سَاعَةٌ مِنَ التَّوَاصُلِ المُبَاشَرِ | [8] | أَبْعَادُ الشِّعْرِ الشَّعبي
(القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة)
من الصَّعب أنْ نختصر الحديث عن القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة في سطور قليلة؛ نشرح فيها نشأتها والعوامل الَّتي أدَّتْ إلى انتشارها الواسع في مطلع الثمانينات، وأنْ نُوضِّح الأسباب الحقيقيَّة الَّتي ساهمتْ في انحسارها إبَّان السَّنوات الماضية، وكذا من الصَّعب الحديث في عُجالة عن رُوَّادها، وعن الصِّدام الَّذي نشأ بينها وبين القصيدة الكلاسيكية, وعن كثير من المواضيع المُهمَّة الأخرى المُتعلِّقة بها, مثل: تعاطي الصَّحافة معها في البداية باهتمام بالغ، ثمَّ تهميشها شيئًا فشيئًا وإهمالها, وتراجع النُّقَّاد عن دورهم في إكمال تطوُّرها الطَّبيعي ومُتابعتهم لها واعتنائهم بها, وأيضًا ردِّ فعل الرُّوح الصَّحراويَّة الَّتي شبَّتْ على التَّشبُّث بالقصيدة الكلاسيكية ومُقامة الحديثة, والَّذي يُفسِّره بعضهم بأنَّه أمر منطقي؛ يعكس مدى تشبُّث المجتمع بما أفرزته القبيلة والبيئة والتُّراث الصَّحراوي وبُمفردات حياة البداوة القديمة بكلِّ دقائقها وتفاصيلها، ومقاومة كلُّ تلك العوامل للعولمة بكلِّ أشكالها وألوانها, وظهور كثير من المُحاربين للقصيدة الحديثة؛ جهلًا بها أو تشبُّثًا بالقديمة.
كثير من البرامج الإعلاميَّة الرَّبحيَّة؛ تتَّكئ على الجاهزيَّة والسُّرعة في الطَّرح وعلى القصيدة المُستهلكة، ولا تبحث عن التَّحديث، ولا تشجع التَّجديد، ولا تتبنَّى الابتكار والتَّجريب. وأغلب الدَّلائل تُشير إلى أنَّ القصيدة الحديثة تشكَّلتْ ملامحها في الوطن العربي في مطلع الثَّمانينات؛ مُتأثِّرة بالتَّجارب الجديدة في الشِّعر الفصيح وبالأدب العالمي عُمومًا؛ حيث كانتْ الطَّفرة الحياتيَّة الكاسحة، واجتياح العولمة لكلِّ مظاهر الحياة المُعاصرة؛ عاملين أساسيَّين ساهما في ظهور القصيدة الحديثة في مجتمعاتنا العربية كافَّة، ومع أنَّ جميع من كتب القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة يشتركون في إيمانهم بضرورة التَّجديد؛ إلَّا أنَّهم سلكوا فيها مستويات مختلفة وأشكالًا عديدة ومُتنوِّعة؛ فمنهم من كان غارقًا في الرَّمزيَّة، ومنهم من كان مُجدِّدًا من حيث التَّركيب والشَّكل، مع الحفاظ على القافية والوزن وملامح القصيدة العموديَّة، ومنهم مَنْ تخلَّى عن كلِّ ما تلتزم به القصيدة العموديَّة، وتحرَّر من كلِّ قيودها؛ رغبة منه في تطويع المعنى، وفي ابتكار صور جديدة، وغيرها من أشكال التَّجديد في القصيدة؛ من حيث جسد النَّص وغرضه ومضمونه.
كان لصوت كثير من الفنانين العرب -أمثال: العملاق (أبو بكر سالم)، وفنان العرب (محمد عبده)، وصوت الأرض (طلال مداح)، و(عبد الكريم عبد القادر)، وغيرهم- دور رئيس في نشر القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة وإشهارها. كلُّ هذا التَّغيير، وهذه الطَّفرة في كتابة القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة في الخليج؛ جاء مُتزامنًا مع التَّجارب المُشابهة في الوطن العربي الكبير؛ فسرتِ الموجة وانتشرتْ في العراق واليمن ومصر وغيرها من الدُّول، وأكثر ما أذهلنا -من تلك التَّجارب- الأنموذج (الرَّحباني - الفيروزي) النَّاضج في لبنان، والَّذي سرعان ما ذاع في معظم أرجاء العالم وانتشر واشتهر؛ فرفع من القيمة الفنِّيَّة للقصيدة الشَّعبيَّة الحديثة ومن مستوى تذوِّق الجمهور لها وإقبالهم عليها.
وفيما يلي، وعلى سبيل الذِّكر لا الحصر، نُورد بعضًا من الأمثلة للقصائد الشَّعبيَّة الحديثة الَّتي غنَّتها فيروز:
بكرا إنت وجايي رح زين الريح
خلي الشمس مراية والكنار يصيح
وجمع ناس وعلي قواص
بكل شارع ضوي حكاية
بكرا إنت وجايي
إنت وجايي يا حبيبي
***
يا ريت منن مديتن ايداي وسرقتك أيه أيه
لأنك إلن رجعتن ايداي و تركتك حبيبي
ندهتك خلصنى من الليل و يا ريت
نرجع إلنا أشياء نحبا و عنا بيت
صدقني لو بقدر أتحمل عذاب الأشياء كلا ما كنت فليت
و لا كنت حرقتا حياتي و حرقتك
إذا رجعت بجن و إن تركتك بشقى
لا قدرانة فل و لا قدرانة أبقى
شو بكره يا حياتي لما بشوفا عندك
يا بتحرمني منها يا بسرقها سرقا
و شو قالوا يا عمر حلو و ما دقتك
***
وَينون
ركبوا عربيات الوقت وهربوا بالنسيان..تركوا ضحكات ولادن..
منسية ع الحيطان..
تركوا لي المفاتيح..تركوا صوت الريح..وراحوا ما تركوا عنوان..!
وَينون وَينون
وين صواتُن وين وجوهُنوَينون
صار في وادي بيني وبينن
آه وَينون
عشاق الطرقات افترقوا لا حكي لا مواعيد
أنا وحدي صوت الشوارع أنا طير القرميد
هربت بهالليل من مربط هالخيل
وأنا قلبي للحزن الوحيد
وَينون وَينون
***
يا أهل الدار طعمونا
يا أهل الدار و اسقونا
بيعونا شي بيعونا يا أهل الدار
يا أهل الدار طلوا طلوا الحبايب
شعلانه النار والسكر قلبو دايب
يا أهل الدار دارت فينا العلية
والورد زرار حنو عالورد خطية
ويا بنت الجار لا تجوري كتير عليي
صار اللي صار والعمر الطيب طايب
***
وثمَّة أمثلة كثيرة على القصيدة الخليجيَّة الشَّعبيَّة الحديثة؛ نُذكر منها:
حبيبي يا حبيبي ..
كتبت اسمك على صوتي ..
كتبته في جدار الوقت
على لون السما الهادي .. على الوادي
على موتي وميلادي ..
حبيبي لو ايادي الصمت .. خذتني لو ملتني ليل
حبيبي ياحبيبي
انا عمري انتظاري لك
لاتحرمني حياتي لك ..
وترحل .. صرختي .. وتذبل
***
مُذهلة ..
تملأك بالأسئلة ..
ليه كل معجز مر هذا الكون .. فيها له صلة ؟؟
ليه كل شي فيها تظن انك تعرفه .. تجهله !؟
ليه كل (لا معقول) فيها ورغم هذا تعقله !؟
طيبها .. قسوة جفاها ..
ضحكها .. هيبة بكاها ..
روحها .. حدة ذكاها ..
تملأك بالأسئلة ..
مُذهلة
***
وغيرها كثير وكثير من الأمثلة الَّتي لا يسعني حصرها هنا أو ذكرها.
***
أحبَّتي الكرام: لن أطيل عليكم، وأدعوكم إلى محاور النِّقاش:
1- أيهما تفضِّل القصيدة الكلاسيكية أو القصيدة الحديثة؟ ولماذا؟
2- ما هو الخطر الذي قد يسببه تراجع القصيدة الحديثة وطغيان النَّمط الكلاسيكي -أي القصيدة القديمة- عليها في السَّاحات الأدبية؟
3- ما هي الأدوات التي يجب أنْ يمتلكها كاتب القصيدة الحديثة والتي تُخوِّله كتابة قصيدة حديثة؟
4- اختلاف مستويات الفهم لدى القارئ قد يظلم القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة؛ فإلى أيِّ مدى يُمكن أنْ يكون هذا الاختلاف عائقًا في طريق القصيدة الشَّعبيَّة الحديثة؟
5- ما السَّبب في تراجع انتشار القصيدة الحديثة في رأيك؟
6- ما هو دور النَّقد في إبراز القصيدة الحديثة؟
7- ما الذي يجعل من القصيدة الحديثة قصيدة نخبويَّة؟