رهن هوانا وما نريد
:
لن تدوم الظلمةُ.. إذْ النورُ لن يتأخَّر..!،
قد يكون أحدنا عانق الظلمة -في قدومهِ إلى الدنيا- وعانق الآخرَ النور،
ولكن.. تلحَّف كلانا الأحشاء في العتمةِ.. قبلَ الضياء.
وفي نهايةِ المشوارِ لحدٌ وقبرٌ، وجسدٌ ليومِ البعثِ يرقبُ إنباتهُ من الأرضِ.
هو الليلُ سيدتي،
يشهدُ على الحوارِ بين اثنين،
والصبحُ.. بشروقِ الشمسِ على جناحِ الطيرِ.. حلّق في الأفقِ وطار،
فاتبعي معي طيفهُ، علَّنا.. نسلخُ بحروفِنا الظلمة،
ونكتشفُ النور.. بما تحمِلهُ حيواتنا من صدقٍ واحترام،
إذْ في الروضِ لا تزهو الزهرة حين تزهو وهي في خمار،
فدعي الحوار سيدتي،
ينسجُ على ملامحِنا.. مراعٍ خضراء،
إذْ خيوط الشبكة في العلاقةِ نحنُ، ونحنُ.. على "النت" موجٌ ليس له شاطئ،
لكننا.. نزعمُ أن المرفأ رهن هوانا وما نريد.
اعلمي سيدتي.. أن "النت" محطة للمسافرين،
يتجمعون في قطارٍ، ثم
كالفراشاتِ -عند لحظةِ الوصولِ- ينتشرون.. كلٌ في طريق.
تبقى السكك وقضبانها تتآكلُ في هدوء.
سيدتي،
ليست بالضرورةِ أن تبتهج كلمة "صديق" في حُلتها..
على جسرٍ يربط حبلهُ السرّي بين ضفتين،
فليس للصداقةِ على الأرضِ أقدامٌ بها تسير،
وكل علاقةِ بالضرورةِ سلعةٌ.. يُغلِّفها حوارٌ،
فامنحيني قسطاً من التفاصيـل،
ربما استطعتُ أن أمتزجَ بحروفكِ أكثر،
فأضيءُ كالشمعةِ احتراقاً.. على كعكة الحوارِ،
بإضافاتٍ تسجلُ ذكـرى بيننا، لا نخجلُ من سردِها يوماً على منْ نُحب.
سيدتي،
يبقى الأمرُ لكِ، وعلى حروفي السمعُ والطاعة،
فما أنا إلا مرآةٌ لملامحِ حروفكِ والكلمات،
فأنتِ الضوءُ سيدتي، وأنا انكساره،
فدعيني أمتطي موج المغريات،
ومن قبلُ، سأتأكد من أدواتي: شراعٌ، ومجدافٌ، وقلبٌ يحبُ كل الناس.
ألا تكفي سيدتي، تلك الأدوات.. كي تنسج من البحر ماءهُ؟!،
إذْ معكِ يكون العوم أجملُ، وبطيبِ كلامكِ سيكون القارب من الرصاص،
فلا تقلقي، لأنني لن أغيّر غسول حروفي
وهي التي تشعرُ باللياقة أبداً من وهجِ كلماتكِ.
سيدتي،
يجبرُني كلامكِ على احتساءِ فنجانٍ من البهجةِ،
فأشعرُ بسعادةٍ حين تُترجمُ حروفي كما أريد لها أن تكون،
فامضي كالندى سيدتي،
على جنباتِ الأغصان، وعبّري بما تُريدين.
أعدُكِ بأن أتأنّى في ردودي، لتظهر كالمنارةِ التي تُرى من بعيد،
عسى أن تحتفلَ حروفي بنظارةِ بشرتها وجودةِ معانيها،
لتبقى متجددة تستعذبكِ، وتنالُ رضاكِ،
فأنا أُدركُ: أن منْ يتعلّم أسرار اللغةِ وجمالها، لا يرضى بغيرِ بريقها.
إذن، للأصابعِ الطقطقة، ولنا روحٌ تُبلسمُها الحروف.
سأكون وفياً لها بقدرِ ما تحملهُ من كلام،
وسأمنحكِ ما بوسعِ القلبُ، والعقلُ، والجسدُ، فجميعهم.. ملكيتي الخاصة.
أعترفُ الآن أنني،
ولأولِ مرةٍ، أشعرُ بعنفوانِ حروفي،
إذْ هي لم تنضج -قبل هذا- في محطةِ حوارٍ قط!.
نعم.. أشعرُ بحروفي.. من ذاتِها تخرجُ، وتتعرى.. من قيودِ الأشياء.
يبقى الجمالُ عنوانها، والطبيعةُ في مفاتنِها تبتهجُ.
صدقاً، براحةٍ أشعرُ.. وأنا أعبِّرُ عما أريد بكلِ توازنٍ وانضباط.
وأتلمسُ عبارةً كانت لكِ " لا تصاحب الأسماك الكبيرة فهي دائماً جوعى"،
ما أجملها!، كم من حكمةٍ بها ؟!.
فلتمضي الحروفُ قوافلَ إليكِ، تحملُ عُدتها وعتادها لدروبِ السلمِ، وسواقي الأمان.
سيدتي،
يكادُ الحرفُ ينطق من فرطِ الإعجابِ،
فأنتِ تحفّزينهُ على المزيدِ.
هي كلماتُكِ التي بالصدقِ تُشعرُني ، وبملامحهِ الواثبةِ، تحملُ نكهةً،
أسأل الله أن لا يأتي يومٌ أُحرم فيه من شرحِها حتى أصلَ إلى لبِها ومحتواها.
سأذكرُكِ سيدتي،
وسأحدثُ النفس: أن "الأستاذية" دون تلاميذٍ نجباء لا تطرح ثماراً،
وأن الكلامَ الذي لا يستسيغهُ أحدٌ، بالتأكيدِ هو كلامٌ مشوشٌ،
أما عملية الإصغاء فتمنحُ البوحَ التمددَ أكثر،
وتضفي على الحروفِ ملامح العنفوان.
سيدتي،
أفضِّلُ أن نكون تلميذين، لينهل كلانا من الآخر،
ولن أفكِّر في عمليةِ البحثِ عن أشياءَ أمقتُها في ظلِ غيابٍ بيننا.. غير محسوب.
تستحقين سيدتي،
دقاتَ الزمنِ الذي يعبُرني الآنَ، فأنتِ حارسهُ الأمين،
ولكِ منّي جنةٌ من الخيراتِ، أتمناها لكِ،
فانعمي حيث شئتي رغداً في روضِها، أو أنى شئتي تسكنين فتسعدين.
أخيراً، على الرحمنِ تدابير الأمور، وعلى زورقِ الودِّ أن يبقى أبداً بيننا يسير.
:
جهاد غريب