رجُلٌ بطعم الماء
سلسبيلاً كا لماء يغدق حياة ونماء
وحب ...
يجرحه الهواء كلما مر به
يتثاءب على أطلال الوقت
يلف حول عنق الزمان شال بلا لون
يذرع المسافات بلا زمن
يستهل أيامه بشيء من ذكريات طعم الماء
والعدم ...
للبيات تحت ظل عرائش النوارس طقوس لا يجيدها الماء
وللمكوث في جوف الأنهار طقوس لا يجيدها الليل
وللمواعيد المتسربة بين كفيه وشفتيه طقوس تشبه البكاء
وبين الليل والنهار ... يجف الصوت ويختنق النداء
يمدد جسده النحيل على كتف غابة
يضطجع فوق سفح تلة بيضاء
يبلل منديله الأصفر في عين يمامة
يضم إلى صدره سدرةً يانعة
يغفو هنيهة ثم يستيقظ الحلم مفزوعاً من وجع الرقاد
لا يفتأ النعاس يداعب أجفانه
يتمسك بكاحل الوقت حتى يأزف الرحيل
يتطهر من صديد آلامه
ولكن الماء لا يغسله ولا ينقي آثامه
لا يفتأ الليل ينوح على أبوابه
يطعن صدرالصخر
رجل بطعم الماء
فمن يطهر آثامه
رجل بطعم الماء ...
يلوكه الهواء ...
يمضغه الصمت
تضج في عينيه حيرة السؤال
ولُجة الفرار من الفرار
مكبلٌ بزمام المواسم التي لا تنجب المطر
مسكون بتفاصيل السفر
يقطع المسافات
يستدني السفر
فالقرب من الموت أكثر أماناً
من الحذر
حتى وإن تغشَاه عند الفجر شيء من الخدر
وقذفه الناس بألف حجر
رجلٌ بطعم الماء ...
أو هو الماء
يتكيء على نصف رابية
ونصف ممتد من الأرض إلى بياض السماء
تلتقي في عينيه حيرة الأسئلة
تُرى من يطهَر هذا اليم من آثامه
ومن يغسل النهر من أدرانه
ومن يحفر له خندقاً ليلم فيه أكفانه
أيموت هو ... !؟
أنه رجل بطعم الماء تغرقه وسوسات أيامه
وتبكي نجمة الفضة على موعد تسربل
وراح يركض صوب مآلات السقوط
رجل الماء ...
رجلٌ آيلٌ للسقوط
"البستاني"