*
أحاول أن أكتب .. أن أوثق لك صوتي .. في حين أنني بالحقيقة لا أشعر بأي شيء سوى أنني بحاجة لأن أكتب .. كان الله في عوني .. وفي عون الجميع ..
(1)
ثمة خطايا كثيرة لا تُقاس بالنوايا أبداً إذ أننا حين نرتكبها لا نشعر بأنها في الحقيقة خطيئة كبرى سيعاقبنا الله عليها
أنى أفرطنا نحنُ في الاهتمام بتفاصيلها الصغيرة ومنحناها فرصة للتكاثر والنمو والازدهار في عوالمنا الكبيرة ..
أنى أهملنا نحنُ أجزاءها الأكثر صدقاً وتوهجاً وإيماناً .. تلك الخطايا تترك بأعماقنا نُدباً كثيرة لايمحو آثارها الزمان ..
تلك الخطايا تبقى عالقة في بطن الذاكرة وعلى صدر كل الجدران و الزوايا والوجوه .. تلك الخطايا يبقى ذنب عبورنا إليها
عالقاً في وجوه أبنائنا وأحفادنا حتى .. تلك الخطايا أكبر من أن نتجاوزها .. وأكبر من أن يستقر في مكانها " ذنباً أصغر " ..
تلك الخطايا تتلون بألف شكل ولون في حين أن زمان توهجها واحداً على صدر كُل الوجوه والملامح .. !
(2)
لو علم عصفورك الحزين بأن ثمة أغنيات تتلون بها حُنجرة المساء لما شاح بوجهه عنها ولما غاب صوته عن التغريد فوق أغصان الهوى كل مساء !
(3)
لست حزينة ولست سعيدة بالوقت ذاته .. أنا عالقة بينهما .. في المنتصف .. كما لو أنني عالقة بين السماء والأرض .. أمشي بلا إتزان ..
وأغني بلا وعي .. وأبكي بلا شعور .. وأضحك بلا مناسبة .. سامحك الله !
(4)
مُنذ أن كُنت صغيرة وأنا أشعر برهبة بالغة من الغرباء .. كما لو أنهم متوحشون .. ظالمون .. جُلّ مايتمنونه
هو أن يسرقوا منّي وجهي أو ثوبي أنى منحتهم أنا ابتسامة عابرة أو كلمة طيبة .. وكنت اشعر بسعادة بالغة
أنى تجاوزتهم بسلام دونما أن تسقط عيناي على أحدهم في حين غفلة .. أو أتعثر بثوبٍ أو بعكاز أو بأي شيء آخر ..
حتى كبرت وتعلمتُ أن الغرباء هم الأشخاص الوحيدون في هذا العالم من بإمكانهم أن يشعرونك بإنسانيتك وبحقكَ الكاملُ
في أن تُخطئ وتُصيب .. تنجح وتفشل .. تبكي وتضحك.. في كونك كائن بشري .. تتعبه التفاصيل الصغيره .. وترهقه الوعود الطويلة ..
وتسرقُ سكك الإنتظار من وقته عمراً .. كائن بشري مُثخنٌ بالخيبات والإنكسارات .. كائن بشري يملك في جوفه قلباً نابضاً ..
وعقلاً ناضجاً .. وحواساً بإمكانها أن تنير له عُتمة كُل الأمكنةَ والدروب والاوطان !
(5)
من مستنقع الخيبات تُولد الأمنيات .. ومن مُعترك النهايات تُولد الحكايا الجديدة .. والأغنياتِ الصاخبة .. والَأوطان الجديدة ..
وكل شيء بإمكانه أن يأتي على هيئة جديدة أليس كذلك يا عزيزي !
إذاً ارحل ولا تلتفت للوراء أبداً .. حتى وإن سمعت صوتاً أنثوياً يستغيثُ بإسمك .. ويتلونّ بصوتك .. ويشدو بلحنّ رسالتك الأخيرة ..
وإياك أنّ تُصدق أنها أنا .. فأنا كُلّي قد غيبتنيّ الأقدار في أُفقٍ لا يسعه مداك .. وماعاد بي عقل يتسعُ للخرافات ويُؤمنُ بالمعجزات ..
وماعاد بإمكاني أن أحلم بك أو حتى أُغنّي لك من على نافذه الهوى .. نفذّت من بيد يديّ سريعاً و في لحظة واحدة كُنت
أخالها مُعجزةَ حيّة يتنفسّ " قلبي" الحياة من خلالها.. لكنك خذلتني كما يفعل الرجال دائماً واخترت أن تغيب وتغيب وتغيب وتغيب ..
ثم تعود بهيئة أُخرى ولوناً آخر وصوتاً آخر لا يشبهك !
(6)
أنا غامضة بالقدر الذي تستطيعُ من خلاله أنت النفاذ إليّ .. السُكن بيّ .. والإمتزاجُ بأوردة قلبي ..
بالله عليك أيّنا أحق بأن تُعلق على نافذة قلبه لوحة يكُتب عليها بالخطّ العريض : " هذا الوطنُ غامضٌ جداً بالقدر
الذي يكفل لك أن تعيّش نصف حياة مابين شيئين يناقض أحدهما الآخر " قلبي أم قلبك ..؟! "
(7)
ثمّة حقيقة تتسيّد كُل الأزمان .. والأوطان وهيّ أن الحياة لا تتوقفُ على هزيمة مآ .. خيبة مآ .. حرب مآ ..
فهي في كُل الأحوال ورغماً عن كُل شيء يتربصّ بها لينهيها لن تنتهي الا اذا شاء لها الرب ذلك .. أسمعتني " لن تنتهي " ..
الا اذا شاء لها الرب ذلك !
(8)
أنا في الحب أناقض حتى نفسي لأبرر لقلبي وللشمس وللسماء ولعاصفير الأماني البيضاء ذنب احتراق أصابعي في نار الهوى ..
فلا تعاتبني أنى وبختك أو قسيّت عليك .. فقط خذ بيدي نحو وطنٍ لا يقبل أنصاف التناقضات .. وأسعفني من مغبّة
التناقضات الكبيرة التي تكاد أن تفتك بي فأنا كُنت ولازلت أُؤمن بأنك مصدر سعادتي وبأن ضوء عينيك كفيلاً
بإزاحة كُل الهموم والمتاعب من على صدري .. وبأنك فاكهة الأمنيات التي لا ينضب مائها ولا يتغير طعمها ولا يبهتُ لونها ..
أؤمن بك كما أُؤمن بالحياة والموت .. لكنني أضطرب سريعاً ويكفهر وجهي وتتبدل قناعاتي لحظة أن أرى الشمس قريّبة منّي ..
ومن كُل شيء يسقط بين يديّ .. اذ أنني اشعر بأنها مادنت منّي إلا لتوبخني على ذنبي معك .. فصافحّ عجزي بالعفو أصافحُ كل خطاياك بالغفران !!
بقلم : سارة القحطاني
أتمنى أن تنال على إعجابكم ..