:
أوّلَ مرّةٍ قصدتُ فيها بوّابةَ الرّحيل , كنتُ بحجمِ الحزنِ في وطني ..
كنتُ بحجمِ الأرقِ في أعينِ المظلومينَ و بحجمِ الجوعِ في ثغرِ ذاكَ الطّفل الواقفِ على ناصيةِ شارعنا .
كنتُ كما زنزاناتِ القهرِ الانفراديّة , بحرّاسِ ضئيلةٍ على أبوابها , و بنورٍ يتسلّلُ كلصٍّ حزينٍ في ليلةِ شتاءٍ باردة ..
كنتُ أنوءُ بمعطفٍ يُثقلُ جناحيّ المكسورتين , ما لبثتُ ان رميته من علِ ,ما أن تمكّنتُ من ملامسةِ الغيم ..
وجدتُني أفكّرُّ بتفاصيلَ صغيرة بقدرِ الفرحِ في وطني , بجارتنا و قد انجبت مولوداً ذكَراً , بأبي يحملني و يدي الصّغيرة تُمسكُ امتيازَ اجتيازي للصفِّ الأوّل , بصديقتي تقودُ درّاجتها الجديدة , و تضحكُ أمامَ الصّبيةِ الّذين تمنّت دائماً ان تكونَ مثلهم ..
بفرحِ أمّي , إذ تحملُ داليةُ العنبِ عنقودها الأوّل , و برضا سائقِ سيّارةِ الأجرة , إذ يرمي لهُ أحدهم ببضعة قروشٍ ..
بوطني إذ يرفعُ راياتِ الفرحِ لذكرى انتصارهِ الأوّل .. و بعينينِ رجلٌ حزين , يدركُ وحدَهُ طعمَ ذلك الانتصار و طعم الخيبةِ لذكراه .
كنتُ وحدي ملّاحةَ الحزنِ على متنِ جوازِ سفري , أحملُ في رقبتي خطيئةَ وطنٍ , يئنُّ تحتَ وجعِ أبنائه و يحتوي جوعهم فقط !
كنتُ وحدي و ليسَ معي سوى حقيبةٍ و معطفٍ و جوازَ سفر ...
و جناحَ نورسٍ جريح !