فأنت لست بحاجة إليه.
-بلْ أنا في حاجة إليه ، أنا معجب به ، أحبُّ أنْ انظرَ إليه يوميّاً ، وقد يأتي يومٌ آتي إليك فيه لتركبه مِن جديد ..قل لي..
لِمَ إذن تساعد المجرمين ليهربوا مِن جرائمهم بعد أن تغير وجوههم؟
-هذا سرُّ يا فطين ، لكنّي أوؤكد لك أنّ المال الذي اتحصّل عليه لا يدخل جيبي ، أتبرعُ به للقضيّة الفلسطينيّة .
-ابتسم فطينُ ، وصدق حدسه في مؤيد ثُمّ سأله ..ألمْ تخشَ على مشفاك ؟
-أخشى طبعًا ..لكنّي حريص جدًا في حال مخالفة القانون ، والمجرم له طرق مختلفة للحصول على التصريح ..البلد فاسدة وكلُّ شيء يُشترى بالمال .
عامة ، رأسك غالٍ يا فطين ولا يقدر بثمن ، تنازلتُ عنه .
-متى نبدأ ؟
-خلال أسبوع ..المهم يكون معك المال .
-اتفقنا.
وبمجرد أن رحل مؤيد تذكّر فطين الاحتراق الذي نشب في الصورة ولم تحرق إلّا رأسه فاستبشر خيرًا .
رحل مؤيد ولقد ذكرته هذه الاتفاقيّة مع فطين بالحوار الذي دار بين قادة المقاومة منذ سنوات في نفق الوادي الجديد .
ذاك الحوار الذي انقسمَ فيه قادة المقاومة إلى أحزاب وكادوا يقتتلون حول فكرة استغلال جثامين شهدائهم في تدعيم المقاومة مِن عدمه ، إذ أنّ المقاومة في حاجة لشراء أسلحة وذخيرة للبقاء على قلب فلسطين بعدما قطع يعقوب إسحاق أنفاسه ، بمعنى أنْ يبيعوا أجسادهم أو استغلالها في زراعة الأعضاء مِن أجل الإبقاء على المقاومة وتدعيمها فضلاً عن إمداد أُسَرِهم فوق الأرض بالمال الذي يكفيهم مِن الحاجة بديلاً عن التشرّد.
وقدْ رجحتْ في النهاية كفّةُ الرأي القائل باستغلال جثامين شهدائهم للأسباب السالفة الذكر فضلاً عن الأسباب الأتية..
-الحصول على ملايين الدولارات من رؤساء مافيا المخدرات الذين رهن الاعتقال مقابل تغيير رؤوسهم برؤوس فلسطينية متوفاة .
-لديهم الطبيب الأول عالميًا في عمليات الزرع وهو بروفيسور بيتر الأمريكيّ ، فهو معجزة العصر في زرْع الأعضاء وخاصة الوجه.
-وجود مشفي الدكتور مؤيد أصيل مما يسهل عليهم تحقيق الهدف بسهولة.

الرءوس العربية كلُّها توائم
بعد ثلاثة أيام مِن اللقاء ...
آخر الليل..جاءتْ سيارة حمراء قاصدة منزل فطين ، فلمّا أتاه قالَ..له أنت فطين المصريّ ؟
أجاب..نعم.
فلمّا تأكّد السائق أنّه هو ، قال أنا رسول الطبيب بأمارة القدّاحة يدعوك أن تأتي معي .
نادى على فهمان أنْ يحضرَ عصاه والمال فلمْ يسمعه ، إذْ أنّه في بحثٍ متواصلٍ على الحاسوب يقرأ أحدث ما وصل إليه الطبُّ في زراعة الأعضاء ، وأمامه بعض كتب أبيه يبحث في محتوياتها عن عنوانات تتكلم عن زراعة الأعضاء.
فدخل عليه أبوه فوجده على حاله تلك ، فأخذ العصا والمال واستنبهه فانتتبه ثُمّ قالَ..يا ولدي..لقد أوتيتَ الرشد صبيًا ، فإنْ لمْ أعدْ فدبّر حالك بنفسك ، وفتح الحقيبة وأخذ منها ثمن عملية الزرع ثمّ أغلق الحقيبة وأعطاها ولده وقال .دبّر حالك بهذا المال .
حدّجه فهمان ثُمّ تمتم بحشرجة نتيجة خوفه متسائلاً ..إلى أين يا أبتِ ؟
-إلى حيث تعلم يا بني .
-ألَا تتمهل قليلاً حتى نتأكد من موت اليهوديّ.
-مات يا ولدي ..مات.
-اغرورقت عيناه وقال راجيًا..إنْ شاء الله ستعود بعد نجاح العمليّة ، ثمّ لثّم رأسه وهو يعلم أنّها آخر قبلة لهذا الرأس .
-لا تترك المنزل حتى أعود ، الشقة فيها كلّ ما يلزمك ، لا تترك المنزل فإنّي أخشى مِن استفزاز أهل الحيّ لك أثناء غيابي ، لا تفتح الباب لأحدٍ لا تعرفه ، فإن لمْ أعد فسيعلمك الطبيب مؤيد بفشل العمليّة ، عندها اخرجْ ومارس حياتك ، أكرر يا ولدي لا تخرج حتى أعود.
ثُمّ دلفَ بابَ المنزلِ وخرجَ مع السائق وهو يقول لولده سأعود ..انتظرني يا بني .
سعى خلفه فهمان كأنّما يريد استعادته وتحذيره ، ولكنّ أبوه قد استقلَّ السيّارة الحمراء ومضى .
فقال فهمان بصوت متهدج ..ستعود ، ستعود يا أبتِ.
كشْف حقيقة ما حدث في الفندق .......
*قد حاول فهمان أكثر مِن مرّة أنْ يقنعَ أبيه بجدوى الذهاب إلى الفندق والتأكد مِن موت الكيدونيّ مِن عدمه ولكنّه كان يأبى دائمًا ، واليوم عليه الذهاب إلى الفندق لعلّ الكيدوني لمْ يمتْ فينقذ أبيه مِن موتٍ محتمل .
فقد كان يسأل فهمانُ نفسه دائمًا ..هل بالفعل مات اليهوديّ أم لمْ يمت كما أظنّ ..؟
ترك فهمان المنزل خلف أبيه بساعة تقريبًا وأخذ بعض المال معه قاصدًا الفندق ليبحثَ عن الحقيقة .
فسعى خلفه فرد مخابراتي مِن اتحاد المقاومة ليحميه من أيّ سوء ، وقد أرسله مؤيد بسبب غياب أبيه .
*ظلّتْ السيّارةُ الحمراء التي يستقلّها فطينُ تسير على الطريق الرئيس حتى إذا قطعتْ عدة كيلو مترات كان هناك على جانب الطريق شاحنة في انتظارهما ، فُُتح بابها الخلفيّ وأنزَلَتْ درجًا فصعدته السيارة ثمّ رفُع الدرج وأُغلق باباها .
*استقلّ فهمان سيّارة فأسرع نحوه فرْد المقاومة ليمنعه ، إذْ ليس مسموحًا له بالخروج خارج منطقة الحيّ وللأسف السيّارة ولّت .
*تبعه فردُ المقاومةِ وبعد ساعة تقريبًا توجّه فهمان إلى موقف سيارات السفر إلى محافظة سيناء ومِن هنا بدأتْ مرحلة الخطورة .
*هاتفَ فردُ المقاومة رئيسه بشأنِ وجهة الفتى ، فردَّ عليه..أيّها الأبلة كيف استقلّ سيّارة وأنت تراقبه ، أين كنتَ أنت وقتها .. اقبضْ عليه وأعدْه إلى بيته ، ثُمّ قال له كأنّه لمْ يسمعْ ما قاله فرْد المقاومة ..معذرة أقلتَ أنّه توجّه إلى سيارات أجرة سيناء الوادي الجديد ؟
ردّ ..نعم.
فقال له بغضبٍ شديدٍ ، امنعْه الوصول إلى سيناء ولا تلتحمْ بأيّ إسرائيليِّ مهما كان الثمن ، ولوْ كان الثمن حياة الفتى .
ردَّ ..عُلم .
أغلق الرئيس الخطّ وتذكّر كلمة مؤيد له..حافظ على الفتى في غياب أبيه وبالأخص إذا أراد أن يسافر إلى فندق هيلتون طابا بسيناء.
*سارتْ الشاحنةُ نحو ساعتيْن وهي في حالة ترقّبٍ حذِرٍ ، ثُمّ فُتحَ البابُ الخلفيّ وأُنزلتْ نفسُ السيّارة ، السيّارةُ الحمراء يسوقها سائقٌ قريب الشبه بالسائق الأول ويرتدي ملابسه ، وكذلك جلس بجانبه رجلٌ قريب الشبه بفطين ويرتدي أيضاً ملابسه ، بينما السائق الأول وفطين الآن في الشاحنة ارتديا ملابس السابقيْن الذين نزلا مُنذ قليل .
مضتْ السيارة الحمراء نحو مكانٍ عامٍ مزدحم بالناس ، ثُمّ نزلا وترجّلا ترجْلَ فطين والسائق الأول ، نزلا على أحد المقاهي ولعبا الطاولة نحو ساعة ، ثُمّ استقلا السيّارة ومضوا إلى مكانٍ خالٍ تمامًا ليتبينا إنْ كانا مراقبيْن أمْ لا ؟
أمّا الشاحنة فقد استمرّتْ في السير نحو ساعتين ، وبعدها فُتح البابُ وأُنزلتْ سيارة بيضاء يستقلّها فطينُ والسائقُ .
مضتْ الشاحنةُ في طريقها المرسوم لها بعيدةً تمامًا عن مسار نفق اتحاد المقاومة ، وانعطفتْ سيّارة فطينُ متّجهة إلى مسارها المرسوم لها ، حيث نجد في هذا المسار سيارة أخرى تنتظرهما يستقلها اثنان لتذهب بهما إلى نفق الوادي الجديد مباشرة .
استقلّ الأربعة السيّارة ومضوا جميعًا .
*اِضطر فرد المقاومة إلي إيقاف سيارته بسبب نفاد طاقة البطارية أثناء متابعة سيارة فهمان لأكثر من ساعتين لحين إمداد ألواحها الشمسية بالطاقة التي تنتقل مباشرة إلى البطارية ، ثُمّ اتّجه مباشرة للمسار المؤدّي إلى سيناء ليلحقه.
راسل فرْد المقاومة قائده بشأن تأخره ، فقال له ..إنْ لمْ تدركه توجّه مباشرة إلى الفندق.وتابع كلامه ..رُدّه إلى الوادي الجديد باللين والحذر .
وكرّرَ ..عليك بردِّ الفتى في خفية ..ممنوع الالتحام تحت أيّ ظروف في الفندق حتى لو تعرّضَ الفتى لخطرٍ محدّقٍ ..
قال فرْد المقاومة سمعًا وطاعةً سيدي .
*عصب أحدهما عينيّ فطين بعصابةٍ محكمةٍ ، وظلّتْ السيارة تسير قرابة ثلاث ساعات تهبط وترتفع وتنعطفُ كثيرًا في الأيامن والأياسر .
وفجأة انعطفتْ تاركة ًالأسفلت بعدما أُبدِلت بعجلاتها الأربع ثلاثًا ..
واحدة أماميّة واثنين في الخلف ، تلك العجلات مصممة لتكون أشبه بشكل خفِّ الجمل ، وظلّتْ تسيرُ في رمال الصحراء ثُمّ هبطتْ في نفقٍ ولمْ تسرِ إلّا مئات الأمتار ثُمّ وقفتْ .
أنزَلوه ومضوا به معصوب العينين بماله وعصاه داخل مبنىً عسكري كبير تحت الأرض ، ثُمّ توقّفوا فجأة وطرقوا بابَ مؤيد فأدخلهم ثمّ نزعوا العصابة عنْ عينيه.
فرآه فطينُ واستبشرَ خيرًا .
قالَ له الطبيبُ مؤيد..أهلاً بك في معسكر اتحاد المقاومة الفلسطينيّة.
لا تؤاخذني يا صديقي على الطريقة التي أتيتك بها ، فالحرص ضروريّ جدًا ، إذْ أنّ كشْف نفق اتحاد المقاومة هنا كارثة الكوارث لأنّه مركز كلّ عمليات المقاومة.
ثُمّ أسهبَ مؤيد في حديثه حول عِلة هذه الإجراءات حيث قالَ ..تكتم إسرائيل عن الحادثة شئ مقلق ، وعلى الرغم أنّ لنا عيونًا مهرة إلا أنهم لم يستطيعوا معرفة شئ عن هذا الحادث ، وأغلب الظن أنهم يشكون أنك من قادة اتحاد المقاومة ، ولذلك آثروا أن يتركوك حتى يقتفوا أثرك فيكتشفون أحد الأنفاق العنكبوتية.
فلمّا حللت بأرض الوادي الجديد فرحوا ، واستمروا في اقتفاء أثرك كي يصلوا إلى نفقه ، هم يشكون منذ زمن أن الوادي الجديد به نفق من أنفاق الاتحاد ، زفر زفرة ثمّ قال ..فطين هو مجرد احتمال ، فمعذرةً أخي فطين ..باسم اتحاد المقاومة نعتذر لك.
نظرَ إليهم فطينُ جذلانَ ودعا لهم بالسداد والتوفيق.ثُمّ سألهم عن سبب وجود هذا النفق هنا .
أجابه مؤيد ..
إنّي أعرف أنّ الدّمَ العربيَّ يجري في عروقك ، يا ليت ولدك يكون مثلك ، المهم ..أنت تعلم أنّ عملية الاستيطان والتهجير تجري الآن على قدمٍ وساقٍ منذ تولّىَ يعقوبُ إسحاق رئاسة الوزراء وخاصة بعد أن كثّروا نسلهم لتهويد فلسطين .
ولقدْ شيدنا هذا النفق وجعلناه الرئيس لأسباب كثيرة منها ..توفر المياه بأرض الوادي ، وبُعده الشديد عن منطقة التوتر سيناء تلك التي تحت سيطرة أعين المخابرات والجيش الإسرائيليِّ ، سيناء التي تكتظُّ بحملات التفتيش الإسرائيليّة والمصريّة للبحث عن أنفاق المقاومة.
طأطأ فطينُ رأسه إعجابًا بهم .
-نظر إليه مؤيد وقال في لهفةٍِ وتوسّل..تعمل معنا ؟
-رسالتي هي تهيئة ولدي ليكون سلاحًا لبلده ، ولدي أمّة وحضارة وحده ، قل لي متى العملية ؟
-إنْ شئتَ كنتَ منّا ، وإن شئتَ عملنا لك العملية الجراحيّة ثمّ تركناك عزيزًا راشدًا .
-في المعسكر ! العمليّة في المعسكر!.
-ابتسمَ ابتسامةَ طويلة ، ثمّ قال نحن لدينا هنا أمهر الأطباء في العالم ، ولدينا مستشفى مجهزة بأفضل المعدات والتجهيزات الطبيّة.
-كيف توفّرون الطاقة لأجهزتكم ؟ يسأل فطين وهو يعلم عدة تقنيات لها.
-ننتج الكهرباءَ مِن الماء بعملية تسمى الكهرومائيّة.كذلك لدينا المولّدات الحراريّة وبطاريات نوويّة.
-مَنْ سيجري العمليّة ؟
-بروفيسور بيتر.
-دهشَ فطين وقال ..أهو بروفيسور بيتر الذي كان مع عالمنا ؟
-نعم ، هو .
-أعرفه جيدًا ، إنّه بروفيسور في الفيزياء الطبيّة وليس له نظير في العالم كلّه ، لذلك فإنّ ال سي آي أي لا زالت تبحث عنه بكلّ الوسائل .
-عاش مؤمنًا بالقضية الفلسطينيّة ولذلك فهو هنا ، سيعمل لك العملية ، والمال سنأخذه ، ورأسك إنْ كنتَ ستبخلُ علينا به فلن نأخذه .
-صمتَ طويلاً ثمّ أخذته رعدة البكاء وظلَّ يتهامس بصوت متحشرج حتى إذا هدّته الدموع هدًا سكت ، ثمّ قال له هي لكم ، رأسي ورءوس كلّ المصريّين تهون في سبيل تحرير فلسطين .
اليوم يسقط رأس فطين ليعلو رأس فلسطين .
أخذه الطبيبُ مؤيد ومضيا معًا إلى بروفيسور بيتر، وخلال ساعات ثلاث تمّ عمل الفحوصات والترتيبات اللازمة قبل إجراء العمليّة ، فتطابقتْ طبيعة العصبونيّات والدم والأوردة والشرايين.وتأكد بروفيسور بيتر تمامًا مِن قابلية التحام جسد فطين بالرأس الجديد .
فعلّق مؤيدُ قائلاً..أرأيتَ يا فطين أنّ الدمَ العربيَّ واحدٌ .طأطأ رأسه وقال نعم ، وأردفَ..هل مِن الممكن أنْ اتّصلَ بولدي؟
ردَّ عليه مؤيدُ ..مستحيل ، وقد أزلنا البطارية منه بمجرد دخولك النفق فقد يكون هاتفك مراقبًا ، لكنْ لتكنْ هادئ البال ففهمان تحت أعيننا حتى ترجع ..
*للأسف وصلتْ السيّارةُ إلى جنوب سيناء ولمْ يدركْه المراقبُ حيث رآه ينزلُ مِن السيارةِ دالفًا باب الفندق ..
فتابعه مِن خارجه ولمْ يلجْه ، فهو يعلم أنّ الفندق به عناصر مِن الموساد تعرفه جيدًا .
فقرّر أن ينتظر متخفّيًا حتى إذا ما خرج فهمان أخذه ومضى .
لحظات ودخل يهوديّ الموساد الذي قاتله فطين من قبل في صحبة روبوتيه.
نظرَ في القاعة وعاين الزبائن فلفتَ نظره ذاك الفتى الجالس بعيدًا ، فأخرج هاتفه المعجزة لعلّه يدون له هويته.
رآه فهمان بصحبة الروبوتين ، هذان الروبوتان ذكَرهما له أبوه عندما قصّ له الحادثة ، فانفرجتْ أساريره واستبشر خيرًا.
وأراد أنْ يتبيّن الأمر ويتأكد أنّه هو ، هو قتيل أبيه المزعوم ، فاقترب إلى صاحب البار وسأله عن هذا الرجل ، فنظر إليه باشمئزاز ولم يجبه ، فأخرج فهمان مِن جيبه مئتي دولار وأعطاها له وسأله مجددًا عن وقوع حادثة بين رجل عربي وهذا الرجل اليهوديّ .
حدج عامل البار في الدولارات فاستقلّها فزادها إلى خمسمئة ، نظر إلى اليهوديّ يرقبه وهو يأخذ الخمسمئة دولار ثمّ مدّ يده في جيب فهمان وأخذ كلّ ما فيه وأمسكَ بكلِّ المال وضربه في درج البار ، ثمّ بدأ يقصُّ عليه صِدقاً ما حدث حيث قال..
قَدِمَ علينا رجلٌ بعصا سحريّة ، رجلٌ مِن الطراز القديم جدًا ، مصريّ شجاعٌّ لا يشقّ له غبار ولا يهزمه أحد ، قاتل الروبوتين فهزمهما وأتلف الشرائحَ الإلكترونيّة والهاتف لهذا اليهوديّ السيد ، وضربه ضربات قاتلة ، وظنَّ الرجلُ أنّه مات بعد أنْ مثّل عليه دور الميت .. و .. مقاطعة ..
-قال له فهمان حسبك وكفى وتركه دالفًا باب الفندق للخروج .
وأخيرًا رمقه اليهوديّ وهو يحادث الفتى فدنا من صاحب البار.
حوار بين مؤيد وبيتر بشأن العمليّة :
دلفَ مؤيدٌ حجرة بيتر وكان بيتر حينها يكتب في ورقة أسماء طاقم أطباء العملية الجديدة .
-قال مؤيد ..بروفيسور بيتر ، فطين هذا قوىّ أمين ، محبٌّ للعروبة ، معتزٌّ بوطنيّته ، له دراية كبيرة بعلوم الفيزياء ، لديه كلُّ المقومات التي تؤهّله ليكون قائدًا فعّالاً في اتحاد المقاومة.
-إنْ كان كذلك فجنّده .
-قال متأوّهًا ..للأسف رفض .
-لم ؟
-يقول إنّ رسالته نحو بلده مصر والعروبة تكمنُ في تأهيل لولده ليكون عالمًا .
-قال مازحًا ..إذن اقتله ، يقولها وهو يقهقه.
-لمْ يبادله القهقة بسبب تغلب مشاعر الحسرة على كلِّ حواسه ..يقول عن ابنه بأنّ لديه عِلمًا إبداعيًا ليس نابعًا عن دراسة وإنّما عن مخزون إبداعيّ محضّ .
-فطينُ رجلٌ ذكيّ ويفكر بحنكة ، فعلاً مؤيد..إذا كان الربُّ وهبه ذلك فعليه أنْ يكرّسَ كلَّ حياته مِن أجله ومِن أجل مصر ومِن أجل فلسطين ومِن أجل البشرية جمعاء.
-هذا رأيك اذن ؟
-نعم ، هذا رأيي ولكنّ الإبداع يلزمه دراسة أيضًا ، ولذلك ستعترضه بعض العقبات ، سيحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لينفق على تعليم ابنه.. صمت هنيهة ثمّ سأله ..ماذا يعمل هذا الرجل ؟
-ساحر ، سكت هنيهة ثمّ قال ..أبتِ هل من الممكن نفعل شيئًا لفطين لعلّه ينضمّ إلينا يومًا .
-نعم ، ممكن جدًا وخاصة أنّه ساحر ولاسيما لو كان ساحرًا متعلّمًا .
-إذن ، نهيّئه وابنه لنا .
-ماذا تقترح ؟
-غيّرْ الرأس كما اتفقنا ، أريده أن يكون مزدوج الخِلقة ، اجعله إنسانًا وروبوتًا معًا لينفع المقاومة.
-لا مانع لديّ ، فطبيعة عمله تناسب ما اقترحتَ به يا مؤيد ..سأفعل .سأضع في الرأس الجديد خليةًّ إلكترونيّةً تحتوي على مليارات العصبونيّات الصناعيّة فتزيده ذكاءً ، فضلاً عن قدرتها على نسْخ نشاط فيزيائيّ .
-لنعملَ على ذلك ، سأدخل معك غرفة العمليّّات وأكون لك معاونًا .
-أمرك يدعو للفضول ..لِمَ رغبتَ في العمل معي في هذه العمليّة بالأخصّ ؟ .
-لإنّ فطين هذا شيء عظيم ، كما أنّي أحببته جدّاً .
-لا مانع لديّ ، واعلمْ أنّ ما يحفّزني ويستنهض عزيمتي على تركيب هذه الخليّة أنّها ستجعله مِن الأثرياء بسبب قدرتها على نسْخ أعمال فيزيائيّة أثناء أداء أعماله السحريّة ، وسيحتاج إليها كثيرًا ، فبدونها لنْ يستطيعَ أنْ يتحصّل على المال اللازم لتعليم ولده .
-كيف ؟
-الدولةُ المصريّة لا تعتني بالعلماء ، والجامعات الأمريكيّة وكذا سائر جامعات العالم حجّمتْ كثيرًا مِن المنح والمساعدات لتدعيم الطلاب الدوليين ، ففطين سيحتاج إلى أموالٍ كثيرةٍ لينفق على ابنه.
-يفعل الله ما يشاء.
-خذ أسماء هذا الطاقم وأعدّه ، فخلال ساعة سنبدأ عملية الزرع .
بعد خمسة وأربعين دقيقة دخل مؤيد على بيتر ، أبلغه أنّه أعدَّ الطاقم وغرفة العمليات ، ومضوا جميعًا إليها .
*بعد أن خرجَ فهمان من الفندق وكان وقتها مؤيد يحادث بيتر قرّرَ الاتصال بأبيه لمنع عمل العمليّة .
سأل اليهوديّ صاحب البار عمّا سأله الفتى فأخبره فقط بأنّه يسأل عنه.
-فقال اليهوديّ وماذا قلتَ له ؟
-قلتُ أنّك صاحب الفندق ورجل شريف.
-جيد ..ثُمّ استطردَ ..هلْ شاهد شيئًا مِن عروض الفندق ؟ هل طلب شيئًا؟ هل جاء برفقة أحد ؟
-لا أظنّ ، لا ، لا أظنّ.
تركه اليهوديّ قاصدًا الخروج خلف الفتى .
بينما فهمان في طريقه للعبور خارج الفندق تبعه اليهوديّ والروبوتان ، يريد أنْ يعرفَ سبب مجيئه وسؤاله ، وفرْد المقاومة يراقبُ المشهد عن كثْبٍ ، يراقب متخفيًا.
استوقفه اليهوديّ على درج السلم أمام الباب الرئيس له ..فوقف ثُم قالَ..
-لِمَ تسأل عنّي أيّها الفتى العربيّ ؟
-توسّمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أن أعرِفك.
-ردّ بغضبٍ ..قلتُ مَنْ أرسلك إليّ ، ماذا تريد منّي؟ ما شأنك بي ؟
-ردّ بخوفٍ..قلتُ توسمتُ فيك الشرف والإجلال فأحببتُ أنْ أعرفك.
اغتاظ اليهوديّ وقررَّ الإمساك به واصطحابه إلى مكانٍ خالٍ حتى يعرف حقيقة مجيئه للفندق والسبب وراء سؤاله.فأمسكه وجذبه مِن أجل ذلك.
فقاومه فهمانُ حتى لكمه اليهوديّ فطرحه أرضًا ، ثُمّ أشار إلى حتشبسوت بحمله .
تيقّنَ عندها فرْد اتحاد المقاومة أنّ الأمر خرج مِن يده برمته وخاصة بعد الأمر الذي صدر له بعدم الالتحام .
والمفاجأة أنْ فرْد اتحاد المقاومة يسدد الخنجر فلا يخطئ مطلقًا ، فقرّرَ إنقاذ فهمان ومخالفة أمر رئيسه.
ألقى فرْد المقاومة خِنجرًا مسمومًا فأصاب اليهوديّ في قدمه ، ثمّ ألقى خنجرًا آخر على حتشبسوت فأتلف شريحة الإدخال فتعطّلتْ ، ثمّ ألقى خنجرًا ثالثًا إلى الروبوت يهوذا فأصاب منه ما أصاب مِن حتشبسوت بالضبط .
أسرع نحو فهمان فاعترضه اليهوديّ وقاتله فجنّدله فرْدُ المقاومة وأسقطه أرضًا وأخذ فهمان واستقلا السيّارة وانطلقا بأقصى سرعة ..
بعد أنْ نجا فهمان مِن عمليّة قتْل محققٍ ناشدَ فرْد المقاومة الاتصال بأبيه ليخبره بأمرٍ خطيرٍ قبل أنْ يقوموا بعمليّة الزرع .
ردَّ فرْد المقاومة .لا أعلم عن أيّ شئ تتحدث .
سكت فهمان قليلاً وتبيّن له أنّ هذا الشخص يراقبه ليحميه فقط ولا يدري أيّ شيء عن عملية الزرع ، اتّصل بأبيه ولكن الهاتف مغلق ، وأخيرًا اضطرَّ أن يقصَّ لفرْد المقاومة كلَّ شئ حتى يتواصل مع مؤيد ليوقف العملية ..
وبمجرد أن سمع القصة قرّرَ مهاتفة رئيسه بنفق الوادي الجديد ليخبره بما سمعه.
رنَّ هاتف رئيسه ولكنّ الهاتف كان بعيدًا عنه فلم يسمعْه.
وقُطع الرأسُ...
العمليّة...
بعد التحاليل دخلَ غرفةَ العمليات وكان في انتظاره فريق متطور مِن الأطباء يقودهم بروفيسور بيتر.
جلسوا على طاولة العمليّات ثُمّ خدّروه مِن خلال جهاز التخدير الموجود أعلى الطاولة مباشرة والمتصل بأنابيب تسير فيها غازات التخدير والأكسجين مِن تمديدات مركزيّة في جدران المستشفى ، ثمّ ألصقوا على صدره ملصقات التخطيط الكهربائىِّ للقلب ، بالإضافة إلى أنابيب قياس الأكسجين في الدم والضغط .
وإلى سلك جهاز التخثير الكهربائيِ المتصل بساق فطين عن طريق لصاقة خاصة.
تمَّ تسليط الضوء الساطع على رأس فطين ، ثُمّ تقريب الميكروسكوب المجهريِّ المتطور الذي يبلغ قوّة تكبيره إلى أربعين ضعفًا .
وكذلك تمّ إحضار جهاز الليزر مع الميكروسكوب المجهريّ بالإضافة إلى خليةٍ عصبونيّةٍ إلكترونيّةٍ عبارة عن رقائقٍ متناهيةٍ في الصغر تحاكي تمامًا الخليّة الطبيعيّة للكائن الحيِّ .
وَجِيءَ بالهرم الزجاجيّ الموضوع به رأس فلسطينيّ الحدود ، الخلايا ميتة ولكنّها سليمة لم تتقطّعْ أو تتحطّم حيث أنّ الرأس كلّه تحت تأثير تقنية التبريد العميق .
بعد عملية التخدير قام طبيبٌ مختصٌ بوظائف الكبد بتنشيط الكبد بإعطاء الجسد حقنة تسمى بحقنة جنون الكبد ، ولقد سمّاها الأطباء كذلك بسبب انتفاضة الكبد وهيجانه كأنّه تحوّلَ إلى حارس يبذلُ كلَّ ما بوسعه للدفاع عنْ جسده قبل أنْ يهلك.
هو يسعى إلى المكان الذي حدث فيه الخلل ، والخلل هو قطْع الخلايا العصبيّة بعد قطْع الرأس ، فيثور ويهتاج وينتفض انتفاضة النفَس الأخير فيفرز أعلى نسبة هرمونات مِن شأنها أنّها تحول دون موت الخلايا العصبيّة.
ويظلُّ الكبد يرسل إشارات استغاثة تشبه إلى حدٍّ كبيرٍ سيارات الإسعاف التي تنقذ المرضى ، تلك الإشارات هي قيامه بإفرازات لا نهائية مِن هذه الهرمونات.
يقوم بيتر قبل قطْع الرأس أيضًا وبعد التخدير بتوصيل خلية عصبيّة اصطناعيّة عبارة عن رقاقة الكترونيّة نانويّة بالخلايا العصبيّة لفطين والتي تعمل نائبة عنها إذا ما ماتتْ خلاياه الطبيعيّة وتوقفتْ عن العمل تمامًا ، كذلك في حالة دخولها السبات العضويّ .
كلُّ ما يريده الطبيب كسْب وقتٍ كافٍ حتى يتثنّى له وصْل الخلايا والنخاع والأوعية الدمويّة بتقنية جهاز الليزر حال قطْع الرأس.
*مضى رئيسُ فرْد المقاومة المكلّف بحراسة فهمان إلى هاتفه بعد تركه نحو ساعة مضت ، فتحه فسمع مِن شأن فطين ما سمع فألقى الهاتف على الفور وتوجّه مسرعًا إلى حجرة العمليات ليمنع العملية حيث أنّ مقره قريب مِن مشفى النفق .
وقُطع الرأس بعد توصيل الخلايا العصبيّة الاصطناعيّة مباشرة بينما رئيس فرد المقاومة على باب حجرة العمليّات يأمل أن يدرك مؤيد ليخبره بمنع عمل العملية.
لكن للأسف جاءه الخبر بأنّ الرأس قُطع منذ لحظات.فأسِفَ لذلك.
عمليّات الوصل..
وقام بيتر بربط الأوعية الدمويّة والخلايا العصبيّة بالليزرعن طريق تكبيرها بالمجهر، وذلك لمشاهدة العصبونات المراد ربطها ووصْل الشرايين والأوردة ببعضها ودمْج أطراف الحبل الشوكيّ معًا عن طريق الليزر فائق القصر.
ثمّ أحضر رأس الجثة المحفوظ بتقنية التبريد العميق والتي خلاياه دخلت في حالة سبات عميق مِن المستحيل إيقاظها إلّا بوصْله بخلايا حيّة ، حرّك الطاولة بطريقة مناسبة وقرّب الرأس إلى الجسد الجديد وسلّط نبضات الليزر فائقة القصر ، سرعة النبضة فيمتو ثانية وبين كلّ نبضة وأخرى 10-12 ثانية يتمُّ تسليطها على مناطق الربط .
وعلى طول مدة العمليّة كان جهاز التخدير هو البطل الثاني حيث أنّه ساعد فطين على التنفّسِ حال قطْع الرأس ، فأبقى على القلب حيّاً حيث كانتْ عمليات التنفّس تخرج مِن المجرى المؤدِّي إلى الأنف والفمِّ الهالكين عن طريق شهيق وزفير .
ومِن خلال جهاز التخدير كان طبيب التخدير يراقب باستمرار المؤشرات الحيويّة مثل سرعة النبض والضغط الدمويّ وأوكسجين الدمّ ومعدّل التنفّس وتخطيط القلب وكلُّ هذا تمَّ على أحسن حال.
كما أنّ جهاز التخثير الكهربائيّ قام بوظيفته على أحسن وجه حيث قام بوقف نزْف الدّم بالأوعية الدمويّة من شرايين وأوردة.
وأثناء العمليّة وبعدها قام جهازُ مصّ المفرزات سحْب الدمِّ والسوائل المتجمعة في جرح العمليّة وتجميعها في زجاجات صُنعتْ خصيصًا لذلك ، ثمّ تُرمى بعد ذلك لأنّها غدت مِن النفايات الطبيّة.
ولمْ تستغرق العملية أكثر مِن ثمان ساعات في حين أنها كانت في العقد الماضي تستغرق ستة عشر ساعة .
وكان مِن أحد عوامل النجاح الأساسيّة هي دقّة الضرْبة الليزريّة التي أتقنها بيتر ببراعة.
تمَّ حمْل رأس فطين ووضعه في الهرم الزجاجيِّ وتمَّ حِفظها بتقنية التبريد العميق.
والرأس الجديد فيها خليّة عصبيّة اصطناعيّة قدْ تكون سبب بقائه على قيد الحياة.
وفي الخارج ، نجد رئيس فرد المقاومة منتظرًا حالما ينتهي بيتر مِن العمليّة ، بعد ثمان ساعات تقريبًا خرجَ بيتر بمصاحبة مؤيد فناداه فالتفت إليّه ..فأخبره بأمر يهوديّ الفندق وبكلِّ ما حدث في الفندق بالضبط .
فتأوّه مؤيد ودعا لفطين قائلاً ..الله يلطف بك يا فطين .
ثمّ نظر إلى رئيس فرد المقاومة وقال له تكتّمِ الأمر تمامًا ولا تُحدّثْ نفسك به.
تركه وهاتف فرْد المقاومة ليخبره بنجاح العمليّة ، فأعلمَ فهمانَ فسقط مغشيّا عليه .
وأمّا فطين فقد سبَحتْ روحه في عالمٍ آخر أثناء مدة العمليّة ، فقد سافر إلى المستقبل أكثر مِن ثلاثة عشر عامًا .وجد فطينُ ولده في هذا المستقبل وقد ترك عالمه إلى عالمٍ آخر مِن خلال عبور سمّ كسمّ الخياط ، وقد رآه من بُعد الأموات في هذا العالم الآخر طريحَ طاولة من نار موضوعة على أرض ناريّة وحوله مخلوقات غريبة تبدو عليهم علامات التقوى والورع ، فخشِيَ أن يحترقَ فنادى عليه ليحذره ويدعوه لترك الطاولة والهروب بعيدًا عنهم ، بعدها ببضع سنوات أخر وجدهم يلفونه بلفافة مِن نورٍ لمْ يرَ مثلها قطٌّ لأنّها تنبثق من بُعدٍ مختلفٍ عن بُعد ولده وبُعده ، وقالوا له عندما يأذن الله سنخرجك.
عاد فهمان بصحبة فرد المقاومة إلى المنزل منذ ساعتين تقريبًا وفرْد المقاومة أقام معه في المنزل لحين عودة أبيه.
أفاق فطينُ مِن العمليّة فوجد مؤيد بجانبه ، نادى على بروفيسور بيتر يخبره ...
-حمدًا لله على السلامة يا بطل ..قال به بيتر.
-الله يسلمك يا دكتور ..قال به فطين .
-العمليّة نجحتْ بامتياز ، وأنتَ الآن أقوى مِن ذي قبْل بكثيرٍ ، أنت رجلٌ خارقٌ الآن يا فطين ..قال به بيتر.
-حقّاً يا دكتور ، أمْ أنّها رسالة التطمين المعتادة التي يقولها الأطباء لمرضاهم ..قال به فطين .
-بروفيسور بيتر رجلٌ أمريكيٌ لا يفهم ما تقول يا فطين ، الأمريكان لهم تقاليد غيرنا ، همْ يقولون الحقيقة ولا يعرفون المجاملات.قال به مؤيد.
طلب بيتر من مؤيد إحضار مِرآة ، نصبها بيتر تلقاء وجه فطين ثمّ قال له انظرْ ..تفحّصْ ..هل ترى شيئًا ..
تفحّص فطين شكله فلمْ يجدْ إلّا خيطًا رفيعًا يكاد لا يُرى إلّا بالمجهر ،، فحمد الله.
ثُمّ قال بيتر..أحمد الربَّ وأحمد أيضًا مؤيدًا فقدْ بذل جُهدًا كبيرًا معي لكي تنجح العمليّة .
نظرَ فطينُ إلى مؤيد وتذكّرَ يوم أنْ كاد يقتله في منزله بالوادي الجديد فنهض مِن رُقاده كي يقبّل يديه بيد أنّ مؤيدًا دفعه للخلف وقال له يا مجنون أنت ممنوع عن الحركة تمامًا ، ستظلُّ هنا قُرابة شهر وبعدها تستطيع أنْ تذهبَ إلى بيتك .
مضى الشهر وأتمَّ الله شفائه وأخذته سيارة المقاومة إلى منزله بالوادي الجديد.وقد تكتّموا جميعًا أمر يهودِيّ الفندق.


يتبع ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-05-2020, 12:48 AM   #10
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


وقد تكتّموا جميعًا أمر يهودِيّ الفندق.

الجزء الخامس
سُلطان المرآة يخور أمام سلطان القلب ..
تأقلمُ فطين وفهمان على الوضع الجديد ....
عاد فطين إلى المنزل واحتضنَ ابنه ، ولقد أضمرَ فهمان في نفسه غربة ووحشة شديدتين تجاه هذا الوجه الجديد ، وتصنّع مبادلته نفس حرارة الشوق والحرمان الذي طال نحو شهر كاملٍ .
مرّتْ أيامٌ مُنذْ وصوله ، وما زالت الهموم تسيطر على قسمات وجهه الجديد ، يحاول جاهدًا أنْ ينسى وجهه الأصليّ فما استطاع .
أمّا فهمان فكان يتمزّق إربًَا مِن الداخل ، فهو بين بين ، يحاول جاهدًا أن يتأقلمَ مع وجه أبيه الجديد فما يستطيع ، وعليه أيضًا أن يمارسَ مع أبيه دور الطبيبِ النفسانيِّ الذي يجب عليه أنْ يبثَّ فيه عوامل الألفة والأُنْسة.
وفوق كلِّ هذا يحمل ثقلاً كالجبل ، فهو يودُّ مصارحة أبيه بشأن يهوديّ الفندق ، وهو متأكد أنّ الخبر سيمثل كارثة بالنسبة له ، إذْ أنّ مصارحته بالحقيقة الآن لن تزيدَه إلّا ألمًا ، فما أشدّ أنْ يشعرَ المرءُ بأنّ السهمَ ارتدَّ في نحرِه وقدْ ظنَّ أنّه أصاب عدوه.
لذلك آثر التأجيل ليتحيّن اللحظة المناسبة.
تصدّى بقوّة لهذه المسائل وحاول جاهدًا الوقوف بصبر وحكمة حتى لا يفشل .
قال له..
-أبتِ إنّ القلب هو ماهيّة الإنسان ، هو كيانه ، شخصيته ، إرادته .
أبتِ إنه الملك ، إنه يصدر أوامره على هيئة إشارات لخلايا العقل العصبيّة بأداء وظائف الجسد .
-بني ..تقصد أنّ القلب الملك ، والعقل نائب له .
-نعم أبتِ ، وتستطيع أن تستبدل نائبك متى شئت .
أبتِ ..إنّ العقل صورة والقلب جوهر ، ألَا تدري أنّ الله نسب إلى القلب الفهم والإدراك ، ألَا تدري أنّ الله لا ينظر في صورة الإنسان إلّا قلبه.
-بني ..كيف ؟
-أبتِ ..إنّه محل الثواب والعقاب ، محل ..الحبّ -الكره -الحساب -العقاب -الخير -الشرّ .
-فطين يعلم كلّ ما يقوله ابنه ولكنّه آثر أن يسمعه منه ، فأحسّه بقلبه وأحسّ بكؤوس تُصبّ في قلبه من أنهار الجنة ، وأراد أن يشرب منه المزيد.
-وماذا أيضًا يا بني ؟ سأله وهو ولع بكلامه كالعطشان يريد ماءً .
-أبتِ ..أتظنّ أنّ العقل هو وحده من يملك خلايا عصبيّة ؟ لا لا ..فالقلب تمّ تشريحه وتبيّن أنّ له خلايا عصبيّة أيضًا و ذاكره ، والمعجزة أبت ِ أنّ .. أنّ ..
-قل يا ولدي ما المعجزة تلك ؟
-أنّ العقل لا يتصرف بصورة مستقلة ، لابدّ أن ينتظر الأمر من القلب ، وسيظلّ ينتظر وينتظر حتى يأتيه الأمر من القلب.
أبتِ ..حفظك الله من كلّ سوء ..اُنظرْ إلى هذه العبارة التي قالها أساتذة الفيزياء الطبيّة والجراحون ..
إنّ النشاط الكهربائيّ في القلب أكثر مِن المخ ، وفي الواقع المجال الكهربائي للقلب يزيد ستين مرّة عن المجال الكهربائيّ للدماغ والمجال المعناطيسيّ له أكبر من المجال الغناطيسي للدماغ بـخمسة آلاف مرة .
-حدّق فيه أبوه بقوة وإعجاب ، فسياقة العبارة بهذه الطريقة تنمّ عن طبيب متخصص أو دكتور فيزياء.ثمّ قال له ..نحن نولد بكلّ أعضائنا يا بني لا نولد بالقلب وحده .
-أبتِ ..أسأل الله أن يتمّ نعمته عليك ..إنّ القلب هو أول عضو يتكون في رَحِم أمهاتنا .
وانتظر فهمان أبيه هنيهة فلم يتكلم فآثر أن يزيده ..فقال..
القلب هو قلبك لمْ يتغيرْ لكنّ العقل ليس عقلك بل عقل الرأس الجديد ، لكنّه لا يتصرف بصورة مستقلة حتى تأتيه إشارات قلبك .
فاسترحْ أبتِ وعِشْ حياتك بصورة طبيعيّة وتأكد أنّ مشاعرك لنْ تختلفَ تجاه مَن حولك ..الدليل ها أنا ..هل اختلفتْ مشاعركَ تجاهي ؟ ..أنا فهمان أبتِ ..أم أنّي لست أنا ؟
أُعجب فطين بكلامه ، هو يدرك جيدًا براعة ابنه في علوم الطبيعة والكيمياء والرياضيات ، أمّا أنّه يكون بهذه البراعة في علوم الطبِّ والنفس فهذا جديد عليه.
لأوّل مرّة يبتسم مِن قلبه ، ابتسامة انبثقتْ مِن معين عقل ابنه العبقريّ.
هذا العقل الذي أفرزَ فِكرًا مثّل له جيشًا مِن بيادق دفاعيّة ضد فيروسات الأحزان والغربة.
احتضنه بحرارة وقد اغرورقتْ عيناه فرحًا وإعجابًا ، ثمّ ابتعد قليلاً لينظر في عينيه ويتمتع بنور العلم الذي ينبثق من خلالهما .
قعد وأقعد ولده ثمّ سأله مستفهمًا..
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-09-2020, 10:23 PM   #11
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


قعد وأقعد ولده ثمّ سأله مستفهمًا..
قلْ لي يا بُني ..أثناء العمليّة وجدتك تجتاز بُعدًا ولجت فيه ..وقصّ له كلّ ما رآه أثناء ما كان مخدّرًا في العمليّة..
دهش فهمان لِما قال أبوه ثمّ أجابه بقوله..أنت تخشى من فشل العملية ليس من أجل حرصك على الحياة وإنما حرصك على عدم تركي وحيدًا ، ولذلك فعقلك الباطن تحدث إليّ من بُعده الذي سكن فيه أثناء العملية .
وعقلك الباطن يحدثك بأني سأهلك دونك.
صمت فطين قليلاً ، وذهب إلى شأن آخر ، حيث تدبّر في أمرِ أهل الحيِّ ، كيف سيواجههم بوجهه هذا ، قطعًا سيبلّغ أحدهم عنه ، ثمّ قال لفهمان ..
للأسف يا ولدي أبوك لمْ يحسن التدبير .
فردَّ فهمان ..لِم يا أبتِ هل ..
قاطعه قائلاً ..لقد نسيت أمر الحيِّ ، فتجهزْ للرحيل ، فأنا لنْ أخرجَ مِن بيتي أبدًا ، اذهبْ غدًا وابحثْ عن مسكنٍ جديد .
صمتَ فهمان تجاه أمر أبيه إذْ أنّه لا خطورة عليه مِن أهل الحيِّ لأنّ اليهوديَّ لمْ يمتْ ، فأرجأ مصارحته إلى حين .
ثمّ قال لأبيه ..حاضر أبتِ ، سأبحث .

وانجلى الغمام ..للأسف السهم لمْ يصبْ إلّا راميه....
مرّتْ عدة أيام فقط وتأقلم تمامًا القلب مع الرأس الجديد ، كما أنّ مرارة الحزن والغربة مضيا إلى زوال .
وخلال هذه الأثناء كان يتابعه الطبيب مؤيد بصورة دائمة ليبلغه تعليمات بروفيسور بيتر .
ولمْ يكفّ مؤيد خلال هذه الفترة عن دعوة فطين كي ينضمّ إلى اتحاد المقاومة ، بيد أنّ فطينَ دائمًا يرفضُ ويقولُ له رسالتي نحو ولدي أجلَّ وأسمى ، فولدي أمّة وحده وحضارة لو فُعّلتْ لكان حُجّة على أهل الأرض جميعًا.
وكلُّما يرفض فطين يزداد مؤيد حسرة على هذه الإمكانيّات والوطنيّة التي لم تنصهرْ في بوتقة كفاح اتحاد المقاومة.
والآن ، قد حانت لحظة المصارحة ، كلّم مؤيد فهمان عبر الهاتف وأمره أن يخبر أبيه بالحقيقة.
دلف فهمان حجرة أبيه فوجده شارد الذهن فاستبهه قائلاً ..أبتِ أبتِ
فردَّ..نعم يا ولدي ، عرفتُ بأمر شفائِك الكامل وأريد أنْ أبوحَ لك بسرٍّ ، قال..قلْ يا فهمان..
يهودي الفندق لمْ يمتْ ..
اضطرب قلبه وزاغت عيناه بمجرد سماع الخبر ثمّ قال له ماذا ؟ ماذا قلت يا بني؟
-قلت اليهوديّ لمْ يمتْ.
-سأله متفجّعًا ..كيف عرفت؟
-ذهبتُ إلى هناك ورأيت اليهوديّ..وقصَّ له كلَّ ما حدث بالضبط .
-تأوّه فطينُ وتحسّر على خوْض المخاطر وبيع منزل زوجته ، والأوْجع تحسره لضياع دم العالم هدر، ثمّ سأله..لِم َقلت ذلك يا بني الآن ولمْ تقلْه قبل ذلك؟
-ما كنت أودُّ أنْ أؤلمك مرتيْن ، فكفى آلامك التي طالتك بسببي ، ولقد قلته الآن بعد أن تمّ أمر شفائك فتهون الحسرة التي قد تفتك بك ، ولكي تتصرّف بحريّة تامة لتيقنك عندئذٍ ألّا يلاحقك أحد .
-قال وفؤاده انصدع من الحسرة ..كمْ أنت حكيم يا فهمان ، كمْ أنت عليمٌ يا ولدي.
اختلى فطين بنفسه ليفكر في شأن مستقبل فهمان العلميّ .
أمعن النظرَ فيما كان يفكر فيه من قبل ، وزادتْ عزيمته نحوه بعد موقف ابنه الأخير .
وهو تسفيره إلى أمريكا لتعلم العلم السليم وتفعيله على أرض الواقع ، وظلّتْ الآمال العِراض تستفزّه وتحرّكه ، بينما فراق ابنه وخوفه عليه يكبحان جماحه ويثبّطانه.
لمْ يفكرْ مطلقًا في المنح الدراسيّة لإنّ المحسن سيد لمن أحسن إليه ، فكيف يطلب من أمريكا تسعفه وهو سيصارعها من خلال ولده ، فأبتْ نفسه العزيزة فعل ذلك ورفع رأسه لأعلى الشرق من حيث تشرق الشمس ، بينما نظر إلى مغربها وأشار إليها بأنّ تأتي بركبها هنا ..هنا في مصر وتستقرّ ثمّ قال ..ويا ليتها لو كانت أرض الوادي الجديد .
ثم تابع حديث النفس فقال عازمًا ..
لابدَّ مِن توفير كآفّة النفقات لإرساله إلى إحدى جامعات أمريكا أو سويسرا فالعلم لديهم كالماء والهواء ، بينما لدى مصر والبلاد العربية كالقمامة ، وحتى مَنْ فلحَ مِن أبناء جلدتنا إمّا ارتموا بعد ذلك في أحضان أمريكا فعاشوا أثرياء ، وإمّا أرادوا أحضان أوطانهم وثراه فتعرضوا للتصفيّة مِن قِبل الكيدون الإسرائيليِّ .
فهل يا تُرى أين موقع ابني إذا تعلّم وفقِه ..في بلده يدخلها آمنًا ويحمل في كيانه نجاة هذه الأمّة أمْ يؤثر السلامة ويرتمي في أحضان أمريكا ؟
أغامر بِه ؟ لا أغامر ..أأقدّمُ رأس ابني تحت سيوف الموساد أمْ أقدّمه فداءً لوطني ..مصر .
لعلّ مصر يأتيها مَنْ يصلّح مِن حالها ويأخذ ابني وغيره مِن مئات النوابغ المصريّة لبناء حضارتنا على بُسطٍ من العلم .
بنفسي ومالي أجاهد حتى تتعلم يا فهمان .

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-11-2020, 05:57 AM   #12
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


بنفسي ومالي أجاهد حتى تتعلم يا فهمان .
إذا أردتُ أنْ تُخرس ألسنة الغوغاء فأحسنْ إليهم...
غمْزُ أهل الحيّ وقرار عمل سيرك شوارع....
والمدهش أنّ فهمان كان يفكرُ فيما يفكر فيه أبوه ، لكنّه كان يطرده حتى لا تفتك به مشاعرُه فتدفعه إلى مصارحته ، كان يقول لنفسه كفى ما حدث لأبي مِن جراء حادثة الفندق المستلب ، لا أودُّ مضاعفة غربته بحرمانه منّي على إثر سفري للخارج ، وقلتُ في نفسي لعلّ سفري يوقظ بداخله الغربة الأولى التي اندملتْ جراحها ونامتْ ولا أودُّ إيقاظها.
فأضمر الأبُّ لحين تأتي اللحظة المناسبة ، وأضمر الإبن حتى لا يتسبّب في غربة جديدة لأبيه .
وظلّا على ذلك عدة أشهر ، فهمان دائب الجلوس أمام الحاسوب وقراءة الكتب الإلكترونيّة ولا يهتم كثيرًا بدراسة الكتب المدرسيّة ، فكلُّ اهتماماته منصبّة على دراسة الطبيعة مثل..تجارب مصادم الهادرونات المستقبلي fcc-1 بسيرن ، نظريّة آينشتاين ، النظريّة الكموميّة ، نظريّة الأوتار الفائقة.
بينما فطين يفكّر في عمل يدرُّ ربْحًا وفيرًا إذْ أنّ عمله المعتاد في أيّ سيرك لن يكفي نفقة سفره إلى أمريكا.
يرمقه أبوه ويتأسف على هذه العبقرية المكبلة بقيود الفقر ، ثمّ يخرج متوجعًا متحسرًا ألا يجد ما ينفقه عليه .
ووصل الحال به إلى حدٍّ أن صارعته الكوابيس والأشباح في نومه .
وتتوالى الأيام على هذه الحالة حتى أتى الله بأمره إذ..
خرج فهمان يومًا إلى محل البقالة الذي أمام العمارة ليحضر بعض طلبات المنزل مِن زجاجات مياه جوفيّة وخبز مكيّس وبعض القوت ، وكان المحل متموضع في السوق الرئيس للحيِّ ، وبجانب المحل مقهىً كبير أحد محتوياته شاشة تيلفزيونيّة ضخمة ، وقف فهمان قليلاً عندها فسمع أهل الحيّ يلعنون أمريكا وخاصة أصحاب اللحى منهم ، فقد كانوا يلعنون قائلين ألَا لعنة الله على الظالمين ، ربنا يخسف بهم الأرض هؤلاء الكفرة الملاعين .
سمعهم فهمان ولم يلقِ لهم بالاً ، إذ أنّه يعلم أنّ العبوديّة لن تقدّم ولن تؤخّر شيئًا إلّا إذا صاحبها العلم ، ونظر إلى الشاشة فوجد الإعلاميّ يتكلم عن بركان عظيم من المحتمل أن ينفجر في ولاية كاليفورنيا خلال بضعة أشهر ، وسمع جملة هامة جدًا تقول..
إنّ هيئة المساحة الجيولوجيّة ووكالة ناسا الفضائيّة يتعاونان معًا مِن أجل وضع خطة للسيطرة على البركان أو التقليل مِن مخاطره ، وقالوا في هذا الشأن أنّهم دفعوا بمواسير ضخمة ذات أقطار كبيرة في باطن الأرض وخارجها لضخِّ المياه إلى قلب البركان للسيطرة عليه وتقليل درجة حرارته حال انفجاره .
سمع فهمان ذلك ووقع في روعه أنّ المواسيرَ لن تفعل شيئًا مع بركان كهذا ، همس لنفسه بأنّ هناك طرقًا أخرى مِن الممكن تجربتها غير طريقة المواسير .
وفطين جالس في بلكونة الشقة تضربه الهموم والحسرات من ناحية ، ومن ناحية أخرى تستفزّه قوّته بأن يتوكأ على أوتادها لفعل شئ لهذا المسكين .
ثُمّ انتقلَ الإعلاميّ بعد ذلك إلى خبرٍ آخر، حيث عرض صورًا لمجموعة قليلة مِن الروبوتات وبعض التقنيين الفنيين من الأجناس المختلفة وهُم على سطح القمر للتنقيب عن هيليوم -3 واستخلاصه وحمله إلى الأرض .
وفي انتظار انتقال المزيد والمزيد مِن هذه الروبوتات حالما ينتهي خبراء هذه الدول ومهندسوها مِن وضْع المصفوفات الشمسيّة النانويّة على جانبي المصعد الفضائيّ .
سمع هذه الأخبار بروفيسور في العلوم السياسيّة وكان منزويًا في المقهى فتوجّس شرّاً وقال ..يبدو أنّ العالم سيفنى بهيليوم-3 عنصر الاندماج النووي لصنع القنابل الهيدروجينيّة ، يبدو أنّنا على أعتاب عراك الفناء بين أوروبا وآسيا .
انتبه أهل الحيِّ لفهمان الواقف منذ لحظات ، وكان فهمان يغمغمُ مِن لغط وكالة ناسا ، كما أخذه الإعجاب مِن جانبٍ آخر بنجاح العالم في صنع هذه المصاعد الفضائيّة.
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-15-2020, 02:42 AM   #13
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1365

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


كما أخذه الإعجاب مِن جانبٍ آخر بنجاح العالم في صنع هذه المصاعد الفضائيّة.
اِنتبهوا إليّه وكعادة بني البشر يحبّون استفزاز الضعفاءِ والهروبِ مِن سطوة الأقوياء بالالتفاف حول الأخيرة خنوعًا ، ونعتهم بكلِّ أخلاقٍ حميدة .
تركوا الأخبار وأخذوا يتغامزونه ويلمزونه كعادتهم مُذْ عاد أبيه بالوجه الجديد ، وفهمان يتجاوز مضايقتهم ولا يردُّ عليهم مع أنّ كلماتهم كالخناجر التي تدمي قلبه ، كما أنّه لمْ يصرحْ لأبيه قول أهل الحيّ حتى لا يضجر .
يقذفون أبيه بعشرات التهم وكان أبرزهم القتْل والنصْب ، وتنوعتْ أساليب همزهم ولمزهم ما بين متأففٍ ومتشدّقٍ ، وما بين متطهّر يمسح ثيابه كلما مرَّ فهمان بجانبه ، وما بين مستهزئ ضاحك وسط قهقات بلغت الآفاق ، وفطين ما زال في البلكونة يفكّر مغتمًا في مستقبل ولده ، ليس من أجله فحسب ولكن من أجل مصر التي تقبع فى ظلمات الفقر والجهل .
وأصحاب اللحى جالسون وحدهم في المقهى وكانوا يلعنون أبيه فيما بينهم لتغييره خلْق الله بعد أن زرع الوجه الجديد ويصفونه بالكفر والخروج عن ملّة الإسلام .
*تلمّس فطين وجهه ثمّ قال..كلّ شئ يهون من أجلك يا أمّ ..يا مصر .
همّ فهمان بمغادرة المكان مستاءً ..فاعترضه بلطجيٌّ واستوقفه واندفعَ تلقاء وجهه ، بينما فهمان يتراجع للخلف ، وقال له أحد أصحاب اللحى لابدَّ مِن القصاص ، مَنْ قتلَ يُقتل أو الفدية بالمال ، ثمّ أسرع إلى فهمان ووقف خلف ظهره وبرك بروك البعير أو كذوات الأربع ، فاصطدمتْ مؤخرته بظهر الحيوان البشريِّ فتشقلب ، فضحك الناس وقالوا المثل القديم ..لا يقع إلّا الشاطر..
شاهد فطينُ المشهد ، فأخذ عصاه وانطلقَ يعدو بأقصى سرعة متوجّهًا إلى الحدث ، أرسلتْ الخليتان العصبيتان الطبيعيّة والصناعيّة معًا إشارة غضب ، وكان الغضب هنا مستمد مِن معينيْن ممّا كان له الأثر الشديد في مضاعفة غضبه وقوّته.
أخذ بيد ابنه فأقامه ، ثُم حصدَ القوم كلّهم وتبيّن سبيلهم وأوغل في نواياهم .
وبروفيسور السياسة حدجهما بإدراك ثمّ قال ..
ها هو الأسد المستنفَر، فلمّا نظر إلى رأسه وعصاه التي يحملها قال ..ها هما العلم والقوة لا غالب لهما ، ولقد شاهد اللاسة والجلباب فقال ..وها هي الأصالة تحيا من جديد لتُعلن عن نفسها أنّها الأقوى.
وقف فطين أمامهم وقد وقفوا أمامه بجهلهم صفًا ، وقفَ وعيناه تدقُّ شررًا ، ملامح وجهه توحّشتْ ، العصا تحولتْ إلى أنياب وكلاليب ، عيناه غدتْ محرك أو مغناطيس فقدْ حدّ بصره إلى ثلاثة مِن أهل الحيّ كان بأيدي كلٍّ منهما عصا وركّز عليها دون أن يدري مكامن قوّته فوقعتْ جميعها على الأرض ، وظنَّ فطين أنّهم ارتبكوا وانتابهم الذعر والخوف إلى درجة الاستسلام .
ارتعدتْ أوصال البلطجيّ والدابة البشريّة الأخرى معًا فلاذا بالفرار ..
نظرَ فطينُ إلى القوم كلهم قائلاً..إلى متى نظلُّ نلهو ونلعب ، إلى متى نتعارك ونتخاصم ، عدونا مِن خلفنا صعد الفضاء بمصاعد فضائيّة ونحن نبتغي في الدهاليز والأنفاق ، نلوي شفاهنا ونتشدّق بألسنتنا لنبثَّ سموم الأفكار الدينيّة في نفوس الشعب المسكين ، ويستعفي بعضنا على بعض في حالات أخرى .
اِسمعوا ..لابدَّ أن نكون إخوة ..وإن عدتم إلى ذلك فأقسم بربّي لأعبطنّكم بهذه العصا ..
نظرّ بعضهم إلى بعضٍ وتساجلوا متلاومين ، يرجع بعضهم إلى بعضٍ القول ، فانفضَّ مَنْ انفضَّ وظلَّ الباقون صامتين بين مؤنّبٍ لنفسه ومؤنّبٍ لغيره .
تمحّصَ وجوههم ثُمّ قال لهم ..أنتم أهلي وجيراني ..
اِسمعوا ..سأقيم لكم سِركًا هنا في الشارع أمتّعكمْ وأعلّمكمْ العلمَ عبر ألعاب سحريّة لمْ تروا مثلها قطّ .
سمع القومُ كلامه ونسوا الحدث برمته وانشغلوا تمامًا بخبر فطين وخبر السيرك وأخذوا يتهامسون فيما بينهم ، وقال بعضهم لبعضٍ لعله يخرجنا مِن همومنا وأوجاعنا ..
أسرعوا إليّه كالمهاجمين ، فرفع عصاه تأهبًّا للدفاع ، لكنّهم أشاروا إليّه براية السلام والإجلال والخنوع .
رفعوه فوق أكتافهم ونسبوا إليّه الشرف والأمانة ، وهذا شأن الرعاع يحبّون القويَّ ولاسيما لو كان كريمًا ويبغضون الضعيف ولو كان منصفًا .



يتبع ..

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-20-2020, 05:51 AM   #14
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


ولو كان منصفًا .

السيرك .....
في صباح اليوم التالي بدأ أهل الحيّ في نصْب السيرك في شارع على حارة فارغة متفرعة من الشارع الرئيس ، بينما ذهب فطين إلى محلات تُباع فيها الأدوات السحريّة ليشتري منها ما يلزمه .
والغريب أنّه ذهب إلى بعض المختبرات العلميّة وقابل بعض بروفيسورات الفيزياء هناك وكلّمهم في بعض التجارب.
واللافت للنظر أنّ فطينُ ليس كأيّ ساحر، فإنّه عليم بكثيرٍ مِن التجارب الفيزيائيّة ، فكمْ تدارسها مع زوجته خبيرة الفيزياء النظريّة .
لمْ ينسَ ولمْ يفارق خاطره أنّ إقامة هذا السيرك مِن أجل فهمان ، مِن أجل تعليمه بالخارج ، ذاك الحلم الذي يراوده في صحوه ونهاره ، وكلّما أنجز مهمة وتقدّم خطوة نحو إقامة السيرك كلّما شعر أنّ ابنه على أعتاب الجامعات الأمريكيّة .
وفي طريقه للعوده انتابته نوبة ضحك عندما أمسك بالزئبق ، فقد ذكّره بروبوت حتشبسوت التي ألصقتْ نفسها بسقف ردهة الفندق ظنًا منها أنّ الزئبق قدْ تحوّل إلى ثعابين..وظلَّ يقهقه أكثر ويقول أول مرّة أرى تكنولوجيا مسخرة .
قفلَ راجعًا وهو على مشارف الحيّ ، ومِن بعيد وجد أضواءً تخترق أشعة الشمس قبل الغروب بنصف ساعة ، إنّها أضواء السيرك المنصوب .
وكان فهمان آنذاك واقفًا في بلكونة الشقة يترقب عودة أبيه ، فلمّا أقبل من بعيد زاد الضوء لغياب الشمس وضربَ وجه فهمان فأورق واخضرّ .
وضع أهل الحيّ عشرات الكراسي للمشاهدين وفي الأمام طاولة له ..فنادى فيهم أنّ العرض سيبدأ مساءً ، وأنّ قيمة تذكرة الدخول ب.. لجلج .. تلعثم ..خرس لسانه ..إذ دارت عيناه على الجالسين ، فشاهد آباءً أتوا بأولادهم وثيابهم ممزقة ، وشفاههم مشققة ، وبعضهم لا يرتدون أحذية ، ورائحة عرقهم لا تُطاق ، ثمّ ولّى وجهه عنهم ونظر إلى ابنه الواقف على يمينه يفكّر بشأن تكاليف تعليمه إلى الخارج .
شعر فهمان بأنّ أبيه كان يودّ الإقدام على عمل سئ لكن اعترضه ضميره فقاومه ، فتبادلا النظرات ، وكانت نظرة فهمان إلى أبيه تنمّ عن الرضا عنه بسبب ضميره اليقظ الذي قهر حبّ النفس نحو الأبناء ، كما أنّها كانت محفزة له للثبات في وجه هذه المطامع .
فتمالك فطين نفسه ووطأ ألمه بأقدامه الثابتة ثمّ قال ضميره المندفع بنظرة ابنه الواعظة..قيمة التذكرة رمزيّة تناسب أفقر أهل الحيِّ .
وفي مساء اليوم التالي ذهب إلى السيرك ومعه حقيبته ، حقيبة ساحر بكلِّ مستلزماتها ، أقدم على الحشد واخترق الطريق المتوسط بينهما ، بينما هم يقتعدون الأرض على جانبيه.
وما إنْ وصل إلى الطاولة ألقى الحقيبة عليها وأوقف فهمان بجانبه وسلّمَ على المشاهدين وألقى كلمته قبل العرض قائلاً ..
يا بني وطني...
ما أقدمه لكم ليست ألعابًا سحريّة تعتمد على الخرافات والجهل وإنّما على العلم ، كما أنّ عزيمتي على النجاح سحر وحده لأنّها تفعل المعجزات .
أعلمُ أنّ الفقر قدْ طال كلُّ مدن مصر وقراها ، وأنّ الهمّ غدا سمة العصر، وأنّ الماء تنتظرونه يوم تمطر السحاب غيثًا أو تجود الأرض ببئر .
فأردتُ أنْ أرفعَ عنكم هموم نفوس مكدودة تساعدكم على الجلد والصبر أمام نوائب الدهر وغدره .
وفي آخر كلِّ عرْضٍ يتقدّمُ إليّ مَنْ لمْ يجدْ قوته من صناديق القمامة فأعطيه ممّا أفاض الله به علىّ .
فصفقوا تصفيقًا حارّاً وخاصة الذين لم يجدوا غداءهم الساعة ، استوقف الجميع قائلاً لنبدأ العمل الآن .
قال اليوم أريكم ما كان يرونه أجدادكم وآباؤكم عبر العروض الأجنبيّة المتلفزة ، فإنّي أعلم أنّ بيوتكم خالية من التلفاز منذ زمن بعيد ، فبدأ في خطف الأنفاس وعيونهم .
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06-26-2020, 01:37 AM   #15
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

افتراضي


في خطف الأنفاس وعيونهم .
ناوله فهمان ملعقة منثنية ولكنّها تبدو للمشاهد غير ذلك عند رؤيتها بصورة رأسيّة ، ولذلك أقامها رأسيّا ثمّ نظر إليها بتركيز منقطع النظير، ثُمّ حركها للأمام والخلف بسرعة شديدة لا تستطيع رصدها أيّ عين بسبب الاهتزاز الشديد ، بل إنّ الحركات الاهتزازيّة تظهر أمام الجمهور على أنّ الملعقة تنثني ، ثمّ أوقف فطين اهتزازته بعرض الملعقة أفقياً فظهرتْ الملعقة لدى الرائين منثنيّة مع أنّها في الأساس غير ذلك .
صفقَ المشاهدون تصفيقًا حادّاً ، بينما أحد الجالسين مِن أصحاب الفكر النيّر اشمئزَّ مِن فعْل فطين وتركَ المكان وهو يقذف الجميع بالسبّ واللعنات على جهلهم .
انتهى العرضُ بعد تقديم عروض أخرى تعتمد على تموضع الأشياء .
مضى فطينُ وولده إلى المنزل بعدما حصل على مال يفوق حاجة قوت يومهما بنذرٍ قليلٍ ، وفهمان نافرٌ متقززٌ مِن فعل أبيه ، فهو يعلم بالضبط أنّ الملعقة لمْ تنثنِي ، وأنّها بدتْ للعين منثنية بسبب تغيّر موضعها ، كما يعلم بالضبط الإشارات الكهربيّة والكهرطيسيّة التي أرسلها المخُّ للعين .
ولكنه آثر الصمت واعتبر ما أخذه أبوه نظير جهد قدراته الحركيّة والأطلسيّة على تحريك الأشياء وتموضعها .
يطوّرُ فطين ألعابه يومًا بعد يومٍ والناس في تزايد مستمر والإيراد يزيد بنذرٍ قليل ٍ، وحان الآن منتصف شهر ديسمبر، بركان كاليفورنيا .

الجزء السادس
بُرعم حضارة ينمو في رحِمِ الغرب...
اسم العملية..فتى البركان الملثم ..
استيقظ جاك على صوت صراخ منبعث مِن القناة الإخباريّة ، ليست أذنيه التي تفاعلت مع الصراخ وإنّما ضميره ، فصوت الصارخ المستغيث يسمعه ذو الضمير الحيِّ كجاك ، بينما لا يسمع ذو الضمير الميت ألفَ صارخ مستغيث ، لا بأذنيه ولا بضميره .
هبَّ مفزوعًا ، فرأى أبراجًا تتهاوى في مشهد رهيب ، فتذكّر ضرْب البرجيْن الآثم الذي مضى عليه نحو قرن .
حدّقَ بصره بحدّة وما يحدُّق إلّا في وجه الفناء ، فرأى دموعًا كالأنهار ، ودماءً تحترق ، وعظامًا تذوب في بحور من الحِمم البركانيّة الطاغية.
وأصغى السمْع وما يسمع إلّا الحسيس وأزيز الطائرات التي تُحلّق فوق سماء الحدث ، وصراخًا وفرارًا ورعبًا وهلعًا .
ولمْ تمرّ إلّا دقائق معدودة وشاهد أهوال القيامة تتجسد أمامه على شاشة التلفاز ، فكان سقوط البرجيْن سنة 2001 رحمة بالنسبة لهذا الوحش الأشبه بباطن ثقب أسود .
ناطحات السحاب تتهاوى متهدمة وبعضها خُسفت ، والبركان يباغت الناس في منازلهم فيحترقون ويصبحون بخارًا يتطاير في الهواء .
الناس تجري فرارًا إمّا من الخسف أو الحرق ، والسيّارات يتخذونها مهربًا مِن البركان الغاضب .
البركانُ أكل السيارات ، وتجشأ بطعام القطارات ، وتكرّع بدماء الضحايا ، يُميت بلا رحمة فقد هرب منه قطارًا امتلأ عن آخره بالشباب والأطفال والعجائز والرجال فأدركه وضربه من جانبه ثمّ ابتلعه.
ولم يرحم حتى المغيثين ، فقد انفجر في طائرة إغاثة فأحرقها .
امتزجتْ أصوات صراخ البرئ والمجرم ، والظالم والمظلوم ، والكاره والمحبّ ، والسجين والسجّان ، حتى الرضيع يصرخ جوعًا يريد أن يلقم ثدي أمّه لكنّه اللحظة لم يدرِ أنّه لقمة البركان .
ومواسير ناسا ذات القطر الواسع تحاول أن تغيث ، فتدفع بمائها بكلّ ما أُوتيتْ مِن قوّة غير أنّ البركان بغتها فأرداها صريعة وابتلعَ ماءها ، ورئيس ناسا يشاهد مواسيره المحترقة فيدعو الربّ بالخلاص .
وأبواق الحكومة الفيدراليّة تناشد المواطنين بترْك المنطقة الثائرة وترْك كلّ ما خلفهم ، ولقدْ قال قائلٌ منهم..اتركْ فقد يكون بينك وبين الموت ثانية واحدة فاظفرْ بها واستفدْ وانج بنفسك .
والصلوات تُتلى في الكنائس فِراراً إلى الغيّاث الأكبر ..ربّهم .
وما أدهش العالم أكثر أنّ أقوى بركان كان بركان بيركلي القريب مِن الجامعة ، ظلّ يجري مقتحمًا ما فوق الأرض وما تحتها متّجهًا نحوها ، والطلبة تُنذر بمغادرة المكان ، بينما رئيس جامعة بيركلي ظل واقفًا ولم يتحرك وقال ..نهلك معًا أو نبقى معًا .
فلمّا وصل البركان برد وتجمّد كأنّه سجد وخشع ، وعلى الرغم أنّه لم يرحم الرضيع لكنّه هذه اللحظة خشع وانهار ولم يقوَ على النهوض .
ولقد حار العلماءُ في شأن هذا البركان الذي توقّف ، علماء الجيولوجيا وناسا يؤكّدون أنّه كان ولابدَّ أن يواصل زحفه ويحرق الجامعة ، لكن القساوسة أكّدوا أنّها معجزة ربانيّة تؤكد دفاع الربِّ عن هذه الجامعة لموْلِد رجلٍ سيكون السبب في نشر الفضيلة وحماية هذا العالم مِن الفناء ، وقد صدقوا فعلاً "كما سيتبين مِن أمر جاك وفهمان".
العالم كلُّه يتابع المشهد ، دول الغرب ترسل سراياها للمساعدة والتدعيم ، حكّام العرب يبكون ويتباكون على أمريكا والشعب الأمريكيِّ ويعلنون الولاء والتضحية بالنفس مِن أجلهما ، والشعب الفلسطينيّ مثْلج الصدْر يحمد الله ويُعلن الشماتة ويردّد أقوال بعض آيات القراءن الكريم التي تتكلّم عن الانتقام مثل..إنّ الله عزيز ذو انتقام -إنّ ربك لبالمرصاد-ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون إنّما يؤخّرهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار..صدق الله العظيم.
بينما بعض المساجد ترفعُ أكفَّ الضراعة مبتهلين لاعنين الأمريكان وداعين بالتدبّر في آيات الله الكونيّة .
وفي مشهد آخر وعلى بُعد عشرات الكيلو مترات مِن منزله رأى جاك كاميرا تسلّطُ الضوءَ على طفل وطفلة لمْ يتجاوزا الست سنوات .
الطفل سمين ذو وجه ممتلئ وهيئة حسنة بينما الطفلة هزيلة وملابسها مهترئة ونحيفة شاحبة اللون .
بدأ الإعلاميّ يتكلم عن هذا المشهد ليبيّنه ويشرح ملابساته إلى المشاهدين ودور الحكومة الفيدراليّة وفريق الإغاثة في إنقاذهما ..بدأ يصف المشهد وملابساته.. وقدْ قال مُستهلّاً وجاك يسمع بانتباه وترقّْب ..



يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 07-02-2020, 11:31 PM   #16
إبراهيم امين مؤمن
( كاتب )

الصورة الرمزية إبراهيم امين مؤمن

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 1365

إبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعةإبراهيم امين مؤمن لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


وقدْ قال مُستهلّاً وجاك يسمع بانتباه وترقّْب ..
هذان الطفلان فلسطينيّان ، اتّصلَ والدُ الطفلة مستغيثًا لإنقاذ ابنه وابنته مِن الجحيم ، بينما لمْ تصلْنا إشارة حتى الآن بتوجّه فريق الإغاثة لإنقاذهما .
لقد انشقّتْ الأرض عن يمين وشمال الطفليْن وتركتهما محصوريْن بين جداريْن مِن ألسنة لهب الحمم البركانيّة العالية..
نارٌ تتأجّج أمامهما وخلفهما بينما هما يصرخان واقفين على الأرض المحصورة بين طوديّ الحمم الملتهبة .
الأرضٍ قريبةٍ في شكلها مِن شكل المثلث متساوي الساقين المرسوم على الأرض ، ويبدو مِن خلال المعاينة ومراعاة الأبعاد أنّ المثلث ضلعه يتراوح ما بين 15-17 من الأمتار بينما قاعدته أكبر فطولها ما بين 25-27 متر .
فلمّا سمع جاكُ هذه الأبعاد كوّرَ كفىّ يديْه بحيث أصبح ظهريْهما للسماء ، ثُمّ أمالهما خفْضًا ورفْعًا وهذه إشارة لإمساك دراكسيون دراجه بخاريّة ، وقدْ كان يقصد ذلك بالفعل .
*ومن حجرة مبيت عالم الفيزياء الفذّ ميتشو كاجيتا بمصادم ffc-1 الكائن في سيرن بسويسرا نجد كاجيتا يشاهد البركان ويرقص ، وكلّما زاد البركان توحّشًا زاد رقصًا وفرحًا، ولقد كان يتراقص قائلا..هيّا أيها البركان الرحيم خلّصنا من هذه الزبالة البشريّة .
والرماد البركانيّ والحِمم في ازدياد ، وأخيرًا جاءتْ إشارة أنّ منطقة الطفلين خطرة ولا يملكون التحليق فوقها الآن وليس لديهم أدوات لمدِّ جسر لإنقاذهما.
لكنّهم سيحاولون إرسال الدعم في وقت قريب ، فكلّ طائرات الإغاثة منشغلة بإنقاذ عشرات الآلاف مِن الضحايا .
انتفض جاك ثمّ قفز على دراجته البخارية وأنزل اللثام على وجهه وانطلق بها مخترقًا باب منزله فطار في الهواء ، وظلَّ منطلقًا بأقصى سرعة متجاوزًا الزحام بالتحكم في حركتها بطريقة أسطورية .
وبمجرد خروجه جاءتْ إشارتيْن أحدهما تقول أنّ الأبَّ الفلسطينىَّ صاحب الرسالة قد شاهد ولده منذ لحظات وأنّ المحصور في البركان ليس ابنه .
والإشارة الثانية من يهوديّ يقول عن هذا الذي مع الفلسطينيّة ابنه ، واستطرد..إن لمْ تنقذْه الحكومة فسوف يحمّلهم مسؤليّة موته .
*وسمع يعقوب إسحاق مقولة المواطن الإسرائيليّ عبر التلفاز فارتعد وانتفض ، ثمّ هاتف بيد مرتعشة الرئيسَ الأمريكيّ على الفور وقال..إن مات طفلنا فسوف أمحوك من الوجود .
ثمّ تلتها إشارة ثالثة بعد قليل أنّ فريق البحث متّجه لإنقاذ الطفل والطفلة لخمود الرماد البركانيِّ والحِمم حولهما بصورة تُمكّن طائرة الإنقاذ التحليق فوقهما لانتشالهما .
ويبدو مِن الإشارة الثالثة أنّهم استطاعوا أنْ يوفّروا طائرة استغاثة بالفعل .
انطلق جاك متّجهًا إلى مكان الطفليْن ، فلمّا دنا مِن المكان أدّى صلاته ودعا الربَّ بالنجاة والتوفيق ثُمّ دعا لأمريكا بالخلاص .
وانطلق بأقصى سرعة ، ولحسن الحظ أنّ الجدارَ المنفصل الواقف عليه الطفلان منخفضٌ عن الأرض .
فطارتْ الدراجةُ مرتفعة في الهواء لمسافة ما بين 15-17 مترًا وظلَّتْ في الهواء متجاوزة ألسنة الحِمم التي كادتْ تحرقه ، وبالفعل فقد قذف البركانُ جمرةً صغيرة التصقتْ بأسفل بنطلونه .
ثمّ بدأتْ الدراجة في الهبوط متّجهة إلى قاعدة المثلث الكبرى .
كانت الدراجة مسرعةً ، وأيّ فرملة مفاجأة سوف تقلبه هو والدراجة في الجحيم ـ ففرمل على مراحل ، المرحلة الأولى خفيفة وكذلك الثانية والثالثة والمرحلة الأخيرة كانت على بعد أربعة أمتار مِن حآفّةِ قاعدة المثلث قبل أنْ يفعلَها ، ثُمّ أسند بقدمه على الأرض وآمال الدراجة قليلاً فمالتْ وسارتْ تجاه أحد ضلعيِّ المثلث .
وظلّت الدراجة تدور حول نفسها عدة مرات حتّى استقرتْ .
جاك يعلم أنّ الدرّاجة لن تسطيعَ العودة مطلقًا لأنّها في مهبط ، وبالطبع فلن تصعدَ الدرّاجة ضد الجاذبيّة ، وحتى لو كان هذا جائزًا فالمسافة قليلة لكي يطير بها مجددًا .
فماذا يخبئُ جاك لنا ؟
*ومن المدهش ..كان يشاهد مشهدَ دراجة الملثّم بطلُ العالم في سباق الدرجات فقال دهشًا.. أنا ما أستطيع فعلها .
*وشعوب العالم يشاهدون حدث الملثّم عبر التلفاز، ولقد شاهدوا قفزته فخطفت أنفاسهم حتى أنّها صرفت أبصارهم عن موت آلاف الضحايا التي تسقط كلّ ساعة.
اشرأبتْ أعناقهم نحو التلفاز واستطلعتْ عيونهم نحوه محدّقين قائلين..لقد ألقى الفارس الملثّمِ هذا بنفسه في التهلكة رغم شجاعته ومهارته وشهامته .
*ومن الوادي الجديد نجد فهمان يشاهد هذا الرجل الملثّم وهو يلقي بنفسه لإنقاذ الطفلين غير مكترثٍ لحياته ، فتمنّى فهمان أن يكون مثله في التضحية والشجاعة.
يتبع

 

إبراهيم امين مؤمن غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
بشأن رواية قنابل الثقوب السوداء إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 6 11-12-2019 12:19 PM
قنابل الثقوب السوداء أو أبواق إسرافيل إبراهيم امين مؤمن أبعاد الإعلام 4 07-12-2019 01:07 AM


الساعة الآن 12:43 AM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.