تكادُ تضيء النار بين جوانحي
إذا هي أذكتها الصبابةُ والفكرُ
هذا البيت من رائعة وفاتنة أبي فراس الحمداني ، وقد انتقده أحد الشعراء الشعبيين ، زاعمًا أنه لم يوفق في وصف شدة الحنين ! وفضَّل عليه بيت بخُّوت المريَّة التي -برأيه- أصابتِ الوصف :
كنِّ في قلبي سنا نار بدوٍ نازلين
طرَّفوها للهوا والهبوب تْلوفها
أهلًا بالعزيز ...
أولًا : أثنى النقاد على أبي فراس ، وأشادوا بموهبته الفذة ، وقصائده البديعة ، حتى قالوا : بُدئَ الشعرُ بملكٍ (امرؤ القيس) ، وخُـتمَ بملكٍ –أي من بيت مُلْكٍ- (أبو فراس الحمداني) ، (لا أزعمُ أن جميع قصائد ومقطوعات أبي فراس بلغت الغاية) !
ثانيًا : أشيدُ بروعة بيت الشاعرة بخوت المرية –رحمها الله- ، واتقاد ذهنها ، وسلاسة كلماتها ، وبراعة تصويرها ، وأراها –من وجهة نظري- ممن أبدعوا في الشعر النبطي ! ولكني أُفضِّلُ بيت أبي فراس ، وأراه أبلغ ، وأبرع – والفضل في المعنى للسابق لا اللاحق –إلا إن أتى بأبرع منه- !
ومن براعة أبي فراس أَنِ ابتدأ بيته بــ (تكاد) لأن النار مجازية لا حقيقية ! فكنى عن الحنين المرمض ، وشدة أواره بالنار –شدة حرها-، –والحنين لديمومته-، وجعل الصبابة والفكر ، شخصان ينفخان النار لتزيد اضطرامًا –ولعله هنا يقصد الهوى والهجر أو النوى- ، ولك تخيُّلُ هذه الصورة البديعة !
ولم يكتفِ بجعل الحنين بهذه البراعة ، بل جعله يفيضُ على الجسد حتى لم يُبْقِ منه سوى العظم والجلد ، وهذا ما دعاه إلى ذكر الجوانح -دون القلب (مصدر الحنين) -ووضوح النار لو كانت حقيقية !
يا أخي : إنه أبو فراس وكفى ! الشاعر الفذ ! العاشق الصادق الوفي ! الفارس المقدام !