الأماكِن لا تُبدّل مَلابِسَها ، نحن من نَنْتَزِعُ عَنها رِداءَ الحضور ، لِتَقشَعِرَّ مِنها الأرصِفة ؛ لِتئنَّ الجدران تحت وَطأَةِ حُمّاها والفَقد
مُتَهالِكٌ في أرصِفَتِها مِصباحُ الطَريق .. أعياهُ الزّمنُ عُبوراً على نورِهِ وما اهتَدى إلى نور ..!
يُضئُ الدّربَ والدّربَ في عَينَيه دَيجور ....
ربّاه .. ألَمْ يَعلموا أنَّ المَدائِن والأماكِن دونَهم خواء ؟!
يَعبُرُها النَّهار موحِياً لَها بأنّها حياة ، لَيسَت من الحياة إلّا باستِعارات الفَناء ..
جُدرانُها تُلقي التحيّة على بَعضِها بِتَواتر الصباح والمساء ،
وتتساءلُ فيما بَينَها : " هل مَرّكِ العابرون ؟.. هل أشرَقَ الغائِبون ؟ "
ويُردّد المِصباح : أنّي منذُ زَمنِ غادَرَ مِن ذاكِرَتي دِقّةُ توصيفه ، ما عُدتُ أعلم !!
هل ثِمّةَ من سَيأتي ؟!..
مُنذُ زَمنٍ عَقَدوا بِناصيَةِ العَهدِ ميثاقاً ، أنْ سَوفَ يَمضي الوقت وسَيأتي العمر الجَميل !
مَضى العُمر بِأكثَرِه وإبيّضَّ من جَنبَيهِ رَصيفُ الانتظار .. وتقوّسَ الجِدار !
وأناكَ يا أناي ...
تُشرِعُ نافِذَةَ الآتي بِوَعدٍ لا يَبور .. تَرصُدُ المَسافة بَينَ مَدينَةٍ تَئِنُّ وخطواتٍ تَسوقُ خَلفَها رَبيعَ عمرٍ هيّاْتُ له حَوضَ الزهور ..
بِيَمينِكَ حنين ، وفي القَلبِ ميثاق ، وفي الخَطوِ حُلُماً لَهُ المَسعى ولَه المَسيرُ حَثيث ..
اقتَسَمتُها وإيّاكَ الخُطوات ، ما همّني تَقوّسُ الجِدار ، ما هَمّني تَذمّرُ المصباح، ما ساءَني والله طولُ الدّرب ..
أشرَعتُها نافِذَتي ، وأومأَتْ عينايَ في دربِ خَطوٍ فارِغٍ ، تَقلّدتُ الصبرَ حيلَةً ، وأهمَلتُ نِداءَ الصَباحاتِ بِيَومٍ فائِتٍ دونَك ..
وتَمتَمتُ بيني وبيني :
" الحاضِرون ظِلّْ .. وَحدي لَكَ انتِماء
كُلُّهم أشباه .. وَحدي بِكَ احتِواء
وكلّهم أنصاف .. روحي بِكَ اكتِمال "