التسمية هنا لم تأتي مجازاً او نتيجة احتفاء محب ، وإنما اتت واقعاً وحقيقة استندت لذلك الارث المعرفي والشعري الكبيرين اللذين يتكىء عليهما الشاعر المبدع / عبدالله بن حديجان والتي اخذت به إلى تشكل تجربته ونضوجها بشكل متدرج وواعي ووصولها مبهجة الجوانب والملامح الابداعية .
ورغم انني ادرك ان التعاطي الكتابي وتحديداً مع الشعر ‘ عادة مايكون عرضه وفي متناول الكثير من التكهنات والتأويلات التي قد يذهب اصحابها إلى التشكيك في مصداقية الكاتب والدخول في نواياه إلا انني أنأ بنفسي عن مثل هذه المنزلقات والمآخذ ، واكتب وانا اعي قيمة الكلمة متى ماكانت في مكانها وتعاطت مع العمل الماثل امامها بكل انصاف وحياديه ورغبه صادقه متجرده من أي تأثير وهو ما اجده هنا وانا اتعاطى مع شي من تجربة هذا المبدع المنتمي لـ قبيلة الشعر .
فـ الشاعر عندما يأخذ على عاتقه الاعتناء بتجربته والتعب على نضوجها وتشذيبها وجعلها في منأى من أي قصور او شوائب قد تعتريها وتسهم في اهتزازها وعدم وضوح ملامحها ، فإنه يدرك انه امام عمل عظيم ومظني جداً يتطلب الكثير من الوقت والمساحة والجهد البدني والذهني والفكري مجتمعه ليشكل بالتالي معالم وتفاصيل تجربه مبهجه يُشار إليها ويقتدى بها فيما بعد .
ولعل الشاعر المبدع عبدالله بن حديجان قد ادرك ذلك وتنبه له مبكراً وقراء جيداً المشهد الشعري من حوله وابحر في تجاربه المختلفه وتحديداً المحرضه منه ومارس مع موهبته ووعيه دور الموجه والناقد والمتلقي في نفس الوقت ، ليتبين صورته امامه قبل أي احد ولـ يقراها جيداً دون رتوش او إضافات او رؤى قد تتأثر بفعل عاطفه او عدم درايه وتعمق ، لـ يخرج في النهاية بحصيلة انطباعية شخصية حول معالم تجربته وتوجهها وشخصية هذه التجربة من جميع جوانبها ، وهو هنا يؤمن باهمية قراءة الذات بعيداً عن أي مؤثرات وانها الاقرب والاصدق لسبر وتبيان صورة العمل الانساني الذي يسعى مٌنتجه إلى وصوله في ابهج وانضج صوره الابداعية وكأنه يٌمارس مع نفسه جلد الذات الايجابي للوصول إلى افضل النتائج واصدقها .
فمن قرأ الشعر جيداً ليلة ظهور عبدالله "بشاطي الراحة" يدرك جيداً ان هذا المبدع لم يحضر مجاناً او لهدف ايصال صورته واسمه وإنما لاجل ان يبرهن ان الشعر لايزال يتنفس وبكامل عافيته وبهجته وان الشاعر الحقيقي يجب ان يكون منصفاً مع الشعر وذائقته بعيداً عن أي اعتبارات او مكاسب قد يجنيها فيما بعد لانه امام حدث يُعنى بالشعر كما هو توجهه . والظهور هنا مُحاط بخطر المجازفة إن لم يكن الشعر هو مُسيره وموجهه الاول والاهم .
وإنطلاقاً من هذه الاعتبارات حضر عبدالله بشكل استثنائي قدمه كـ شاعر مدهش يشد المتلقي ويأخذ بيده إلى مواطن الشعر وفضاءاته الرحبة بعيداً عن أي ملل او فتور او تكرارية مُقيته وعرف كيف يتماها ويأخذ بيد قصيدته إلى قلوب المتلقين قبل اسماعهم من خلال إلتصاقه وحميميته بقصيدته وكيفية نثر ابياتها على شكل حلوى يتعاطاها المتلقي بشغف وإنشداد لاينقطع في خضم بحثه عن المزيد ، مدركاً ومجسداً ان الكلمة الفصل والبقاء للشعر وهو ماحدث في تلك الليلة الحالمة شعراً والمنصفة لقيمته والآخذه به من أي امتهان قد يُمارس ضده .
وهذا هو ماينشده أي محب للشعر ومنصف له . فـ كل الدعوات والاماني لهذا المبدع بالتوفيق وحصد مزيداً من النجاحات والتي هي في النهاية تصب في صالح نصرة الشعر وإبهاج محبيه .