يقال لا يُعرَف مضمون الكتاب من عنوانه، لكن ليس عندما يتعلّق الأمر بهذه الرواية،(أحببتكَ أكثر مما ينبغي و أحببتني أقل مما أستحق) هو عنوان يختصرُ قصة تروي وجعاً أنثوياً تحمله جمانة العاشقة التي وقعت في غرامِ (عزيز) الرجل الخطأ الذي آلمها بخياناته، وكانت تغفرُ له كل مرة فقط لأنّها تحبه، الرواية تروي حالةً من الضعفِ و الإستسلامِ التام للحب، و الغياب الكلّي للعقل التي يعيشها بعض الناس في حالة إدمان قاتلة فقط لانتشال ما تبقى من الحب.
أبعد من الحُب كتبت الروائية السعودية عن البيئة المغلقة التي يترعرع فيها حُبٌ تكبلّه التقاليد في بلدٍ لازال يرى في الحبِ خطيئة و جريمة، نقَلت للقراء كيفَ تعيش العاشقة حبها في الخفاء دون أن تهاجمَ المجتمع، أو تلعنَ ذكوريته على لسانِ بطلة لايفارقها الحنين و هي تعيش غربتها في كندا، تحملُ في قلبها الجانب الجميل للمدينة و أهلها، لا تكنّ البغض حتى لأشقائها الذين يحكمونها بذكوريتهم و تتفهم طبيعة معاداتهم للحُب، لكنّها في الوقتِ ذاته تعلن امتعاضها من هذه العادات على لسانِ بطلة ثانوية (هيفاء) الطالبة الكويتية التي تشاركها الغرفة، تقول للبطلة في أحدِ الحوارات أنا لن أحب سعودياً، خليجنا واحد و عزيزنا واحد، في تلميح مباشر إلى أنّ كل خليجي يسكنه رجلٌ يشبهُ عزيز. شخصية البطل هي نموذج لشخصيات كثيرة في عالمنا الواقعي، سعودي مقيم في كندا منذ 10 سنوات، مغترب بجينات سعودية، يجد متعته في الشرب و حضور الحفلات الصاخبة، و الإرتباط بأكثر من امرأة من أجلِ المتعة، و عاشق يحبُ امرأة يرى فيها طهراً يستفز مجونه، يريدها كما تعوّدَ على النساء في بلده، امرأة عذراء، تعامِله على أساس (سي سيّد) يرى أنّ رجولته تكمن في إذلالها و كسرها كلّ مرة، يخافُ أن يخسرها كما يخاف يخافُ أن يخلِص لها، يخافُ أن تتركه كما يخاف أن يخسر حريته و هو يرتبط بها.
نجحت الروائية أثير في ترجمة مشاعرِ كلّ شخصياتِ روايتها، برعت في وصفِ الأبعاد الجسمانية و الكشف عن الإنفعالات النفسية، قدّمت الحب بلغة شاعرية مرهفة حتى تشعر أنّها كانت تمارس البكاء و هي تكتبُ كل فصل، لكنّها أهملت جانب المكان في الرواية، راحت تصف بعض المنازل، أو الشقق دون إقناع القارئ بالأحداث التي وقعت في كندا، ليس هناكَ ما يدلّ على أنّ الأبطال أقاموا في كندا، و لا حتى الكاتبة زارت المدينة التي كانت تتحدّث عنها.
كتبت أثير روايتها، بأسلوب بسيط و مطوّل، يصلح عادة للرسائل و الحوار، كما أنّه كان مسلّط على المخاطب، كأنّ الرواية رسالة طويلة كتبتها جمانة إلى عزيز. أسهبت في كثير من النصوص في سردِ خيبة أمل البطلة في عزيز، حتى يشعر القارئ بأنّه يقرأ خطابات مكررّةو يستعجل الكاتبة كي تنتقل بهِ إلى الحدث التالي. استخدمت الكاتبة تقنية الفلاش باك (الإسترجاع الزمني) الذي يتقدّم و يتأخر، قد تسردُ الأحداث ثمّ تعود للحديث عن ذكرياتٍ مضت دون أن تشوش على القارئ، أمّا المخطط الذي قدّمت به الرواية فيمكن أن يقال أنّه كان دائرياً لأنّ الكاتبة تبدأ الرواية بنصٍ فيه عتاب كأنّها تعلن النهاية من البداية و هي تقول: البدايات الجديدة ما هي إلاّ كذبة، كذبة نكذبها و نصدقها، لتخلق أملاً جديداً يضيء لنا العتمة، فادعاء إمكانية بدء حياة جديدة ليس سوى مخدّر نحقن به أنفسنا لنسكنا ألامنا و نرتاح .. أحببتك أكثر مما ينبغي، أحببتني أقل مما أستحق) و هي تفككّ الذكريات بين لقاءٍ، و آلام، ذكريات و مواعيد غرامية. غير أنّها لا تقنع الذي يقرأ، بفكرة أن ترتبط عاشقة بعلاقة حب أربع سنوات دون أن تمنحهُ قبلةً واحدة، و هما يختليان معاً في أكثر من مناسبة مرة في بيته، مرة في السيارة، مرة في المقاهي، لو كانت العلاقة عن بعد، ربما كان القارئ ليقتنع بفكرة الحُب العذري أكثر. كأنّ أثير كتبت و أصابعها تحتَ رقابة المجتمع السعودي خوفاً من أن تخسر محبتهم، أو ربما احتراماً للعادات التي نشأت عليها، ربما أرادت للبطلة أن تحمل قيمها ككاتبة و إنسانة. تبقى الإجابة بحوزة الكاتبة وحدها.
رواية أحببتكَ أكثر ممّا ينبغي تروي قصة حب بدأت فصولها بكندا و قضت نحبها بالسعودية، بعد أن طلبَ عزيز بد البطلة من أهلها في الرياض، ثمّ خذلها اليوم التالي مغيّراً رأيه و هو يضحي بالحب في سبيل حريته. أثير عبد الله النشمي، روائية سعودية مقيمة بالرياض، من مواليد سنة 1984 لها رواية أحببتك أكثر مما ينبغي، فلتغفري، في ديسمبر تنتهي كل الأحلام، تميّزت بملامحها، و أسلوبها النابض بالتشويق، و أناملها التي تترجم مشاعراً مرهفة، تمكنّت من كتابة أكثر من وجع، أكثر من امرأة، تبشّر بروائية معطاءة و بروايات مثيرة للإهتمام قد تفاجئنا بها مستقبلاً.
رواية أحببتك أكثر مما ينبغي
للروائية السعودية أثير عبد الله النشمي
عن دار الفارابي
قراءة نقدية تمّ نشرها في الموقع الالكتروني
لمجلّة أصوات الشمال
سارة النمس