(1)
لو تدرين يا هند
كمْ تُسرف دروب هذه المدينة في شوقها لخطاك ؟!
.
.
أ بوسع التحيّة يا هند أنْ تُطيّب أوقاتك ؟ ليتها تفعل
تحية تشبهك وسلام
وبعد
سكبتُ قهوتي هذا المساء في كأسٍ زجاجي طويل أظنه مخصَّصاً للعصائر فقط
لا أعرف _ تحديداً _ من ذا الذي شرّع أنْ يكون هذا الكأس مصَّباً لبارد الشّراب
فحسب
وأنّى له كلَّ ذلك الوقت وتلك الرّغبة للتفكير نيابة عن الكؤوس والأطباق
والتكهن
بغاياتهم وما يشتهون .!.
المريح أني لا أشعر بأنَّ كأسي ممتعض من صنيعي هذا هو فقط قلق قليلاً من أن
يكون مصيره كـ مصير الفناجيل التي نفدت لدينا بعد أنْ تهشّمتْ واحداً تلو الآخر
مع نهاية كلّ حوار صاخب
يقوّدني وإياكِ إلى حيث لا يُمكن للكلام أن يصير طبيباً ودواءً .
أُمّي تفرحُ كثيراً حين تتهشم الأشياء في بيتنا ظنّاً مِنها إنَّ ما تهشم كان نتيجة سهام حاسد
أخطأت التصويب لحُسن الحظ
فـ تعزّي نفسها عن تلك الخسارة قائلة ( بالكزاز ولا بالاعزاز ) وكأنَّ ( الاعزاز ) ذوو فائدة تفوق
فائدة فنجال قهوة أنيق يكتوي ليهدينا لذّة ننسى دوماً أن نشكره عليها .
سأشتري لاحقاً طقمين من الفناجيل الجديدة , لا يُعقل أنْ أُقدَّم للضّيوف قهوتهم بهذه الكؤوس الطويلة
كـ قامة الخيبة التي تمتد على صدري وصدركِ الآن .
أيه يا هند
لا أعرف تحديداً لِمَ أكتب إليكِ الآن ستكون رعونةً مني أنْ أعتذر إليّ أو إليكِ
بعد كلِّ هذا الوقتِ من الصّمت والغضب وادّعاء اللامبالاة
فمثل هذا الصّنيع الآن تجدّيداً موغلاً لكلّ تلك الجرَّاح الّتي تركناها عارية على أرصفة الملح
وتعلمين لستُ أؤمن بالرِّبح والخسارة كما يفهمها الآخرون الذين لطالما آمنوا أنَّ الرِّبح متصلٌ بالكرامة
التي علينا أن نحتفظ بها حتّى تصدأ بـ تعرّق الرّوح حين تعتصرها الغصة وهي تحصي كمَ خساراتها
بعد رحيل الآخر الذي ما عاد مجدياً أنْ نُصدّق فيه كذبة أنَّه الخاسر الأكبر أمام ما ربحناهـ من كرامة صدئة .!.
كلانا خاسران يا هند ولا نستحق اعتذاراً يمنحنا شعوراً مريحاً بعده
وحده ما كان بيننا يستحق الاعتذار والبكاء .!.
أتعلمين يا هند
تلك الحيّاة التي بدتْ أوسع من رأسيّنا الصّغيرينِ ذات جهل والتي ملأتْنا دهشة ورغبةً عظيمة لاكتشافها
تلك الّتي أثارتنا كما تفعل حتّى الآن أوتادُ الله الّتي تنتصب خاشعةً في زوايا مدينتنا الشّمالية الصّبورة
باتتْ اليوم يا هند أضيق من تلك المغارة التي لا زالتْ تُخيفني وإياكِ كلّما ألقتْ في صدريّنا الاختناق
حين ينحسر الضّوء عن قلبها عُتمة عتمة
فتقبض إحدانا على كفِّ الأُخرى بقوةٍ لـ نتنفس , اخبريني يا هند مَنْ سرق من كفيّنا الهواء ؟!!
أنّى لـ كفيّنا أنْ تصيرا لجاماً ودخاناً ؟
ما عادتْ دماؤنا عسلاً كما كنا نظن ونخبر بعضنا بعضاً , غدتْ علقماً سال من شفاهـ الجراح
التي نابتْ عن كليّنا بالطعن والحديث
ما كنتُ أدري يا هند أنَّ الجراح تشيخ وتُمسي سليطةً كـ جدّة خرِفة ..!.
نعم يا رفيقة الضّياء
يحدث أن يُصادر الجرح حقوقنا في الصّفح والغفران
يحدث أن يصنع منّا جبابرةً وطغاةً
يحدث أن يُسقطنا في هاوية النَّدم والخزي بعد أن يُفسد على شفاهنا حلو الكلام
يحدثُ أن يُميتنا ذات ليلة صديقتين
ويبعثنا في ضحاها غرباء ..!.
.
.
ترتيل