غمرته السعادة لأنها لم تنساه ولم تفتر مشاعرها نحوه .. بل كان غيابها بسبب غضبها وعتابها :ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأول مرة أشعر بقلبي يتحسس وجهي ويضحك .. يسكب أطفال حارتنا القديمة مع ماء القمر ، لعلي أرتدي البحر وأدغدغ أقدام الشجر .. وأضع حنجرتي في أذن الزمان وأصيح حتى أشتفي ، ماذا لو ابتعتُ بكل نقودي حلوى للطرقات الرشيقة والنوافذ الأنيقة .. وعبأتُ الفائض من ضوء المكان في قناني صغيرة ألقيها في براري المساء ، حين تتلبسنا السعادة .. نشعر أن الرقص على حبات المطر أمراً ممكناً .
فتعالي يا سلمى .. أنا رجلٌ مؤثث بكِ .. بعينيك التي تنتظرني عند مدخل الذاكرة .. بخصلة شعركِ وأنت ترفعينها كموعدٍ لن يتم .. بصوتكِ وأنا أتعثر به كلما هممتُ بالكلام .. بالحرائق المندسة في داخلي كلما أخذكِ العتاب .. والفوضى المنتصبة ككائن خرافي عند لقائي بكِ .. بضحكتك التي تشطرني شطرين .. شطرٌ يسبح .. وشطرٌ يقول أعد فأنت لم تخشع في التسبيح .
أعشق غيابك يا سلمى .. أعشق اشتعالي بكِ أكثر .. والشوق الذي يُفسد ذكرياتي ويحشر فيها حكايات لقاء مزورة .. والمساءات التي تتاجر بوقتي وتكدس أحاديثاً سنقولها غداً .. ووجهي الناتئ من جلد الصباح حين ألملمه من فضول المرايا .. من عيون البشر .. وأنساه على الحائط هناك .. أعشق ألمي بكِ .. تعرفين أن جيناتنا العربية يا سلمى .. تأبى الحب بغير الوجد والسهد .
للحب ذاكرة الحروب .. بهزائمنا المتسترة في ليالينا الخائبة .. بساعة الصفر ونحن نوقت بها مواعيدنا المفاجئة .. بالخطط السرية حين نكتمها عن أوراقنا وتجيدها قلوبنا .. برائحة البارود وهي تغطي مساحة بُعادنا .. بالجثث الملقاة كل مساء في ثكنة النسيان .. بالحبر المنسكب شهيداً في ليالي الشوق الحارقة .. حتماً لن تنسيني يا سلمى .. لن تنسي تاريخك الحربي المجيد .
منذ زمنٍ بعيد وتلك النخلة تزدريني يا سلمى .. لها قامة رجل صالح مكتنز الحسنات .. أذرعها النائمة تحت عريشة المساء تبشر بقبول الدعاء .. وحين يستدير رطبها كهيئة الأطفال الصغار يدركني الخجل .. يُريني بشاعة أخطائي معكِ .. فأمسك رأسي بيدي وألقيه بعيداً .. وآتيكِ برأس عصفورٍ صغير يعتذر .. وأمامه أربع رئات يملأها البكاء .. وقلبٌ احتفظتُ به من عهد طفولتي ..... لكنّ الرأس القديم يعود ، هذا أنا يا سلمى .. رجلٌ بلا غد .. تنبه فجأة لأربعين عاماً سقطت منه في حلمٍ سحيق .. هرب ذات مساء ولم يعد .. لكنه يحبك .