الدين أفيون الشعوب
هكذا قال ماركس متحللاً بمقولته تلك من كل القيم الروحية وكل المبادئ السماوية؛ لتقوم قائمة المسلمين علي هذا الكافر الذي ادعى وأقرانه الوجوديون أنه لا وجود خلف الوجود المادي، فأنكروا بذلك وجود كل ما لا تستطيع الحواس إدراكه، ليصبح العقل عندهم هو المرجع الوحيد، والفيصل الأكيد في كل المسائل والأمور التي تتعلق بالغيبيات.
لكني هنا لست للإغراق في جدال هؤلاء لأنه سيكون أشبه بالجدال حول مسألة هل الشمس تشرق من المشرق أم من المغرب؟ بل إني هنا أحاول فض ستار الانطباع الأول عن هذه المقولة التاريخية.. والتي نالت حظاً وفيراً من الشهرة، لكنها مُنيت بإخفاق شديد حين تم تأويلها وفق مرجعيات وأيدلوجيات ناءت بها بعيداً عن مدلولها العميق.
من هنا جاءت هذه الوقفة انطلاقاً من مبدأ مالا يؤخذ كله لا يُترك كله، فليس معني أن ماركس شيوعي علماني كافر بكل المعتقدات الدينية، والقيم الروحية أن نرفضه رفضاً قاطعاً بحجة أنه لا يأتي من الغرب شيء يسر القلب، ولكن علينا أولا إعمال العقل - أمانة الله فوق أجسادناً – لفك الغموض من حول هذا المصطلح، وأعني مصطلح الدين وكل ما يرتبط به من قيم عقائدية، والمدخل هو مقولة ماركس،
لذا دعونا نتأمل الأمر برمته بشيء من التأني. ثم نسأل أنفسنا..
هل الدين هو تلك المجموعة من القواعد والأصول والتشريعات؟ أم أن له مدلول أعمق؟
هل فكر أحدنا في معني العبادات؟ والغرض منها؟
هل فكر أحدنا في أوامر الله ونواهيه؟ ولمَ أمرنا سبحانه وتعالي بأمر، ونهانا عن آخر؟
حقاً هناك أمور لا يجب إعمال العقل فيها؛ ليس لقصور بها ولكن لوهن عقولنا وضعفها وإفلاسها، لكن هناك أمور كثيرة لابد أن تمر علي مُرشح اسمه العقل، فإما أن يقبلها أو يرفضها، والقبول والرفض هنا شيء نسبي وليس مطلقاً، يعود في المقام الأول علي مرجعية العقل نفسه وفطنته وانفتاحه، فنحن أمام مقولة لا يعنينا صدرت عن شيطان أم ملاك، فالحكمة تقتضي أن نأخذها ولو من أفواه المجانين.
لقد عقد ماركس بمقولته مقارنة بسيطة بين الأفيون ودوره في تغييب العقل، وبين الدين ودوره في تثبيط همم الشعوب، وتغييبها عن القيام بواجبها في مواجهة الظلم والاستبداد، فهل أصاب أم جانبه الصواب؟
قبل الإجابة لابد أن نتعرف علي هذا الرجل، فهو كارل ماركس، ألماني الجنسية، أحد أشهر فلاسفة العالم ليس لأنه فيلسوف لا يشق له غبار، ولكن لأنه قدم للعالم كُتيب أسماه المنهاج الشيوعي كان له بالغ الأثر في بلورة عقول رجال أشعلوا ثورتهم البلشفية في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين فغيروا مجرى التاريخ وأطاحوا بالإمبراطورية الروسية وأسسوا الاتحاد السوفيتي الذي انهار فيما بعد بين ليلة وضحاها على يد رجل البيروسترويكا والجلاسنوست.. جورباتشوف،
فهل يصلح أن يكون هذا السقوط أو الاستمرار في الصين وكوبا.. هل يصلح أن يكون معياراً على صدق الفكرة؟ أم أن الخلل كان في القصور بين النظرية والتطبيق، بعيداً عن الدين أو أي معتقدات سماوية؟،
فحين نقول أن الصبر مفتاح الفرج فنحن أشبه بمن يتعاطي أفيوناً يُغّيب عقله، ويُذهب همته لمواجهة الفساد وتصحيح الأوضاع المقلوبة، هذا ما كان يعنيه ماركس، والسؤال مرة أخرى هل أصاب أم جانبه الصواب؟
قبل التسرع بالحكم، والتمسح بالصبرلابد أن نواجه أنفسنا بحقيقة ماذا لو كان المفتاح موجوداً منذ الأزل..
بينما باب الفرج.. يحتاج أكثر من مفتاح الصبر؟