محمد عابد الجابري - الصفحة 2 - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
اوراق مبعثرة!!! (الكاتـب : محمد علي الثوعي - مشاركات : 530 - )           »          لاَ مِسَاس ... ! (الكاتـب : جليله ماجد - مشاركات : 568 - )           »          قال لي مجنوني .. (الكاتـب : كامي ابو يوسف - مشاركات : 1 - )           »          رثاء متأخر، وعتب على الـ"غرغرينا"! (الكاتـب : حسام المجلاد - مشاركات : 6 - )           »          ورده رقيقه .. (الكاتـب : تفاصيل منسيه - مشاركات : 0 - )           »          >الحــالــة الآن ! (الكاتـب : رحيل - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 470 - )           »          طفل الغيم (الكاتـب : أحمد عبدالله المعمري - آخر مشاركة : سعيد الموسى - مشاركات : 1 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 518 - )           »          تساؤلات تضج بالإجابة (الكاتـب : نواف العطا - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 255 - )           »          سقيا الحنايا من كؤوس المحابر (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 7499 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات العامة > أبعاد أبعَادية > أبعاد المكشف

أبعاد المكشف يَفْتَحُ نَافِذَةَ التّارِيْخِ عَلَى شَخْصِيّاتٍ كَانَتْ فَكَانَ التّارِيْخُ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-06-2006, 07:06 AM   #9
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 660

سلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي أعماله


له العديد من الكتب المنشورة التي أحدثت قفزة في أسلوب نقد التراث العربي :

نحن و التراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي (1980)

العصبية و الدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي (1971)

تكوين العقل العربي ( نقد العقل العربي 1 )

بنية العقل العربي ( نقد العقل العربي 2 )

العقل السياسي العربي ( نقد العقل العربي 3 )

العقل الأخلاقي العربي ( نقد العقل العربي 4 ) .

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2006, 11:33 AM   #10
خالد صالح الحربي

شاعر و كاتب

مؤسس

عضو مجلس الإدارة

الصورة الرمزية خالد صالح الحربي

 







 

 مواضيع العضو
 
0 🌹
0 🌹
0 الرَّبِيعْ : سلطَانْ
0 [ مشذوبة ]!

معدل تقييم المستوى: 63490

خالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعةخالد صالح الحربي لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


***
قِلّةٌ من يُقدّرون ذلك العضو المدعو بالعقل..
ليكون كما يجب أن يكون ، وكما خلَقهُ وأوجدهُ وأعدّهُ الله..
ولذلك كان لقاءُ البارحة على قناة.. الجزيرة.. " عسَلاً ".. فيه شفاءٌ للنّاس..
لم يُكدّره أو ينجّسهُ سقوط بعض " الذباب الوطني ".. فيه..
بإختصار محمد عابد الجابري هوَ ورقةٌ عربيّة.. مغربيّةٌ رابحة..
ورَقةٌ ذات قيمة.. في زمَن الأوراق.. عديمة.. القيمة.

 

التوقيع

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

خالد صالح الحربي متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم 09-20-2006, 08:11 PM   #11
قايـد الحربي

مؤسس

عضو مجلس الإدارة

افتراضي


:

استضافتْ قناة الجزيرة مباشر في برنامجها ( مباشر مع .. )
الدكتور والمفكر / محمد عابد الجابري .

وسأعتمد على ذاكرتي ببعض ما جاء في اللقاء :

- كان محور الحوار عن " دور المثقف العربي " و لا يساورني
شكٌ في أنّ هذا هو الخطأ الذي وقع فيه معدو البرنامج لأنّ
مفكراً وناقداً كالجابري لا يُستضاف ويُسألُ عن هكذا " قضيّة "
لأنّ قضيته الأكبر والجامعة لأطروحاته ليستْ في هذا الجانب
مع إثباتي لروعة ما قال .

- في مداخلةٍ لمشاهد تحدث عن " المثقف العربي " وما إنْ انتهى
من مداخلته إلاّ وأعلنها الجابريّ مدوية : بأنّه لا وجود لمسمّى مثقف عربي
والسبب يعود في نظره لمقتضيات العصر التي جغرفتْ العالم العربيّ وجعلت
بين أوطانه حدوداً لا تعبرها إلاّ بالأوراق وتحدى الجابريّ أي عربيّ يستطيع
تمزيق إثبات جنسيته ويصرخ بأنّه عربي فقط .

- أكد الجابريّ حين سئل عن الفرق بين المثقف قديماً وأنّه القادر على المواجهة
بخلاف المثقف الآن أنّ الأمر يعود للاستبداد من قِبل الحكّام للمثقفين المعارضين
واستقطاب المؤيدين و قال بأنّ الذين حول الحكّام الآن من مستشارين هم المثقفون
أنفسهم لاغيرهم لكنّ الاختلاف بين عقلية الحاكم سابقاً و الآن .

- وقال بحكمة الناقد أنّه لا يمكن إلغاء فكرة العبد وسيّده وإنْ كان هناك
عبد فلابدّ من وجود سيدٍ له والعكس لكنّه أكد على كيفية التعامل بين العبد
وسيده للوصول إلى طريقة أفضل للحياة بدلاً من تضييع الفرص في فكرة الإلغاء .

- كان أحد المتصلين الدكتور / عوض القرني والذي أثبت - كعادته بالإثبات -
أنّه الفكر الأضيق وذلك بشنّه - تلميحاً - هجوماً على المثقفين العرب الذين
جاؤا بالنظريات الغربية وما هذه المقولة إلاّ عقدةً لدى عوض القرني من
الغرب وإلغاؤه بالكامل لكل ماعندهم من مفيد ولا أشكّ بأنّه لم يقصد إلاّ
الدكتور الجابريّ الذي أجابه بالتجاهل التام لأنّه يرى أنّ هناك ماهو أهم
من هذه الخزعبلات .

ــــــــــــــــــــــ

أثناء البرنامج :
- قمتُ بإرسال رسائل جوال عن موعد اللقاء لكل من أيقنتُ باهتامه
بهذا المفكر .
- رسالة جوال من خالد صالح حين انتهاء البرنامج " لو كان اللقاء
مع فيفي عبده لكان أطول "
وقمتُ بالرد : " ياعزيزي نَفَسُ الطفل هو الأقصر على وجه الأرض
لأنّه الأطهر ، على عكس المسعول " نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة

ـــــــــــــــ

شكراً قناة الجزيرة مباشر
وشكراً لجابر الفكر : الجابريّ .

 

قايـد الحربي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-21-2006, 08:25 PM   #12
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي



شكراً للجزيرة مباشر هذا اللقاء
وشكراً للدكتور الفيلسوف / محمد عابد الجابري
وشكراً لمن أدار هذا الضوء إلى هناك .

كنت أترقب هذا اللقاء وأبتسم عندما تقترب الساعة من موعد العرض .

كنت كـ من يريد التنفس وأكسجينة فكر محمد عابد الجابري
صعدت معه للأعلى كـ فكرة .

كان اللقاء قصيراً
بعكس كمية الفكر المتداول .

الإعداد لم يكن بالمستوى
وقّصر قامة وقت البرنامج أيضاً .

فهل يعقل بأن يستضاف من بحجم الجابري
وهو من يتصدق بفكره على من لا يجدون قوت أوراقهم
من التاسعة فكراً وحتى العاشرة عقلاً فقط .

أطل علينا من اسطنبول
لـ يثقلنا بفكرة ويترك لنا الليل نور والبحر عذوبة .

تحدث عن العديد من النقاط التي تخص المثقف العربي
وعن مشاكل الفكر والثقافة في بلداننا
والإقليمية الفكرية
والاستعمار وإدانته له بكل طيوفة .

وعن علاقتنا بالخارج وبأنها تقف بـ هل نقبل بالهوان أم لا
وبأن لكل ثقافة ضريبة وجزء من الإهانة .

وتحدث أيضاً عن التبعية المشتركة فـ لولا وجود العبد لما وجد السيد
والتي تحدث عنها أخي / قايد الحربي في ردة السابق بـ إسهاب .

وعن العجز عن الشيء لا يلغي الطموح به .

وعن علاقة الجار بجارة السيئة
وعلاقتك الجيدة بجار جارك .

والكثير من المواضيع المعاصرة .

خرجت محملاً بالفائدة
ومن الواجب الشكر لجميع من قام بتقديم وجبة الفكر الدسمة لنا .

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-29-2006, 09:42 PM   #13
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

افتراضي




البابا وابن حزم : القدرة الإلهية والضرورة العقلية
محمد عابد الجابري


في المحاضرة المثيرة التي ألقاها الباب بينديكت السادس عشر، وتعرض خلالها لمكانة العقل في الإسلام، جاء قوله: "وفي هذا الإطار يستشهد خوري بالمستشرق ر. أرلنديز R. Arnaldez الذي ذكر أن ابن "حزن" (ابن حزم) قد بالغ في هذا الأمر إلى درجة أنه يصرح أن الله ليس ملزما بتنفيذ ما يعد به (العبارة الإسلامية : لا يجب عليه تنفيذ وعده ووعيده كما سنبين)، وأنه لا شيء يلزمه على التصريح لنا بحقيقة ما يريد (بالعبارة الإسلامية : "يقدر على الكذب"). فإذا أراد لنا الله أن نعظم الأصنام، فليس لنا إلا أن نخضع لإرادته (وهذا الذي ينسبه هنا لابن حزم خطأ، كما سيتضح لاحقا).

في القرآن آيات يفيد ظاهرها معنى وأخرى يفيد ظاهرها معنى مختلفا وأحيان مناقضا. وقد ارتأى كثير من المتكلمين أن تجاوز هذا المشكل يكون برد المتشابه من الآيات إلى المحكم. لكن قد يحدث أن تتدخل ميول الفرقاء، فما يعتبره فريق محكما يعتبره فريق آخر متشابها.

من ذلك مثلا أن المعتزلة يعتبرون قوله تعالى "ليس كمثله شيء" (الشورى 11) محكما وما يتناقض معه عدوه من المتشابه. ولذلك قالوا بالتنزيه المطلق للذات الإلهية فنفوا عنه تعالى جميع الصفات التي فيها تشبيه بالإنسان سواء المعنوية منها كالعلم والإرادة أو الحسية منها كالسمع والبصر الخ، وقالوا مثلا هو عالم بذاته لا بصفة زائدة عليها أو هو عالم بعلم وعلمه ذاته. وفي إطار هذا التنزيه المطلق قالوا إنه تعالى الله منزه عن جميع أشكال النقص. وبما أن فعل القبيح (كالظلم والكذب الخ) نقص فالله منزه عنه وبالتالي لا يفعل إلا الحسن والصلاح وجوبا، مستندين في ذلك إلى آيات من القرآن كثيرة مثل قوله تعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فصلت 46)، وقوله: "وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا" (الكهف 49)، وقوله: "اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ" (البقرة 51. تكررت هذه الآية عدة مرات)، وقوله: "كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ (الأنعام 12) الخ ومن هنا عبارتهم "يجب على الله فعل الصلاح"، وبعضهم قال: "الأصلح".

وقد رد عليهم خصومهم من أهل السنة والأشاعرة والظاهرية بالاحتجاج بآيات كثيرة يصف تعالى فيها نفسه: بـ: "عليم"، "حكيم" "سميع"، بصير" متكلم" الخ، وأنه: "عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"، وأنه "لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ" (الأنبياء 23).

والذين يعترضون على القول بأن الله قادر على "كل شيء"، يقولون إن ذلك يستتبع أن يكون قادرا على الظلم والكذب. ويضيفون: إنه ما دام قادرا على الظلم والكذب فلما الذي يضمن لنا أنه لم يفعلهما الآن، أو أنه لن يفعلهما في المستقبل؟

هذا اعتراض ذكره ابن حزم على لسان الخصم، ليرد عليه ويفنده، وليس هو رأيه كما في خطاب البابا. وفيما يلي نص كلامه، قال: "قال ابن حزم: "فإن قال قائل: فما يُؤَمِّـنُـكم، إذْ هو تعالى قادر على الظلم والكذب والمحال، من أن يكون قد فعله أو لعله سيفعله فتبطل الحقائق كلها ولا تصح، ويكون كل ما أخبرَنا به كذباً"؟

يرد ابن حزم قائلا: "وجوابنا في هذا هو أن الذي أَمَّنََنا من ذلك ضرورةُ المعرفة التي قد وضعها الله تعالى في نفوسنا، كمعرفتنا أن ثلاثة أكثر من اثنين، وأن المُميِّز مُميِّز، والأحمق أحمق، وأن النخل لا يحمل زيتوناً، وأن الحمير لا تحمل جمالاً، وأن البغال لا تتكلم في النحو والشعر والفلسفة، وسائر ما استقر في النفوس علمه ضرورة".

ومما تجدر الإشارة إليه هنا أن قول ابن حزم بالضرورة العقلية التي ركبها الله فينا كضامن لليقين، هو عين العقلانية. فالعقل هو الذي يبرهن على وجود الله من خلال تأمل الموجودات وبديع نظامها إذ يستنتج من ذلك أنه لا بد أن يكون وراءه صانع حكيم، والعقل هو ضامن اليقين لأن اطراد نظام الكون واستقلاله عنا دليل على أن الله لا يخدعنا ... فما يعبر عنه البابا بـ "العقل لا يتنافي مع طبيعة الله" يعبر الفكر الإسلامي عنه بالقول: إن سنن الكون لا تتنافى مع قواعد التمييز التي ركبها الله في عقولنا، (وبعبارة ابن رشد: "ليس العقل شيئا آخر غير إدراك الأسباب")، وللقارئ أن يحكم بنفسه: أي القولين أكثر عقلانية؟

وأما ما نسبه البابا إلى ابن حزم على لسان المستشرق أرلنديز، ورواية عن خوري، فهو خطأ في الفهم أو النقل أو فيهما معا. ذلك أن ابن حزم لم يقل ولا يمكن أن يقول: "إذا أراد لنا الله أن نعبد الأصنام، فليس لنا إلا أن نخضع لإرادته". ذلك أن الله يقول: "وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ" (آل عمران 80).

ليس من الممكن أن يقول ابن حزم : "إذا أراد لنا الله أن نعبد الأصنام، فليس لنا إلا أن نخضع لإرادته". أما ما ذكره ابن حزم فهو حكاية عن قوم قالوا للمعتزلة: إذا كان الله لا يفعل إلا الصلاح، كما تقولون وبالتالي لا يشاء الكفر لعباده، فكيف تردون على من قال إن الله صرح بأنه قد يشاء أن يعود الناس إلى الكفر، وذلك بدليل قوله تعالى: "قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا، قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (حتى ولو كنا كارهين لذلك؟)، قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا، وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا، وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ... " (الأعراف 88-89). فقوله "إلا أن يشاء الله" يفهم منه المعترض أن الله يمكن أن يشاء رجوعهم إلى الكفر؟

ولما ذكر ابن حزم ذلك جاء بجواب كان قد رد به بعض المعتزلة على ذلك الاعتراض فقالوا لا يمكن أن يرد الله المسلمين إلى عبادة الأصنام: "إلا أن يأمرنا الله بتعظيم الأصنام كما أمرنا بتعظيم الحجر الأسود والكعبة‏".‏ وفي هذه الحالة لا يكون الله قد شاء لهم الرجوع إلى عبادة الأصنام والكفر، بل يكون قد شاء المساواة في التعظيم بين الحجر الأسود، وبين الأصنام. والتعظيم لا يعني العبادة، والمسلمون يعظمون الحجر الأسود لا بمعنى أنهم يعبدونه، بل يعظمونه لما فيه من معنى الرمز، إذ يعود بهم إلى نبي الله إبراهيم الذي وضعه في موضعه كنقطة البدء في الطواف.

ويعلق ابن حزم على ذلك بالقول إذا أمرنا الله بتعظيم الأصنام كما نعظم الحجر الأسود والكعبة، فليس معناه أنه أمرنا بالكفر وبالرجوع إلى عبادة العرب للأصنام، بل معناه أنه أمرنا بما به يزيد إيماننا، فلو أمر المسلمين بتعظيم الأصنام فإن ذلك لن يتناقض مع أمره لنا بتعظيم الحجر الأسود والكعبة بل سيكون قد زاد في إيماننا بامتثالنا لأمره. ذلك، يقول ابن حزم : "أن الله لو أمرنا بذلك لم يكن عوداً في ملة الكفر بل كان يكون ثباتاً على الإيمان وتزايداً فيها". فيكون الحال كما "قال تعالى‏:‏ ‏"‏ في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً‏"‏، والمرض المقصود هنا هو الكفر، والمعنى أن الله شاء لهم الزيادة في الكفر كما شاء لهم الكفر. إن مشيئة الله عند ابن حزم سارية، سواء تعلق الأمر بإيمان من آمن أو كفر من كفر أو ارتداد من ارتد" (الفصل 2 ص 186 وما بعدها مكتبة خياط بيروت د. ت).

وإذن، فالفرق كبير جدا، إلى درجة التعارض والتنافي، بين ما نسبه البابا إلى ابن حزم، وما قاله ابن حزم في حقيقة الأمر. ونحن نأخذ على البابا مثل هذه الأخطاء ليس لأنه تعمد الوقوع فيها للنيل من عقيدة الإسلام، فنحن لا نحاكم النوايا كما أسلفنا، وإنما نعجب لكونه يقتبس من مصادر غير موثقة ولا مختصة أشياء تسيء إلى علاقته وعلاقة الفاتيكان بالإسلام. في الوقت الذي ختم فيه محاضرته بالدعوة إلى حوار "عقلاني" بين الأديان".

أعتقد مخلصا أنه قبل أن يكون هناك حوار بين الأديان يجب أن يتعرف أصحاب كل دين على حقيقة دين محاوريهم. هذا علاوة على أن يعرف أصحاب كل دين دينهم، معرفة ترتفع إلى المستوى المطلوب. ذلك أن الحوار مع الجهل ينتهي حتما إلى عداوة: وقديما قيل "الإنسان عدو ما يجهل".

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-29-2006, 09:44 PM   #14
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 660

سلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي




العام والخاص في غياب الديمقراطية
في العالم العربي والإسلامي
محمد عابد الجابري


"غياب الديمقراطية" يجب أن لا يؤخذ كخاصية في الأقطار العربية والإسلامية وحدها دون غيرها، فمعظم بلدان العالم الثالث لا تتوافر فيها الديمقراطية بالصورة التي نجدها في البلدان الغربية، وهكذا يشكل "المظهر العام" في مسألة "غياب الديمقراطية في عصرنا". بمعنى أنه ما دام "غياب الديمقراطية" ظاهرة تعم جميع أقطار العالم الثالث –تقريبا- بما فيها الأقطار العربية الإسلامية، فإنه من الضروري البحث أولا عن عوامل غيابها على هذا المستوى.

"العالم الثالث" عبارة وضعت عندما كان العالم كله يتقاسمه قطبان: الغرب الرأسمالي من جهة والكتلة الشيوعية من جهة أخرى. إنها تسمية تنتمي إلى مرحلة الحرب الباردة التي تميزت، من جملة ما تميزت به، بالتنافس بين هذين القطبين، وكان الموضوع الرئيسي للتنافس بينهما هو هذا "العالم الثالث". وقد استعمل كل قطب من وسائل التأثير في أقطار هذا "العالم" ما يناسب غرضه، وقد كان، في الحقيقة، غرضا واحدا يتلخص في حرص كل طرف على استتباع أو تحييد هذا القطر أو ذلك. لقد اعتمد الغرب في الغالب أسلوب الانقلابات العسكرية وإقامة أنظمة دكتاتورة في أمريكا اللاتينية وآسيا وإفريقية، أنظمة ترتبط به ارتباطا علنيا أو سريا وتستمد وجودها وقوتها منه. والضحية هي الديمقراطية والحريات العامة، سواء كانت من قبل موجودة على شكل ما، أو كانت غير موجودة إلا على صورة إمكانية ومشروع! أما الطرف الآخر المتنافس مع الغرب في "الحرب الباردة"، (الاتحاد السوفيتي أساسا)، فقد سلك مسلكا آخر في سعيه إلى اكتساب مواقع في هذا "العالم الثالث". يتعلق الأمر هذه المرة بخلق أحزاب شيوعية أو تقديم الدعم للموجود منها، والترويج لإيديولوجية "ديكتاتورية الطبقة العاملة" وانتقاد الديمقراطية البرجوازية والتشهير بها. ولعلنا نذكر أنه إلى ما قبل ثلاثين سنة فقط كانت سمعة "الديمقراطية والحريات العامة" سيئة جدا، في العالم الثالث وضمنه العالم العربي والإسلامي.

وإلى جانب الديكتاتوريات التي قامت بتحريك من المعسكر الغربي من جهة، والأحزاب والأنظمة التي كانت تدور في الفلك السوفيتي من جهة أخرى، كانت هناك أنظمة حكم وطني، عمدت إلى تأجيل الديمقراطية أو تجميدها بدعوى أن الحياة السياسية التي تعتمد الليبرالية تفتح الباب للعمالة للمعسكرين المتنافسين، وفي ذلك خيانة للمصالح الوطنية والقضايا القومية.

يمكن القول إذن إن "الحرب الباردة" هي المسؤولية إلى حد كبير عن غياب الديمقراطية في العالم الثالث عموما. أما قبل الحرب البادرة فإن معظم بلدان هذا العالم كانت ترزح كلها –تقريبا- تحت الحكم المباشر أو غير المباشر للاستعمار. وباستثناء الهند التي قامت فيها ديمقراطية لم يقف ضدها المستعمر الإنجليزي، لغرض في نفسه، فإن الأغلبية الساحقة من البلدان المستعمرة، والتي كانت قد وضعت تحت نوع من الاستعمار المخفف (حماية، انتداب) لم تكن في وضع يسمح لها بالاتجاه نحو حياة سياسية مؤسسة على الديمقراطية والحريات العامة. فالحكم الاستعماري هو أصلا عكس هذا الاتجاه. والبلدان التي أراد المستعمر إقامة نوع من الحياة "الدستورية الديمقراطية" فيها لم يكن هدف من ذلك الديمقراطية لذاتها بل إضفاء "الشرعية الديمقراطية" المزيفة على الاستعمار الاستيطاني، أعني تحويل المعمرين إلى مواطنين، إلى أهل البلد! وهذا ما وقفت ضده الحركات الوطنية في كثير من بلدان العالم الثالث، فكان "تأجيل الديمقراطية" في الحقيقة رفضا لتحويل الاستيطان إلى مواطنة.

وإذا نحن انتقلنا الآن إلى ما يخص الأقطار العربية والإسلامية، وهو ما أسميناه بمظهر "الخاص" في "غياب الديمقراطية" على صعيد هذه الأقطار، أمكن أن نسجل أولا بعض ردود الفعل التي أثارها التدخل الاستعماري الأوربي إذ قامت حركات وتيارات توظف، في كفاحها ضد الاستعمار، الشعور الديني سواء في صورته العقدية العامة أو في صوره المحلية كالطرق الصوفية. وكانت حركة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده أكثر هذه التيارات دعوة إلى العودة إلى سيرة السلف الصالح، لاستدعاء مقومات تأكيد الذات ووسائل التعبئة. وهكذا طرحت التجربة الحضارية الإسلامية في مقابل الحضارة الغربية ومنتجاتها، وقام سجال في الموضوع بين هذا التيار وتيارات أخرى داخل العالم الإسلامي وخارجه، سجال قدمت فيه "الشورى" الإسلامية بديلا للديمقراطية الغربية. ومنذ ذلك الوقت والجدال متواصل حول هذه المسألة.

على أن الذين يطرحون الشورى بديلا للديمقراطية لا يفعلون ذلك من منظور يضع الديمقراطية، ككل ولا كأجزاء، في منطقة المحرمات الدينية بل هم يعبرون عن مخاوف ترجع إلى ظروف مرحلية، مخاوف لا يصرحون بها وبمبرراتها الحقيقة، وإنما يسكتون عنها أو يعبرون عنها بما ليست هي إياه، تماما كما يحدث في كل صراع إيديولوجي. فالمسألة إذن تنتمي إلى مجال الصراع الاجتماعي وبالتحديد "صراع النخب". ومعلوم أن من الظواهر البارزة في العالم العربي والإسلامي ظاهرة الصراع بين نخبتين لكل منهما مرجعية ورؤية خاصة:

- نخبة ترتبط بالمرجعية الأوربية الحديثة التي ترسخ فيها نموذج خاص في الحكم هو ما يعبر عنه بالديمقراطية، أي الحكم الذي يعتمد في شرعيته على رأي الأغلبية من الشعب والمعبر عنه بواسطة انتخابات حرة نزيهة. ونخبة ترتبط بالتراث العربي الإسلامي، وبنوع الحكم الذي تكرَّّّّّّس فيه كنموذج ومثال، على عهد ّالسلف الصالح".

النخبة الأولى تبرر اختيارها بكون العالم الإسلامي يواجه تحديات الحداثة وأنه بدون الانخراط في العالم المعاصر وتبني الأسس التي قامت عليها الحداثة الأوربية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لا يمكن أن يتقدم ولا أن يحتل المكانة اللائقة به وبوزنه التاريخي وإمكانياته في الحاضر والمستقبل.

أما النخبة الثانية فتنظر إلى الموضوع من زاوية أخرى: هي ترى أن العالم الإسلامي يواجه فعلا تحديات، وعلى رأسها الوجه الأخر لهذه "الحداثة" والمتمثل في الاستعمار والهيمنة والتوسع والاختراق الثقافي وغيره. ومن هنا كانت المهمة المطروحة باستعجال هي التصدي لهذا الوجه السلبي للحداثة الأوربية وذلك بتعبئة الشعوب لمقاومة التدخلات الأجنبية الاستعمارية. أما بعد ذلك، فالحكم الصالح الذي تمدنا به تجربة "السلف الصالح" هو المعتمد على الشورى الإسلامية التي تقيم على رأس الدولة "خليفة" يتصف بجملة صفات أهمها الحزم والعدل، ومن هنا مفهوم "المستبد العادل" الذي يتطلب منا وقفة خاصة.

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-29-2006, 09:48 PM   #15
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 660

سلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي




حوار حول "مدخل إلى القرآن
محمد عابد الجابري




نشرت الأسبوعية المغربية "الأيام"، في عددها المؤرخ ب 11/17 نوفمبر 2006، حوارا أجرته معي بمناسبة صدور الجزء الأول من كتابي "مدخل إلى القرآن الكريم". وقد تطرق الحوار إلى الضجة التي أحدثها مقال كنت نشرته في جريدة "الإتحاد الإماراتية"، ضمن سلسلة مقالات مقتبسة من نفس الكتاب. وتلبية لطلب عدد من زوار هذا الموقع ننشر هنا نص ذلك الحوار.
قدمت الأسبوعية المذكورة لهذا الحوار بالعبارات التالية:
"لم* ‬يكن الكثير من المتتبعين قد اطلعوا بَعْدُ* ‬على كتاب "‬مدخل إلى القرآن الكريم"* عندما ظهرت بعض ردود الفعل تنتقد محمد عابد الجابري* ‬الذي* ‬كان قد نشر بعض المقالات التي* ‬تناولت بعض مضامين إصداره الجديد*.‬
* "‬مدخل إلى القرآن الكريم"* ‬إضافة جديدة في* ‬المشروع الفكري* ‬للجابري،* ‬إضافة* ‬يواصل من خلالها المفكر المغربي،* ‬رحلة البحث العلمي* ‬في* ‬التراث العربي* ‬والإسلامي...‬ بتبني* ‬نفس المنهاج الذي* ‬اختاره منذ *"‬نحن والتراث" : ‬منهاج جعل المقروء معاصرا لنفسه*.. ‬ معاصرا لنا*.‬
"من* ‬يطلع على كتاب الجابري* ‬الجديد،* ‬يجد نفسه مدعواً* ‬إلى الوقوف على طرفي* ‬معادلة مستعصية،* ‬قوة المنطق وعمق البحث العلمي* ‬ودقة الدراسة من جهة* … ‬ومن جهة أخرى،* ‬قرون من* "‬الأفكار المتلقاة* "... من الجمود والتقليد*.‬
"بين طرفي* ‬المعادلة،* ‬يأتي* ‬الكتاب/البحث العلمي،* ‬ليمارس الكثير من*" ‬الخلخلة" ‬لمفاهيم التعاطي* ‬مع قضايا أساسية في* ‬التراث العربي* ‬الإسلامي،* ‬لعل أهمها * ‬قضية التعامل مع القرآن كنص* ‬يريده الجابري* ‬معاصرا لنفسه* .. ‬ومعاصرا لنا*.‬
"في* ‬هذا الحوار،* ‬يجيب الجابري* ‬على بعض أهم الأسئلة التي* ‬تخلفها القراءة الأولية للكتاب".* ‬
"مدخل إلى القرآن الكريم": تتويج.. أم بداية؟
*‬ س: في* ‬تقديمك لكتاب‬ "مدخل إلى القرآن الكريم"* ‬قلت إنك لا تميل إلى اعتباره تتويجا لسلسلة،* ‬لكن في* ‬المقابل‬،* ‬لا* ‬يمكن للكتاب إلا أن* ‬يكون جزءاً* ‬من المشروع الفكري* ‬لمحمد عابد الجابري،* ‬وبالتالي* ‬نتساءل عن موقع *"‬مدخل إلى القرآن الكريم"* ‬من مشروع نقد العقل العربي؟
*ج: هذا ما حاولت أن أعرض له وأتحدث عنه في* ‬ذلك التقديم،* ‬قلت إنني* ‬لا أستطيع القول بأن الكتاب هو نقطة انطلاقة لمشروع جديد أو أنه تتويج للقديم،* ‬كل ما* ‬يمكنني* ‬قوله هو أنني* ‬ما كنت أستطيع أن أخوض في* ‬هذا الميدان بهذه الطريقة لو لم أكن قد قدمت المشروع السابق*.‬
المشروع السابق هو عبارة عن إطلالة على الثقافة العربية في* ‬مجملها وفي* ‬تطورها.* ‬كان المركز حاضرا دائما، طبعا،* ‬وأقصد القرآن الكريم،* ‬لكن،*, ‬من حسن الحظ ربما، وأيضا بالنظر لقناعة فكرية لدي،* ‬كنت أجزم بأنني* ‬لا أستطيع البدء بالقرآن،* ‬وأنه لابد من مخزون فكري* ‬ثقافي* ‬حتى* ‬يمكنني* ‬الخوض في* ‬هذا المجال*.‬
ومع ذلك،* ‬لم أكن أجزم أنني* ‬سأكتب عن القرآن بهذا الشكل،* ‬ولا حتى عندما بدأت أكتب.* ‬وقد أوضحت ذلك في* ‬التقديم،* ‬وقلت إن بعض الإخوان اقترحوا علي أن أكتب عن العلم في* ‬الثقافة العربية أو عن الجمال فيها*. ‬وقد تحدثت أيضا عن الظروف التي أثارت لدي هذا الاهتمام،* ‬وقلت إن قيام الثورة الإيرانية والصحوة الإسلامية،* ‬وبعدها الحركات الإسلامية في* ‬الثمانينيات والتسعينيات،* ‬ربما صرفتني* ‬عن مشروع آخر كنت أفكر فيه وهو نقد العقل الأوروبي،* ‬وقلت إنه لابد من الاشتغال على هذا الموضوع، موضوع مدخل إلى القرآن*.‬
التعامل مع القرآن له شروط
* س: ‬في* ‬تقديم الكتاب،* ‬تشيرون أيضا إلى أن أحداث شتنبر* ‬2001* ‬ كانت دافعا وراء التفكير في* ‬الاشتغال على هذا الموضوع؟
* ج: ‬ليس تلك الأحداث بالضبط.* ‬لقد بدأت أحس بالحاجة إلى الكتابة في هذا الموضوع في* ‬السبعينيات،* ‬في* ‬أواخرها، عندما ساد الساحة نقاش حول الصحوة الإسلامية،* ‬ثم حول الثورة الإيرانية.‬
لقد حصل آنذاك تحول إيديولوجي* ‬كبير،* ‬فبدل الاستناد على ماركس أو غيره من* ‬المرجعيات،* ‬قام تيار فكري * ‬يعتمد الإسلام كمرجعية.* ‬وكما نعرف فالتوظيف الإيديولوجي* ‬للمرجعية الدينية هو سلاح ذو حدين،* ‬بسهولة* ‬يتم تكفير الناس،* ‬وبسهولة* ‬يتم تفسير النصوص..* ‬بسهولة* ‬يستشهد شخص ما بآية قرآنية ويعتبر نفسه على حق*.
من خلال تعاملي* ‬مع القرآن في* ‬الأعمال السابقة،* ‬أدركت أن القرآن هو واحد من الكتب التي* ‬لا* ‬يمكن أن تُقرأ كما يقرأ الإنسان جريدة أو قصة* .. القرآن كتاب تاريخي،* ‬وللتعامل معه،* ‬لابد من فكر تاريخي* ‬متتبع لتطور الثقافة العربية ‬وخصوصا ‬الجانب الكلامي والفقهي.* ‬إن آخر فصل من فصول أصول الفقه مثلا هو المتعلق بـ* "‬الفتوى*"‬،* ‬والشروط التي* ‬وضعت لإصدار الفتاوى* ‬وما إلى ذلك*.‬
شعرت أن الناس* ‬يتعاملون مع القرآن بسهولة* ‬غريبة،*عندما يفتون* .. ‬فقلت إنه لابد أن أوضح للناس وللقراء أن الأمر ليس بتلك السهولة،* ‬وأن التعامل مع القرآن له شروط،‬وأن فهمه* ‬يتطلب عدة وسائل ثقافية*.‬
* س: ‬بمعنى أن المشروع ظل مؤجلا إلى حدود أحداث شتنبر* ‬2001*..‬
* ج: ‬الفكرة كانت دائما موجودة،* ‬لكن عندما وقع ما وقع في* ‬ 11*‬ شتنبر*2001،* ‬وظهر أن الطرف الذي* ‬تبناها هو تيار ديني* ‬متشدد*.. ‬ أعطى هذا الحدث وزنا للشعور الأول*.‬ لقد ظهر لي أننا أصبحنا أمام حركة عالمية تمارس العنف باسم الدين،* ‬قد* ‬يوافقها البعض ولا* ‬يوافقها آخرون،* ‬قد* ‬يبرر أعمالها البعض ولا* ‬يبررها آخرون* .. لكن،* ‬ما دامت المرجعية لديها هي* ‬القرآن والسنة،* ‬فقد رأيت أنه من واجبي* ‬قول شيء حول القرآن كما* ‬يبدو لرجل* ‬يريد أن* ‬يكون موضوعيا وعلميا*…‬
معنى "التعريف بالقرآن"
* س: تقولون أيضا إن هدفكم هو التعريف بالقرآن، للمسلمين* ‬ولغير المسلمين. ‬نود أن نعرف ما الذي* ‬تغلب عليك كهاجس،* ‬هل هو التعريف بالقرآن لغير المسلمين* .. ‬أم التعريف به للمسلمين في* ‬الدرجة الأولى؟
* ج: ‬هم بالنسبة إلي* ‬سواء* .. ‬الفرق بين المسلم وغير المسلم في هذا المجال، هو أن المسلم* ‬يؤمن بالقرآن،* ‬وغير المسلم لا* ‬يؤمن به.* ‬أما المعرفة بالقرآن،* ‬معرفة أغلبية المسلمين ومعرفة علماء المستشرقين وحتى البابا نفسه،* ‬فإنها تبقى معرفة هزيلة*.‬ أعتقد اليوم أن الأجزاء التي* ‬كتبت في*" ‬نقد العقل العربي"،* ‬هي* ‬ضرورية، ونحن في* ‬حاجة لأكثر منها، لاكتساب معرفة حقيقة بالقرآن
الغالبية من المسلمين اليوم حتى المثقفين وحفاظ القرآن الخ* ‬يمكن أن نعتبر أن فهمهم للإسلام* -‬هو، كما كان* ‬يقال قديما، من جنس **"‬إيمان العجائز"، أي* ‬الإيمان بدون بحث،* والنتيجة هي أن أي* ‬شيء خارج عن الموروث* ‬يتم اعتباره خارجا عن الإسلام*.‬ في* ‬النهاية* "‬إيمان العجائز"* ‬هو إسلام الجهل بالقرآن وبما فيه وبظروفه*.. ‬ وهو إيمان مقبول من الناحية الدينية،* ‬لكن من الناحية الفكرية هو* ‬غير كاف*.‬
لذلك،* ‬فسواء تعلق الأمر بالمستشرقين أو بغير المسلمين عموما،* ‬أو تعلق الأمر بالمسلمين،* ‬أو حتى ببعض الذين* ‬يكتبون في* ‬هذا الميدان أيضا،* ‬فإن الغالبية العظمى منهم ليست في* ‬المستوى الذي* ‬يتطلبه التعامل مع هذا الكتاب: القرآن الحكيم.
أهمية التعامل مع ترتيب النزول اليوم
القرآن كما نعرف،* ‬هو نص نزل في مدة* ‬23* ‬سنة وخلال هذه السنوات المديدة * كان ينزل مرة آية*.. أو آيات ‬ومرة سورة*.. ‬ ‬وفي الغالب كانت هناك "أسباب نزول" أو مناسبات للنزول، وهي وقائع اجتماعية حياتية، الشيء الذي يجعل نزول القرآن منجما متساوقا مع تطور الدعوة المحمدية ووقائع السيرة النبوية. بمعنى أن الواحد منهما يشرح الآخر. ومن هنا ارتأيت أن الطريق إلى معرفة القرآن هو التعامل معه على أساس ترتيب النزول لسوره.* أما المفسرون* -‬ كلهم تقريبا* - ‬حتى الكبار منهم،* ‬فقد انساقوا في تفاسيرهم مع ترتيب * ‬المصحف،* ‬فيبدؤون من البقرة (بعد الفاتحة) ‬ليفسروا ما تلاها في المصحف، هذا* ‬بينما واقع الحال أن البقرة هي* ‬تتويج للقرآن،* ‬ولهذا قال* "‬بلاشير*"‬ الذي* ‬قام بترجمة القرآن إلى الفرنسية "‬نحن نقرأ القرآن مقلوبا"،* ‬نبدأ من آخر ما نزل لنصل إلى* "‬قل أعوذ برب الناس*"‬،* ‬بينما سورة "‬الناس" ‬هذه هي* ‬من السور الأوائل في* ‬ترتيب النزول*.‬ المفسرون القدماء،* ‬ومنذ عهد الصحابة، كانوا* ‬يبدأون القرآن من البقرة، وفيها آيات هي من آخر ما نزل، وهذا* ‬مبرر لأن الدولة كانت تحتاج إلى قرآن التشريع أكثر من حاجتها إلى قرآن الدعوة الذي طبع المرحلة المكية، والذي كان موجها كله تقريبا إلى قريش... واليوم وقد مرت قرون على نزول القرآن نحتاج إلى فهمه كما نزل منجما على مدى أزيد من عشرين سنة.
لهذا اخترت ‬‬التعامل مع القرآن حسب ترتيب النزول،* ‬أي* ‬من أول آية نزلت* .. ‬إلى آخر آية*.‬ والغرض من هذه القراءة التاريخية، هو‬محاولة إقامة تطابق بين نزول القرآن والسيرة النبوية،* ‬لأن حياة الرسول والقرآن متساوقان*.‬ هذا التساوق،*‬غفل عنه كبار المفسرين أنفسهم،* حين ‬يفسرون آية من الأعراف أو البقرة أو* ‬غيرهما،* ‬وكأنها آية منفصلة وإذا تكلموا عن أسباب نزولها،* ‬فهم* ‬يتكلمون عن واقعة معينة مقطوعة عن سياقها*.‬
التعريف بالشيء أوسع كثيرا من مجرد تعريفه
* س: ‬أثناء تقديمكم لبعض تعريفات القرآن،* ‬شددتم على عدم طرح أو مناقشة التعريفات الإيديولوجية للقرآن،* ‬في* ‬حين أن واحدا من أهم الأسئلة التي* ‬طرحت على الثقافة الإسلامية هو سؤال الأدلجة،* ‬ومنه التعريف الإيديولوجي* ‬للقرآن*.. ‬ لكنكم في* ‬الكتاب تقولون إنكم لا تريدون الدخول في نقاش مع التأويلات الإيديولوجية.
* ج: نعم، قصدت ذلك. إنني* ‬لا أريد أن أكرر ما قاله أصحابها عنها في الدفاع عنها أو ضدها،* ‬لأن كل هذا* ‬يتعلق بصراع الفرق* ..‬لم أرد بالتالي* ‬أن أشغل بها نفسي* ‬أو أن أشغل الناس بها،* ‬ولا حتى أن أعطيها فرصة لتبعث من جديد،* ‬لأننا لسنا في* ‬حاجة إليها ‬فهي ليست ضرورية للفهم*.‬
لذلك،* ‬أعطيت نماذج من التعريفات فقط، لأجعل القارئ* يدرك بنفسه ما أعنيه. ‬بدأت بتعريف بسيط للقرآن كمصحف،* ‬ثم ارتقينا درجات،* ‬إلى أن وصلنا إلى تعريف يقول فيه صاحبه إن من قال بخلق القرآن فهو كافر*، ومسألة "خلق القرآن" ليست من الأمور التي تدخل في تعريف القرآن..
أعتقد أن عنوان الكتاب بالعربية لا يعطي بالكامل ما قصدت.* ‬أعتقد أن ترجمته إلى الفرنسية ستجعل المثقفين بالفرنسية* ‬يدركون المعنى بشكل أدق* .. ‬لأن عنوان الكتاب في* ‬العربية* ‬هو* "‬التعريف بالقرآن*"‬،* ‬ولكن في* ‬الفرنسية العنوان هو* "Connaître le Coran*"‬،* ‬أي* ‬كيف نعرف القرآن، أو المعرفة بالقرآن*.‬
* س: ‬ المعرفة أعمق من التعريف *…‬
* ج: ‬طبعا، عنوان الكتاب هو "التعريف بالقرآن"، والتعريف بالشيء أوسع كثيرا من مجرد تعريفه. ‬لفظ "القرآن" معروف معناه،* ‬ولكن المعرفة بالقرآن شيء آخر... مضمون المشروع أو الكتاب* ‬يتعلق إذن بمعرفة القرآن،* ‬معرفته كما هو في* ‬تاريخيته،* ‬في* ‬مضمونه* .. ‬في* ‬كل ما* ‬يمكن التعرف عليه* فيه‬.
الاستفهام الإنكاري تأكيد للمسؤول عنه
* س: ‬في* ‬تقديم الكتاب،* ‬طرحتم ثلاثة أسئلة هي*: ‬ هل* ‬يمكن فصل الدعوة المحمدية عن السياسة والتاريخ؟ هل* ‬يمكن الفصل في* ‬القرآن بين الدين والدنيا؟ وهل* ‬يمكن إصلاح الحاضر بدون إصلاح الماضي؟ وكيف تجيبون على هذه الأسئلة إذا طرحت عليكم الآن*؟
* ج: ‬هذه الأسئلة طرحتها في* ‬شكل استفهامات استنكارية،* ‬بمعنى أنني* ‬حين أتساءل*: ‬ هل* ‬يمكن فصل الدعوة المحمدية عن السياسة والتاريخ؟ فإنني* ‬أعني* ‬أنه لا* ‬يمكن*.‬
* س: بمعنى أن الأسئلة تحمل إجابات ...
* ج: في* ‬سياقها اللغوي، ‬الأمر واضح* ‬فلا* ‬يمكن فصل الدعوة المحمدية عن السياسة والتاريخ كما لا* ‬يمكن الفصل في* ‬القرآن بين الدين والدنيا،* ‬كما لا* ‬يمكن إصلاح الحاضر بدون "إصلاح الماضي" أعني فهمنا له*.‬
فبدل أن أقول إنه "لا* ‬يمكن"، الشيء الذي قد يصدم القارئ،* ‬تعمدت أن أطرح السؤال على نفس القارئ ليفكر فيه، هو، ‬أما الجواب فهو مضمن في* ‬السؤال نفسه*.‬
القرآن معاصر لنفسه معاصر لنا
* س: ‬المتتبع لمشروع الجابري* ‬من*"‬نحن والتراث"* ‬إلى الكتاب موضوع نقاشنا اليوم،* ‬يلاحظ أن هاجس الجابري* ‬الأول هو ما تسميه بـ*"‬جعل المقروء معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا".‬
السؤال هو حول كيفية تعامل الجابري* ‬مع القرآن كمقروء لجعله معاصرا لنفسه ومعاصرا لنا؟
* ج: ‬جعل القرآن معاصر لنفسه يعني* ‬أولا اتباع ترتيب النزول،* ‬لأن القرآن مطروح ومدروس ومتحدث عنه هنا على أساس أسئلة الكون والتكوين كما أشرت*.‬ القرآن على هذا المستوى معاصر لنفسه،* ‬كل آية فيه إلا ولها علاقة بالواقع، ‬أي* ‬أنني* ‬لا أفسر آية من القرآن بحادثة جرت اليوم أو أمس،* ‬بل بما جرى زمن نزوله، ‬وحسب ما كان ‬يفهمه الناس منه في* ‬ذلك الوقت.* ‬وهذا يجعله معاصر لنفسه*.. ‬ لكن أسلوب العرض وطريقة التبليغ* ‬والأسئلة التي* ‬نطرحها نحن وأشياء أخرى مما يشغل عقولنا،* ‬يجعل القرآن معاصرا لنا،* ‬يجعلنا ندرس أو نقرأ شيئا ليس* ‬غريبا عنا،* ‬ولا نجد أنفسنا* ‬غرباء عنه*.‬
إذا أخذت أي* ‬كتاب في* ‬التفسير،* ‬تفسير الرازي* ‬مثلا أو القرطبي* ‬أو الزمخشري* ‬أو الطبري،* ‬فستجد أن بينك وبينه مسافة طويلة،* ‬ستجد مسافة مع اهتماماته،* ‬ومع شروحاته،* ‬وإن كنتُ أنا استعمل هذه الشروح كروايات،* ‬لكن السياق والبناء* ‬يختلف. وبعبارة *أبسط،* ‬يمكن أن أشبه الأمر بأننا، نحن والقدماء، إزاء مواد للبناء هي* ‬نفسها،* ‬لكن كل واحد منا* ‬يشيد بيته على الطريقة التي ‬تناسب عصره*.‬
هذا ما* ‬يتعلق بجعل المقروء معاصرا لنا ولنفسه في* ‬هذا الجزء من الكتاب،* ‬أما في* ‬الجزء الثاني* ‬الذي* ‬سيتناول موضوعات العقيدة والشريعة والأخلاق،* ‬فسيكون* ‬معاصرا لنا أكثر،* ‬لأنني* ‬سأتناول فيه موضوعات من وجهة نظرنا الآن،* ‬وليس من وجهة نظر المفسرين القدماء*.‬
هناك الكثير من الآيات التي* ‬فسرها القدماء،* ‬حسب ظروفهم،* ‬يمكن اليوم أن نفسرها بشكل آخر،* ‬ومن قرأ منكم ما كتبته مؤخرا عن الحجاب والردة،* ‬فسيجد أنه معاصر لنا أكثر*.‬
‬الموضوعية * ‬شرط البحث العلمي
* ‬س: في* ‬مشروع "نقد العقل العربي"* ‬قلتم إنكم انحزتم صراحة للديمقراطية والعقلانية، ‬الآن،* ‬وأنتم بصدد هذا المشروع، بعد نهاية الجزء الأول وفي* ‬انتظار الجزء الثاني،* ‬إلى ماذا تنحازون*‬؟
* ج: ‬الموضوعية تبقى دائما هي* ‬شرط البحث العلمي،* ‬الموضوعية تعني* ‬عدم الانسياق مع الميولات الشخصية الذاتية*.
بالنسبة لي* ‬مثلا،* ‬ولو أنني* ‬في* ‬بيئة سنية أو من أهل السنة،* ‬أو لنقل إنه* ‬يصعب علي* ‬أن أكون شيعيا أو خارجيا،* ‬فإنني* ‬مع ذلك أتعامل مع ما قاله الشيعة وما قاله الخوارج ‬بكيفية أكون فيها محايدا،* ‬أي* ‬لا* ‬يدخل انتمائي* ‬الديني* ‬أو الإيديولوجي* ‬في* ‬فهمي* ‬للنص القرآني،* ‬وبالتالي* ‬فأنا أتعامل بموضوعية*.‬
وأنا أكرر دائما أن أفضل ما* ‬يجب اعتماده في فهم القرآن هو المبدأ القائل: *"القرآن* ‬يفسر بعضه بعضا"‬،* ‬وأنه* ‬يجب أن نترك الكلمة للقرآن لأنه أفضل من* ‬يعبر عن نفسه، وتنوع عبارته أحسن من كل التأويلات*.‬
من* ‬يقرأ التراث،* ‬سيجد تأويلات متعددة للقرآن،* ‬مثل تأويلات الإسماعيلية،* ‬وهي تأويلات لا حدود لها ولا معنى لها ولا علاقة لها بنا اليوم،* ‬ولكنها كانت تأويلات تخدم قضيتهم،* ‬ومن الناحية الموضوعية لابد من الوقوف عندها لأن هذا شرط أساسي* ‬للموضوعية*.‬
ببساطة،* ‬الموضوع هو الذي* ‬يفرض نفسه على الذوات كلها حتى تصبح الذوات كلها ترى فيه شيئا واحدا أو متقاربا.* ‬وهذه هي* ‬الموضوعية،* ‬أي* ‬إذا جاء السني* ‬أو الشيعي* ‬أو من شئت* ‬فلن* ‬يمكنه أن* ‬يطعن فيَّ* ‬من الناحية العلمية ذلك لأنه لو فكر مثلي بموضوعية سيصل إلى نفس الفهم، وكذلك الشأن في* ‬كل بحث علمي*.‬
طبعا، الديمقراطية أنحاز لها دائما،* ‬هذا الجزء من الكتاب ليس هو المضمون الذي* ‬سأتناوله في* ‬الجزء الثاني،* ‬عندما سأتناول المضمون الأخلاقي،* ‬والمضمون العقدي* ‬والمضمون التشريعي* ‬فسنصادف آيات كثيرة ومواقف متعددة، * ‬فيها جانب يخدم الديمقراطية سنبرزها بما* ‬يتناسب والموضوعية دائما*.‬
باختصار،* ‬يبقى انحيازي* ‬للديمقراطية والعقلانية أمراً* ‬ثابتاً*.‬
الأحداث التاريخية والتضخيم الإعلامي
* س: ‬ما قصدناه بالسؤال،* ‬هو أنكم في ‬"نقد العقل العربي"* ‬الذي* ‬جاء في* ‬سياق ما بعد النكسة* … ‬كان مشروعكم هو الانتصار للديمقراطية والعقلانية بوعي. ‬الآن هناك سياق آخر لـ"أسباب نزول" المشروع الجديد،* ‬أي* ‬عالم ما بعد* ‬11* ‬شتنبر و 16* ‬ماي* ‬بالمغرب وما تلاه*..‬
* ج: ‬أولا قضية* ‬11* ‬شتنبر و 16* ‬ماي* ‬وغيرها* ..‬حوادث تاريخية تقع محدودة في* ‬ظرفها*، ‬وهناك في* ‬التاريخ الإسلامي وفي التاريخ العام* ‬حوادث قتل أكثر وأقوى من هذه. ‬‬فلو وقع ما وقع في* ‬11* ‬شتنبر* ‬2001* ‬ منذ* 150* ‬ سنة مثلا فإنه لم* ‬يكن ليصلنا بهذه القوة*.. ‬ الفرق هو أن شعور الناس بالحدث،* ‬اليوم،* ‬أصبح مختلفا نظرا لسرعة الاتصال،* ‬أما الحدث في* ‬قيمته فهو نسبي*.‬
ماذا* ‬يشكل حدث* ‬11* ‬ شتنبر أمام ضرب الكعبة بالمجانيق من قبل* ‬يزيد بن معاوية وجنوده؟ ما وقع في* ‬11* ‬ شتنبر وغيره هو لا شيء بالنسبة لما كان* ‬يقع!* ‬فإلى أوائل القرن الماضي،* ‬كانت رؤوس الثوار والمتمردين والمخالفين للسلطان عندنا تعلق على* ‬جدران فاس ومراكش والرباط وقد حدث مثل ذلك مدن أخرى بالعالم العربي كما حدث في أوربا خلال القرون الوسطى!* ‬ما حدث وما* ‬يحدث الآن في* ‬العراق هو بكل فظاعاته،* ‬وبكل الصراعات* ‬الواقعة فيه،* ‬هو أقل مما حدث في* ‬الفترة الانتقالية بين عهد الأمين وعهد المأمون فترة‬4* ‬ سنوات من الفوضى التي لا مثيل لها، وفي الطبري صورة "كتابية" عنها.‬
وهكذا فكما* ‬يسلب التلفزيون أبصرنا بالإعلانات والإشهار ويفقدنا الإحساس بالفارق وبالزمن،* ‬كذلك يمارس نوعا من التضخيم للأحداث* لأغراض سياسية*. ‬أحداث* ‬11* ‬شتنبر وغيرها،* ‬هي* ‬حوادث مؤلمة، هي في* ‬النهاية* من حماقات الإنسان. لكن حماقات الإنسان أبدية،* وما إلقاء القنبلة الذرية على هيروشيما إلا واحدة منها...
شعارات غير بريئة
* س: ‬لكن هذه الحماقات انتجت ما* ‬يمكن أن نسميه نوعا آخر من المعرفة.* ‬أتحدث عما* ‬يقوله *"‬هانتنجتون"* ‬عن *"صراع الحضارات"* ‬وغيرها.* ‬وهنا أود أن أسألك عن فكرة طرحتها في* ‬تقديم الكتاب وصفت فيها "‬صراع الحضارات"* ‬و"حوار الثقافات"* ‬و"حوار الديانات"* ‬بـ*"الشعارات* ‬غير البريئة"*.‬
* ج: ‬نعم هي* ‬غير بريئة،* ‬فهانتنجتون مثلا طرح "‬صراع الحضارات"* قبل أحداث* ‬11* ‬شتنبر*‬2001* ‬. وأنا أحكي* ‬لك الآن وقائع* .. ‬فعندما كتب أول مقال له في هذا الشأن في* ‬مجلة "شؤون خارجية" الأمريكية ‬وبعدها بشهرين، دعيت إلى ندوة في*"برينستون"*" ‬بالولايات المتحدة،*،* ‬مثلت فيها* ‬العالم العربي ‬وكانت تضم*50* ‬ مفكرا مفكرين من باقي* ‬دول العالم* .. ‬وأثناء الندوة،* ‬أعاد* "‬هانتنجتون*" ‬طرح أفكاره و‬"برنارد لويس*" إلى جانبه. وعقب المحاضرة والمناقشة قال لي‬ أحد الحاضرين من الأمريكيين المطلعين إن ما كتبه هانتنجتون كان الهدف منه هو* حمل مجلس الشيوخ على*الموافقة على ميزانية وزارة الدفاع *.. ‬لا أقل ولا أكثر*.‬
أقول إن الحوادث في* ‬حقيقتها شيء،* ‬لكن ما يعرضه الإعلام شيء آخر،* ‬وعندما* ‬يعتاد الإنسان على البحث العلمي،* ‬تصبح هذه العوامل الإيديولوجية والإعلامية وما يصاحبها من الإثارة * ‬غير ذي* ‬أهمية*.‬
الإسلام والمسيحية
* س: ‬في* ‬نفس الاتجاه،* ‬أقصد الحديث حول صراع الحضارات وحوار الأديان،* ‬كتبت في*"مدخل إلى القرآن الكريم"* ‬أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية واليهودية هي* ‬علاقة تحكمها شجرة نسب ...
* ج: ‬من الناحية العلمية،* ‬ومن الناحية القرآنية كذلك، *الديانات الثلاث شيء واحد* .. ‬التوراة والإنجيل والقرآن*.‬
ما وقع هو أنه ‬بالنسبة لليهود وتاريخهم ومشاكلهم اقتضى الأمر أن تعدهم التوراة بالأرض،* ‬ولكن في* ‬نفس الوقت،* ‬وعدتهم بـ* "‬مسيح" منقذ، ‬ ‬أي* ‬أن عليهم أن ينتظروا رسولا آت، ‬فلما جاء عيسى وكان منهم،* ‬انقسموا،* ‬فذهب فريق معه ورفضه فريق آخر،* ‬وهذا وارد في* ‬القرآن،* ‬وهو أمر تاريخي* ‬وقع فعلا*.‬
الطائفة التي* ‬قبلت بالمسيح تتمثل في* ‬الحواريين* ‬الذين نصروه فسموا "النصارى"*‬،* ‬أما الآخرون فبقوا على رفضهم له. وكان من بينهم يهودي* ‬إسمه شاؤول* ‬وكان من أكبر أعداء المسيح*.. ‬وفجأة قرر الدخول في المسيحية،* ‬فاتهمه البعض أنه فعل ذلك لتخريب المسيحية من الداخل،* ‬وليؤكد لهم أنه لا نية له في* ‬التخريب،* ‬بدأ بالدعوة للمسيحية خارج المجتمع اليهودي أي في البلدان التي يدين أهلها بالوثنية * ‬فاكتسب أنصارا وسمي بـ* "‬بولس الرسول*"‬‬. وأثناء قيامه بالدعوة احتك بالفلسفة اليونانية،* ‬وكان من المشاكل التي كان الفلاسفة الأفلاطونيون المحدثون مشغولين بها مسألة: كيف صدر العالم وهو كثرة عن الله وهو واحد. كيف صدرت الكثرة عن الواحد؟ قال بعض هؤلاء الفلاسفة بنظرية الفيض: تصورا الإله الواحد عقلا* ‬ تعقل نفسه ففاض عنه عقل آخر هو العقل الكلي* ‬الذي* ‬خرجت منه النفس الكلية ومنهما خرج الإنسان والكائنات ... ‬
ذلك ما فتح الباب أمام نظرية التثليث التي بنى عليه بولس فهمه للمسيحية ‬: العقل الكلي صار هو* ‬ عيسى والنفس الكلية هي مريم* ‬فأصبحت العقيدة المسيحية ثلاثة أقانيم: واحد في ثلاثة، الأب، والابن، وروح القدس وهذا يوازي جبريل في العقيدة الإسلامية. والملاحظ أن القرآن لا يستعمل لفظ "المسيحيين" لا مفردا ولا جمعا وإنما يستعمل لفظ "النصارى" من جهة، وعبارة "الذي قالوا إن الله ثالث ثلاثة" من جهة أخرى. ‬‬والنصارى هم أولئك الذين ناصروا عيسى وهذا التيار قد وجد امتداهده في * ‬الأريوسية، وفي الحنفاء ثم في القرآن الذي يطلب من الذين آمنوا أن يكونوا أنصار الله : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ (الصف 14).*
الإسلام في* ‬سياقه التاريخي* ‬امتداد لأنصار عيسى،* ‬أما الباقي* ‬فهي* ‬مسيحية صنعت من طرف بولس ورجال الكنيسة الذي حددوا "قانون الإيمان"، أي العقيدة المسيحية. والقرآن يؤكد سبع مرات أنه جاء مصدقا لما بين يديه من التوراة والإنجيل. والمقصود العقيدة التي جاء بها موسى وعيسى.
‬لا* ‬يتخاصم* ‬إلا الإخوة، والحوار بين الأديان حوار طرش
* س: ‬سؤالي* ‬السابق كان في* ‬اتجاه محاولة مقاربة أو فهم الصراع الموجود بين الديانات الثلاثة* ‬هل هو صراع أبدي؟
* ج: ‬هو اختلاف أبدي بنص القرآن فالله لم يجعل البشر كلهم أمة واحدة، ولكن الاختلاف لا يعني بالضرورة الصراع. والاختلاف في الدين والمذاهب والإيديولوجيات شأنه هذا الشأن، ولا* ‬أعتقد أنه سيأتي يوم يتفق فيه الكاثوليك مع البروتستانت أو الشيعة وأهل السنة. ‬كل ما هناك،* ‬أننا* ‬يمكن أن نتحدث عن الوحدة التاريخية،* ‬أي* ‬أن* ‬يصل الجميع مسلمين ومسيحيين ويهود إلى هذا النوع من الفهم الذي* ‬أتحدث عنه،* ‬أي* ‬أن الديانات الثلاثة متشابهة وهي* ‬من مصدر واحد* .. ‬والاختلاف بينها موجود،* ‬وأن على الجميع* ‬احترام خصوصيات الآخرين،* ‬ولكن عليهم أن* ‬يعرفوا أنهم جميعا* ‬يشتركون في* ‬الأصل*.‬
* س: ‬هذا ما شرحته في* ‬الكتاب بالمثل المغربي* ‬الذي* ‬يقول إنه* "‬لا* ‬يتخاصم* ‬إلا الإخوة"؟
* ج: ‬طبعا لأن الإخوة لا* ‬يتخاصمون إلا مع بعضهم بعضا، ‬فنحن مثلا لن* "‬نتخاصم" ‬ مع البوذيين لأنه ليس هناك شيء مشترك بيننا وبينهم، أما مع اليهود والنصارى فنحن وإياهم أبناء * ‬إبراهيم، يجمع بيننا الأصل ولكن يفرق بيننا التناسل.‬
* س: ‬هذا رد ضمني* ‬على دعوات حوار الأديان؟
* ج: ‬نعم،* ‬أقول إنه ليس هناك حوار حقيقي بين الأديان*، حوار الأديان حوار طرش. وقد تبين لي هذا عندما دعيت إلى ندوة حضرها الحاخام الأكبر لإسرائيل وممثل الفاتيكان (الكاثوليك) وممثل عن العرب المسيحيين من القدس، وقد انعقدت هذه الندوة يوم 16/02/1998 *‬بإحدى قاعات وزارة الخارجية بالرباط بمبادرة من المدير العام لليونسكو وتحت رعاية المرحوم الملك الحسن الثاني.
كانت لي مداخلة خلال هذه الندوة التي انعقدت تحت عنوان "القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية واليهودية والتي تساهم في إرساء ثقافة الإسلام" (في هذا الحوار تحدثت لجريدة "الأيام" من الذاكرة عن مضمون مداخلتي. أما هنا فسأورد ملخصا للنص كما نشرته مجلة "فكر ونقد" مستخلصا من شريط التسجيل بعد أن كنت تحدثت في الندوة ارتجالا ). قلت:
من أجل ثقافة السلام ... الضرورات الخمس
سأنطلق في هذه المقاربة الأولية الهادفة إلى رسم معالم القيم المشتركة بين الأديان السماوية الثلاثة والتي من شأنها أن تساهم في إرساء ثقافة السلام في عالمنا المعاصر الذي يواجه الإنسان فيه تحديات شتى، سأنطلق من قضية أصولية، قضية تنتمي إلى علم أصول الدين في الإسلام: علم التوحيد أو أصول العقيدة. يتعلق الأمر بالبحث في مقصد الشرع من إرسال الرسل إلى الناس، والحال أن الله غني عن العالمين.
وبما أن الأمر يتعلق برسل وأنبياء تعاقبوا منذ آدم، وليس برسول واحد، وبما أن الإسلام يدعو إلى الإيمان بجميع الرسل والأنبياء فقد عمد علماء أصول الدين في الإسلام إلى التماس الجواب لا من الدين الإسلامي وحده بل من جميع الأديان السماوية. وهكذا قاموا باستقراء الغايات والأهداف والمقاصد التي تشترك فيها الأديان السماوية والتي تبرر بعثة الرسل، فوجدوها ترجع إلى مبدأ واحد، وهو أن جميع الديانات السماوية إنما تهدف من وراء مختلف تعاليمها، أوامرها ونواهيها، إلى شيء واحد، هو مصلحة الناس، مصلحة البشرية كلها. ومن هنا برز الجواب عن السؤال الذي طرحوه: لماذا بعث الله الرسل؟ بعثهم من أجل أن يبينوا للناس منافعهم في الدنيا والآخرة.
هذا الجواب يطرح سؤالا آخر هو الذي سينطلق بنا مباشرة إلى موضوعنا. هذا السؤال هو: إذا كانت الديانات السماوية إنما جاءت لتقرير مصالح الناس، فما هي المصالح التي تشترك الديانات السماوية في تقريرها والدعوة إلى الحفاظ عليها.
قام علماء أصول الدين إذن باستقراء المصالح التي تشترك الأديان الثلاثة في تقريرها فوجدوها ثلاثة أصناف:
1 - مصالح ضرورية لوجود الإنسان المادي والمعنوي وسموها الضروريات: ضروريات الحياة.
2 - مصالح يحتاج إليها الإنسان لاستقامة حياته ماديا ومعنويا وسموها الحاجيات.
3 - مصالح ترتقي بحياة الإنسان نحو مزيد من السعة والفضل والتحلي بكل ما هو مفيد وحسن، وسموها التحسينات.
هناك فروق واختلافات بين الأديان الثلاثة في تقرير الحاجيات والتحسينات، ولكنها تتفق كلها في تقرير الضروريات، وهذا ما سنركز عليه هنا. وهذه الضروريات خمس وهي: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ النسل، حفظ المال، حفظ الدين. وعليها تبني الحاجيات والتحسينات والتكميليات.
أعتقد أن من جملة الموضوعات التي يمكن أن يهتم بها الحوار بين الديانات السماوية الثلاث من أجل بناء تصور مشترك لثقافة السلام موضوع الضرورات الخمس المذكورة. ذلك لأن هذه الضرورات، أعني حفظ النفس والعقل والنسل والمال والدين هي أساس كل سلام وبدونها لا يتحقق السلام، لا السلام مع النفس ولا السلام مع الجار ولا السلام بين الأمم. وفي هذا الصدد أرى أنه بالإمكان تأسيس رؤية جديدة سلمية وسليمة للمشاكل والتحديات التي يواجهها الضمير الديني والأخلاقي في عصرنا، وذلك بالارتكاز على هذه الضرورات الخمس. وفيما يلي أمثلة:
1 - ففي مجال حفظ النفس يمكن بناء تصور جديد لمفهوم "الحفظ" يستجيب لمتطلبات عصرنا. إن الأصل في مفهوم "حفظ النفس" هو كف الأذى عنها مهما كان نوعه، والإذاية التي تلحق النفس البشرية تمتد على مسافة واسعة، لا نهائية الصغر ولا نهائية الكبر معا: من الخبر المشؤوم والمنظر القبيح والكلمة غير الطيبة والتمييز بجميع أشكاله، العرقي والديني والاجتماعي والاقتصادي والحقوقي الخ… إلى التعذيب والقتل الفردي والإفناء الجماعي الخ… لقد شرع الله في الديانات الثلاث أن النفس بالنفس، ولكن ليس انتقاما ولا ثأرا، بل كبحا للميول العدوانية وردعا لها. فليس القصد الإلهي من "النفس بالنفس" أن القاتل يجب أن يقتل انتقاما أو ثأرا، بل إن القصد الإلهي أسمى من ذلك. إنه تنبيه للناس إلى أن الذي يقتل غيره أو يهم بقتله هو كمن يقتل نفسه أو يهم بقتلها. ولذلك قرر الشرع "وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ" (النساء: 92).
يدور الحديث اليوم حول "أسلحة الدمار الشامل". ولكن ما هو "الدمار الشامل"؟ هل هو الذي تقوم به القنبلة الذرية وحدها كتلك التي ألقيت على هيروشيما ونكازاكي مثلا، أم أنه القتل الجماعي سواء كان بقنبلة تلقى باليد أو تطلق من الطائرة أو من الصواريخ الموجهة البعيدة المدى التي تقلق من البواخر الحربية أو كان بالغاز أو بالجراثيم الخ… إن حفظ النفس يجب أن يشمل ليس فقط نفس الفرد البشري من القتل الذي من هذا النوع الفردي والجماعي بل يجب أن يشمل كذلك، في نظرنا، توقيف العمل بعقوبة الإعدام، وهي عقوبة صار من الممكن الآن أداء القصد منها بالسجن المؤبد. فالسجن المؤبد لم يكن ممكنا في الأزمنة القديمة ولا في جميع المجتمعات، لأنه يتطلب وجود دولة تتصف بالاستمرارية في مؤسساتها وقوانينها مما يجعل من عقوبة السجن المؤبد حكما بالإعدام مؤجل التنفيذ إلى حين حلول الأجل المحتوم. ويجب أن يشمل مفهوم حفظ النفس ليس فقط نفس الفرد البشري الواحد، بل أيضا نفوس الجماعات والشعوب والأمم. ومن هنا ضرورة منع الأسلحة التي تؤدي إلى القتل الجماعي مهما كان مستواها ونوعها.
باختصار تقرر الديانات السماوية الثلاث أن "الله خلق الإنسان على صورته". وحفظ النفس يجب أن يرقى إلى مستوى حفظ صورة الله، حفظها في الأفراد والجماعات والشعوب والأمم.
2 - هذا النوع من الفهم لـ"حفظ النفس" يتطلب عقلا سليما، عقلا يعقل، يكبح ويحبس، الميول العدوانية في الناس مهما كان نوعها. ومن هنا ضرورة بناء فهم جديد لـ"حفظ العقل".
العقل في أصل معناه هو القدرة التي تمكن الإنسان من التمييز بين الأشياء، بين الخير والشر، بين الحسن والقبح، بين الصواب والخطأ. وكلمة "عقل" في اللغة العربية، كما في لغات أخرى، تفيد الكبح والتقييد، وعندما يوصف بها الإنسان فالمعنى ينصرف إلى أنه قوة كابحة للميول العدوانية مقيدة للشهوات الخ… بعبارة قصيرة العقل معيار يمكن الإنسان من التمييز بين الصواب والخطأ على صعيد المعرفة، وبين الخير والشر على صعيد الأخلاق، وبين الحسن والقبح على صعيد الفن والجمال.
ومن خلال التمييز بين الصدق والكذب أو الصواب والخطأ، وبين الخير والشر، وبين الحسن والقبح تبرز وظيفة أخرى للعقل تأتي في الحقيقة كنتيجة، وظيفة التمييز بين النافع وغير النافع، بين المفيد وغير المفيد، بين ما يؤدي إلى النجاح وبين ما ينتهي إلى غير نجاح. وهكذا فالنافع في الأصل هو المبني على الصواب والصحة والخير والحسن. وغير النافع هو المبني على عكس هذه. ذلك هو العقل المعياري، العقل كما يذكره الدين ويمجده وتتحدث عنه الأخلاق وتشيد به، وهو الذي كانت له القيمة الأسمى في العصور الماضية.
أما اليوم فنحن نشاهد العقل يتحول من معيار منطقي وأخلاقي إلى مجرد أداة حتى أصبح يوصف بالعقل الأداتي: مهمته تحقيق النجاح بدون اعتبار لأي شيء آخر، فأصبح النافع هو الحق وليس العكس. وبعبارة أخرى تعرفون مرجعيتها الفلسفية: العقل الأداتي هو العقل الذي يربط الحق والخير والحسن بالمنفعة والنجاح، شعاره كل ما يحقق النجاح فهو حق وصواب وجميل. ومن الطبيعي أن ينساق هذا "العقل الأداتي" مع شعار "الغاية تبرر الوسيلة".
حفظ العقل عملية يجب أن ترمي إلى إعادة الاعتبار للعقل المعياري الذي شعاره: الحق هو النافع وليس العكس.
الإنسان حيوان عاقل، بالعقل ينفصل عن الحيوان، ولكن في أي مجال؟ هل في مجال العمليات الحسابية الراقية وحدها التي يعجز الحيوان عن القيام بها، وقد أصبح الحاسوب يقوم بها؟ هل في المهارات اليدوية التي تبتدئ من الأكل باليد والفرشاة بدل تناول الطعام بالفم كما يفعل الحيوان؟ الروبوات تفعل ذلك وأكثر.
3 - أعتقد أن أول واقعة سلوكية يتحقق بها انفصال الإنسان عن الحيوان هي الواقعة الطبيعية الأولى المعبر عنها بـ"حفظ النسل". الإنسان وحده يميز بين أولاده وإخوته وآبائه وبين غيرهم. الإنسان وحده يقال عنه إنه ابن فلان. إذن يمكن القول: الإنسان حيوان له نسب. أجل على الإنسان وحده تصدق العبارة التالية "النسب" "الأرحام" "الوالدين" "الحفدة" الخ… والإنسان وحده يبني لنفسه "مدينة" فهو حيوان مدني، اجتماعي، سياسي. كل ذلك يدخل في مجال الضرورة الثالثة ضرورة "حفظ النسل". ولكي ندرك أهمية هذه الضرورة في عالمنا المعاصر قد يكفي أن نتصور ما أصبح بإمكان التقدم العلمي القيام به في مجال البيولوجيا والطب، من أطفال الأنابيب إلى التدخل في الهندسة الوراثية إلى ما يعرف اليوم بالاستنساخ. ومنذ سنين ارتفعت أصوات بضرورة وضع أخلاقيات للبيولوجيا والطب، وأعتقد أن ضرورة "حفظ النسل" تتطلب فعلا وضع أخلاقيات في هذا المجال مجال حفظ النسل.
4 - حفظ المال، والمقصود: الخيرات المادية بمختلف أنواعها والتي هي ضرورية لحياة الإنسان. وحفظها يعني حمايتها من الضياع والتبذير والاحتكار وسوء الاستعمال الخ.. لقد سنت الديانات السماوية قوانين لذلك بعضها على سبيل الأمر الملزم، وبعضها على سبيل الحث والندب والترغيب. ومعلوم أن الديانات السماوية تقرر أن المال مال الله، باعتبار أنه وحده خالق كل شيء ومالك كل شيء. وغني عن البيان القول إن الحث على التوزيع العادل للثروة أمر تشترك فيه الديانات السماوية، وقد شرعت لتطبيقه بأساليب متنوعة ومرنة بحيث يمكن تطبيقها في كل عصر حسب معطياته الخاصة.
وما يتحدى عصرنا اليوم، على صعيد المال والاقتصاد، هو هذه الظاهرة التي يكثر عنها الكلام الآن، ظاهرة العولمة. العولمة ظاهرة حضارية جديدة، وهي كجميع الظواهر الحضارية لها إيجابيات ولها سلبيات. وأخطر سلبياتها في نظرنا هو ذلك المبدأ الاقتصادي الذي تقوم عليه والذي يتلخص في الشعار التالي: "أكثر ما يمكن من الربح بأقل ما يمكن من العمال". ومن هنا ظاهرتان خطيرتان: "تسريح العمال وانتشار البطالة من جهة، وتشغيل الأطفال والنساء" بأقل أجر من جهة أخرى.


تابع

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-29-2006, 09:50 PM   #16
سلطان ربيع

كاتب

مؤسس

الصورة الرمزية سلطان ربيع

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 660

سلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعةسلطان ربيع لديها سمعة وراء السمعة

افتراضي


يمكن القول بصفة عامة إن اقتصاد العولمة يتجاهل الأخلاق إن لم يكن يتنكر لها. لقد ظهر ذلك واضحا في المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية الذي انعقد بسنغافورة في ديسمبر 1996، حيث رفضت معظم الوفود مناقشة قضية تشغيل 250 مليون طفل في العالم، أغلبهم بين السادسة والرابعة عشرة من أعمارهم. وقد انتهت المناقشات في هذا الموضوع بالمناداة بضرورة "الفصل بين التجارة والسوق، وبين معايير العمل والقيم الثقافية والاجتماعية".
نحن إذن أمام تنكر صريح للجانب الأخلاقي وللتعاليم الدينية، في ميدان العولمة الاقتصادية. يجب إذن "حافظ المال" والاقتصاد من هذا الاتجاه الخطير الذي يكرس مبدأ المال من أجل المال. ومن هنا ضرورة التفكير في صياغة أخلاق للعولمة يطلب لها الإلزام من ثقافة السلام.
5 ـ حفظ الدين: وحفظ الدين من منظور ثقافة السلام يقتضي أولا وقبل كل شيء حفظ المنطلق الذي انطلقنا منه: أعني كون الديانات السماوية إنما تقصد إلى مصلحة الناس. ومن هنا يكون حفظ الدين معناه حفظ الضرورات الأربع السابقة: حفظ النفس والعقل والنسل والمال. وهكذا فإذا كنا قد وضعنا حفظ الدين في المرتبة الخامسة فمن أجل أن نجعل من الضرورات الأربع الأولى موضوعا له، وهل يهدف حفظ الدين إلى شيء آخر غير حفظ النفس والعقل والمال والنسل وما تفرع عن ذلك؟
ولكي يقوم الدين بوظيفته هذه يجب حفظه من داء الغلو والتطرف: التطرف في الدين يلغي وظيفة الدين التي هي حفظ المصالح ويجر إلى توظيفه في غير ما وضع له، بل إلى استعماله ضد النفس والعقل والنسل والمال.
تلك في نظرنا هي القيم الأساسية المشتركة بين الديانات السماوية الثلاثة والتي يمكن انطلاقا منها تشييد ثقافة للسلام، تضمن السلام للإنسان مع نفسه ومع نسله وجيرانه، وتضمن للشعوب والأمم السلام والعيش المشترك في إطار من التعاون والتضامن.
وأخيرا، دعوني أؤكد: ثقافة السلام هي، أولا وقبل كل شيء، ثقافة للسلام مع الله، وبالتالي فهي ثقافة للسلام مع خلقه، أفرادا وجماعات، ثقافة ضد التطرف سواء بدافع القوة الغاشمة، قوة السلاح وأساليب الهيمنة، أو باسم الدين، أعني ادعاء احتكار حقيقته". انتهى.
كنت أنتظر أن يتجه المتدخلون من الديانات الأخرى في مناقشاتهم هذا الاتجاه، لكن الذي حصل كان شيئا آخر. لقد تحدث كل طرف عن دينه حديث الدعاة، فكانت النتيجة أن انتهت الندوة كما بدأت، كل يغنى على ليلاه.
المسلمات والأفكار المتلقاة
* س: لنعد إلى ‬الكتاب لنسأل: ألم* ‬يتملككم،* ‬أثناء بحثكم ودراستكم لموضوع التعريف بالقرآن،* ‬هاجس الخوض في* ‬أشياء تعاكس المسلَّمات لدى* ‬غالبية المسلمين‬؟
* ج- ‬المسلمات الإيمانية لا* ‬يمكن أن تمس،* ‬وهي* ‬معلومة ومحددة في* ‬القرآن‬،* ‬أما المسلمات التي* ‬أسميتها* أنا من قبل بـ"‬الأفكار المتلقاة"* ‬فيجب أن تناقش*.‬ المسلمات التي* ‬أناقش هي* ‬المسلمات المتعلقة بالفهم،* ‬فحينما كتبت عن موضوع "‬أمية الرسول" (ص)* ‬صدرت بعض ردود الفعل تجاه ما قلته عن معنى "أمي" وكنت قد أوضحت كيف أن هذا اللفظ لا يعني بالضرورة "الذي لا يعرف القراءة والكتابة"، وأوردت روايات ووقائع تفيد أن النبي عليه السلام كان يعرف الكتابة والقراءة. وقد* ‬صعب على بعضهم تقبل ذلك*.‬
المشكل هو أن بعض الناس ‬يتحدث انطلاقا من الأفكار المتلقاة،* ‬وهذه عوائق إيبستيمولوجية، عوائق معرفية. فالناس الذين* ‬يفهمون عبارة "‬النبي* ‬الأمي" على ‬أنها تعني* ‬النبي* ‬الذي* ‬لا* ‬يحسن القراءة ولا الكتابة،* ‬إنما يبنون فهمهم على ما تلقوه وليس على ما بحثوا فيه*.‬ وعندما رأيت بعضهم، من الجزيرة العربية، يتعصب للأفكار المتلقاة قلت في نفسي إن مثل هؤلاء لا ينفع معهم إلا ما هو من جنس "وداوني بالتي كانت هي الداء"، فأتيت بنص لابن تيمية يشرح فيه أن لفظ "الأمي" في القرآن هو نسبة إلى الأمة، والمقصود أمة العرب، حينذاك سكتت الأصوات!
الأمية ليست شرطا في النبوة ولا أحد كمالاتها
* س: ‬إذا سمحت،* ‬في* ‬الكتاب حرصتم على توضيح هذه العوائق،* ‬وقلتم إن* "العوائق عندما تتصل بالمقدس تصبح مقدسة*".‬ وأوضحتم أن المشكل هو هذه الأفكار المتلقاة"**. ‬لكن القول إن النبي* ‬لم* ‬يكن أميا بمعنى أنه كان* ‬يعرف الكتابة والقراءة قول ‬يعاكس رأي* ‬الغالبية التي* ‬ترى أن معجزة القرآن هي صدوره عن نبي* ‬لم* ‬يكن* ‬يعرف القراءة والكتابة.‬
* ج: ‬الذين* ‬يقولون بأمية الرسول * -‬كما ذكرت*- ‬ يريدون أن* ‬يثبتوا أن القرآن معجزة لأنه جاء من نبي* ‬أمي* ‬لا* ‬يعرف الكتابة والقراءة. *‬وهذا في نظري تفكير خطأ، لأن الأمية ليست شرطا في النبوة، ثم إن النبوة من الكمالات التي ليس بعدها كمال آخر بالنسبة للبشر، والأمية ليست جزءا من الكمال ولا صفة له. هذا من جهة ومن جهة أخرى فمعجزة نبينا معروفة وهي القرآن الكريم، الذي لا يمكن أن يقلده ويأتي بمثله لا من هو يجهل القراءة والكتابة ولا من هو لا يعرفهما، وقد تحدى العرب كتابا وغير كتاب أن يأتوا بمثله فلم يفعلوا *.‬وكما قلت في الكتاب فإنه لا* ‬يمكن لأحد اليوم أن* ‬يقلد قصائد نزار قباني أو غيره من المبدعين في الشعر أو غيره، لأن الإبداع أصالة لا تقليد*.‬ والقرآن أعلى مراتب البلاغة والبيان والإبداع...
مسألة البسملة ... والفاتحة
* س: ‬دائما في* ‬إطار الحديث عن الأفكار المتلقاة:* ‬حين* ‬يقرأ أحدهم أن "باسم الله الرحمان الرحيم" ليست من القرآن؟* ‬أعتقد أنه لن* ‬يتقبل الأمر بسهولة*..‬
* ج: ‬مثل هؤلاء فهموا خطأ.* ‬أنا قلت إن البسملة لم ترد في* ‬كل سورة كآية من آياتها. لقد شرحت كيف أن النبي* ‬(ص) كان يرشد كتاب الوحي إلى السور التي يجب أن توضع فيها كل آية نزلت،* ‬فيقول مثلا ضعوا هذه الآية أو الآيات في سورة البقرة أو في* ‬سورة الرعد وهكذا... ‬وعند جمع القرآن زمن عثمان عمدوا إلى الفصل بين سورة وأخرى بوضع "‬بسم الله الرحمان الرحيم"‬، بينهما حتى لا تختلط السور. وهكذا فـ *"‬بسم الله الرحمان الرحيم"* ‬ليست آية في كل سورة، هي علامة فصل، ولكنها جزء من آية من القرآن وذلك في قصة سليمان مع الملكة بلقيس بسورة الكهف (أية 30).‬ هذا هو الرأي الذي عليه غالبية المفسرين والمشتغلين ب "علوم القرآن".
* س: ‬إذا سمحتم فالحديث عن البسملة واضح،* ‬لكن السؤال* ‬يتعلق ب-"الفاتحة"* ‬"أم الكتاب"* ‬و"السبع المثاني"* ‬التي* ‬أوردتم في* ‬الكتاب أن مصحف ابن مسعود ومصحف أبي* ‬بن كعب لا* ‬يتضمنانها وأن الأول كان* ‬يعتبرها دعاء وليست وحيا؟
ج: ابن مسعود كان* ‬يعتقد أن المعوذتين هما دعاء كان النبي يتعوذ به* .. ‬أما الفاتحة فقد نزلت كسورة من سور القرآن. ويقال إن النبي (ص) هو الذي سماها فاتحة الكتاب. هناك من يقول إنها مكية وآخرون يقولون إنها مدنية وبعضهم قال نزل قسم منها في مكة وقسم آخر في المدينة، فالمسألة موضوع خلاف* .‬‬أما في جدول ترتيب السور حسب النزول فتحتل المرتبة الخامسة.
حول ما نسب للسيدة عائشة
* س: ‬لكن حين تذكرون في* ‬الكتاب مثلا،* ‬أن السيدة عائشة* -‬التي* ‬نعرف أن الرسول أمر بأخذ نصف الدين عنها* - ‬قالت إن نصف سورة الأحزاب أكلته نعجة*.‬
* ج: ‬أولا* ‬بخصوص السيدة عائشة* ‬والقول إن النبي* ‬أمر بأخذ نصف الدين عنها،* ‬أرى أن المسألة فيها نظر. أنا أعتقد أن هذا "الحديث" هو حديث سياسي* ‬بالدرجة الأولى ولذلك أضعه بين قوسين*.‬ لقد ضخم بعضهم دور السيدة عائشة في رواية الحديث، ولا يستبعد أن يكون للجانب السياسي دور في ذلك، فقد شاركت في حرب الجمل بين علي من جهة وطلحة والزبير من جهة أخرى وكانت إلى جانب هذين راكبة الجمل، فسميت تلك الحرب بحرب "الجمل". ولا بد أن يكون لتضخيم الشيعة لدور فاطمة بنت النبي وزوجة علي وأم الحسن والحسين دور في تضخيم خصوم الشيعة لدور عائشة. ‬وأهل السنة والشيعة* ‬يعرفون ذلك جيدا*.‬
السيدة عائشة بنت الخليفة أبي بكر الصديق،* ‬وقد خطبها الرسول(‬ص)، بعد وفاة خديجة،* ‬وعمرها حوالي *سبع سنوات وبنى عليها في التاسعة أو الثانية عشرة من عمرها حسب الروايات،* وقد توفي الرسول عليه السلام وهي* ‬في* ‬حدود الثامنة عشرة من عمرها،* ‬بمعنى أنها لازمت النبي (ص) كزوجة ‬لمدة* ‬6* ‬سنوات،* ‬فكيف* ‬يعقل أن* ‬يروى عنها كل ذلك العدد الهائل من الأحاديث؟ أما حديث "خذوا من عائشة نصف دينكم" ففيه نظر خاص من جهة أن القرآن لا يشهد له بالصحة. فالقرآن قد كمل نزوله والنبي على قيد الحياة، وفيه الدين كله. والسنة النبوية، بما فيها الحديث، مبينة لما يحتاج فيه إلى بيان. وهذا "الحديث" ليس فيه بيان لشيء من القرآن، وبالتالي فهو موضوع شك كبير.
الإسلام ليس مثل المسيحية التي* ‬لها أربعة كتب (أناجيل) كل منها يروي جانبا من جوانب حياة المسيح وتعاليمه.* ‬الإسلام قرآن ونبي،* ‬النبي* ‬مات فانتهى،* ‬وبقي* ‬القرآن الذي* ‬قال الرسول عنه ما معناه: تركت فيكم ما لا تضلون به من بعدي:* ‬كتاب الله. وقد أضيفت عبارات مختلفة إلى هذا الحديث هي موضوع نظر.
حول ما قيل إنه سقط من القرآن
* س: ‬لكن الحديث عن آيات لم تدرج في المصحف،* ‬وآيات ضاعت، ‬مثلا *آية ‬الشيخ والشيخة، وآيات تعتمدها الشيعة ولا* ‬يعتمدها أهل السنة، فهل نحن أمام قرآن * ‬غير مدون،* ‬وقرآن مدون؟
* ج: ‬لقد فصلت القول في* ‬ هذه المسائل.* ‬لقد أوردت روايات لأهل السنة* ‬تقول بـ"سقوط" آيات،* ‬وأوردت آراء لبعض الشيعة* ‬تقول بحذف أو إضافة أشياء وقلت إن المراجع الشيعية المعاصرة تنفي أن يكون في القرآن المنزل زيادة أو نقصان، وأن ما قيل في هذا الموضوع هو من التأويل وليس من التنزيل. وقد ناقشت روايات هؤلاء وأولئك. ثم طرحت المسألة من وجهة تاريخية موضوعية *فلاحظت أولا أنه إذا كان* ‬من الممكن فعلا أن تكون هناك آيات ضاعت،* ‬فإنها ستكون من القرآن المكي،* ‬لأن الإسلام في المرحلة المكية عاش عشر سنين من الاضطهاد* ‬أدت إلى هجرة الرسول والمسلمين نحو المدينة في ظروف صعبة،* ‬ولا بد أن تكون هذه الظروف قد فرضت صعوبات كبيرة في* ‬"تهريب" صحائف القرآن* ‬نحو المدينة.. وبالتالي فإذا كانت هناك أشياء ضاعت،* ‬فيجب أن تكون من القرآن المكي* ‬الذي* ‬يتضمن سورا طوالا* .. ‬لكن لا أحد* ‬يتحدث عن آية أو سورة أو أي شيء ضاع من القرآن المكي.* ‬فإذا كان القرآن المكي* ‬لم* ‬يضع منه شيء،* ‬والإسلام يعاني من ‬تلك الظروف القاسية،* ‬فلماذا سيكون الضياع من القرآن المدني* ‬الذي* ‬نزل في* ‬عهد الدولة،* عهد الاستقرار.* ‬منطقيا* ‬يجب أن* ‬يكون العكس*.‬
لذلك أقول إن ما يمكن أن يكون قد حصل، بالنسبة لسورة الأحزاب وسورة براءة، هو أن بعض الذين جمعوا القرآن في سور ثم في مصحف على عهد عثمان ربما أخطئوا ووضعوا مجموعة من الآيات في* ‬سورة ،* ‬بينما قرأها آخر من قبل في* ‬سورة أخرى، فوجدها الذين قرءوا السورة الأولى ناقصة في حين أنها مذكورة في سورة أخرى*.‬
أما احتمال الحذف المقصود لأية أو آيات ‬فإن مثل هذا القصد، إن وجد، لا* ‬يمكن إلا أن* ‬يكون قصدا سياسيا،* ‬والقصد السياسي* ‬على هذا المستوى* ‬وبهذا المعنى مستبعد تماما خلال تلك الفترة*.‬ ذلك أننا عندما نبحث في* ‬سورة الأحزاب أو في براءة،* وبهما * ‬يتعلق السؤال ،* ‬فإننا نجد موضوعاتهما معروفة قد تناولتها سور أخرى، وما تمتازان به هو ما فيهما من نوع من "‬النقد". في* ‬سورة الأحزاب هناك انتقاد للمنافقين والمتقاعسين بشأن* ‬غزوة الخندق، *أما ‬في* ‬براءة فهناك انتقاد كبير للمسلمين بخصوص الاستعداد لحرب* "‬تبوك*"‬،* ‬وقد شرحت ذلك كله وبتفصيل في كتابي *"نقد العقل السياسي"، وإذن فالسؤال هو ما الذي* ‬يمكن أن* ‬يكون قد ضاع منها بقصد سياسي،* ‬مادامت السورتان قد مارستا نقدا صريحا لا مزيد عليه. ‬ربما* ‬يمكن القول إن هناك حديثا عن المعاهدات مع المشركين التي أشارت إليها سورة براءة ولم تذكر تفاصيلها. ولكن هذا مجرد تخمين ولا شيء يبرر ضياع ذلك بقصد سياسي.
القرآن* ‬يبقى هو هو،* ‬لأنه بعد موت النبي (ص) مباشرة،* ‬اجتمع المسلمون في* ‬سقيفة بني* ‬ساعدة* ‬يتداولون حول الخلافة،* ‬ولا واحد من المتخاصمين استشهد بآية من القرآن لصالحه : ‬المهاجرون دفعوا بأنهم الأقوياء وأصل الدعوة، والأنصار دفعوا بأنهم هم من قاموا بإيواء المهاجرين* .. ‬وبالتالي* ‬كان ميزان القوى هو* ‬محور النقاش*. ‬
وعندما وقعت حرب الجمل* ‬لم يتهم أحد خصمه بتحريف القرآن، وكذلك الشأن في حرب صفين. ‬حينما وقعت صفين، بين علي ومعاوية.
تحدثت عن التفاصيل في* ‬الكتاب،* ‬لأن البحث العلمي* ‬يقتضي* ‬ذلك،* ‬ولأن الناس* ‬يجب أن* ‬يعرفوا فعلا ما وقع*.‬
* س: ‬هناك آية الشيخ والشيخة التي* ‬طالب عمر بإضافتها فلم يقبل منه ذلك لكونه كان وحده ولا شاهد معه، وزيد بن ثابت جامع القرآن كان قد اشترك شاهدين اثنين لقبول القرآن، ‬وهناك * "‬سورة النورين"‬ و"سورة الولاية*" ‬اللتان* ‬يقرهما بعض الشيعة.* ‬لكن السؤال هو حول اعتمادك هنا على موقع أنترنيت كمصدر*.‬
* ج: بالنسبة لآية الشيخ والشيخة لم أعتمد فيها ولا فيما قيل حولها على موقع في الإنترنيت بل اعتمدت على كتب التفسير وفي مقدمتها القرطبي كما هو منصوص عليه في الكتاب. أما بخوص السورتين المذكورتين فالمصدر الشيعي الذي اعتمدت عليه معروف والقضية معروفة وقد حكيت تفاصيلها. نعم يجب أن لا يعتمد الإنسان اعتمادا أعمى على ما ينشر في الانترنيت، وأنا لا أعتمد مثل هذا الاعتماد حتى على ما هو مسطور على الورق ومطبوع. لابد من النقد والاحتياط. الموقع معروف،* ‬وصاحبه معروف،* ‬كل ما هناك،* ‬هو أنني* ‬عوض أن أتجشم مشاق البحث عن كتاب أصبح مغمورا و نادرا وتم إخفاؤه، ومادام الكتاب موجودا في* ‬موقع للأنترنيت،* ‬فلماذا لا أتعامل معه؟* ‬المهم هو أن لا أحد* ‬يستطيع أن* ‬ينفي* ‬وجوده ولم يطعن في مضمونه أحد.
فخ وقع فيه بعضهم في القاهرة
أما الضجة التي أثيرت في مصر خاصة حول مقالي "ما قيل إنه سقط أو رفع من القرآن" فهي نتيجة فخ منصوب بقصد وقع فيه بعضهم. ذلك أن إحدى الفضائيات العربية أخذت المقال ووضعته على موقعها الإلكتروني* ‬وقد أخذت جريدة من مصر نفس المقالة ونشرته وسألت بعض الأزهريين حولها،* ‬فكانت ردودهم مختلفة*، وكثير منهم لم يقرأ المقال، وجميعهم لم ينتظر تتمة الموضوع في المقالات اللاحقة. هذه القضية استغلت لأغراض إشهارية وربما تشهيرية أيضا ولغرض في نفس يعقوب لا ضرورة للخوض فيه. ولابد من الإشارة إلى أن كثيرين قد نظروا إلى المسألة من زاوية أن المقالة تنتمي إلى البحث العلمي *.‬
*"التحريف" مصطلح له معنى خاص
س: ‬هناك تقديم في* ‬أحد المواقع جاء فيه ما* ‬يلي ‬"فجر الدكتور محمد عابد الجابري* (…) ‬مفاجأة بقوله إن القرآن وقع به بعض التحريف وأن علماء الإسلام السنة اعترفوا بذلك"*.‬
* ج: ‬المشكلة هنا هو الحديث عن التحريف دون معرفة معناه كمصطلح من مصطلحات علوم القرآن. بعض ‬الناس* ‬يقرؤون القرآن،* ‬أو مصطلحات القرآن ‬كما* ‬يقرؤون الجريدة.* ‬التحريف هنا ليس بالمعنى ‬"القدحي"* ‬كما في اللغة اليومية الآن*.‬
ما هو التحريف؟ هناك حديث نبوي تكرره كتب الحديث وكتب التفسير ونصه "نزل القرآن على سبعة أحرف"*،* ‬ومن معاني "الحرف" في اللغة طرف الشيء وجانبه،* ‬والتحريف* ‬بهذا المعنى يعني* ‬الميل إلى * ‬هذه الجهة أو تلك*.‬
هناك من* ‬ينطق القاف* ‬"گاف"* ‬أو* ‬"همزة " ‬وهناك من* ‬يقول* ‬"إئت"* ‬عوض "تعال"*‬،* ‬وقد أوردت هذه المعاني في الكتاب*.‬ الفقهاء* ‬يعرفون معنى التحريف هنا،* ‬وهو على كل حال لا* ‬يعني* ‬التزوير كما قد* ‬يفهم عامة الناس.
الشك هو طريق اليقين .. والخلخلة ضرورية
* س: ‬في* ‬هذا الاتجاه،* ‬وبالنسبة للقاري البسيط الذي* ‬يريد الإطلاع على هذا الكتاب،* ‬والذي* ‬أصيب ربما بصدمة أو خوف نظرا لبعض النقاشات التي* ‬أثارتها بعض مضامين الكتاب،*‬ كيف* ‬يمكن لقارئ بسيط أن* ‬يتناول الكتاب؟
* ج: ‬قلنا مرارا،* ‬إن الكتابة في* ‬التراث،* ‬بعد قرون طويلة من الجمود والتقليد،* ‬هي* ‬اليوم في* ‬حاجة إلى خلخلة*.‬ نعرف أن الشك ضروري،* ‬وهو بمعنى النظرة النقدية وقد نوه به الجاحظ والغزالي وغيرهما حتى قيل ديكارت الذي* ‬اشتهر بمنهجه الشكي. وقد تردد كثيرا في تراثنا أن من لم يشك لا سبيل له إلى اليقين.
الشك هو طريق اليقين،* ‬يجب أن* ‬يمارس الناس الشك.* ‬يجب أن تحدث خلخلة في* ‬التعاطي* ‬مع قضايانا،* ‬هل محكوم علينا أن نظل دائما رهائن لِمَا يسمى بـ* "‬إيمان العجائز*"‬ سواء في* ‬علاقتنا بالله أو بالناس* .. ‬أو بالتاريخ؟
هذا هو الدور الذي* ‬يجب القيام به،* ‬وهو ما أقصده بالخلخلة،* ‬أي* ‬نشر الحقائق التي تزعزع التقليد والجمود على الأفكار المتلقاة. ‬وأنا متأكد أنه لن* ‬يكون باستطاعة أحد أن* ‬يكذبني* ‬في* ‬الحقائق التي* ‬أقدمها وفي* ‬البحث العلمي* ‬الذي* ‬أقوم به،* ‬سواء في* ‬هذا الكتاب أو في* ‬الكتب التي* ‬سبقته*.‬ لكني أعرف أن الحقيقة تصدم فعلا.
الشيعة والسنة ... والكنيسة والبابا
* س: ‬مسألة الشيعة* ‬والسنة من المسائل التي* ‬حكمت الكثير من النقاشات في* ‬تاريخ العالم الإسلامي.* ‬الصراع بين الشيعة والسنة،* ‬هل محكوم بالأبدية بدوره ‬؟
* ج: من ‬المعروف منذ زمن أن العراق، ولنقل على الأقل منذ عصر العباسيين بعد عهد الأمين والمأمون،* ‬صار الشيعة والسنة شيئا واحدا،* ‬من الناحية الاجتماعية تزاوجوا وتصاهروا* ‬بمعنى أنه لم تكن هناك قطيعة ولا حرب. كان ‬هناك بعض التوترات،* ‬لكنها تتطور تتطور إلى حرب.* ‬الحرب* ‬بدأت تظهر مع هذه التطورات السياسية التي* ‬وقعت مؤخرا هناك،* ‬والتي* ‬تزيد من اشتعال الفتنة بينهما،* ‬لكن الأكيد أنها ستنتهي.* ‬الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت والحروب الدينية في* ‬أوروبا* ‬استمرت مائة سنة،* ‬لكنها انتهت. أما في *التاريخ الإسلامي،* ‬فلم تكن هناك حروب دينية بهذا المعنى.
س: الآن سنتحدث عن المشروع الذي* ‬لم تنجزه بعد،* ‬أقصد نقد العقل الأوروبي،* ‬لأقول إنه هناك ربما اختلاف بين السياقين، فالعقل الأوروبي* ‬ليس هو العقل العربي* ‬*…‬
* ج: ‬الأمر مختلف فعلا،* ‬في* ‬الغرب كانت هناك الكنيسة،* ‬والكنيسة كانت دولة ولها مصالح وأراض الخ، ‬هناك اختلاف كبير في* ‬المعطيات الواقعية *…‬
* س: ‬بمعنى أن الصراع الذي* ‬انتهى عندهم قد لا* ‬ينتهي* ‬عندنا*..‬
* ج: ‬لا،* ‬لم* ‬ينته الصراع*..‬
* س: ‬على الأقل هناك الآن القبول بالاختلاف *..‬
* ج: ‬لا،* ‬ليس هناك شيء من هذا،* ‬ما حدث هو أن الأمور انتهت باعتماد *"‬اللائكية*" ‬وتخلي* ‬الكنيسة عن السلطة*.‬ الكنيسة* ‬يمكنها التخلي* ‬عن السلطة،* ‬لأن الكنيسة شيء مشخص* .. ‬أما الإسلام فليس فيه كنيسة،* ‬الإسلام كدين هو علاقة شخصية بين الإنسان وربه*…‬
خذ خطاب البابا الأخير مثلا،* ‬والذي* ‬قمت بالرد عليه في* ‬مقالات متعددة.* ‬في* ‬ذلك الخطاب،* ‬لم* ‬يترك البابا أحدا* .. ‬سكت عن الأرثوذكس واعتبرهم * ‬غير موجودين،* ‬مع أن لهم* ‬كنائس مهمة،* ‬وسكت عن البروتستانت واعتبرهم* ‬غير موجودين،* ‬مس اليهود*.. ‬وبمعنى آخر،* ‬فالبابا وحده هو الموجود،* ‬ولهذا انتقده الجميع

 

التوقيع

[OVERLINE]"عمر الرجل كما يشعر، وعمر المرأة كما تبدو "

مثل فرنسي
[/OVERLINE]

سلطان ربيع غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
النمر الأسود ! حابس المشعل أبعاد الهدوء 58 01-20-2008 12:37 PM
معوق و لكنه تفوق.. شيماء عبدالعزيز أبعاد الهدوء 0 08-19-2007 04:08 PM
تصرفات محمد عبده الصبيانيه ريم علي أبعاد الإعلام 62 02-14-2007 07:53 AM
أحمد شاكر ( أبو الأشبال ) لمن يجهله ... حمد الرحيمي أبعاد المكشف 1 11-18-2006 06:16 PM
لمشكلة تضخم حجم مجلد ويندوز ... نـــجد أبعاد العام 4 08-26-2006 08:48 PM


الساعة الآن 09:32 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.