الإنفاق الأسري في ظل الأزمات الإقتصادية

[فيصل خليل]

الإنفاق الأسري في ظل الأزمات الإقتصادية

تمر البلاد العربية كافة بأزمات إقتصادية متعددة منذ سنوات قليلة، بعضها بسبب الحروب الدائرة والبعض الآخر تأثراً بما يجري في محيطها الإقليمي والدولي، ولم تسلم من هذه الأزمات الدول المستقرة اقتصاديا وسياسيا ومجتمعيا مثل دول الخليج العربي ومملكة المغرب ، والذي بسبب الأزمات المتعددة تأثرن ولو بشكل غير ظاهر للعيان.

الكثير من الشركات خسرت أسواقها المعتادة والتي كان لها نصيب الأسد في مبيعاتها، كما أن بعض الشركات خسرت جزء من مبيعاتها للأسواق الخارجية ، مما دفعها لإعادة هيكلة أنشطتها بما يتلائم مع الوضع الحالي المستجد والذي أصبح كنار الهشيم يأكل كل من في طريقه.

من الحلول التي ترد على الخاطر فوراً، هو إيجاد أسواق جديدة لتصريف المنتجات الإقتصادية، قد يبدو الحل مجديا، وهو ما فعلته الدول الأوروبية أثناء الحقبة الإستعمارية وما بعدها، لكن مع تصاعد الفوضى والعنف في المنطقة وتردي الأوضاع الإقتصادية لدول الجوار وأيضا إحاطة الدول العربية جمعاء بتكتلات إقتصادية قوية بما يشبه جدار قوي يشكل عازل لإقتصاديات الدول العربية يمنعها من الولوج لخارج نطاقها، كل ذلك يسبب كثير من المتاعب لصانعي القرار ويستنزف قدرة رجال الأعمال على إنعاش أعمالهم.

الحلول الإقتصادية صعبة وعويصة ولها أهلها وناسها وهم الأخبر في ما يدور خلف الكواليس من خطط.

لكن ما يهم نقاشه والحديث عنه، هو ما يهم كل فرد منا سواء رب أسرة أو إنسان عامل على وشك دخول بوابة الحياة، فأي آثار إقتصادية مهما بلغت شدتها فإنها تمس وتصيب أولا الإنسان العادي مسببة له الضرر قبل أن يشعر بها رجل الأعمال أو رجل السياسة.

كما قلنا تبدأ بعض الشركات عمليات الهيكلية كل فترة لمواجهة التحديات التي تواجهها، ومن اجراءات الهيكلة إما تقليل رواتب الموظفين، أو الإستغناء عن خدمات بعضهم، مما يسبب عبئ إقتصادي على باقي قطاعات الإقتصاد عبر ضخ مزيد من العاطلين عن العمل، وأيضا ضعف القوة الشرائية بالسوق المحلي مما يسبب ركود إقتصادي إضافي يعاني منه كل القطاعات.

في سنوات الرخاء، يصرف الإنسان دون حساب، مطمئنا بثقة لقوة الإقتصاد وحجم الأموال الدائرة من قطاع إلى قطاع، حيث الإنتعاش الإقتصادي يصيب الكل، فيزداد الإنفاق الشخصي والعائلي على حساب الإدخار والتوفير.

سلبيات هذا الرخاء نشعر بها في فترات الركود، حيث تشح الأموال أو تقل عما سبق، ويصبح الحصول على الشيء مكلفا إن لم يكن مستحيلاً، كما يصعب تحقيق الإنجازات على المستوى الأسري من توفير التعليم الجيد أو الزواج المبكر أو توفير مسكن ملك.

استنزاف موارد الأسرة مبكرا، يعرضها لأزمات قوية مستقبلا حيث تزداد الحاجة للأموال لتغطية المصاريف المستجدة نظرا لزيادة متطلبات الأبناء والزوجة وأيضا مصاريف البيت نفسه، بحيث يعجز عن كل ذلك بما لديه من دخل لم يزيد إلا قليلا خلال سنوات عمره.

فالإنفاق الأسري، سياسة اقتصادية بحتة من أمتلك حسن تدبيرها وقدرة على التحكم بها، عاش سعيدا سنوات عمره، ولأستطاع إنجاز العديد من أحلامه وطموحاته بصورة أسرع كثيراً من أقرانه.

التبذير في الرخاء الإقتصادي يصعب التحكم به وإيقافه في حالة الركود، فالنفس إن تعودت على أمر صعب أن تتخلى عنه بسهولة، هذا الأمر يسبب إشكالات نفسية وعائلية كثيرة، حيث تزداد المتطلبات بما يفوق الددخل المالي وعجز رب الأسرة على تحقيق الإكتفاء المادي لبيته، يدفعه مجبرا أو برضى نفسه للحصول على أموال بطرق غير مشروعة مستغلا وظيفته وحالته المادية التي يمر بها.

الإنفاق الأسري، ثقافة وسياسة يحتاج لتوعية مبكرة بداية الزواج لتأهيل الزوجين علىكيفية إدارة موارد الأسرة والتحكم بها بطريقة تضمن الرخاء والإنتعاش لهم في فترات الرخاء والركود معا، وأيضا تأهليهم على كيفية تجاوز الأزمات الإقتصادية وآثارها بما لا يعرض الأسرة لخطر الإنفكاك.

هذا التأهيل يجب أن يكون متلازما مع متطلبات فحوص الزواج وغيره ويكون بإشراف مختصين أو عبر منشورات.

ما يدمر أغلب البيوت ويسبب لها الضرر الفادح هو ما يقوم به رب الأسرة من إتباع أعمى للآخرين في إنفاقه وتبديد مصادر دخله من أن أن يتشابه مع أقرانه إن كان هو أو زوجته، سياسة التقليد هذه تبدد الأموال على أمور لا تحتاجها الأسرة فعلياً سوى من أجل أن تتشابه بالفعل مع أسرة أخرى.

الإنفاق الأسري ليس بالصعوبة لمن امتلك القدرة على التحكم بالنفس والقدر على ضبط الإنفاق في كل الحالات.

لنضع الإقتراحات والحلول في كيفية تعامل الأسرة أثناء فترات رخاء مالي وما يلاحقها من فترات ركود قد تصيبها بالشلل وتسبب لها الإنفكاك.

برأيي وعلى شكل نقاط:
• على رب الأسرة قدر الإمكان توفير مبلغ من راتب مهما صغر ليكون له معينا في الأحداث المهمة مستقبلاً، ومهما بلغ بك الرخاء والغنى عليك بسياسة توفير المال أخذاً بالمثل ( قرشك الأبيض ليومك الأسود ).

• الإقتصاد على شراء ما هو مهم ويستفاد منه فعليا وليس مجرد الشراء إرضاء لنزوة أو تقليداً للآخرين ، فمثل هذه المشتريات هي التي تستنزف مقدرات الأسرة المالية، وتسبب لها الإحباط لاحقا في حال ضعفت القوة المالية لرب الأسرة.

• مهما بلغ راتبك وغناك أو كان قليلاً ، عليك البحث دائما على مصدر دخل آخر مهما صغر هامش ربحه، وجود مصدر دخل آخر، يعينك جداً في حالة واجهتك مشاكل في عملك الأصلي كما إنه يزيد من قدرتك على التوفير وتحقيق أحلامك بأقصر مدة ممكنة.

• الإبتعاد دائما عن شراء الماركات وتغيير الأثاث بشكل دوري بما لا داع له، هذه التكاليف الباهظة من أجل حفظ البرستيج ووضعك أمام الآخرين، ستعود عليك بضرر أكبر مما تتصور في حالة قل دخلك أو انعدم.

• السفر للسياحة ضروري جدا، لك ولعائلتك ، لكن هذا لا يعن يأن تتكلف على نفسك كثيرا بالإستدانة من البنوك بفوائدها المتراكمة من أجل قضاء شهر سياحي مكلف جدا يفوق دخلك السنوي، البحث عن بدائل سياحية بأقل التكاليف يوجب عليك بلتلك الحالة حسب حجم دخلك، وليس حسب ما تسمعه من كلام الناس.

• تقليد الآخرين في نمط معيشتهم، يتعبك ماليا ويضيف عليك أعباء مادية أنت في غنى عنها ولست بحاجتها أصلاً، ضررها مستقبلي يتمثل باستنزاف مواردك ومصادر دخلك التي ربما تنعدم إن حدثت حالة ركود اقتصادي تضررت منه وظيفتك وبالتالي ستفقد ما كان بالإمكان تحقيقه لو أحسنت التعامل مع مواردك المالية.

• التصرف بحسن تخطيط وقدرة على الإنفاق مع مواردك المالية، يفيدك مستقبلا في حالات الركود والضرر الحاصل بسببها، دائما في كل عمليات الركود الإقتصادي من ينجح بتجاوزها هو من يملك المال الفائض عن حاجته.

هذه بعض الآراء والحلول التي قد تعتبر بسيطة وغير ذات أهمية حاليا، لكنها مستقبلا قد نشعر بقيمة كل منها إن أصابنا الضرر جراء الركود الإقتصادي الحاصل في المنطقة...

على المستوى الشخصي تعرضت لأزمتين خلال سنة، بفضل الله أولا وبقدرتي على اتباع سياسة التوفير أعلاه نجحت في تجاوزها بأقل الخسائر الممكنة وبدون أن يدري أحد من محيطي.

أتمنى الفائدة لكم في المقال وأرجو إتحافنا بمزيد من الآراء لنستفيد من خبرات الجميع.

بقلمي
2017-10-26
الخميس