تداعى ليراعها القاصي والداني من الحرف , فأشعلت الورق بشموع من الانتاج الأدبي المميز , حتى الألوان عندما تصهل برجفة عقيق كي تنجز بها لوحة فنية انضمت إلى قائمة مواهبها .. فيلسوفة من الطراز المحير .. فلا هي من الفوج القديم ولا تنتمي إلى فريق الفلسفة العصرية , تميز حرفها المبهر بالغموض .. وامتشاق الغريب من المعاني ,تصيبك الحيرة من أمرها .. ولا تدري إلى أي عصر أو زمان تنتمي , ولا تعرف أي أنثى أو امرأة تكون ..قد تتصورها طفلة مشاكسة في ثوب سيدة وقورة ..أو مخلوق مسالم حد السذاجة والشفافية والعفوية , ولكنك بعد حين ستذهلك برصانتها وقوة شخصيتها وذكائها الحاد ..
من الصعب أن تحدد معالم شخصية هذه السيدة أو تنجح في تحليل سلوكياتها , أمرها كله عجيب في تفردها وتميزها, ومع كل ما تحاول اكتشافه فيها تعود حائرآ خالي الوفاض وكأنك كنت في رحلة غامضة مع المجهول ..انها الكاتبة والأديبة والإعلامية سحر الناجي .. كانت مجلة فتل لها هذا اللقاء معها , فخرجنا بالحوار التالي :
بين البوح ورسالة اللغة في يراع الكاتبه سحر الناجي , ثمة شئ لم يتم العبور به إلى عقل المتلقي بكمية الادراك ونوعه ما هو رأيك ؟
- بديهيآ .. وبادرة توثب لقريحتي اللحظة أنا لا أماطل في السرد الأدبي كي أجعل من الحرف معقوف المعاني أو مبهم التضاريس ,
هذا بطبيعة الحال إن اعتبرنا أن ماهية البوح تتشكل لدي وبقناعة سائدة لدى بعض المبدعين , لنقل مثلآ كإغراقة وجد تجسدها في أغلب الأحيان كينونة الكاتب على نحو من الغموض
الذي قد تقف انتباهة المتلقي حيالها دهشة .. وفي معنى آخر قد تتشربها بحيرة على اعتبار أنها طلسم أدبي لا تفقه محفزات الإنتباهة العامة مجريات غموضه ..
هي لحظات تمازج ما بين الوجد واليراع , وإن شئت هي هنيهات تولد خارج نطاق الزمن .. فيحولها الكاتب إلى مقطوعة تعزف على إدراك الآخر والمتمثل بالقارئ بشتى التأثيرات ..
وهذا ما يحدث معي تحديدا حيث يمطر المداد من قلب غيمات وجدانية كي تصيب تراب الأرواح بالبلل ..
ولنتجاوز هذا المنحدر .. ونلخص الأمر بحالة من الشتات اللذيذ الذي قد يغمر كيان المبدع .. فيحوله إلى حروف تعبر عن حالة خاصة من البوح .. ربما أنه عصي على بعض الأذهان ..
هل يمكننا اعتبارالكتابة كحالة خارج حدود النطاق العقلاني العادي ام هي شعور بسيط يستقبلها كل عادي ؟
- الكتابة مشادة بيانية ما بين الوعي وأحاسيس باهظة الهطول .. تتوالد في طقس شديد الخصوصية .. حيث تتلبد الذاكرة بزخم ضبابي غير محدد المعالم , فيقوم الحدس والعقل بتنقيته
كي يستطيع اليراع مجاراة تقلباته الماطرة , وبالتالي ترجمته إلى مشاهد لفظية ولغوية وذلك حسب خزينة الكاتب من مكنون الحرف وصوره الجمالية المتعددة الألوان ..
ماهي مقاييس النجاح التي يجب ان يتوصل لها المثقف حتى نصنفه انه كاتب ناجح ؟ وهل للكم والكيف نصيب من هذا المقياس ؟
- لا أظن أن الكم من العطاء يمكن أن يلعب دورآ فعالا في بلورة النجاح , ولكن يمكن للكيف وبدقة متناهية أن يجسد مرقاة للوصول إلى المثالية الإبداعية ..
ليس هناك من مقياس في ظني يضاهي التأثير المباشر على ذهنية المتلقي بحيث يترك الحرف أثر من ضوء في ذاكرته , لو استطاع الكاتب أن يصل إلى هذا الرقي في التعاطي مع وعي القارئ وبشكل دائم , إذن يمكننا القول أنه استطاع خرق حجب المألوف وترك بصمة بالغة التجلي على جدران الذاكرة البشرية ..
بينما نتسابق على كتابة الإحساس العاطفي ونصفق له ونفرد له المساحات إلا أننا نجد أن هناك فئات تعيش معنا ونحن في منأى عن همومهم , الم تكتبي لذوي الاحتياجات الخاصة شيئا؟
- بلى فعلت .. ولكن بشئ من الحذر .. أنا شخصيآ أعتبر هذا النوع من الكتابة رقي يلامس شغاف القلوب في كل مكان ,وإن تنوعت هذه التسمية من الحاجيات المتعددة حيث يمكننا تقنينها أيضآ على الإعاقة العاطفية والسلوكية في المجتمع بما تتسبب به هموم الحياة الروتنية ..
أقر بأنني أوليت هذا الجانب اهتمامآ كبيرا حيث هو السائد على صعيد التراكمات الإجتماعية .. سبق وأن أثرت قضايا عديدة في هذا الصدد , وحاولت طرح الحلول المستساغة وآمل أن أكون وفقت إلى حد ما ..
أتؤمنين بالمحسوبية في الإعلام الخليجي؟
- هذه المقولة تخضع لتعددية المفهوم ولعلك تعني هنا تسلق الأكتاف لبلوغ المرام .. !
أجل .. أنا أقيمها كظاهرة متفشية بكل سلبياتها الداعية للذهول , وعلى هذا الأساس لا يمكن اعتبارها مشهد صحي يمكن تعميمه على كافة المجالات ..
المحسوبية عملية شاقة ومعقدة ومثيرة للجدل في زمن بات تعتمد عليها كل التعاملات البشرية .. وعلى هذا فأنا أرفضها كليآ ولا مجال للإيمان بها مطلقآ ..
وإن أمكنني أن أشحذ لها هممي للحيلولة دون تفشيها .. فسأفعل بلا ريب ..
تستفيق الذكريات وآثامنا فينا , حيث كل شي ينام ويصحو الا ذنوبنا واحاسيسنا فهي لا تهدأ ابداً ، انتكاصات الحياة والسوداوية ما هي الدوافع المهيئة لها رغم الكثير من الوجود يستحق الابتسامه ؟
- الأثر الذي تتركه خطايانا على جدار العمر .. لا سيما إذا كانت الأعماق تمور بسمات بالنفس اللوامة لابد وأن تشيع في الوجد تمتمة مستمرة للندم ,هذه اليقظة المتتابعة للخوف هي ما تجعلنا على أهبة الشؤم من كل عارض قد يودي بطهرنا إلى السواد ..لأجل ذلك تجد بعضنا وعلى الدوام في حالة عدم إتزان ,فالمثالية التي نسعى لأن نكونها يظل الجانب المنقوص منها يوعز لنا بأن نحزن .. وإستمرارية الألم قد تدفعنا إما للتميز أو السقوط .. وذلك حسب الإيمان والقدرة على تجاوز الأزمات ..
ملئية المكتبات بكتب اتسمت بالطابع الارشادي والقصصي للكاتبه سحر , ماهي المسببات التي اتت بدواخلك لعمل هذه الكتب ؟
- عدم الرضا عما يجري من أمورسلبية وظواهر متفاقمة بين أزقة المجتمع هي الدافع الأساسي لإحساسي العميق بالمشكلة , أحاول أن أجعل الأمور تعود إلى مجراها الطبيعي والمألوف من خلال مواجهة الظاهرة بقلمي .. ومن ثم التصدي له من بإشاعة واعز الترغيب والحث على الكمال ..
ولكن يبدو أن النتائج الإيجابية التي حققتها تعتبر هزيلة جدا مقارنة بعملقة الواقع المؤلم بما ينوء به من تفاصيل وتناقضات عدة ..
الإعلام متى ينصف ومتى يظلم من وجهة نظرك ؟
- الإعلام حين يُورث المهام ويتبنى الشعارات الهدامة إضافة إلى وجهات النظر المعلبة والغريبة عن مجتمعنا ومن ثم يحاول إشاعتها ضمن قولبة منهجية لإلغاء تراثنا ,هنا يمكننا اعتباره ظالم وغير منصف لأنه يتعامل بإجحاف في حق عقولنا التي جبلت على نمط وتقاليد فطرية معينة .. الإعلام برأيي رسالة عظيمة إن استطاعت الإرتقاء
بذائقتنا وقناعاتنا المتعارف عليها ضمن حدود أخلاقياتنا العربية والإسلامية .. أما ما عدا ذلك فهو هراء ..
هل يؤثر العمل على الناتج الأدبي لديكِ , بمعنى انك لا تجدين وقتا كافيا للكتابه ؟
- إذا كان العمل من صميم العطاء الأدبي والإبداعي والثقافي , لا يمكن إعتباره إلا خادم للزمن لمنح الكتابة وافر الوقت .. وغزارة الإنتاج ..
وهذا هو دأب عملي الإعلامي والأدبي ..
عُرّف الحب كثيرا وما زال يُعرّف من خلال قناعة كاتب او ابيات شاعر او صورة رسام فهل عرفت الحب ؟ وماهو تعريف الحب عندك ؟
- الحب سيدي أسطورة وجدانية بمعالم راقية الأحاسيس ترقى بالأفئدة إلى مصاف الروعة , وكما أرى فإنها بعيدة كليآ عما يحدث الآن من اقترافات سوداء مخلة تحت مسمى الحب ..
الحب لا شأن له بالقلوب المطاطية والمشاعرالزائفة التي تغذي الهوى لأجل التسلية واثبات الجدارة لا لشئ سوى لتعويض نقص أو خلل في الذات البشرية ..
هو حالة عاطفية استثنائية تتسم بالسمو الوجداني ويمكنني القول أنها قد انقرضت في عصرنا هذا ..
عندما تتضورين حرفاً ..أو تشتاقين لقراءة شعر لمن تقرأين ؟
- كثيرة هي الأقلام التي أشتاقها في حالات تعطش خاصة للحرف , وكثيرة هي الإبداعات التي تستفز ذائقتي سواء كانت نثرآ أو شعرا ,وحتى لا أظلم أحد في هذا النطاق الضيق فاعذرني من تعادها حتى لا أهيج الأسماء والقلوب علي ..
هل تعتبر الكتابه أحيانا هروباً من جدية الحياة وقسوتها أم هو انعكاس لها ؟
- هي في كلا الحالتين مخرج من مأزق لحظي سواء كان بواعز من مواقف مؤثرة , أو محاولة ترجمة لما اختزن في الوجدان من طارئ ..
ولعلي أخالها وطن بمواصفات المدينة الفاضلة يلوذ إليها الكاتب ويتسكع على أرصفتها كي يشعر بالإنتماء ويغذي عاطفة العطاء لديه ..
حسب علمنا أنه يوجد لديكِ عدة مؤلفات ولعل اكثرها يتركز حول المرأه , هل ترين انك انصفتي الانثى بتلك المؤلفات ؟
- أنا لا أكتب كي أنصف بنات جنسي وأحابي عنهن , أنا أسعى لاستعراض كافة المنعطفات التي تمر بها المرأة , وقد أغوص في أعماق الحدث من حيث التأثير النفسي عليها فأتعرض
له بالشرح تارة وبالنقد تارة أخرى , وبالطبع لم أُقصي الجوانب السلبية في الأنثى المعاصرة فقد ناقشتها بحدة وموضوعية .. وفندتها كظواهر ينبغي التصدي لها على كافة الأصعدة ..
تجربة الاذاعه والصحافه ماذا بقي منها لدى سحر؟
- حاليآ ثمة ركود .. لكنها مرحلة لاستجماع القوى والعزيمة لمواصلة الرحيل من جديد .. وقريبا بحول القدير سأعود لهذا المعترك وأبدأ جولة ومسيرة أخرى ..
طرقت مجال القصه القصيره ونشر لك بعضآ منها الازلت تمارسين ذلك النوع من الكتابه الأدبيه؟
- نعم .. فهو الركيزة التي أستند عليها في كتابتي , أميل إلى مناوشة هذا الطابع من التعبير وبلورته حتى ضمن المقالات والخواطر ..
أجد نفسي كثيرآ في هذا اللون الوجداني , لذلك فجل انتاجي الأدبي والثقافي يتسم بطابعه ..
في نهاية المطاف مالذي بقي في جعبتك وتودين قوله ؟
- لدي الكثير مما قد لا تسمح به هذه المساحة الوقتية الضئيلة ,,
ولكني أختمها بجزئية الامتنان المضئ لكم .. لأنني عشت معكم أجواء شهية من الفضول .. فشكرآ بحجم سيدة المجرات أندروميدا ..