.
الورقة البيضاء ، كالقماشة ، تحدٍ كبير. ويبدو ان الإنسان كلما تقدم بالعمر يشعر أنه أضعف في مواجهة هذا التحدي. الآن أعيش هذه الحالة ، إذ بعد سنوات متواصلة من التحضير ، وبعد ان قرضت مثل فأر طناً من الورق ، وبعد ان استعدت كماً هائلاً من الذكريات ، أشعر أني أضعف في مواجهة الحالة الجديدة، رواية جديدة .
لابد ان أ جد طريقاً خلال الأسابيع القادمة ، تماماً كالماء تعرف كيف تجد طريقها ، لكن حتى الآن أشعر بالمأزق كالقط المحاصر ، كمن يرمي نفسه في الماء دون ان يعرف السباحة. هذه الحالة لايعرفها إلا الفنان.
الرواية الأخيرة، كاللوحة الأخيرة ، الامتحان الأصعب ، كأن الكاتب أو الفنان لم يكتب أو لم يرسم من قبل ، كأنه يتعرف على الملائكة والشياطين في آن واحد. وكأن الشرق والغرب امتزجا على درجة لم يعد ممكناً الوصول إلى أفق أو معرفة أو طريق.
لا أريد أن أكرر نفسي ، لا أريد ان أكون صوتاً من جملة أصوات ، وعليّ في النهاية ان أترك أوراقي بيضاء، أو أملأها بشيء أحس أنه نافع وضروري وجميل.
" عبدالرحمن منيف "