**** .... & & مت.. قا.. عداً&&...
أفنيتُ عمري وأنا حاملٌ وصايا أبي، وتحدّبَ ظهري من المعادلات الفيزيائية والرياضيات، ورأسي مثقلٌ من المبادئ التي أحملها، وكم ترهقني الصور البيانية والعروض والقصائد الشعرية.
وأمعائي الخاوية مازالت تجيش و تصرخ تطالبني أين اللّبن؟.
لم تعد تجدي معها الخُطب الرنانة والوعود
الكاذبة، كأنّي لم أعدْ أجيد الكذب، أو ربما* ليس لديّ كذبة جديدة...
نزعت عن عيوني نظارتي السوداء المفيمة، سرعان ما قرأت (مت... قااا... عداً).
لكنّ كبريائي عنيدٌ مثلي، يرفض الموت (وفي الحركة بركة)
خلعت معطفي بعد أن أفرغت جيوبه من قصاصاتٍ دونتُ عليها بعض المعلقات الشعرية والحكم والأمثال الشعبية، وتخليت عن ربطة العنق الحمراء الأنيقة .. ونسيت كلّ الشعارات المكتوبة عليها، لا حاجة الآن لأواري سوءةَ خيباتي ،
وذهبت إلى بيوت الله (ألا يسمونها هكذا؟ ).
وجلست على عتباتها أنتظر من يصافح يدي بقطعة نقدية، بعد أن حفظتُ كلّ الابتهالات وأنواع الدعاء، وأخذتُ أبتسم في سرّي، سُأسْكِت صراخ أمعائي ، وأسدل ستائر الحرمان، وبتُّ أراقب أقدام المصلّين المتسارعة بالخروج، ولم ألق الإيمان، كما كنت أظن.
فذهبت بشعرٍ أشعث ووجهٍ يكسوه الغبار، إلى الكنيسة أسمع أصوات أجراسها، وعلى صدري يغفو الصليب، وبين يديّ صورة رسول المحبة والسلام، فلم يجدِ نفعاً،* فلحيتي طويلة، وليس ذنبي، جيث أنني لا أملك ثمن موس الحلاقة.
عدت أدراجي إلى بيتي الذي أضحى متهالك الأطراف .. مشتت الضحكات، حاملاً خيباتي وألف ألف حسرة وفكرة شيطانيّة،
في الصباح الباكر تسلّلتُ خلسةً، هارباً من منزلي كي لا أسمع الموشح الصباحي لمالك المنزل، متى تسدّد أجار الشهور المتراكمة عليك، فواتير الكهرباء... الماء،
سأمهلكم خمسة عشر يوماً قبل أن أرميك (وكراكيب) بيتك إلى الشارع ووفق القانون؟
وذهبت إلى سوق القطع المستعملة والخردوات (والانتيكا) عارضاً نفسي للبيع .. لعلّ أحدهم يبتاعني.
سرعان ما أخذني (الشوباصي) هناك بعد أن لمّع ملامحي ورسم ابتسامات خضراء على وجهي.
نظرتُ إلى القطع المتناثرة هنا وهناك من حولي* كأنّها من زمن لا أعرفه، لكنّني أقدم منها بألف نكبة وحسرة وأمنية ، سرعان ما اقترب الناس منّي..* يتفحصونني* جيداً لون عينيّ ، أسناني، فمي وبقية أعضاء جسدي المنهك ، فأبتسم بسرّي وأقول : لابد أن* الحظ* سيحالفني* هذا اليوم، لكن واخيبتي لا أحد يريد شرائي، كم كنت أحلم أن يبتاعني ذوو النفوذ والمال ، ليتخذوني تمثالاً يزيّنون به حدائق منازلهم الفخمة .. ويكتبون على جبيني كلّ انتصاراتهم* وإنجازاتهم العلمية، وابتكاراتهم الحضارية المزيّفة، الماضية والآنيّة والمستقبلية، ويزيّنوني بالنياشين والأوسمة والشهادات الفخرية، والصور التذكارية، وإن تبوّلت على أقدامي، آخر الليل كلاب حراسة بيوتهم، ويسجّلون على ظهري كلّ الجرائم الإنسانية، والإنكسارات والنكسات والهزائم العربية، وصراخ الضحايا وشهداء القضيّة.
ليتهم أتخذوني مهرّجاً، أرسم ضحكة بريئة على وجوه معشوقاتهم العديدات، وانا أفتح زجاجات (الشامبانيا) الفاخرة، وأحتفظ بالصور التذكارية لهنّ، لكن خيبتي كانت أكبر من حلمي.
قبل الغروب بقليل كانت ترتكز* قبالتي مرآة قديمة طالها بعض التهشّم لكنّها مازالت تحافظ على رونقها، وكم حاول أناسٌ شراءها، دون جدوى لأن ثمنها كان مرتفعا جداً، تقدمت منها، مسحت* الغبار عن صفحتها، أصبتُ بالرعب والهلع من هول ما قرأت على وجهي (خالص الصلاحية، استنفذ حتى الرمق الأخير. لا يصلح لأي شيء).
لملمت بعضي وجلست مع النفايات أنتظر عمّال النظافة علّهم ينقلوني إلى مكب النفايات، هناك أتحول لسماد عضوي، لتنمو فوقي شجرة يقطين وسنابل القمح، (لكن كما يقال : طول عمرك ياذبيبة في مؤخرتك عودة) لم يأت عمّال النظافة ولا سيارة جمع القمامة، لعدم توفر الوقود.
وبقيت وحيداً أمجُّ حسراتي وأتقيأ خيباتي، وأعض نواجذي ندماً، وأدفن كلّ أحلامي ..
...
بقلم : زكريا أحمد عليو
سوريا... اللاذقية
٢٠٢٢/١٢/١٣