التربية هاجس قد اهتم به مجتمعنا لحد الجنون الذي لا يُعلم له رشدا أو موطنا.
سألتُ جدتي التي رأت الأمور على حقيقتها بعد عمر ناهزت فيه الثمانين، سألتها عن أحوالنا المُتزمّتة جدا حينما نقوم بالتربية التي نتوجس من نتائجها خيفة وريبة فقالت لي : نحن يا حفيدي العزيز كمن أصابهُ الجذام ولا يرى له حلا إلا هرش مواضعه بشدة حتى لا يستفحل ولا يعلم بأنه يزيد الطين بلّة.
إنّه تشبيه بليغ فالجذام مرضٌ معدي ينتشر عن طريق دخول الميكروب من خلال الاستنشاق أو الطعام أو من خلال التلامس الجلدي أو من خلال الغشاء المخاطي، وهذا ما يحدث عن مفهومنا للتربية والتي نتناقلها عن الأخرين كما هي دون التمعن في مدى صحتها من اللبس الذي يعتريها.
والتربية بمفهومها لا تنحصر على الوالدين فحسب بل على المجتمع بكافة أطيافه واهتماماته ومسؤولياته، حيث نجد الحرص على أمرين لا ثالث لهما تندرجان تحت عبارتي ( أفعل أو لا تفعل ) وكأنّ الأخر أداةٌ فقط قد أرفقناها ضمن أدواتنا كي نحقق رغباتنا مع إقصاء الأخر وتجاهل حقوقه النفسية والفكرية.
نعم إنّ الحرص مطلب مهم في التربية إلا أنّ الثقة أثمن منه مطلبا، كم هو جميل بأن نثق في الآخر لنضمن نتائج مرضية خيرٌ بأن نسيّره على عكس ما يختار كي نضمن نتائج ثابتة لا تتغير أبدا.
الله سبحانه حينما خلق عبيده أرسل إليهم الرسل لإيضاح الهدف والغاية الأسمى التي خلقهم لأجلها، ومع هذا أودع فينا الثقة كي نحسن الاختيار والجزاء من جنس العمل.
أما نحن فلقد ضيقنا الخناق على من يهمنا أمرهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ونسعى لضمان النتيجة قبل حدوثها، وللأسف حينما يخرج أحدهم عن طوعنا ويفعل ما يراه مناسبا نذعن لهذا رغما عنا مع التذمر الشديد، ومع هذا تكون النتائج إيجابية ليقال لنا هذه أفعالنا وهذا ما اخترناه ألم نقل لكم، وسبحان الله حينما نرى هذا تأخذنا العزّة بالإثم ونرجعه إلى الحظ والصدفة.
إن لكل جيل قدراته واستراتيجياته وعلينا أن نتعايش مع هذا لكي لا يفوتنا قطار الحياة ونبقى في محطات الانتظار بلا أمل أو هدى.