،
المقالة
بحث قصير غير قصصي، يعرض رأي الكاتب في موضوع معين، أو تحليله له. وتشكِّل المقالة جزءًا كبيرًا من الأدب النَّثريّ الذي يتضمن أنواعًا عديدة من الكتابة، مثل نقد كتاب، ومقالات المجلات، وافتتاحيات الصحف. وللمقالة نوعان رئيسيان هما: المقالة الشخصية والمقالة المنهجية. تكتب المقالة الشخصية بأسلوب عفوي، أما المقالة المنهجية فمنظَّمة بشكل دقيق، وأكثر جدية من المقالة الشخصية. وقد استخدم الكتَّاب على مَر السنين أساليب ومداخل عديدة في كتابة نوعي المقالات.
المقالات الشخصية:
ابتكرها الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين في القرن السادس عشر الميلادي، وكان أول كاتب يرسِّخ فنَّ المقالة بوصفه نوعًا أدبيًّا منفصلاًً عام 1580م، وظهر ذلك في مجموعة كتاباته الواقعة في مجلدين والتي سمَّاها محاولات ـ لأن مقالاته كانت استكشافية وغير منهجية. وناقشت مقالاته مواضيع مثل الكسل والحكم والكذب. لقد كتب جوزيف أديسون والسير ريتشارد ستيل، وهما كاتبا مقالة إنجليزيان من كُتَّاب أوائل القرن الثامن عشر الميلادي، عن آراء وأذواق الشعب الإنجليزي. وبينما كانت مقالات أديسون مُحكمة وواضحة، كانت مقالات ستيل أكثر عامية وعفوية، وقد أصدرا معًا دوريتيْن الأولى: ذا تاتلر (1709 - 1711م) والثانية المتفرج (1711 - 1712م) وقد كتبا لهاتين الدوريتيْن مقالات عديدة. وكتب تشارلز لامب وهو مؤلف إنجليزي عاش في بداية القرن التاسع عشر الميلادي، كتب مقالات عن أشخاص وأحداث في حياته، وتحتوي مقالاته على أفكار مثيرة، وهي مكتوبة بأسلوب عفوي، وفي بعض الأحيان بأسلوب فكاهي. وقد نشرت أعماله في مجموعات عديدة بما فيها مقالات إيليا (1823م)؛ مقالات إيليا الأخيرة (1833م).
ألف الكاتب الأمريكي أوليفر وندل هولمز في القرن التاسع عشر ـ مقالات شخصية فكاهية، في كتابه الشهير حاكم طاولة الإفطار (1858م) الذي يتألف من اثنتي عشرة مقالة يُفْتَرَض أنها تصف حوارات على مائدة الإفطار في ضيافة، إلا أنها في الحقيقة تعبر عن آراء هولمز في طبيعة البشر والعلم ومواضيع أخرى.
أمَّا المحرر والصحفي الأمريكي هـ . ل منكن فقد نُشرت مقالاته المهمَّة خلال القرن العشرين. انتقد في مقالاته المكتوبة بأسلوب هجومي منوع، مواقف الطبقة الوسطى في المجتمع الأمريكي، ونُشرت مقالاته في الصحف والمجلات. وكتب الكاتب البريطاني جورج أورويل مقالات شخصية انتقدت بشدة الظلم الاجتماعي والنفوذ السياسي خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. ونشرت له أول مجموعة مقالات باسم داخل الحوت (1940م).
المقالات المنهجية:
طورها السير فرانسيس بيكون، وهو فيلسوف إنجليزي ورجل دولة عاش في منتصف القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر الميلاديين، وقد كان أول كاتب مقالة إنجليزي. وأحد أشهر أعماله كانت عام 1597م، وهو مجموعة من عشر مقالات توضح كيف يعيش حياة معقولة. وهذه المقالات قصيرة ومجردة ومتقنة، وتعالج مواضيع مثل الموت والخوف والحقيقة والثراء. وكتب الشاعر ألكسندر بوب، وهو شاعر إنجليزي عاش في القرن الثامن عشر الميلادي، المقالات المنهجية شعرًا، ففي مقالة عن النقد استخدم بوب الشعر لتوضيح كيف يجب انتقاد الشعر. وقام أيضًا بمناقشة أعمال عدة شعراء شهيرين في مقالته التثقيفية. ومن أعماله الأخرى مقالة عن الإنسان (1733 - 1734م)؛ مقالات أخلاقية (1731 - 1735م).
كان الناقد الإنجليزي وليم هازليت أحد أفضل كتاب المقالة المنهجية في أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر الميلادي، وكتب مجموعة مقالات نقدية سمَّاها شخصيات مسرحيات شكسبير (1817م)، ناقش فيها شخصيات عديدة من مسرحيات شكسبير. وكتابات هازليت عفوية ولكنها منظمة بشكل منطقي، كما أنه كتب العديد من المقالات الشخصية الجيدة. وكان المؤلف الأمريكي رالف والدو أمرسون كاتب مقالات مهمة، كتب العديد من المقالات حول الأخلاق والفلسفة. وكتابه الطبيعة (1836م) مقالة توضح المبادئ المعقدة، وهي حركة فلسفية ساهم في إنشائها. وكتبت سوزان سونتاج ـ وهي كاتبة مقالات في أواخر القرن العشرين ـ مقالات منهجية عن مجموعة كبيرة من المواضيع، فعلى سبيل المثال: مقالاتها عام 1969م تتحدث عن الفن والفلسفة والسينما. وتمتاز مقالاتها بأنها نقدية بشكل كبير، ومكتوبة بأسلوب مجرد وصحيح.
في العالم العربي نجد أن المقالة باعتبارها فنًّا أدبيًّا قائمًا بذاته أمر جديد في الأدب العربي، إلا أنها كانت موجودة بوصفها رسالة وبحثًا مصغرًا منذ أزمان بعيدة كرسائل إخوان الصفا. غير أن المقالة ارتبطت ارتباطًا شديدًا بتاريخ الصحافة العربية ونهضتها الشاملة منذ بداية القرن العشرين، حيث امتلأت الجرائد اليومية والمجلات بعشرات المقالات التي شرع فيها الكتاب العرب أقلامهم أيام أن كانت مجلة الرسالة قائمة. وظل الأمر على هذا الحال حتى بلغ مداه وارتفع مستواه الفني في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين على يد طه حسين والعقاد وعبد الرحمن شكري وعبدالقادر المازني وزكي مبارك والرافعي ومحمد رشيد رضا ومحمد كرد علي وميخائيل نُعَيْمة وخليل مطران وجبران خليل جبران. وفي أواخر القرن العشرين الميلادي، يلمس القارئ العربي تطوّرًا في المقالة السياسية والأدبية والعلمية لدى عشرات الكتاب التي توالي الصحافة وغيرها من وسائل الاتصال في العالم العربي نشر مقالاتهم.