انـتـمـاء

[ماجد الذيبان]

عندما أرى مدرسة تحتل مبنى مستأجر أو بيت مستأجر عُلقت عليه لافتة " قسم شرطة". أتساءل : هل السعوديون " بيعزلون" من البلد؟
لما أغلب الدوائرالحكومية موجودة في مباني مستأجرة؟ / أشعر أحياناً بأن الربع نيتهم " يهجون".
لسان حالنا يقول " ليه نبي و ش له الخساير /
و هذا ليس بمستغرب فعلاقتنا بالأرض سطحية و" اركيالوجية"
مُدننا لا تتعدى بضع أمتار تحت سطح الأرض. فلا توجد أنفاق ولا مترو و لا مشاريع صرف صحي متكامل كأننا نخشى من الحفر داخل الأرض
فمن ينظر إلى مدننا سيجدها أشبة بنبتة برية لا تتعدى جذورها التربة السطحية نبتت أثر مرور سحابة ممطرة في غير موسمها و حتماً ستموت
و هذه السحابة بالنسبة لمدننا هي النفط
خذ الرياض مثال
فلا توجد بها أي مقومات للحياة لا مصادر مياه و لا مصادر تجارة كما أنها ليست جغرافياُ إستراتيجية فهي ليست ميناء على أحد البحرين أو بوابة شمالية أو جنوبية
إنها مدينة " عنوة"
بل أستطيع أن أقول أنها مدينة " عالة". أنها " أثر" بدوي. فالبدو لا تربطهم علاقة بالأرض فهم رُحل
و إذا ما أقاموا في أرض لمدة معينة فأن أثارهم لا تتعدى رماد يشير إلى أماكن نيرانهم و هي بالتالي علامات سطحية
و أخشى أن نستبدل أثار النيران بآثار الأسمنت
أُدخلت مادة " التربية الوطنية" كمقرر دراسي. القصد منه زرع حس و انتماء وطني/ لن أُعلق على سذاجة الفكرة و تفاهتها
و سأنتقل مباشرة لمسألة الوطنية. لكي نزرع الوطنية في نفوس أبنائنا علينا أن نعزز العلاقة بين الإنسان و الأرض
بين الإنسان و مدينته/ أن انتمي يعني أن أشعر بهوية تمتد في الزمان و التاريخ و الأرض
و هنا نناقش كل عنصر على حدة الزمان و التاريخ.
نحن نلقن في مدارسنا بأن هويتنا السياسية هي الخلافة. و هي في " مخيالنا" الثقافي " اتوبيا"
هناك من المتشددين من يروج لـ فكرة الخلافة بل يعتبرها ضرورة دينية
فكما ينتظر أخواننا الشيعة الإمام الغائب. ينتظر السنة –نحن- الخلافة الغائبة
و لكن هذا يصطدم بواقعنا فنحن نعيش في دولة قطرية و وطنية بل أن هذا المشروع السعودي الذي نعيش تحت رايته هو من أعاد لنا وجودنا الحضاري
بعد أن كنا قد غُيبنا لسنين. أنها معضلة علينا حلها
الأرض
قد يستغرب الكثير لو ضربنا أمثلة على تنوع بلدنا
فتاريخ أرضنا مشوه و مختزل حُذف جزء من تاريخنا تحت ذريعة الجاهلية و أختزل في الفترة النبوية و الخلفاء الراشدين
ليخرج التاريخ من وعينا فهو الآن في يد الشام و ملك للشام في فترة الأمويين و ملك للعراق في فترة العباسيين
و تحولنا من المركز إلى الطرف و يمر كتاب التاريخ المدرسي بسرعة و اختزالية و قفز على مراحل تاريخية مهمة
لا وجود لدولة كندة و لا حضارة تيماء و لا ذاكرة اركولوجية و انثروبولوجية لإنسان الجزيرة العربية في مدائن صالح
أو في شرق الجزيرة حيث عبر الكنعانيين و نحو الهلال الخصيب كل هذا حذف باسم " الجاهلية"
بل لا نشعر بأننا أرض للإيمان حين أحرق أتباع المسيح في حادثة الأخدود
فهي كقصة لا تمت لنا و لا تدخل في تاريخنا و لا تحكي جانب لمرحلة تاريخية للإيمان على هذه الأرض
لا يعني لنا عنترة بنضاله ضد العنصرية و التفرقة و توقه الذي هو توق إنسان هذه الأرض نحو الحرية
لا يعني لنا شيء فلا نشعر أنها ملحمتنا بل أننا نشعر بأن للشاميين و المصريين حق أكثر منا في عنترة و غيرة من الشعراء
على هذه الأرض خرج قيس ليلى بعذريات ليسطر ملحمة الحب للعرب بل للعالم كله مجنون ليلى هذا هو من هذه الأرض
و من هذه الأرض خرج الهلاليون ليشكلوا أهم تاريخ شعبي في مخيلة شعوب المنطقة
لقد أهدى آبائنا البشرية أجمل حضارة لقد أهدينا أوربا الأندلس
في هذه الأرض تحققت أول دولة اشتراكية في تاريخ العالم على الساحل الشرقي
على هذة الأرض تحقق أول ثورة عربية وطنية آمنت بأن مصيرها لابد أن يكون في يده ا/ الدوله السعودية
علينا أن نحفر الأرض و نبحث عن هويتنا بكل تلاوينها و مراحلها
إن كانت في مدائن صالح أو تيماء أو قرية الفاو أو مملكة كندة أو مع من ماتوا في الأخدود
فنحن "كـ انسان" كنا هنا قبل و بعد الإسلام