حول الجدلية بين الشعر والنثر
مما دعاني للعودة هو هذا البحث المثير للجدل مع أنه قديم ولاأدري لماذا أُعيد من جديد، كما أنني لدي بعض الملاحظات سأوضحها في مقال لاحق إن شاء الله ، لذلك أحب ان أدلى بدلوي حول هذا البحث لأنه من تخصصي أي ( أنا متخصص في مثل هذه الدراسات وخاصة في النقد الأدبي )وقد عانيت الكثير من النقد والعتاب من بعض الأخوة الأدباء المنساقين وراء الشعرالتقليدي .
أقول كنت في بداية أمري أكتب الشعر التقليدي، وهاجمت شعراء الشعر المرسل في كثير من قصائدي أقول في بعضها :
يا من يطالعنا بشعر مرسلٍ
أحرقت إيقاع القريض حريقا
لا وزن لا إيقاع لا شعر ولا
رؤيا ولا فـن ولا موسيقى
إن القـوافي للقريض مناعة
وقواعـد ليكـن هناك رقيقا
لا تهدم الوزن العتيق وتنثني
عنـه فإن للقريـض طريقا
أسلك طريق الشعر إنك مخطئ
وامش على الدرب السليم طليقا
كم قلت أنك مبدع متحرر
فغدوت للشعر اللقيط عشيقا
لكن بعد اطلاعي على الدراسات الحديثة في الشعر وجدت أن الشعر التقليدي خالٍ من أي إبداع ذلك لأنه تكرار لما قاله القدماء.وأنه يجب علينا أن نعيش عصرنا لاعصر المتنبي والبحتري ولا أن نتغنى بعيون المها كما تغناها الشاعر العباسي علي بن الجهم. صحيح هناك من يكتب شعر النثر وليس شعراً وهناك من يكتب شعرالتفعيلة فيه إبداع كخليل حاوي وبدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور وغيرهم كثيرون.اعتقد كتبتُ أكثر من بحث حول هذا الموضوع.
أما العقاد رحمه الله لديه أكثر من ستة دواوين، والكثير لايعرف أن العقاد له هذا الدواوين،أو أنه شاعر ذلك لأن أستاذنا عباس محمود العقاد كبقية الشعراء التقليديين لا يريد أن يواكب النهضة الحضارية وأقحم نفسه في عراك أدبي مع كثير من أدباء عصره، مع عائشة عبدالرحمن " بنت الشاطي"، والمنفلوطي وأحمد شوقي حتى زميله عبدالرحمن شكري الذي هو من مؤسسي مدرسة الديوان لم يسلم منه.
وكما قلنا سابقاً في بعض دراساتنا الأدب له جناحان هما جناح الشعر وجناح النثر. وكما أوضحنا في الكثير من دراساتنا عن الشعر أننا نعتبر شعراء التراث العربي القديم من عصر ما قبل الإسلام وما بعده من العصور الزاهرة، العصر الأموي والعباسي والأندلسي جميع هؤلاء الشعراء نعتبرهم شعراء بحق من الطراز الأول، ذلك لأنهم مبدعوا عصرهم لأن كل ما قالوه من الشعر ما هو إلا انفتاح زماني ومكاني، وإنه بحق تفاعل زماني ومكاني مع اللحظة الحضارية التي عاشوها ذلك لأنه قادر على استيعاب تجربة العصر، عصر البساطة والوضوح والوثوقية المحيطة بعوالمهم.ذلك لأن اللحظة الحضارية التي يعيشها الشاعر هي التي تحكم النظام الداخلي في رأس المبدع شاعراً كان أم فقيها قانونيا أم فقيها دينيا أم خطيبا. أم أديباً.
لو شاءت الأقدار :
- أن يكون الإمام مالك أندلسيا وابن حزم هو إمام دار الهجره هل كانت الرؤيه لتكون مختلفة عند كل منهما ؟؟ أكيد.
-لو حاول أحدهم محاكاة المتنبي في عصرنا هذا ، في نفس الفكر والثقافة والأفق هل كان ليكون له شأن المتنبي ؟؟ لا أعتقد.
- لو جاء زعيم سياسي اليوم وكان خطيبا مفوها على طريقة جمال عبد الناصر مثلا هل كان سيكون له نفس التأثير في الجماهير؟؟ لا اعتقد
- لو عاش الأديب الكبير والشاعر الحضرمي علي أحمد بكثير طول حياته في حضرموت ، هل سيكون له نفس الإبداع وكثرة هذه المؤلفات القيمة، لا اعتقد. ذلك لأن المتبصر يرى حتى في المناخ تأثيرا : فتجد مثلا البلاد الحارة الغناء فيها يميل للطول والهدوء الشديد ، بعكس البلاد الباردة.
لذلك نقول ونؤكد أن لكل زمان أفكاره ومبادئه ونظرياته. فالعالم عبارة عن حقائق سيالة كل حقيقة لها زمانها ومكانها ونظرياتها.
وعليه نؤكد أنه يجب علينا أن نعتز بالشعر التقليدي القديم وأن نقراءه كمادة تاريخية لأنه تاريخنا وتراثنا لكن لا أن نقلده، او نجتره وإلا فماذا يتبقى للشاعر الحديث من إبداع في تقليده للشعر القديم.
وأنا لستُ متحاملاً على العمود ولست (في خصومة معه ) كما يعتقد بعض أخواننا الأدباء، و أكثر قصائدي عامودية الذس يهمني في الشعر هو الإبداع والرؤيا و الرمز . ذلك لأن الرؤيا في الشعر هي موجة من موجات الإبداع ينفتح عليها الشاعر على عوالم إنسانية عميقة في التعبير بما يدور في اعماقة من تأزمات وحزن وفرح. كما أنها تشكل موقفاً جديداً من العالم والأشياء، وأن الشعر الذي يتخلله الرمز والرؤيا وكذلك الأسطورة هو في الواقع شعر وجداني يتخطى كل حدود الزمان والمكان، وهو من أساسيات الوصول إلى الجودة والإبداع والموهبة الفنية الحقيقية التي تؤكد على استنفار الحس الإنساني. الكامن في أعماق النفس البشرية.