سرداب التاجوري - منتديات أبعاد أدبية
 
معرفات التواصل
آخر المشاركات
(( شهد .. للحديث بقية ..)) (الكاتـب : زايد الشليمي - آخر مشاركة : عبدالرحمن الحربي - مشاركات : 6 - )           »          تعريفات في كلمة ونص (الكاتـب : سيرين - مشاركات : 548 - )           »          وكأنّي لم أرحل. (الكاتـب : عُمق - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 4 - )           »          اعترافاتٌ تُكتَبُ بِنارِ الرُّوحِ وقَبضَةِ القَمَرِ! (الكاتـب : جهاد غريب - آخر مشاركة : سيرين - مشاركات : 1 - )           »          غناء وكلمات قصيدة رفعت الجلسة (الكاتـب : إبراهيم امين مؤمن - مشاركات : 0 - )           »          رِيْش. (الكاتـب : عَلاَمَ - مشاركات : 6 - )           »          لعنة المزمار .. !! (الكاتـب : سيرين - آخر مشاركة : جهاد غريب - مشاركات : 19 - )           »          الهاوية التي تصعد بنا! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 0 - )           »          حوار على حافة الضوء... بين ظلّين يعرفان بعضهما! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 4 - )           »          حين تلمس السماء القلب! (الكاتـب : جهاد غريب - مشاركات : 2 - )


العودة   منتديات أبعاد أدبية > المنتديات الأدبية > أبعاد النثر الأدبي > أبعاد القصة والرواية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-12-2012, 03:06 PM   #1
مريم الضاني
( أديبة )

الصورة الرمزية مريم الضاني

 






 

 مواضيع العضو

معدل تقييم المستوى: 14

مريم الضاني غير متواجد حاليا

افتراضي سرداب التاجوري


عندما كنت صغيرة ، كنت أسكن مع أسرتي في بيت من بيوت التاجوري .
وأذكر أنني كنت أجد كلامي ، وضحكي بل وأنفاسي تختبئ بين طوب البيت القديم .
وكنت أركض حافية القدمين في دهاليزه الطويلة فتدخلني برودة الطبطاب من أسفل قدميّ وتُذهب قيظ الصيف. وفي الصباح اعتدت أن أغسل مع أمي درج البيت المتآكل بمكنسة من جريد النخل ، وعند ما ننتهي يجفف الدرجَ الهواءُ الذي يتخلل البيت من النوافذ والأبواب . وكنت أحب بعد ذلك أن أسترخي على بسطة الدرج ، وأضع خدي على الأرض الرطبة الندية ، وأشم رائحتها فتدغدغ مشاعري ، وقد يسرقني النوم هناك فتحملني أمي وتضعني في فراشي . وبعد العصر تجتمع بنات الجيران في بيتنا ونجلس على ( الدكَّة ) القريبة من باب البيت مع عرائسنا القماشية المحشوة بالقطن والمزينة بالشرائط الملونة والأزرار والكشاكش ، ثم نخرج من هذا العالم إلى عالم العرائس وقصصهن المشوّقة ، ونصنع لهن بيوتا ودواليب وأسرّة من بقايا الصناديق الخشبية الملقاة في زوايا الحارة . وحين تنعس العرائس وتنام تنصرف البنات مع عرائسهن . أحببت كل مكان في بيتنا : ( القاعة ) و ( الديوان ) و( المقعد ) والحجرات الأخرى ، خلا مكان واحد هو ( السرداب) ، وهو مكان معتم مجهول في الطابق السفلي ، مغلق بباب خشبي مشروخ ، وكنت أخشى رؤية بابه فكيف لو أنني دخلته ؟ .
بعض جيراننا قالوا : إنه نفق ضيق مهجور يربط التاجوري ب (المناخة ) وبعضهم قالوا : إنه مسكن للجن ، أما أمي فكانت تملّ من أسئلتي الكثيرة عن السرداب ولا تجد جوابا فتقول لي :
إنه نفق طويل يمتد كالعروق في جسد المدينة المنورة .
فأسألها : وإلى أين يذهب ؟ .
ـــ إلى قلب المدينة الذي يحبنا ونحبه .
فأصمت حينئذ ولا يبقى في نفسي شيء سوى تخيّل تلك العروق المتصلة بالقلب ، فيقشعر جسدي ويغمرني إحساس مبهم لا أعلم ماهيته . وفي المساء كانت أمي تعبئ ( السطل ) بالماء من الطابق السفلي وتصعد الدرج المؤدي إلى سطح البيت الترابي،
فترشُّ التراب بالماء ثم تفرش بعض الحصير ،و تضع فوقه أبسطة ، وفُرُشاً ، ووسائد لننام عليها .
كانت حكايات أمي تتفتح فوق السطح كالأزهار وأنا أحدق في النجوم البعيدة في السماء ، وأصغي إلى حكاياتها عن بلدتنا الصغيرة في فلسطين ، وعن بيوت تلك البلدة التي يحتضن كل بيت فيها ساحة صغيرة مزروعة بأشجار البرتقال والزيتون ، وعن رائحة تلك الأرض التي تتشبث بجذور الأشجار بقوة ، وعن لون ترابها الطيب الخصيب . وكانت تصف طرقات تلك البلدة التي تمتد كالأذرع القوية وتضم البيوت ، وعن سمائها الصافية ، وهوائها العليل ، وبيت جدي القديم وأثاثه المرتّب ، والسلال المنسوجة من الجريد الممتلئة بخيرات تلك الأرض ، وخبز جدتي الشهي الساخن الذي تعجنه بيديها وتخبزه في التنور. وحين تنتهي أمي من حكاياتها تبلّل دموعها خدي فتتحرك في نفسي لواعج الشوق إلى رؤية تلك البلدة . وذات مرة سألت أمي :
لو أن اليهود خرجوا من بلدتنا فهل نرجع إليها ؟ .
ــــ بالطبع يا حبيبتي ! ، أهلونا وبيوتنا ومزارعنا وسماؤنا كلهم يتحرقون شوقاً إلى رؤيتنا ، ونحن أيضا نحلم بذلك اليوم.
ــــ ولكنني يا أمي أحب بيتنا هذا .
فصمتت أمي ولم تقل شيئاً.
وذات يوم استيقظت من نومي فرأيت والديّ يعدان حقائب السفر ويحزمان متاع البيت ، و قالا:
الحمد لله ! ، خرج اليهود من بلدتنا .سنرجع إلى أرضنا و أهلينا ومزارعنا .

فذهبتُ إلى الطابق السفلي ، وفتحتُ باب السرداب المشروخ . هربتُ مع عروستي ، و اختبأتُ في ذلك المكان الممتلئ بالأخشاب والمتاع القديم والتراب والرطوبة .


ــــــــــــــــــــــــــــ
التاجوري والمناخة هما من الحارات القديمة في المدينة المنورة .
قصتي هذه هي من ضمن قصص مجموعتي القصصية الأولى( سرداب التاجوري ) التي صدرت عن دار المفردات في 1428ه

 

مريم الضاني غير متصل   رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:37 PM

الآراء المنشورة في هذا المنتدى لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الإدارة

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.