موعدُنا رائحة المطر، ولا أظنَّكِ تذكرين هذا لأنَّك لستِ على علمٍ به أصلاً، ولكن منذ أن تثنى الغيابُ وأسبلَ رداءه الأصفر على الحيزَّ الذي نشغله ونحنُ لا نعرفُ من الالتقاء إلا موسماً لا تأتي به سوى الأمنيات!
تلك الأمانيِّ المحفوفة بالرغبة في الانعتاق عن كلِّ ما هوُ حالكٌ في جوانح الأمل الذي يحدونا ونحدوه، والليل هاوٍ على السماءِ مذ جثم الزمنُ على صدر العزم فينا، وكفَّت الصروفُ يدَ ما اتفق منها لعابرِ الوصلِ إلا ما كان رَشَحاً من أرواحنا طَرَقَ باب المنام فأجابه!
وأجوبُ الوقتَ أبحثُ عن الحليمِ فيه يُتيحُ لي منفعةً أجدها في انكبابي على الأثرِ العالقِ من البينِ في أضلعي بيدَ أني ما ألفيتُ وقتاً سمحَ أو سمِعَ بهذا!
وأعودُ أدراجي إلى الموطئ الموبوء الذي ما شفَعَ لي بالخيال الخصبِ أستزيدُ منه وسيلةً تُقِلُّني حيثُ ظننا الحسن في ألا نتأخرُ على أنفسنا أكثر من هذا، أعودُ إليه كمُغرمٍ ما ذهبتْ به الغفلة إلا عن ذاك الغرام فنبَّهته الأجزاء التي تشاكلت وتماثلت فيه وفي من عاد إليه جرَّاء ذلكم النداء الخفي، وهذا ما وقع عليَّ من هذه الأرض القاحلة الجرداء التي تشاكلتُ وإياها في كلِّ شيءٍ حتى في طلب المطر!
ولأنَّه الفصلُ الذي لم يأتِ بعدُ، فموعدنا ذرائعه حين تعبثُ الريحُ بأطراف ذاكرتي، وتقتلع السوافي جذور ما حال بيننا، ويلبس البردُ مِعطفَاً بلَّلَه رُضابُ الآخَرِ من كلِّ شيء، وحين تعبس العاصفة في وجه الليل فُتشيبُ رأسه آذِنةً بنهارٍ يقولُ: هيتَ لكُما!
هُناك حالما تتظلَّلين بالكامنِ من الشوق، والغابرِ من الحنين الذي لا يبطُل، سيأتيكِ البشيرُ وسيرمي بقميص الوعد فتنبعثُ رائحة المطرِ زاكيةً، وأمتطي سحابةً من جذوة قلبي يُطفِئُها اللقاء!