شيءٌ خفيٌ كَدبيبِ نَملٍ شَغوفٍ ، تسللَ نحو جسدي المُنهك ، عبَر أمام عينيَّ المحملقتين في رسالتك القاتمة ، تلك الورقة أسميتها ( قاتلتي) .
ويكأني لا أصدق ما خطته شمالكِ التي دومًا كنتُ أقول حينما أراكِ تكتبين بها : ( الكتابة بالشمال مميزة) !
أليس من المجحف أن تغرزي بتلك الشمال قراركِ الوائد للفرح الذي كانت وشوشاته رفيقتي وأنت معي !
في تلك الليلة العاقر من كل شيء سوى أنها أدخلتني موسوعة جينيس للأرقام القياسية ، محطمًا عناوين الفوز لمن سبقوني من دالقي الدموع ، المطعمة بالخيبات ، وأية خيبات !
أصبح لي منفى ، في هذا العالم ، سكنني اليُتم غصبًا ، معلقًا كمشنقةٍ مرتبكة ، تمارس شقوتها بتأرجحٍ ذات اليمين وذات الشمال .
بِتُّ أرتشف الأسى ليل نهار ، أطهو وجعي على نارٍ وقحةٍ تسلقُ آمالي ، مما انتزع من روحي .
ذاك المساء المهيب الذي كان يتبخترُ حين سماع صوتكِ ، بات يقضمُ ساعاتي ، وينفثُ عقاربه في عقلي بحمم الفكر ، وأنا لا حول لي ولا قوة .
أتسمر وبيدي المحمول متراخيًا ، أصغي إلى مقاطع صوتكِ التي كنت تفاجئينني بها عبر إرسالها لي ،
هامسةً مرةً ، وضاحكةً مرةً بعباراتك المحببة لقلبي والغريبة على قاموس اللغة ( لا أحبك يا رجل ، أنا أعشقك عشق (المَجْننة) .
أتراها كانت ضحكاتٍ ساخرة أم لَعناتٍ طفت على السطح بعد اكتمال خيوط الاحتراق ، ونتيجتها رماد روح .
أكنتُ حقًا أستشرفُ الآتي من العاصفات النحسات من الأيام العجاف! دومًا كنت أتمتم بتلك الهمسات الوجِلة ( الله لا يحرمني منك)
وكثيرًا ما كنتِ تغضين الطرف عن لفظ كلمة ( آمين) !
أدمنتك وأدمنت كل شيء متعلق بكِ ، حتى المرآة التي أهديتني إياها يوم عيد ميلادي ، وأصبح تأنقي أمامها هو تأنقٌ لكِ ، كنتُ أراكِ فيها .
تسكنني ابتسامةٌ كلما وقفت ماثلاً كأنني في حفل عرض أزياء ، أنتظر دوري للانطلاق .
ما أحسب أن هناك رجلاً مثلي في هذا الكون ، يخاطب مرآةً كما كنت أفعل ، أرأيتِ رجلاً يراقص الشوق في مرآة !
(صباح الخير يا سكر ، مساء الورد يا عنبر ، هل اكتمل تجملي ، هل عندك شك . . . ) كثيرةٌ هي العبارات ُ التي كنت أدندنُ بها وأنا أمامك ِ ، أمام المرآة !
أما الآن ، حالُ اكتمال العراء في النفس المتخثرة ، صمتٌ يخدشُ رائحة المكان ،
جفاءُ روحٍ حطَّ على صدري ، كصرصرٍ عاتٍ يُذوبُ الشمع ، يكسرُ نبضات القلب الوَلهى ، يتركه لذاك الكامن بين الضلوع ( شبح الغربة) .
آخذًا بي لمجاهيل دربٍ يتلبده الغبار ، وتذاكر الرحيل تقود بوصلة الخطيئة . بتُّ أدونُ حِبر الغياب على ورق الخيبة ،
مغمسًا بتوقدِ قهرٍ عاث بي خرابا ، وعلقمٍ ما تذوقت مثيله منذ ولادة الحب فيَّ !
أنا الذي أسميتك ( قوس قزح) ، وشمت راحتكِ بشعار التناغم بيننا ، يومها قلتِ لي ، أنا حبيبتك ، أليس كذلك ؟
أجبتك : أنتِ ابنة السماء .
ملتهمة فرحي . . .
وهبتك مفتاح قلبي وولجتِه فتحول مطواعًا على رحبِ ، وجعلت من أركانه حديقةً تنهلين منها أطايب الثمار ، فغردتِ أيمَّا تغريد : ما أجملني بكَ يا رجل !
لم أعلم أنني منك وبكِ سأشقى وأعرى ، وأطوف الدنيا ارتجافًا من مصير أحمق ، جعلني أصوم عن النساء ، ولسانٍ خشنٍ يتقيأ : لا مساس لا مساس . . .
قرارك الآثم كإخوة يوسف ، لا رحمة ولا صون لعهدٍ بيننا ، تركتني قابعًا في جُبِّ الفجيعة ، متناسيةً براءة القلب الذي عطَّر حياتكِ ، وأجرى لكِ أنهار العسل من شفتيَّ .
يا امرأة . . .
كنتِ وطنًا لي .
والآن . . . بكل عنفواني أصرخ هائمًا . . . تبًا لك أيها الوطن .
تح يتي
القيصــــــــر