كم من أمنية قد جرفها تيّار الفقر ، و أخذ في تحجير مكنونها بصدر حامليها ، و عاش ذويها تحت وطأة التأمل طويلاً ، لم يكن الفقر إلا عاملاً مساعداً على تجفيف المشاعر حتى تبات مهشمّة الملامح ، كالشمس حين تطل على أوراق الخريف ، و تتساقط من كل شجرةٍ بهيّة عدّة أوراق قد حلمَت بالبقاء في العلالي ،
الفقر آفة الإنسان ، و محّطم آماله الدائم ، يأخذ بالأشخاص إلى حيث الألم و الحزن ، ويكّبل أيديهم و أرجلهم عن الخطوة الأولى من الحلم ، ليعيشوا متأملين تذوق نكهته الأخيرة ولا يستطيعون ذلك !
و لأن الفقر مجففاً ناجحاً للمشاعر ، فإنَ الفقراء على قُدرة عالية من الصبر ، و على قوّة هائلة لامتلاك ما لا يملكه الأثرياء ، فهم الذين يعيشون واقع التجربة بكل حذافيرها ، أفراح و أحزان حتى القطرة الأخيرة من الكأس ، قُدرتهم على التكيف السريع يجعلهم الأثمن ، و الأقرب لخوض التجربة الأصدق ، ليخرجوا لنا بخلاصة الحياة التي تختصر لنا الكثير من الدروب المطلّة على هذا الأفق الطويل ،
يا أيها الفقير ، ارفع رأسك للأعلى ، فليسَ هنالك ما يدعو إلى طأطأة رأسك و النظر إلى أقدام الأثرياء ، فإن كانوا يملكوا المال ، فأنتَ تملك القناعة و الرضا ، و الحياة مبنيّة على أساسهما ، فكم من ثري لم يقتنع ، و عاش باكياً لحاله ، و كم من فقيرٍ عاش بفقرهِ وصنع المعجزات التي ترتبط بروحهِ ،
سترحل الأحلام ،
نعم ،
سترحل الآمال ،
نعم ،
لكنها ليست كل شيء ،
فالحياة أكبر من كونها أحلام و آمال مبنية على أموال ،
فالغنى هو غنى النفس ، و القناعة هي الكنز الأثمن الذي لا يفنى ،
اسألني يا فقر ماذا فعلت بحالي ، سأجيبك و مرارة الدمع تكتسيني :
جرحتني يا فقر و سيّلت لي دمعة ..
و أخذت تمسح على جرحٍ ما طاب طاريه ..
يا فقر ، تَراك طفيت لي كل شمعة ..
و ما علمتني أيامي إلا صبرٍ صنعت باديه ..
رسالة إلى فقير ،