الورقة رقم " 1 "
ما الذي أحاول أن أقوله ؟
أحياناً أشعر أنني أقول كلاماً غير مرتب ، وأحياناً أقول كلاماً قد لا أفهمه .
هل يجب أن يكون لكل شيء معنى ؟!
هل أحاول عبر هذه الأوراق ، والتي لا أدري ما الذي سأقوله فيها لاحقاً ، أن أعالج نفسي ؟
هنالك من يرى أن الكتابة علاج ، وهناك من يقول إنها المرض !
كأن هذه الأوراق عيادة طبيب نفساني ، وعند الكتابة أستلقي على أريكته الأنيقة لأثرثر .
سيسألني عن علاقتي مع أمي ، وعن أول علاقة جنسية مارستها في حياتي ، ومع من مارستها ؟.. يخيّل لي أن الأطباء النفسانيين مجموعة من المرضى ، وأولهم السيّد " فرويد " .
كأنني سمعت وقع أقدام في ممر الدور الذي أسكن فيه !
* وقع أقدام في الممر ؟!.. أهاه !
والله لا يوجد من أصوات سوى تلك الأصوات التي تعبر في ممرات رأسك .
أنهض من مقعدي وأذهب إلى الباب لأنظر عبر العين السحريـة :
" إنه أحـد الجيران " .
* أي جار ؟!.. لا يوجد في هذا الدور سواك ، بل يخيّل لي أنك الساكن الوحيد في هذا المبنى بكافة أدواره الثلاثة . ألم تفكر ولو للحظة أن المبنى بأكمله قد يكون ملكاً لـ" الجهاز " ؟!
أردت أن أعود إلى مكاني لأكمل ما كتبته ولكنني لم أستطع ..
أنظر إلى منفضة السجائر " واحدة .. اثنتان .. ثلاث ... سبع سجائر في ساعة " !
أشعر بأمر مريب .. أنهض من مقعدي لأتفقد غرف شقتي الصغيرة بقلق .
أرفع طرف ستارة نافذة الصالة المطلة على الشارع :
" لا شيء " .
ألمح وجها ً يفزعني .. إنه وجهي في المرآة المثبتة فوق المغسلة ..
أنظر إلى وجهي في المرآة ، وأسأله : من أنت ؟
يقول لي : أنا .. أنت !
أرد بعصبية واضحة : ولكنك لا تشبهني ؟
يقول لي بهدوء : اسأل نفسك من الذي تغيّر فينا ؟.. ثم ستكتشف من الذي لم يعد شبيهاً بالآخر .
قلت له : أنت .. أينا ؟!
قال لي : أنا .. جميعكم !
قلت له : لا تراوغ ...
قاطعني بغضب : لا أراوغ !.. أنت الذي علمتني المراوغة . لم أكن سوى وجه محمد الوطبان ، والآن لا أدري هل أنا وجه محمد الوطبان أم وجه فارس سعيد أم وجه أبو معاذ .. أم أنني وجه رابع تخفيه ولا أعرف اسمه !
وأضاف : ولكن .. قل لي أنت .. من أنت ؟
قلت : أظنني .. أنت .
وانتهى الحوار بيننا ، ونحن لم نعرف أينا الآخر ؟
* يا إلهي .. هذا جنون !.. أنت الآن تتحدث مع نفسك ..
ـ لن أرد عليك .. أنت لست موجودا ً أصلا ً ..
* أضحكتني !.. هل صدقت الكلام التافه الذي يقوله لك طبيبك ؟.. لعبت برأسك أقراص الأدوية التي تتناولها وجعلتك تنكرني الآن !
ـ أسكت .. أســـ .. كـ .. ت .. أخرج من رأسي أرجوووك ..
أعود إلى أوراقي ، وأتذكر أول مرة سمعت فيها صوتي في جهاز التسجيل :
أنكرته !.. حدثتني نفسي : هذا صوت شخص آخر . صوتي ليس أجمل من هذا الصوت ولا أقبح ، ولكنه ليس هذا الصوت الذي أسمعه الآن عبر جهاز التسجيل .
أين صوتي الحقيقي ، ومن أين أتى هذا الصوت الذي لا يشبه صوتي ؟!
لابد أنني كنت أراوغ المايكروفون الصغير في المسجل ، وهذا ما فعلته مع المرآة قبل قليل . كنت أراوغها .. أظن أن لي الكثير من الوجوه والأصوات الاحتياطية المخبأة داخلي ، وأدعوها للظهور عندما أشعر أن الأشياء تراقبني .
أعدت قراءة ما كتبته في ورقتي الأولى ، وضحكت كثيراً .. ضحكت بصوت مرتفع، وذلك عندما وصلت إلى عبارة (حدثتني نفسي) .. حدثتني نفسي ؟..
إذا من " أنا " ؟!.. وأينا " نفسي " ؟.. ومن الذي يستدرج الآخر للحديث ؟!
* أرجو أن لا تظن أنني " نفسك " !
نهضت من المقعد ..
ذهبت إلى الثلاجة ، وأخرجت أقراص الفاليوم ، وألتهمت ثلاث حبّات .. لعلي أنام .