تلك الأشجار الجرداء تذكرها بوحدتها..
تساقط أوراقها الصفراء بهدوء
في فصل الخريف ...
يوجعها بصمت ...
وهي تجلس القرفصاء في حديقة منزلهم
تتأمل أوراقها المتساقطة ..
ذلك المنزل لكبير الخاوي منذ زواج آخر شقيقاتها
كشجرة خريف رحل بها العمر ..
صوت والدتها أيقظها من شرودها وهي تقول
الم تجهزي؟
بعد قليل ستحضر شقيقاتك وصديقاتك وجميع المدعوين ..
ضاق صدرها وهي تتذكر تلك المناسبة البغيضة التي يحتفلون بها
وقفت أمام المرآة تضع بعضا من الزينة على وجهها
تلك التجاعيد حول عينيها وبوجهها
وتلك الشعيرات البيضاء التي لم تفلح صبغات الشعر في إخفائها
لا شيء يهزم العمر حين يصارع الزمن
صوت شقيقاتها والمدعوون يملأ المنزل ..
ضجيج الأطفال يجعلها ....
الأطفال!
آه لو كانت أما !
ربما لكانت الآن تستقبل أول أحفادها ..
عادت تنظر للمرآه وتكمل لبسها ..
كانت ليلة حاولت أن تحافظ فيها على هدوئها وإبتسامتها المتكلفة
التي تخفي خلفها كل مشاعر خيباتها ..
تلك الهدايا والدروع التي خط عليها عبارات إلى أروع معلمة ...
إلى تلك المعلمة التي قضت حياتها بالعلم ...
إلى ..إلى ...
لا أحد يعلم ماكانت تعني تهناتها بالتقاعد بعد بلوغها الستين عاما ..!!
ياااااه ..أربعين عاما وهي مع طالباتها ...
أنتهى الحفل وغادر الجميع المنزل ..
لتعود لها وحدتها ..
العاملة المنزلية تنظف آثار الإحتفال والهدايا تملأ حجرتها الخاوية ..
صوت أمها الضعيف يطرق الباب ..شفا شفا..
سارعت لأمها تمسك بكرسي العجلات الذي تجلس عليه ..
تنهدت أمها وهمست ..
سامحيه يابنتي !!
صمتت شفا ..
كررت الأم سامحيه الله يرحمه يابنتي ..
صمتت شفا وهي تنظر للبعيد إلى ماقبل أربعين عاما..
إلى تلك اللحظات التي كانت تعد الأشهر لقرب زفافها
ثم ذلك الإتصال من اخت خطيبها وهي تخبرها بأن والدها قد ألغى كل شيء ..
وهو يقول : أنا ماتعبت وصرفت لجل غيري ياخذ على الجاهز ..
حتى حين قال أحمد : ياعم خذ بطاقة الصراف وأتعهد لك أمام الجميع
ما أبغى ولا ريال من راتبها ..
كان رد والدها اقسى وهو يقول : وبعدين تروح تسحب من البنك وإلا تقدم
طلب إجازة ..
بيدي وتحت عيني أضمن لي !!
توالت السنين وهو .. يرفض ويرفض محتجا بأن كل من يتقدم لها جاي للراتب
كانت بطاقة مصرفية في نظره مجردة من المشاعر ..
حتى حين أشتكت لبعض أقاربها ..وطلبت منهم التدخل ..
لم تفلح مساعيهم بل جعلته يزداد تعنتا وهو يقول : شفا ماتت ماعندي بنت بهذا الإسم ..
نصحتها بعض صديقاتها باللجوء للقضاء لكنها لم تستطع
لأنها تعلم أن النهاية ..تبرأ أهلها منها ..
أختارت الرضوخ والصبر وهي تشاهد كل أخواتها الأصغر منها
يزفون لبيوت أزواجهن ..
وحين تجرأت مرة وسألته: أليس اخواتي موظفات ..فلماذا يطبق قانون العضل علي؟
أجابها : قررت أن ابقي واحدة تساندني ماديا وانت الكبرى
ثم مالذي ينقصك؟
هكذا بكل قسوة وقوة ...
صوت أمها يعاود الطلب ..
أنطقيها يابنتي وسامحيه
شوفي كيف كتب لك البيت بإسمك قبل لا يموت
وكتب لك قطعة أرض خاصه بك ..
وو....
همست شفا: بعد أن مضى ربيع العمر وحتى خريفه يا أمي
ماذا يفيد كل هذا؟
الله يسا...... ثم صمتت وتحشرج صوتها وهي تقول:
والله يا أمي ماقدرت أنطقها !
صمتت الأم وهي تنظر لابنتها وتفكر في مصيرها المجهول لو حدث لها شيء
وتلك الوحده القاتلة التي ستحياها؟!!
.
.
.
نقطة نهاية ..
رفقا بالقوارير يا آدم
قلمي
سمآآآء
الأحد ١٧ اكتوبر ٢٠٢١
( hasriun)