فوضى خضراء ..

[منى آل جار الله]

كيف تولد الأوطان
بكفوف مخضوبة بالحناء وصوت المذياع يتحدث عند الساعة العاشرة صباحا ، كانت بنت مفلح تخضب شعري بالحناء
ولكثافة شعري المتموج كنت اتململ بهدوء وازحف عنها ببطء لعل الأمر ينسيها وجودي في ظل اختي التي تعشق الحناء وساقي التي تطلب امتطاء الريح بعيدا
عن كل تلك الطقوس واسمع وقع أقدام الجارات اللاتي بادرت أمي بدعوتهن للقهوة لقضاء الضحى بين ركعتين وضجيج الجارات ..
كانت بيوتنا متاحة للجميع واليوم حتى الواتساب غير متاح بدعوة الخصوصية .. كان العتب باب للمحبة والزعل مفتاح للتراضي
والصغار يطوفون بالبيت كالفرح وبقايا ضحكاتهم مصابيح للمساء ..
اليوم بباحة مدرستي انظر للطالبات بحب تارة وأخرى حائرة كما مضى من العمر لينقرض الأحساس المترف هذا ..
صديقتي المقربة التي سكنت بقربي منذ عامي السابع لم تعد كما عهدتها بل أصبحت تتهرب مني في كل لقاء وتسدل الستائر على المرايا لأي صدفة قد تجمعنا ..
بعض الخيبات لاتخفيها حتى الكفوف وقرأت ذات مرة :" لايهدم المودة بين شخصين إلا ثلاث : كثرة الخطأ، وكثرة الكذب ، وقلة الاهتمام "
وأن الروح تميل لمن يقاسمها الأيام الجارحات .. اعرف تماما مامعنى ان ينظر المرء بخيبة لذات الأمور التي حدق فيها بأمل
ولكل تلك الضغائن التي تسكن بالقرب من مدفأة أيامي تركتها لله ولأمي التي جعلت منها بردا وسلاما بقلبي .
وزرعت بي وطن لا يغفر للبعض ويتسع للبعض ويدفن البعض أيضا بالقرب من الضغائن التي احتطبت أزمان على أضلعي
دوما أحمد الله على الذين غادروك بجرح أو بتلويحة مهما كانت تذاكرهم التي غادروا بها سواء باهظة الثمن أو رخيصة في ظل الوضع الراهن للتذاكر والتخفيضات الوهمية لليوم الوطني
لو ان لحياتنا موسم تخفيضات في عز احتفالنا بذواتنا واستقلالنا عن الكل كما اليوم الوطني الذي يفتح نافذة على العالم الداخلي والخارجي ويخرج أجمل مافينا وأسوء مافينا بدون مبالغة تذكر أيضا
اللون الأخضر لون مبهج كما الحناء لكن بعد يوم سنرى اللون المشع الذي خط بالأمس في كفوفنا
صديقتي التي هجرت مخدعي .. وهجرت السطور .. وهجرت الوطن .
أخبرك فقط ياصديقتي : ما رأيته يؤهلني كي أكون مقبرة جماعية بدون حداد .. انتظرتك كثيرا كي أنثر على صدرك كل الحسرات كي تزهر أوطان بي .. كيف تنتهي تلك العلاقات بعد كل ذلك
كيف يتسرب الأصدقاء منا كحفنة ماء من اليد ..؟
فويل للقاسية قلوبهم .. أماه .. مابال ابنتك المعتلة ولا زلتُ أجهل الذي بيني وبينك لكن الشيء الواحد الثابت أني دوما أعود منك مهزومة تماما
اليقين أن هناك أشياء بالحياة لايغتفر العبث بها ..الأرواح التي تسكن بالقرب من أعمدة الإنارة هي خائفة تأخذ قيلولة وهي واقفة
يقول محمود درويش :" لا احد يعود إلى مرآته الأولى إلا ليهرب من ذاته الأولى إلى ذاته الثانية أو ليقفز من وجهه إلى قلبه ومن قلبه إلى ماضيه
ولكن الماضي لا يصلح للإقامة الدائمة ، بل لزيارة ضرورية ، نحاكم خلالها أفعالنا ، ونجس ما في الزمن من تاريخ ونسأل : هل كنا جديرين بأحلامنا الأولى ، واوفياء لأرضنا الأولى " .

مُدانة لي تلك الصديقة .. لقد رحلت بأعواد الثقاب في حين أن موطني بللني بالوقود كي أشتعل ..
لذلك لم يعيروا اهتمام للدخان المتصاعد من فاه مداخني