نذرتُني له فشُلت أقدامي الراقصة .!
أسوأ ما أقاسيه في حياتي مظاهر الفرح التي تزورني مصطحبة معها ذكرى لرجلٍ لم تستطع الديلزة التي فرضتُها عليَّ عنوة محو آثاره من دمي ، كلما طهرته منه عاد ليتلوث به دون أن أعلم من أين يتسرب إليَّ ! رجلٌ أبى قلبي إلاّ أن يهفو إليه في خلوته و يخون رغبتي في نسيانه فلا يزيدني بذلك إلا تعاسة ، شقاءً و انصياعاً لأمره ! رجلٌ كان لمظاهر الحياة معه لذه أخرى كحاسة سادسة مضافة لحواسي الخمس الأخر !
كل ما يبعث في النفس الحياة و ينفخ فيها من روح الحب كان مكثفاً به ! رائحة الخبز اللذيذة و الطين بعد سقوط المطر ، عينا صغيرتي و ابتسامات العابرين و الماء المنساب عبر الجداول ، رفرفة الأجنحة و تغاريد الكناري و حفيف الأوراق المرتعشة ، بياض المورينغا و شذى اللوتس الشرقية و انتعاش الليمون ، إشراقة الصباح و هدأة الليل و ما بينهما من صخب ، شمس الغروب و إرجوانية الشفق و خيوط الفجر الأُول ، ظلال السدرة و شرانق دودة القز و فراشات الربيع ، استدارة وجه البدر الوضاء و غواية راقصات السماء ، تلبد الغيوم بكسل و تقاعس المطر ، هبوب الرياح و تساقط حبات البرد ، امتداد الأفق و اتساع رقعة الماء الزرقاء و معانقة أشعة الشمس لها ، ملوحة البحر و رائحته اللاذعة و تحليق النوارس ، همس القواقع و دوار البحر و نعومة الرمال الذهبية ، اخضرار جو الربيع و صمود أشجار الخريف ، جمود الشتاء و بلل حطب المدفأة ، اختناقات الصيف المتعبة و حبيبات العرق المتجمعة على جبين الأحبة ، التمثال القديم و مدرسة الحارة الأولى و الأزقة المهترئة القديمة ، صوت الحنين و اختلاسات العاشقين و رسائلهم المجنونة ، و الغناء المنبعث من الحناجر الأصيلة و تمايل أجساد الراقصين و الكثير الكثير !
آه ! الرقص و الراقصين ! التحركات الرشيقة ، الأصابع الذهبية ، الأنفاس الملتهبة ، النظرات التي لا تخبئ الشوق تعري القلب و تفضح المحبين ، و نار الحب التي لم تخبو منذ أوقد عليها في الأولين . ليس أثقل علي اليوم من تلبية دعوة لفرح مُرغمة . ألبيها و الأسى يكاد يهد بنياني . أغلف سيماء الحزن التي لا تلبث أن تمسح بكفها على وجهي برحيق فرح مصنطع ! أصطنع الفرح و قلبي يكاد ينزلق نحو هوة سحيقة من جحيم حزن لا يطاق . الإكسسوارات ، الإضاءات ، الأغنيات ، الأمنيات ، الانحناءات ، و الرقصات كل ذلك يذكرني به . أتوه في غياهب الذكرى أحاول الهروب بكل وسيلة قلبية متاحة لأجدني أحضر مهما عملت في الموعد . أمتنع عن كل وجه للفرح إلا من بسمة صفراء و حديث عابر و قلبي يخيل إلي أنني قد أسقطته هناك تحت أرجل الصبايا الراقصات فتنتهك قدسيته . ينادينني أن هيا لنرقص ، لم لا ترقصين .؟ فأنتحب بصمت ، أن أجمعو أمركم و افعلو لوحدكم ، مزقو قلبي ، كثفو رائحة جرحي ، و اسخرو من حزني ، و لكن لا تطلبو إلي أن أفعل . و إن فعلت ماذا أقول له ، بم أجيبه و قد دسته بلا رحمة .؟!
أن أرقص ذاك يعني أن أدوس قلبي ، أن أهمل من فيه و انطلق دونه ، و الحياة دون ذرة وحيدة منه لا تغريني .. أن أرقص ذاك يعني أن أمحو أثر يداه من على خصري ، و نظراته من عيني ، و ذكرى اشتباك أصابعنا و انسجام روحينا ، قلبينا و قدمينا معاً .. أن أرقص ذاك يعني أن أنساه و قلبي لا يريد النسيان ! أنا لا أستطيع الرقص فوق بقايا حبي ، قلبي و روحي . أنا عاجزة إلا عن الرقص على أطرافِ وجعي ، و يمُ وجعي شاسع بلا حد و انتهاء .......!