انظري، أنا أمسِكُ بِ الهواء../!
فتحت قبضةُ يدها بِرفقٍ طفوليّ، وتطايرت أدخنةُ الجثّة المحروقة من يدها ../!
موهنٌ جداً يا الله أن تجعلني كلّ هذه السنون أنثى مُجرّدة من فطرةٍ فطرتَ الترابَ قبل الماء عليها، متعبٌ حدّ البلادةِ أن تسيّرني بِ رغباتٍ عشوائيّة حتى أفنى وأنا موشومةٌ بِ عارٍ لِ ذاكرةٍ وضيعة جداً، نتنةٌ حدّ الإختناق، تذكرُ كل مقيت، وتنكرُ العشير كما في السّلفِ الطالح!، هل يجوزُ لمثلي أن تقولَ دونَما ارتجافٍ عقائديّ، بَ أنّ كل هذه العطاءاتُ العاطِلة قد نخَرتْ من عظمي كثيراً وأنا أمَنّي أحلامي بِ فردوسٍ لا حرامَ بها ولا اقتصاص ../!
ياربّي قد مللتُ مقامي بين هذه المكتظّات المتكدّسة، وقد حَزِنتُ ما شاءَ الحُزنَ منّي؛ وَ توعّكَ جسدي بِ عددِ مامضى لهُ فوقَ الترابِ ضِعفاً، وبدأتِ الأوجاعُ تتساوى في داخلي حتى وقدِ إلتحمَتْ بِ أعضائي!؛ ولا يخفاك يا الله بَ أنّ أهليّتي لِ القادمِ من جحافلُ التشرّد وكتائبُ الأرصفةِ العارية لا طاقة لها في داخلي لِ أبعد من هنا، ونقطة.. انتهى ../!
طيّب، لكِ يا ماما؛
يامن لا تعرفين الطريقَ إلى هذا المكان ولا تتخيّلينَ أنهُ يمكن أن يكون، يا مَنْ تخالين لا وطَنَ لي سوى بيتنا المألوف بِ فوضاهُ الدافئة ورائحةِ العودِ المحترقُ بِ أمسياتِهِ الباسمة.. و منضداتهِ اللتي تصغر كلما تضخّمت السنون في أجسادنا، يامن تؤمنينَ بِ اعتناقي لِ غرفتي العتيقة والمتهالكة والمعطوبةِ في زوايا لطالما شهدت مشاكساتي والهواء حينما اعتزلُ عقلي، و أصدّقُ بَ خَبلٍ وعُته أنّني [ أقدر أطير ] ../!
لكِ يا ماما؛
و لأحضانُكِ التي اغتالها بردٌ أحدُ أسبابِهِ أنني "كَـبُرت"؛ وأنكِ قد مللتِ !، لكِ و لقبلاتِ الزمنِ في أطراف عينيكِ، ولرائحةُ بارفانكِ العتيقُ جداً (Nude) في جسدكِ الذي يصغرُ كلما تقدمتِ في أحلامكِ بنا، لكِ ولقناعاتكِ بأنني أصلحُ أن أكون مثلكِ يوماً ما، لِ سجّادتُكِ المعلّقة في سماء وترٍ أو قيام، لِ تلفازُكِ المقدّس و (بابُ الحارة بأجزاءه)، لكل قطع الحلوى التي تصنعين وتخبئينها عن بابا، لكِ و يداكِ الأقربُ لِ الجنة، الأبعدُ من الحناء، لكِ ما سيأتي ../!
أنا كما تحلمين وتسائلين الرّب عني، كما وأني أخرى
لا تعرفين ../!
صبيّةٌ حمقاء، أنثى بِ أشغالٍ ناضجة، لا تقتربُ من طفولتي في عينيكِ أبداً، أنا لا أشبهُ ابنتكِ ال تعرفين، تسكنني أخرى، تصيبني بِ نجَسٍ كلما عادت لِ بيتنا المألوف/ الدافئ/ الحميم/ الخاصّ/ والوطن !، فتاةٌ ليلها يتصيّرُ محموماً متى طرأ لها أن تكبُر حدّ التّأنث، فتاة تفهمُ الأشياء المعقّدة التي تخبئين عنها في أحاديثُكِ الجانبيّة مع صديقاتُ الشاي وقطع الكعكِ الأسمر، أخرى تتقنُ الأفعالَ التي لا تعلمين أنتِ نفسكِ عنها، وتمارسُ الأحداثَ التي قد تصيبُكِ بنكسةٍ نفسيّة (واميلُ لِ اعتقادِ أنها حادّة ايضاً) لو علمتِ أنها موجودة على هذه الحياة التي نعيشها في آنٍ معاً وإلى جانبي ايضاً ترقدُ كل ليلة../!
اجل يا رائحة العطر العتيق، أجل يا أحلامكِ الكبيرة و قناعاتكِ المؤجّلة لا ادري إلى متى، تخيّلي أنّ كل هذه اللزوجة الوحليّة قد استشرت في طفلتكِ عاشقةُ الحلوى، التي تكرهُ رائحةُ البحر وتدمنُ الصحراء والنّارَ و
القهوةُ الأمريكيّة في وسطِ البدائيّة (مع كل شتاءٍ برّي)، ولا ترضى بِ فراشٍ غير سيّارةٍ مغلقة ../!
كم ارتبكِ الآن وأنا أكتبُ هذه الأشياء؛ ولكن تباً، لن تقرأيها ولو شاءت الأقدار،
وإن قرأتِ، فَ لن تصدّقي هذه الترّهاتُ عني، فَ لازلتُ طفلتكِ التي كبُرت، ومللتِ منها، وخبئتِ حلواها عن والدها، و عتّمتِ عنها احاديثكِ المحرّمة مع صديقاتُ الشاي والكعك الأسمر ../!
* معقول تصدّقين هـَ الحكي عنّي - منّي ../!