املأ مساحات هذا المتصفح بما علق في ذهنك عن .. - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 522 - )           »          التربية والواقع الصادم . (الكاتـب : إبراهيم عبده آل معدّي - مشاركات : 0 - )           »          الشموخ والمجهول!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 4 - )           »          غُصْن بُرغَندِيّ _ مُجرّد رَأي (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 14 - )           »          [ جسد متـ.هالك ]! (الكاتـب : خالد صالح الحربي - مشاركات : 27 - )           »          بوح المشاعر!..حديث الذات! (الكاتـب : فرج البلاز - مشاركات : 139 - )           »          ليل جابك (الكاتـب : نوف مطير - آخر مشاركة : نوف الناصر - مشاركات : 3 - )           »          مُعْتَكَفْ .. (الكاتـب : نوف الناصر - مشاركات : 192 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7493 - )           »          [ فَضْفَضَة ] (الكاتـب : قايـد الحربي - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 75336 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات العامة > أبعاد أبعَادية > أبعاد المكشف

أبعاد المكشف يَفْتَحُ نَافِذَةَ التّارِيْخِ عَلَى شَخْصِيّاتٍ كَانَتْ فَكَانَ التّارِيْخُ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-16-2006, 12:49 PM   #9
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي


قالوا عنه :



الماغوط خسارة كبيرة، ولا أستطيع أن أقول عنه المرحوم، مثله لا يموت، وآثاره أكبر من أي تعبير، وأعماله أعظم تعبير عن قامته. هذا الأديب وهذا الشاعر عشق الحرية فعشقه الحرف، عشق الوطن فعشقته الكلمات. من خلال شعره وكلمته زرع آلاف الشموع التي ستبقى مضيئة


دريد لحام:

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:50 PM   #10
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي




لم يفاجئني خبر مماتك يا محمد، فأنت وأنا وآخرون من جيلك، الذين ما يزالون يجرعون من ضوء الشمس وينتظرون، مهددون في أجسادنا منذ سنوات، وبقاؤنا على قيد الحياة وقت إضافي (over time) لمباراة خارقة كنتَ ربحتَها في اعتقادي يا محمد الماغوط منذ أمد طويل. لقد استطاع الموت أخيراً أن يقتحم عليك الدار ولكنّ دخوله لم يكن انتصاراً في المباراة الحامية التي دارت بينكما طويلاً، فأنت الرابح منذ استطعت أن تبرهن بمواهبك المدهشة في السخرية واللامبالاة والجرأة أن الموت لن ينقص من بيدر سمعتك العالية قشّة واحدة، بل سوف يزيد بها من سنابل الذكرى أكواماً... لك الله يا محمد، .. فتصالحْ معه إنه غفور لأمثالك، أكثر مما تتصور.



شوقي بغدادي

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:51 PM   #11
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي


دخل الماغوط بجسده الضخم إلى معرض للخزف الشعري فلم يعجبه فكسره، وأجال نظرة من النافذة إلى الحياة ومن هناك فرّ إليها ولم يعد أبداً، هناك ظل يغني كمارد من الرقة أصيب بالاستياء من الدنيا، الماغوط مؤلم وجميل يمسك بيده قلماً كأنه الجمر، ويريد في كل يوم وكل قصيدة أن يحرق السفن منذ طارق بن زياد وحتى اليوم.
لم يعش الماغوط بسلام مع أحد، ولا مع روحه أبداً، كان ساخراً لأن المهزلة دائمة، وكان حزيناً لأن كل شيء يؤدي إلى الفقدان. وكان يائساً لأنه لم يجد لدى العروبة كلها لحظة شغف واحدة بالحرية.
موت الماغوط إعلان محزن عن الرحيل المتتابع للنسور الجدود وهي تهوي في باطن الأرض وقاع الذاكرة.
لقد مات أفصح الناطقين باسم الناس البُكَماء، مات الكمان الأحدب وهو يعزف لريحٍ قادمة



عادل محمود

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:52 PM   #12
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي


رغم سخريته غير المبررة من الثقافة والمثقفين، خاصة في سنواته الأخيرة كان محمد الماغوط أحد أبرز رموز الثقافة السورية طوال عقود، ليس باجتراحاته الشعرية والمسرحية الأولى فحسب، بل لأنه تحوّل منذ السبعينيات إلى منتج للثقافة الشعبية (بل والشعبوية بمعنى آخر). ويا للمفارقة؛ هذا الرائد لقصيدة النثر النخبوية والمعاشر الحميم لنخب بيروت الثقافية المتعالية أوائل الستينيات يكتب بدءاً من السبعينيات المقالة الصحفية المبسّطة، والمسرح المبسّط، والسينما المبسّطة.. هذا الريفي المزمن يتغلب على ثقافة المدينة التي تعلّق بها ولم يغادرها طوال عشرين عاماً بأن يحولها إلى استعارات وتشبيهات تأتي من الشعر ل<<تفش خلق>> كمٍ كبير من مأزومي الطبقات الوسطى المنهارة التي تعلّقت بالمخزون الكثيف لدى الماغوط، من السخرية المريرة المشوبة بالمباشرة والاستعارة الفجّين والمتناغمين الآتيين من أحلام ريف قصيّ ورومانسية أيديولوجيات طوطمية، رغم ادعائها الحداثة، إنه الإحباط الريفي العنيف هو الذي صنع من الماغوط كاتباً شعبوياً بدلاً عن رائد حداثي افتقدناه منذ زمن بعيد.. قبل أن نفتقد حضوره الفيزيولوجي المتثاقل والعدواني والحميم والمثير للحنين في آن واحد.


فاضل الكواكبي

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:52 PM   #13
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي


قال الماغوط: <<الموت فرح>>. لم تغب هذه العبارة التي ذكرها عباس بيضون عنه في مقالة له بعد زيارة إلى منزله في دمشق. لم تغب عني حين زرته لأول مرة في حياتي منذ أقل من شهر. كان الماغوط ممدداً على كنبة في صالونه الضيّق وكان مفروشاً بكل مراحل حياته ضمن بورتريهات مختلفة وكثيرة على الجدران المحيطة به. سألني ماذا أفعل الآن وأين أصبح إخوتي ووالدتي، وتحدثنا عن مسرحيته الأخيرة، وعن أشياء عديدة كان الشعر هو الغائب الوحيد عنها. كنت أنظر إليه وهو يشرب ويسكي ممزوجاً بالثلج ويدخن سيجارة إلى منتصفها ثم يرميها ويأخذ أخرى مباشرة، ولا أعرف هل انتبه إلى دمعة وحيدة في عيني وأنا أستعيد تاريخاً كاملاً من الشعراء انتميت إليه ذات يوم بحكم البنوّة، تاريخاً مليئاً بالدهشة والأمل واليأس والالتصاق بالحياة حتى الشغف بكل تفاصيلها، تاريخاً جذّر لمساحة شعرية كبيرة، رغم كل ما يمكن أن يقال عنه الآن، تذكرت أن الماغوط لم يكن يوماً معنياً بهذه الأحاديث، لم يقبل يوماً أن يُدرج ضمن حالة شعرية جمعية. كان أكثرهم إصراراً على التفرد، لهذا كان أكثرهم إصراراً على الحرية. لماذا على شاعر كهذا أن يشيخ وأن يجلس أشهراً طويلة على ذات الكنبة يشرب ويدخن؟ ما الذي كان ينتظره شاعر بحجمه وهو المليء بتفجراته ونفوره الداخلي إلى نسف كل التنظيرات والمصطلحات الشعرية والثقافية والسياسية. قال لنا إنه نال جائزة العويس عن الشعر وإنه سيسافر بعد أيام إلى دبي لاستلام الجائزة، قالها بحيادية تشبه حيادية الأحاديث التي تبادلناها معه. أخبرت العديد من الأصدقاء عن هذه الزيارة، قلت لهم أشياء كثيرة خطرت لي وأنا هناك، لكن شيئاً ما لم أقله لأحد، شيئاً أعرفه عن الشعراء بحكم البنوّة أيضاً، أن الماغوط، الذي لم تفارقه أبدية فعل الحياة، لم يسمح لهذه الحياة أن تتركه مجرد متفرج في غرفة ليس فيها غير حياته هو، ما لم أقله لأحد وقتها إن الماغوط سيذهب ليستلم جائزته بلا فرح، لأنه يوقن تماماً بأنه سيفرح بعد قليل قريب، فالفرح لم يكن مهنته في الحياة، أظنه اختار فرحه أخيراً حين اختار لحظة رحيله.



رشا عمران

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:54 PM   #14
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي


مات شاعري
مات بطلي
مات نموذجي ومثالي
ماتت المرآة التي كنت أرى نفسي منها.
مات مرشحي المفضل لجائزة نوبل للآداب
مات أبي.
مات محمد الماغوط، الذي كتب الشعر بأسنانه، مات المحارب للقصيدة باللحم الحيّ.
مات الملاكم العنيف، ولم يسقط بضربة قاضية. مات الوفي للشعر، والخائن لقصائد الآخرين.
مات المخمور باللغة، مات المقامر باللغة حين أفلس الآخرون.
مات الذي أحبني كشاعر وأزعر، والذي أحببته كشاعر الزعران.
لم أدخل يوما الى دمشق إلا وأسأل عن الماغوط، ولم أصافح صديقاً سورياً في بيروت إلا وأسأل عن الماغوط... اليوم اعتقد ان عاصمة للشعر قد سقطت في أيدي الموت...
مات فتى الشعر العربي، مات مشاغبها الأجمل، مات الذي تشيطن وتولدن وتصعلك وحربق وكان أجمل ابتسامة عرفتها الدموع العربية.
مات الشهواني الذي عشق الحياة وأسكنها في حديقته، وهو الذي جرّ الشوارع كالخيول الى إسطبل قصيدته لتشرب.
مات الوحيد والمتوحد والمنعزل والمعزول، مات صديق الجن والجناني.
هو شاعري الأجمل، هو أجمل حوار صحافي أجريته في حياتي المهنية وصديقي يوسف بزي.
مات الماغوط، يا شباب، أعتقد الليلة، سأشرب كأسك يا محمد، وأقول للساقي (واحد جن تونيك)...



يحيى جابر:

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 12:55 PM   #15
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي


يرحل الماغوط اليوم بعد أن صمت طويلا عن الشعر. لقد جرّب مرات عدة أن يعود ونشر قصائد وأعمالا جديدة. ولكننا كنا قد اتفقنا أن الشاعر لا يزال يواصل صمته. صمته ذاك الذي أعقب مجموعته الشعرية الثالثة (الفرح ليس مهنتي). والأرجح أنه كلما كان يشاع أن الماغوط يكتب الشعر مجددا، وأنه بصدد إصدار جديده في كتاب جديد، كان ذلك يزيد من وقع صمته الطويل ويعيد قصائده القديمة الى التداول. وأحسب أن رحيله اليوم يضاف الى صمته ذاك، رغم أنه صمت مختلف يستدعي حزنا وتقديرا خاصين لشاعر أثر في كثيرين دون أن يتعمد، وتربت أصوات نبرات شعرية شابة وجديدة في كنف قصيدته رغم ضيقها وخشونتها وسأمها وضجرها من العالم..
لقد صنع الماغوط في الشعر ما أراد أن يصنعه وانتهى من ذلك، تقريبا، قبل خمسة وثلاثين عاما. لقد صنع الماغوط اسمه وتوقيعه الشعري في (حزن في ضوء القمر) و(غرفة بملايين الجدران) و(الفرح ليس مهنتي). ضرب الماغوط (ضربته) الشعرية (ونام ملء جفونه عن شواردها) بتعبير المتنبي.
كتب الماغوط قصيدته دفعة واحدة، بخشونة وعزلة كاملتين: ولعل قصيدة خشنة الى هذا الحد ومنعزلة وضارية في نبرتها الى هذه الدرجة، قصيدة بهذه الصفات تصعب كتابتها لوقت طويل بالقابلية نفسها من الاحتجاج والضراوة والقسوة.
كتب الماغوط قصيدته منذ زمن بعيد، وكان ذلك كافيا كي تظل هذه القصيدة نضرة وحية حتى لحظة موته، وهي ستظل كذلك بعد موته.



حسين بن حمزة: قبل 35 عاماً

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-16-2006, 01:01 PM   #16
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 25

سلطان ربيع غير متواجد حاليا

افتراضي



حاوره : عبده وازن


* ما زلت تكره الحوار الصحافي و "السين والجيم"! كيف يمكننا أن نحاور محمد الماغوط برأيك؟

- بالعاطفة، السؤال والجواب ما زالا يذكرانني بالأمن ورجاله. ويذكرانني أيضاً بالمدرسة والأساتذة. وأنا أكره المدرسة منذ مراهقتي وقد طفشت منها باكراً.

* جائزة العويس التي حصلت عليها، ماذا تعني لك؟ ألا تعتقد أنّها تأخرت في الوصول إليك؟

- فرحت بها. ولا يهمّني إن كانت تأخّرت في الوصول اليّ. فرحت بها كما يفرح الصبي بالطابة.

* وماذا ستفعل بالمئة وعشرين ألف دولار؟

- سأصرف الكثير منها على الأدوية.

* وأمورك الصغيرة أو ملذاتك الصغيرة!

- لم يبق لديّ أي ملذّات. السيكارة والكأس فقط، وربما الانتظار. هناك أيضاً الأصدقاء القلّة الذين أحبّهم ويحبونني. أعترف لك بأنني مرتاح هكذا ولم يبق لديّ طموح الى أي شيء. حتى جائزة نوبل لا أطمح اليها. وأعتقد أن جائزة العويس أصدق من نوبل في مقوّماتها وأهدافها.

* ما قصة مسرحية "جلوس قيام" التي عرضت في دمشق والتي قيل انك هاجمت فيها بيروت؟

- هم أضافوا اليها. أنا لم أكتب كلّ النص. حتى إنني لم أشاهد المسرحية. أنا أعبد بيروت فكيف أهاجمها. كنت في المستشفى عندما أضافوا الى النص. أنا لا أهاجم بيروت مهما حصل.

* تتحدّث دوماً عن شاعر يدعى سليمان عوّاد وتعتبره الوحيد الذي أثر بك! ما قصّة هذا الشاعر شبه المجهول؟

- سليمان عواد شاعر سوري درس الفرنسية، كنت أحبّه كثيراً كشخص وأحب بعض أشعاره، وكان صديقي. لكنّه لم يطوّر نفسه. توّفي فقيراً وما زلت أحبّه حتى الآن وأتحدّث عنه بإعجاب.

* عندما شاركت في "خميس" مجلّة "شعر" للمرة الأولى في بيروت، شبهك بعض الحاضرين بالشاعر الفرنسي رامبو، بعدما استمعوا الى قصائدك بصوت أدونيس! ما رأيك بهذا التشبيه؟

- لم يعنِ لي هذا التشبيه شيئاً حينذاك. لم أكن أعرف رامبو ولم أكن قرأت له أيّ قصيدة. وأذكر أن شاعراً وناقداً أوسترالياً قال: اذا اخترنا أربعة أو خمسة شعراء كبار في العالم فالماغوط سيكون واحداً منهم. هذا الاسترالي قرأني بالانكليزية طبعاً. وهناك شاعر استرالي أيضاً يدعى جان عصفور، عربي الأصل، يعتبر أن تعريفي بالشعر هو الأجمل. ويقصد الجملة التي وردت في قصيدة لي وتقول: "سئمتك أيها الشعر. أيتها الجيفة الخالدة".

* ماذا تشعر عندما ترى شعرك مترجماً الى اللغات الأجنبية؟

- لا يعني لي شيئاً. الشهرة نفسها لا تعنيني أيضاً. وأنا لا أعرف أي لغة أجنبية.

* لكن الشعراء يسعون دوماً الى العالمية من خلال الترجمة!

- العالمية لا تعنيني. انها تعني أدونيس مثلاً. ثم أقول إنّ أي لحام يستطيع أن يصبح عالمياً: ليذبح امرأته، هذه طريقة اقترحها سبيلاً الى العالمية.

* أين أصبحت علاقتك بأدونيس؟

- تصالحنا أخيراً. اتصل بي عندما كنت في المستشفى. وقال لي: إشرب شعراً واسقنا شعراً. معظم خلافاتي مع أدونيس سببها أنا. رياض الريس كما يعلم الجميع لا يحب أدونيس. ومرّة أخذوا مني في جريدة "المنار"، التي كان يصدرها رياض، حديثاً هاجمت فيه أدونيس بشراسة وكنت ثملاً.

* وخالدة السعيد، شقيقة زوجتك؟

- انني أحبها كثيراً. قالت لي مرة: أنت مرصود والعين عليك وهناك أناس يحاولون أن ينالوا منك. وأضافت: أنت أكبر شاعر عربي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

* أشعر بأن الكراهية لا تغادرك؟

- الكراهية أصعب من المحبّة. هذه أمثولتي الشخصية.

* هل تخفف الكراهية والسخرية من سوداويتك التي تُعرف بها؟

- لا. السوداوية لا يخففها إلا حضور الحب والمرأة. الإحساس بالحرية كذلك. محبّة الناس لي. عندما كنت أمرّ في الشارع بلباسي العادي كان الناس ينظرون إليّ بإعجاب ومحبة. أياً كان كلامي يسمعني الناس بمحبة. حتى اذا شاهدوني وأنا آكل يُعجبون بي. مرّة أوقفتني امرأة محجبة في الشارع وسألتني عن يدي التي أكتب بها وقبّلتها. مرّة ركع الشاعر طلال حيدر أمامي وراح يمدحني. وابنة شقيقة زوجتي رامة فضة رمت ديواناً لأدونيس مرة وقالت: الماغوط هو إله الشعر. وقال يوسف الخال: هبط الماغوط علينا كإله اغريقي.

* يبدو أنك تحب المديح!

- لا أحتمل المديح ولا الاهانة.

الطفولة البائسة

* ماذا تذكر من طفولتك البائسة في قرية السلمية؟

- ولدت في السلمية وعشت فيها مراهقتي. كان حلمي أن أتزوّج من ابنة عمّي أو خالي وأنجب الأطفال. هذا كان حلمي أيام الفتوّة. لكن قدري كان أن أتزوّج سنية.

* ماذا تذكر من ملامح أمك وأبيك؟

- أمي كانت قوية مثل الرجال وربّتا هي بنفسها. وأذكر الألم الذي كانت تعانيه في ركبتها التي لم تكن تستطيع أن تطويها، وكانت أصيبت في ركبتها وهي شابة. أمي أثرت بي كثيراً. كانت جميلة وساحرة. أما أبي فكان من أبسط الرجال. رجل مسالم يعمل في الحصاد. وظلّ فقيراً طوال حياته. عاش "مديوناً" ومات "مديوناً". كنا نأكل البطاطا دوماً. نأتي بها من الحقل. أذكر وجه أمي الجميل، أذكر حنانها وقسوتها في الوقت نفسه. زارتني مرة في دمشق. كانت في الثمانين وكانت طلّها تحفظ بعضاً من جمالها القديم. وعندما سجنت في "المزّة" للمرة الأولى، ركبت أمي البوسطة وجاءت تزورني وتراني وراء القضبان.

* ماذا عن دراستك أنت الذي يكره المدارس؟

- لعب القدر لعبته، وتحوّلت من قروي فقير الى تلميذ في المدرسة الزراعية في الغوطة. وكان من تلاميذها أديب الشيشكلي وأنور السادات وصدام حسين. تصوّر. هؤلاء درسوا فيها.

* هل درست علم الزراعة حقاً؟

- درست القليل. وأذكر كان لدينا أستاذ فلسطيني اسمه رفّول خوّام وكان قاسياً جداً. مرة أعطاني علامة 19/20 من دون أن يسألني أي سؤال. ربما تقديراً لموهبتـي الشخصية. كنت أحبّ ميله الى الصمت. وربما منه تعلمت كيف أصمت. أما رفاقي في الصف فجنّوا حسداً.

* لكنك لم تكمل الدراسة!

- هربت من المدرسة سيراً على قدميّ، ولم أكمل الدراسة منذ ذاك الحين.

* وما قصة السجن الذي دخلته للمرة الأولى؟

- دخلت السجن عام 1955لأنني انتسبت الى الحزب القومي؟

* هل كنت حزبياً؟

- لا، أنا لا أحبّ الأحزاب. أنا شخص منفرد، أميل دوماً الى الوحدة.

* وماذا عن الحزب القومي؟

- دخلت الحزب القومي من دون أن أقرأ مبادئه. كنت فتى فقيراً وكانت لديّ حاجة الى أن انضمّ الى جماعة ما. وكانت قريتي السلمية تضج بفكرة الحزبية، وكان هناك حزبان: الحزب القومي والحزب البعثي. وقد اخترت القومي لأنه كان قريباً من المنزل، وفي المركز كانت هناك صوبيا (مدفأة)، أي أن الجوّ كان دافئاً، بينما المركز البعثي بلا صوبيا. لم أقرأ مبادئ الحزب، وفي الاجتماعات كنت أنعس وأتثاءب. وأذكر انهم عندما كانوا يتحدثون عن المناقبية الحزبية كنت أفكر بالمخدّة. عندما كان ينتهي البرد كنت أهرب من الاجتماعات. ومرّة كلفوني بجمع التبرّعات للحزب فجمعت ما يكفي لشراء بنطلون وفررت.

* أي أنك لم تكن أيديولوجيا؟

- أبداً. كنت فتى يافعاً. لكنني سُجنت بتهمة الانتماء الى هذا الحزب. لكن هذا لا يعني أنني لم تكن لديّ حماسة ضد الظلم والفقر والعار القومي. إلا أنّ السياسة لم تعنِ لي الكثير وكذلك الأحزاب. أنا شخص فرديّ جداً. لكنني أعترف أنني كنت أحب انطون سعادة وأحترمه. وقد سحقني إعدامه بقوّة.

* هل كتبت عنه؟

- لم أكتب عن انطون سعادة مع أن إعدامه سحقني. اعترف أنني لم أقرأ كتبه.
انني ضدّ الإعدام. إعدام تروتسكي آلمني كثيراً أيضاً.

* هل انحزت الى تروتسكي مثل بعض المناضلين العرب؟

- كنت أحب تروتسكي لكنّني لم أحب الشيوعية.

* نعود الى السجن! كم مرة سجنت؟

- مرتين، وأثر السجن لم يغادرني يوماً. صحيح انني لم أمكث في السجن سنوات، لكن الأشهر التي أمضيتها كانت كافية لتغيّر حياتي كلها. في العام 1955 سجنت نحو تسعة أشهر، وفي العام 1961 ثلاثة أشهر. وكان الشهر بطول سنة وأكثر.

* هل غيّر السجن نظرتك الى الحياة؟

- كثيراً. كنت في العشرين من عمري، وكنت أظن أن السجن هو للمجرمين والقتلة. وعندما سجنت في المرة الأولى شعرت بأن شيئاً جوهرياً تحطّم في داخلي. كلّ ما كتبته وما أكتبه هو أشبه بعملية ترميم لتلك التجربة المرّة والقاسية. وما زلت أرمم آثار هذه التجربة حتى اليوم. ولا أبالغ ان قلت إن أمل الحياة سقط في السجن. وكذلك الجمال والفرح. كان هناك الكثير من الرعب. قسوة ورعب. كنت ضعيفاً وغير قادر على استيعاب ما يحصل ولا على تحمّل الإذلال والظلم. حذاء الشرطي لا أنساه. كان الشرطي يقطر عرقاً وهو يمارس فعل التعذيب. والفادح في الأمر أنني حتى الآن لم أعرف ما هي التهمة التي قادتني الى السجن، أنا الفتى الفلاح والقروي البسيط، الذي لا يعرف شيئاً عن العالم. وانتمائي الى الحزب القومي كان عابراً ولم أكن حزبياً.

* ماذا تعلّمت في السجن؟

- السجن مدرسة تعلّمت فيها الكثير. السوط علّمني. الحذاء العسكري علّمني. لقد أثر السجن فيّ كثيراً في مطلع شبابي. فيه اكتشفت اللون القاتم للحياة. واعتقد أنّ شيئاً في داخلي انكسر ويصعب عليّ تجبيره حتى الآن. في السجن تعرّفت على الخوف وصرت أعرفه. وما زال الخوف يرافقني. الأمان فقدته في السجن وصرت أشعر بأنني أعيش قلقاً بلا أمان أو طمأنينة. ولا أخفيك أنني كنت أبكي في السجن وأصرخ لا سيما خلال التحقيق.

* قلت مرة أنك تعرّفت الى أدونيس في سجن المزّة!

- صحيح. لكنه كان في زنزانة أخرى. كان مهجعه قبالة مهجعي.

* لكن أدونيس استطاع أن يتخطّى هذه التجربة؟

- صحيح. أدونيس له تركيبته الخاصة. ولا أعرف كيف تخطى هذا الأمر.

* هل استطعت أن تكتب في السجن؟

- أجل، كتبت بعض المذكرات واستطعت أن أهرّبها عندما خرجت، بين ملابسي الداخلية.

* قصيدة "القتل" كتبتها في السجن أيضاً!

- لم أكن أعرف أنها ستكون قصيدة. نشرتها مثلما كتبتها ولقيت صدى طيّباً.

* كيف تقرأ هذه القصيدة اليوم؟

- بألم.

* لكنها كانت إطلالتك الشعرية الأولى!

- صحيح. السجن جعلني شاعراً. بل جعلني أيضاً اكتشف معنى الحياة والمرأة والحرية والسماء...

* ألم تكتب قبل دخولك السجن قصائد أو نصوصاً؟

- كان لديّ بعض المحاولات. محاولات البدايات. لكن قصيدة "القتل" كانت الباب الذي دخلت منه الى عالم الشعر.

* كيف كنت تقضي الوقت خلف القضبان؟

- كنت أدخّن وأحلم على رغم الخوف والقلق. وكنت أقرأ. قرأت كثيراً.

* كيف كنت تحصل على الكتب؟

- صديقي العزيز زكريا تامر كان يزورني ويمدّني بالكتب.

* هل فكرت أن تزور سجن المزّة بعد إقفاله؟

- لا، هذه ذكرى أليمة.

* هل تدافع عن سجناء السياسة والفكر؟

- أجل، إنني معهم جميعاً. أنا ضد سجن السياسيين والمفكّرين أياً كانوا. ومن الظلم حقاً أن يبقى في العالم سجن سياسيّ.

* هل تحلم بأن يأتي يوم لا يبقى فيه سجن سياسي!؟

- أجل. السجن شيء بشع وقاتل. تصوّر، هناك سجون ليس فيها مراحيض. أنا كنت أبرد في السجن وكنت أجوع. وأشعر حتى الآن أنني لم أشبع. في حياتي جوع دائم هو أقوى منّي. هذا جوع تاريخيّ.

* غالباً ما تتحدث عن قناعات ثابتة لديك. ألا تتغيّر القناعات على مرّ الزمن؟

- القناعات ثابتة ولا تتغيّر مهما حصل. والثوابت هي: الحرية، الكرامة، الرأي، اللقمة الكريمة، الجرأة... أنا واقعي جداً ولا أحبّ أن أفلسف الأمور. أنا شاعر صورة ولست شاعر فكر. لا فكر في شعري، وصورتي الشعرية واضحة ويمكنك أن تراها.

* ماذا تعني لك فكرة تغيير العالم التي شغلت شعراء كثيراً؟

- لا تهمّني. ولا يهمّني أن أغيّر العالم. ولم أحاول أن أنخرط في أيّ حركة من أجل تغيير العالم. الكلمة هي الأهم. أنا لا أؤمن بالثورة التي تريق الدم. ولا بالرصاص. أنا شاعر وأكره الدم.

القصيدة وحدودها

* لا حدود تفصل لديك بين القصيدة والمقالة! أحياناً يشعر القارئ بأن المقالة أشبه بقصيدة والعكس!

- صحيح لا حدود بين النصوص التي أكتبها. هذه ليست لعبة ألعبها على نفسي وعلى القارئ. انني أكتب. أحياناً تطلع معي قصيدة وأحياناً مقالة. كل شيء عندي مادة للكتابة. حتى البصقة مادة شعرية. ولكن عليك أن تعرف كيف تبصق وعلى مَن. أي كلمة هي كلمة شعرية شرط أن تحلّ في محلّها.

* هل خفت يوماً ان تسرق المقالة القصيدة منك؟

- لا. لم أخف يوماً على القصيدة، لا من المقالة ولا من سواها.

* السخرية لافتة جداً في مقالاتك!

- أحب السخرية كثيراً. وكلّ كاتب "جدّي" (جادّ) يلزمه علاج نفسي. لديّ إحساس عميق بالسخرية. وأكره السماجة كثيراً. أحبّ خفة الظل.

* روايتك الوحيدة "الأرجوحة" هل أردتها سيرة ذاتية؟ ألست أنت بطلها "فهد التنبل" و "غيمة" هي سنية صالح زوجتك الشاعرة؟

- أنا لم أكتب "الأرجوحة" مثلما نُشرت. جاءني رياض الريّس وطلب مني نصوصاً لمجلّة "الناقد" التي كان باشر في إصدارها. أعطيته نصّاً كان عندي، هو سمّاه "الأرجوحة". هذا النصّ بدأت في كتابته أيام السجن. وخبأته عند أمي. عندما قرأته بعد خمس وعشرين سنة وجدت أنّه تغيّر. كنت أكتب ما يشبه الرموز. أعطيتهم النص كما هو ففكوا رموزه،. وطبعوه. وهم اختاروا اسم "غيمة" ليرمزوا به الى سنية زوجتي.

* لماذا لم تُعد أنت بنفسك كتابة هذا النص الروائي؟

- لا أستطيع كتابة الرواية. خلقي ضيّق عليها. الرواية تحتاج الى منطق. وأنا أكره المنطق، خصوصاً في الكتابة.

* تصدر قريباً الأعمال الكاملة لزوجتك الشاعرة سنية صالح! ما انطباعك؟

- انني في غاية السعادة لصدور هذه الأعمال. سنية شاعرة كبيرة. لقد تأخروا كثيراً في نشر هذه الأعمال. وقصّروا كثيراً في حقها.

* ألا تعتقد ان اسمك ظلمها شعرياً؟

- اسمي طغى على اسمها. اسمي ظلمها صحيح. نظرتي اليها لم تتغير لحظة. انها شاعرة كبيرة ويجب أن تنال حقها. ديوانها "ذكر الورد" قمة شعرية وكانت كتبت قصائده وهي على فراش الموت.

* كيف كانت علاقتكما، كشاعر وشاعرة؟

- كنت أقرأ لها قصائدي قبل نشرها، لكنني لم أكن أقرأ شعرها قبل أن تنشره. وهي أصلاً لم تكن تطلعني عليه، أدونيس كان يموت فزعاً من رأيها. كان لديها حسّ شعري كبير.

* وظُلمت سنية كامرأة أيضاً. أليس كذلك؟

- أجل، ظلمت كامرأة. كانت مثل النسيم العابر.

* لو قدر لك ان تحيا معها حياة جديدة كيف تتصور هذه الحياة؟

- ستكون الحياة نفسها. أنا لن أتغير وهي لن تتغير. لم أتزوج بعدها. وأكشف لك أمراً: سنية وشقيقتها خالدة سعيد عانتا الكثير تحت سلطة الخالة. فوالدهما تزوج بعد وفاة زوجته أي أمهما. انني رفضت الزواج لئلا تعيش ابنتانا تحت سلطة الخالة. وعندما كانت سنية تحتضر كانت "تملحس" بيدها على ركبتي قائلة: أنت أنبل رجل في التاريخ.

* كيف تعرّفت الى سنية؟

- تعرفت اليها في بيروت، في بيت أدونيس. وكانت مجلة "شعر" حينذاك نشرت لي قصائد. دخلت سنية وأبدت إعجابها بالقصائد. وكان الحب ثم الزواج.

* هل تشعر بندم ما لأنك لم تكمل التعليم وانطلقت الى الحياة بالقليل مما حصّلت؟

- أشعر بالندم لأنني تعلّمت أن أقرأ وأكتب. كنت أتمنى أن أظل ذاك الفتى الأميّ الذي يرعى الغنم ويعيش في القرية حياة النوَر والغجر.

* لكنك أصبحت شاعراً!

- الشعر متعة. مع انني لم أكن أعرف أن ما كتبته في السجن كان شعراً. كنت أكتب بعفوية تامة. وبعض ما كتبت كان على ورق البافرا، وهو نوع رخيص من الدخان، كنا نحصل عليه في السجن. وقصيدة "القتل" التي جعلتني شاعراً، لم أكن أعتقد انها قصيدة نثر كما صنّفها القراء والنقاد.

 

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فــــــــــــؤاد الأم محمد سامي أبعاد العام 3 03-21-2008 07:15 PM
أفتحي لي أبواب الجنة يا أمي سعود الروابة أبعاد المقال 9 04-01-2007 07:56 PM


الساعة الآن 10:28 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.