"أستسمح كل من يمر بهذا الموضوع على هذه الإطالة"
إذاً ..فلنفتح باب العموميات على مصراعيه فما يبدو لي هو أن رحى الحوار تدور حول قضايا فكرية كبرى
أسس الاختلاف فيها يعود إلى اختلاف المرجعية الفكرية ولا أقول " العقائدية " وهذا مما لابد منه (( ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ))..ولابد أن نعترف بأن مثل هذه الحوارات استمرت لعقود طويلة منذ ولادة فكر التنوير
عند النخب العربية المثقفة وربما أقفلت مثل هذه السجالات منذ زمن بعيد نسبياً على غير توافق ،وليكن أننا نجدد أحاديث الأمس من خلال حواراتنا المثمرة في منابر أبعاد أدبية ذات المرجعيات المتعددة ...
*العقائدية والفكر:
العقيدة حتماً فكر ولكن الفكر ليس بالضرورة عقيدة أو أنه نابع منها (( ليس بالضرورة )) ، عندما أقول فكرفأنا أولاً أعني العقل ..يتحول الفكر إلى عقيدة عندما يقعّد الفكر فيتحول إلى قواعد قارّة من صفتها الثبات وكل مايصدر عنها يسمى فكراً عقائدياً .((الفكر العقائدي الديني ، الفكر العقائدي الأيديولوجي....))
العقل العقائدي يتعامل مع أي فكر خارج عن عقائديته بطريقتين :
1ـ الرفض سلفاً لمجرد مخالفة العقيدة " الدوغمائية "
2ـ الولوج ضمن هذا الفكر المغاير ومناقشته "من باب الثقة المطلقة بالعقيدة التي هو عليها فهو لايخشى على نفسه من الأفكار المغايرة ..يناقشها فما وافق عقيدته وساعد على منحها صفة الصيرورة ة والحصانة أخذ به ، ووظفه في الإطار الفكري النقدي العقائدي ، وماتنافر مع عقيدته تركه ..معترفاً به كونه فكر مناهض ..
الفكر العقائدي الإسلامي "وأحمد الله أنني من حملته "وفي فترة العصور الذهبية التي مر بها أنتج تاريخاً فكرياً
نموذجياً أعتمد فيه حملة هذا الفكر من الأساطين والأفذاذ الطريقة الثانية فقد تم الإنفتاح على الآخر المغاير
" الإغريق"الوثنية " ـ اليونان ـ الفرس" المجوسية" ـ الرومان" الوثنية /المسيحية"ـ الهندوسية الهندية... ..." بطريقة الواثق من عقيدته تم الولوج في هذه الثقافات .."ابن سينا ، ابن زهر ، ابن خلدون ، البتاني ............."
لاتجد موضعاً في مؤلفاتهم إلا وترى أفلاطون ، أفلوطين ، أرسطو ، رهبان الأديرة ...عندما قدموا على قضية الشعر عند أفلاطون لم يقولوا إنه وثنياً فدعكم مما يقول بل على العكس تناولوا الفكر الأفلاطوني كفكر وأدوات بغض النظر عن العقائدية وبهذه الطريقة والأمثلة عديدة تحققت الفائدة الكبرى في الفتوحات الإسلامية حيث أنهم ناقشوا الأخر بأدواته
فانتشر فكرهم العقائدي ولاقى القبول ..مثلاً عندما ترجمت كليلة ودمنة لم يقولوا إنها تراث هندوسي دعكم منها
إنهم نظروا إلى الحكمية الهائلة في تلك النصوص " الحكمة ضالة المؤمن .."
ولأقترب أكثر يقول الحديث الشريف "حدثوا عن بني إسرائيل ولاحرج" (صحيح مسلم )
الأمثلة كما تعلميين كثيرة ولاتحصى ولعل المستشرقة "زغرد هونكة "بكتابها الشهير(( شمس الشرق تسطع على الغرب)) تأكد أنه لم يمر في التاريخ الإنساني حضارة أثرت وتأثرت مثل الحضارة الإسلامية
وبالعودة إلى موضوعنا (( المذاهب والمدارس النقدية الغربية )) بعد هذا التمهيد الذي كان لابد منه أقول
إن المعرفة والدراية بهذه المذاهب والاستفادة من طروحتها تأتي مما أسلفت ذكره ولو تقتربين من هذه الطروحات تجدين أنها فكرية بحتة تخلو من العقائدية فأصحاب هذه المدارس ظهروا بعد اندثار العصر الكنسي " البطرركي " في أوربا ..وعليه لماذا أرفض رولان بارت عندما طرح قضية التناص وقال (( لايوجد نص أول )) هل لأنه مناهض لي عقائدياً وهذه العبارة هل ستعصف بأجيالنا إلى التشتت والهلاك إن أقرو ا بها..على العكس أنا أستنبط من تاريخنا من قال هذه المقولة في يوم من الأيام وأحاول المزاوجة بين الرأيين لخدمة الفكر النقدي الأدبي العربي ...
نحن جيل مسؤول الويل لنا إن وقفنا عاجزين أمام هؤلاء وحجتنا أنهم ليسوا على ديننا ..
نحن على شريعة سمحاء واضحة نقية واثقة كفلق الصبح فممن أخشى وأخاف إن لم نكن نحن الضعفاء في تحصين تاريخنا وفكرنا وعقائدنا ..عندما تدور دوائر الفكر الإنساني الأممي في المحافل لابد أن يكون من هذه الأمة وفي هذا العصر من يرفع صوته ليقول " أنا زعيم قافلة الفكر المعاصر ولا أرضى أن أكون حادٍ فيها "
كم من أصحاب الفكر المغاير في هذا العصر دخلوا الإسلام كيف : من خلال مناقشة عقولهم بأدواتهم هم ...
عندما نناقش نصاً أدبياً وفق هذه الأدوات نحن نخاطب الأمم ونقول " نعم نحن على قدرة بلغتنا ولساننا وعقيدتنا من توليد مثل هذه النماذج المنسجمة مع الفكر الجمعي الأممي الأنساني.." ولاشك أن هذه النماذج نحملها روح تاريخنا وتراثنا الناصع (( الماركيز غابريل غارسيا هكذاجعل من مجتمع أمريكا اللاتينية حاضراً بين المجتمعات))
الموضوع يحتاج إلى حذر ٍ كيّس فطن أريب يأخذ الطيب ويترك الغث الخبيث.. حارس على أجيال أمته حرص عليهم..
نعم ..حضارتهم مادية ..خواء روحي ,,,,,,,.....إلخ..ولكن أمثال هؤلاء من أصحاب الفكر من أشد المعارضين والمستاءين مما يحدث إنهم خاصة الخاصة في مجتمعاتهم(إنهم حاكموا مجتمعاتهم بكل مايعتريها من إخفاقات في مجكمة العقل قبل يحاكموا ويخاطبوا المجتمعات الأخرى ) ..إقرؤا ..عنهم ستعرفون ذلك قبل أن ترفضوهم سلفاً وعلينا أن نميز ونفهم مايصدرعنهم
فمايصدر عن العقل المتجرد واضح وما يصدر عن عقيدة المتكلم واضح أيضاً ..نحن شركاء فكر ولسنا شركاء عقائد " هذا مافعله البياتي ، ونازك الملائكة ، السياب ، عبدالله الغذامي ، ميجان الرويلي، سعد البازعي ، قاسم حداد ،المسيري....."عندما يبرر الآخر تصرفاته براغماتياً فنحن نسقط رأيه براغماتياً أيضاً بنفس أدواته
هذه الطريقة بينها الوحي المطهر عندماخاطب قومه الخليل إبراهيم وكذلك خاطب النمرود (( فبهت الذي كفر ))
*تنويه:
عندما نناقش النصوص والعطاء الفكري حتماً وحصراً من خلال عقيدتنا فقط نحن هنا نمثل محاكم شرعية ولن نكون أصحاب فكر ناقد موضوعي
النص نناقشه فنياً وننظر إلى أداء كاتبه اللغوي والتراكمات الثقافية في معين الكاتب وما تأثر به ونعطي رأينا فيه ومن ثم نناقش عقائد هذا النص وفكره فإما نقبل بها أو نرفضه وفي حال كان هذا الفكر موتوراً يحمل سمة التجني والتعسف بحق الآخر والكيدية واللاموضوعية فلاشك بأننا سنواجهه بنصوص وآراء ودراسات تدحر وتدحض هذه المزاعم ونسقطها ومن هنا وفي مثل هذه الآونة التي يتم التجني فيه علينا تأتي ضرورة تواجدنا على المستوى الأممي(( وقد مثله في يوم من الأيام د. أحمد ديدات في المناظرة التلفزيونية الشهيرة والتي أثلجت صدور الملايين وكان من الواضح معرفة ديدات بلغة الآخر وخصوصياته وثقافته))
نعم لاشك أن رائحة التخصص تفوح من حديثي ولكنني عندما أخاطب نبض الحروف أعرف تماماً أنها إن لم تكن من أهل التخصص في النقد فهي حتماً تسعى لذلك وهذا ما لمسته في مداخلاتها الثمينة.. ............................................
" يتبع" (حول الفكرة في النص الأدبي والتركيز عليها نقدياً)