ليلى عبدلاوي
-حلم–
قصة قصيرة
فتحت عائشة عينيها بعد قيلولة قصيرة، أحست بالدهشة، بذلت مجهودا
جبارا لتعرف المكان، جدران بلون الثلج الملوث بالتراب،شراشف بيضاء
تزين السرير،ما بال هذا اللون الأبيض في كل الأنحاء كأنها أكفان تمهد لرحلة النهاية؟
تنهدت،اعتدلت في جلستها بمشقة،وبحركة آلية تناولت المنديل المعلق على مسمار بجوار السرير،لملمت خصلات شعرها المتناثرة ووضعت
المنديل على رأسها ثم راحت تتأمل السياج المحيط بالحديقة.
تناهت إليها أصوات أطفال يلعبون في الحي المجاور، حاولت أن تتصورأشكالهم وملابسهم، تساءلت متى كان آخر عهدها بالحياة.
الشعاع النافذ من النافذة يجعل حبات الغبار تتلألأ في ركن الغرفة،تحسدها الرفيقات لأن غرفتها تطل على البستان، أشجار الزيتون محملة بالبراعم،عبثا تحاول أن تعد مواسم الجني التي مرت عليها وهي في هذه الدار، عشر سنين،بل اثنا عشر،تخطئ وتعيد العد.
شريط السنين يمر في ذاكرتها رتيبا تتخلله خطوط حمراء وصفراءتؤرخ لحلقات مرض هذه الرفيقة أوموت تلك..
نظرت إلى يديها المعوجتين،أظافر متآكلة وعروق بارزة ..
في قدميهاالتهابات تحرمها طعم النوم، مستوى السكر في تصاعد مستمر رغم العالج،الدموع تنهمر على خديها، لم تحاول إيقافها، طعم الملوحة يصل إلى شفتيها يروي ظمأ أبديا.
جفاف يجتاح حلقها،يخنقها..
مدت يدها إلى قنينة الماء، تمسكت بها جيدا قبل أن تصب الماء في الكوب،لكن نصفه اندلق على ثيابها، لم ترد أن تنادي (زهرة) الفتاة المكلفة برعاية الجناح، كانت قد صرخت في وجهها هذا الصباح بعدما نسيت صنبور الماء مفتوحا في الحمام.
قامت بمشقة،حاولت تجفيف الثوب والمكان، رفيقتها في الغرفة تنظر إليهادون أن تراها،تنفجرضاحكة بين الحين والآخر،وقد يغلبها نحيب
متشنج.
لاحظت أن بقع الماء تبقى في مكانها،عادت إلى سريرها تتأمل البستان، لمحت رفيقتها تبحث في الدرج عن شيء تتناوله، غالبت زفرة
حارة وهي تتخيل حرمانها من أطباق العشاء التي ستلتف حولها النزيلات
بعذ آذان المغرب، تستسلمن بعدها للنوم بينما تعاني هي من الجوع وغفوات متقطعة تنتابها الكوابيس والهواجس.
أسفرالفجر،توجعها رائحة المخبوزات تنبعث من جديد من المحل المجاور، تدمع عيناها و تستسلم لسلطان النوم بعد الصلاة، تنفرج شفتاها عن طاقم ينحرف عن مكانه لأدنى حركة،تحاول أن تصرخ ،لا يسعفها الصوت ،إنه الحلم ذاته لا يتغير: طفل يجلس القرفصاء، يستمع الى غناء غادة فاتنة الجمال، تشتغل بمهارة أمام فرن مشتعل وهي تدير ظهرها إليه، يلاعب الطفل خصلاتها
الذهبية بأصابعه،وبيده الأخرى قطعة من زبدة طرية.[/fieldset]