في عز سنوات الجفاف مررت بحقول مزهرة يانعة، خضرتها ساحرة تأسر الخواطر وتجدب الانفس ، فكان حظي منها ان امر مرور الكرام.
اردد انشودة المطر، وكلي امل في ان احيا بها وفي نفسي لا زالت غصة تتأرجح بي بين عقل المذنب والابله: فتارة تجدني مشمئزا من القساوة ، وأخرى اشعر كأنني ولدت كالطير الكاسر ، لا مناص لي عن الافتراس...افترس كل صغير بساديتي الملعونة!
وجدت فيها الوانا من الورود ، تختلف تماما كالذي بداخلي ، باقات مشكلة بشكل غريب؛ هناك ما يجري ترتيبه ، وهناك ما اتى بغير حسبان.
وجدت الوانا داكنة لنرجس وردي ، يقع في ضفاف الأفكار ، يزهر صيفا وشتاء ، ويتكاثر بالألاف ولا يحصد منه الا القليل ، تشوبه اشواك كلما اقتربت منها وجدتها ناعمة.
ورأيت كيف تتهافت الحمير على نرجس كستنائي، تعبث به كما تشاء ، وكلما قضت منه تركته عرضة لغدر الزمان.
وجهه كشقائق النعمان ، سريع التلف ، وربيعه مثقل بالآلام والجروح.
ثم بدا لي ضرب من ضروب النرجس الأبيض المائل الى الزرقة ، وهو الدي يستهوي معظم الناس ـوديع كالحمل ووسيم كالريم- يدعو الى كثرة الاهتمام والكلام والتباهي ، ويصنع حوله هالة من الشكوك .
اظنه غارقا في الغرور ، يرفع راسه بجموحه في كل واد، ويزهر بلا اغصان .
ولكنني اعيب عنه انه مقطوع النسل
لا يستمر في الحياة...